الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خيط الريح// قصة قصيرة

حليمة زين العابدين

2013 / 2 / 19
الادب والفن


ذات أحد مشمس، استيقظت على غير عادتي، أشعر بفرح يغمرني وبطعم للحرية انتشي له. أرشف فنجان قهوتي الصباحي له لذه غير معتادة... ذكرتني بلحظة موغلة في القدم، انفتح باب السجن الكبير، أخرج منه وبيدي ورقة الخلاص، ركبتاي ترتعشان من اهتزاز الفرح بين أضلعي. أجلس في مقهى غير بعيد، أشرب فنجان قهوة مرة، أتأمل الورقة، شبيهة تماما برسالة رقمية توصلت بها ليلة ذاك الأحد. غرقت في مقابلة بين يوم أحد أعيشه وأحد مر عليه ربع قرن وبضع سنوات، نفس الإحساس. متعة التحرر من قيود اختارتني وأخرى اخترتها.
رن الهاتف على الطرف الآخر، رشيدة تقول:
_ إني بفينسيا أنتظرك ومعي تذكرتَيْ السفر.
في الموعد بالضبط كنت إلى جانبها بالمقهي، أنيقة كعادتها، عيناها ضاحكتان، وكأن الزمن وقف هناك، هي ذاتها من عرفت طفلة وكنت أنا يومها، امرأة تئن من ثقل حملها. رشيدة انضافت لعمرها أعداد والقلب منها يرتعش للمطلق، يرتجف من أيام متقلبة، وبين والفعل والفعل، تصر الطفلة على حب الحياة. أمامها فنجان قهوه كبير. سألتني الناذلة وابتسامتها تملأ المقهى فرحا:
_ما تشربين ؟
_ قهوة كريم تيري بالشكلاط
_ مثل صديقتك؟
_ فنجان أصغر. أريد أن يكون وداعها في حجم نَفَسين من سيجارة، أرشفهما قبل وصول القطار، يكون الكأس فارغا والسيجارة خمد دخانها.
القطار القادم من فاس ممتلئ عن آخره، لا فسحة ببمراته تسع قدمي وصديقتي.
_ كيف يمكن أن نجد أسماء وسط هذا الازدحام؟
_ أخبرتني أنها بالمقصورة "س" وهذه المقصورة "س" وهي غير موجودة بها.
_ متأكدة أنها أخذت نفس القطار؟
_ نعم، تعالي نبحث عنها؟
سرنا خلف سائق العربة المقصف، يفسح لنا الطريق، يتحرك نتحرك، يقف نقف، نتفحص الجالسين والواقفين، قد تكون في زاوية ما. لم نكد نجتاز المقصورة الثانية حتى كان القطار في مرمى وصولنا. وقفنا بالمحطة ننظر يمينا ويسارا بحثا عن أسماء بين المسافرين الصاعدين القطار والنازلين. خلت المحطة إلا منا.
_ كان عندي شبه يقين أنها ليست على متن هذا القطار، لو كانت به، لرأيناها تراقب وصولنا من باب المقصورة المتواجدة بها.
_ لو عرفنا، كنا أخذنا القطار "المكوك". كنا على وشك الاختناق في هذا القادم من فاس.
_ انظري أرى امرأة قادمة من مؤخرة القطار لعلها هي.
كانت تتقدم نحونا، يسبقها شعاع ابتسامتها.
_ صديقتاي، كان القطار مختنقا بالركاب، وقلت في نفسي عند الوصول سنلتقي. سرحت عيناي في الرواية التي بين يدي ، لذة القراءة نشبت مخالبها في، أوشك القطار أن يذهب بي إلى مراكش لولا أن نبهتني المرأة الجالسة بجانبي.
تضحك نضحك.
بمدخل المحطة، كانت بانتظارنا لطيفة ونزهة، نزلتا قبلنا بقليل من القطار القادم من الجهة الأخرى. لطيفة صداقة عريقة في التاريخ، وإرث جميل بقي لي من صديقة رحلت عن عالما، ونزهة عرفت الإسم، وارتويت من نبع فكر ثري على حائطها الفيسبوكي، كنت أحببت روحها المحلقة فوق جدراننا بالحب بالسلام بالعطاء في سخاء لا يجد الحدود، لم أربط بينها وبين نزهة صديقتي الافتراضية التي أحببتها فكرة مجردة، صنعت لها بذهني صورة، صورة جميلة وكانت بالواقع أبهى وأرق وأجمل من رسم الذهن وتمثلاته.
ونحن ننتظر صديقتنا رشيدة لتوصلنا إلى بيتها، نعم هما رشيدتان، الأولى روح هائمة تبحث عن الجميل في عالمنا والثانية روح استوطنها عشق القراءة، عشق الإنسان... كنا نضحك من كلامنا وكأن المحطة لنا وحدنا، وكأن كل واحدة منا تنثر ضحكاتها زهرات بين أحراش من أحزان تعشوشب سامقة في دغل نفسها. هكذا خيل لي.
وجهي خائن، شيعت صباحا أعز كائن ومشيت لا ألتفت ورائي، لا أعرف في أي ركن من خلاء دفن، لقطات فيلم تعود مسرعة للخلف، جرح ينزف بداخلي لا مخرج لدمه، امتص مغصي والكثير من الألم وأضحك.
أوقفت رشيدة سيارتها، عانقت الواحدة تلو الأخرى منا، شدت وجهي بيديها تقول:
_ تعرفين يا حليمة أن في الكثير منك!
_ قد نتشابه يا رشيدة في كل شيء الا الغباء، ليس في الكون غبي يسبح في نفس ماء النهر أكثر من مرتين سواي.
ضحكنا... ضحكنا كثيرا.
استقبلنا زوج رشيدة وأبناؤهما بالكثير من الحفاوة... شغل جهاز الموسيقى وضع بين أيدينا حاملات لها متنوعة. البيت منفتح على الحياة، ألوان جدرانه من صباغة زاهية، أفرشة موردة، تحف فنية وضعت بإتقان فوق حاملات من عود صقيل هو ذاته عود مكتبة تغري بالغرق واللاعودة منه. كل البيت يبتسم...
في الصالون المشرق بشرفاته المشرعة على حديقة سامقة النخيل، كانت مائدة تنتظرنا، معدة سلفا بأطباق حلويات وكؤوس عصير الفواكه.
_ هي عادتنا نستقبل ضيوفنا بالحلوى: قال زوج رشيدة، وأضاف ضاحكا لا تأكلن منها كثيرا، فانا سآتيكن حالا بقصعة الكسكس صنع يدي، هيأتها لزوجتي وصديقاتها.
كان الفرح بحجم صداقتنا. "اليوم يوم مهرجان الحب" قالت رشيدة الهائمة. وكان مساؤه حفلا بعيد ميلاد صديقتنا أسماء. مفاجأة أحكمت إتقانها رشيدة القارئة وزوجها. طفلة كانت أسماء وقد نسيت كل هموم الأم والزوجة والأستاذة، ونسينا همومنا الكبيرة والصغيرة. توقفت لحظاتنا عند حد الفرح... كانت أسماء تغني ونغني معها. نرقص جماعة وفرادى. فجأة، توقفت نزهة عن الرقص حملت حقيبتها يدها، تلوح من عينيها إشارة وداع مباغث. لم تنتظر رد فعلنا، سحبت من الحقيبة علبة ملفوفة بسلفان ملون، قدمتها لأسماء. من فرط اتساع عينيها من بهجة ودهشة توقف كل شيء. توقف انسياب الموسيقى توقف رقصنا، ننظر إليها تسحب بتكتيك محكم خيط السلوفان، لم تنتظراسماء هدية، لم ننتظرها. وضعت نزهة السلسلة في عنق أسماء والاقراط في أذنييها وعقد خيط ريح على جبهتها، عروسا كانت.
_ ماهذا... رشيدة القارئة تفاجئنا بحلوى عيد الميلاد ونزهة بالهدية، تواطؤ مكشوف هذا. لم تقلن لنا سوى انها لمة على قصعة الكسكس. تحتج لطيفة وهي تلتقط لها، لنا صورا.
ضحكنا، ضحكنا، عادت الموسيقى تنساب من جديد، نرقص و نتناوب على أخذ صور لنا بخيط الريح هدية نزهة لأسماء في عيد ميلادها...
تركنا البيت الدافئ إلى المحطة، أنا ورشيدة ولطيفة. القطار كان مختنق الازدحام لم نجد وقوفا أمكنة متقاربة... غرقنا في صمتنا. أرسم في ذهني أخر صورة من قصيدة ، أتحسس أشلاء منه لازالت عالقة بصدري يرتوي منها نبع مجازي، وكانت قاحلة باهتة ووقفة بياض... لقد اندثر في الزحام آخذا معه ظله وبقاياه. توارى في بياض القصيدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري