الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دسترة التخلف!!

محمد عبعوب

2013 / 2 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تشكل المعرفة التي ينتجها أي مجتمع رافعة قوية تعلي من شأن لغة منتجيها وتوسع دائرة انتشارها خارج حدودها، ذلك أن أي منتج معرفي لايكون إلا في لغة متكاملة وحاضنة قادرة على توصيله الى طالبيه.. وهذه المعرفة والتفوق فيها والتجديد المستمر لها، هي التي تعطي لأي لغة ظاهرة العولمة وتدفع الأفراد عبر العالم لتعلمها بغية ترجمة ما تنتجه من معارف والاستفادة منها، وهذا ما نلمسه اليوم عبر العالم من إقبال جارف على تعلم اللغة الانجليزية التي تقدم المجتمعات التي تتحدث بها للعالم يوميا ابتكارات علمية جديدة..

وفي ليبيا التي يتحدث سكانها اللغة العربية ويعتمدونها كلغة رسمية في ميدان التعليم والادارة، وتتحدث نسبة بسيطة من شعبها لا تتجاوز الـ 5 % من السكان لغة أمازيغية الى جانب اللغة العربية. تدفع هذه الأيام ثلة من سكانها الأمازيغ المشبعين بأفكار وآراء شوفينية ضيقة، بمشروع لغوي يتنافى والمنطق العلمي السليم، يدعو الى دسترة اللغة الأمازيغية، أي فرضها دستوريا كلغة رسمية الى جانب اللغة العربية في كل التعاملات الادارية والتعليمية في البلاد، وكأن هذه اللغة -التي نحترمها ونجلها كلغة لجزء من مجتمعنا- تحولت بين ليلة وضحاها إلى لغة معرفة وعلم تفرض علينا متطلبات التقدم والتطور واللحاق بالحضارة الانسانية تعلمها وإتقانها، وأنه بدونها سنظل نتخبط في ظلام الجهل والتخلف..

قد يتساءل القارئ هنا : وماذا يقدم المتحدثون بالعربية للعالم اليوم من معارف وعلوم حتى نفرض العربية لغة رسمية دستوريا للبلاد؟
نعم وللوهلة الأولى يبدو التساؤل منطقيا؛ ولكن بنظرة واسعة لهذا الواقع وخلفياته التاريخية، ندرك أن العربية اليوم لم تفرض عبر الرقعة التي تعتبر فيها كلغة رسمية هكذا بقرار وبين ليلة وضحاها، بل أخذت قرونا من التفاعل والفعل في هذه المجتمعات، وأعطت في زمن عطائها للحضارة الانسانية معارف وعلوم فأقبلت الشعوب التي دخلت تحت ظلها عبر العالم ومنها الأمازيغ على تعلمها واتقانها، بل هذه الشعوب هي التي طورتها وأغنتها وانتجت بها معارف وحضارة لا ينكرها إلا جاحد. كما لا يجب أن نغفل عن الجانب الروحي ممثلا في الاسلام والذي شكل مدخلا قويا ومقنعا لدى هذه الشعوب للإقبال على العربية وتعلمها والمحافظة عليها.

ومع ذلك أقول واستنادا الى دراسات علمية منشورة عبر العالم إن العربية اليوم هي الأخرى تواجه الاندثار والخروج النهائي من ساحة الفعل الحضاري للإنسانية، وذلك لسببين رئيسيين في تقديري المتواضع:
السبب الأول يتعلق بتوقفنا كمتحدثين بالعربية منذ ما لايقل عن عشرة قرون عن إنتاج اي معرفة أو علم يغري بالإقبال على تعلم العربية والحرص عليها، ليس بين الأجانب فقط، بل حتى بيننا نحن
أهلها، وهذا وبكل واقعية وبدون مجاملة ما نلمسه في حياتنا، حيث نتلقى دروس اللغة العربية فقط لغرض النجاح وليس التعلم، باستثناء من يختارها كتخصص في حياته العملية..
السبب الثاني يتعلق بتجميدنا لهذه اللغة في قوالب وضعها مجتهدون ومثابرون عشقوا هذه اللغة وتبحروا فيها منذ اكثر من عشرة قرون، دون أن نضيف لها أو نطورها، حتى وصلت الى ما هي عليه اليوم من جمود واغتراب عن حياتنا اليومية، وأصبحنا نتحدث في حياتنا لغتين عربيتين، لغة ابوالأسود الدؤلي الرسمية، ولغة آبائنا وأمهاتنا المباشرين اي التي نتحدثها في بيوتنا، وهذه الإزدواجية اللغوية شكلت وتشكل عامل إجهاد لنا في تفكيرنا، بحيث يفكر العربي بلغته البسيطة التي يتحدثها في بيته، ويكتب بأخرى هي الفصحى التي وضعت قواعدها منذ قرون ما يقتضي منه جهدا إضافيا ..


ولكن، أمام هكذا حقائق و وقائع، كيف يمكننا ان نفهم الدعوة لدسترة اللغة الأمازيغية وفرضها في المعاملات الرسمية وفي مراحل التعليم المختلفة، وهي لغة لم تعط في الماضي ولا تعط حاليا أي معرفة أو علم يمكن ان يفيدنا في الانتقال نحو الأفضل ويشجعنا على الاقبال عليها؟
ما هو المبرر المنطقي الذي يمكن ان يدعونا لإثقال كواهل أبنائنا بمادة لغوية لا تفيدهم في تحصيل اي علم؟
ماذا يمكن أن يحقق الليبي من تعلمه لهذه اللغة، باستثناء من يريد التخصص فيها والتنقيب عن آثارها وتراثها؟

نعم نؤكد على الهوية الأمازيغية كجزء من المكون العام لهوية ليبيا الثقافية التي طالما حاول النظام السابق طمسها.. ونعم للاهتمام بهذه اللغة وإفساح المجال أمام الراغبين في تعلمها والبحث في تراثها .. نعم لإعطاء الثقافة والتاريخ الأمازيغيين المزيد من الاهتمام وإدراجهما ضمن مناهج التعليم، وتصحيح كل الأخطاء التي شابت مناهج التعليم فيما يتعلق بالأمازيغ وثقافتهم ودورهم في بناء وإثراء الثقافة والحضارة العربية..

ولكن حقيقة ومع التأكيد على إحترامي وتقديري لإخوتنا الأمازيغ ولغتهم، والذين عشنا معهم ولا زلنا نعيش معهم وسنبقى نعيش معهم، لا يمكننا أن نفهم الدعوة لدسترة اللغة الأمازيغية إلا على أنها دعوة لدسترة التخلف، وفرض النكوص الى الماضي على هذا الجزء من مجتمعنا الذي يعز علينا أن نراه متقوقعا على ماضيه رافضا لواقعه الذي يتطلب منه الانفتاح على العالم وتجنيد كل طاقاته نحو الافضل مع الاحتفاظ بالخصوصية الثقافية وإغنائها كجزء أساسي من تراث ليبيا، والإقبال على العلم والمعارف في لغاتها الحية الفاعلة، بدل تبديد الوقت والجهد والطاقات والموارد في البحث عن بقايا ماض لا يقدم بل يؤخر ويعرقل مسيرتنا نحو التقدم والرقي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى السيد بن ساسي
محمد عبعوب ( 2013 / 2 / 24 - 12:11 )
المعلق الكريم.. نعي جيدا معنى الدسترة، ولا نحتاج ان تشرحها لنا، وأنا لا أكتب ناقدا لفكرة الدسترة انطلاقا من كراهية للامازيغ او لغتهم، لكنني أفكر بواقعية مجرة من العواطف التي يجيشها من نصبوا انفسهم أوصياء على الأمازيغ لجرهم الى الوراء، أنا اعيش بين الأمازيغ، ومن يدري قد تكون لي جذور أمازيغية او تارقية او غيرها، لكنني افكر بعقلي وليس بعاطفتي، العربية اليوم عاجزة وكما ورد في مقالي عن مواكبة التطور، فماذا يمكن ان تفعل الأمازيغية التي لم تقدم يوما نتاجا فكريا او علما لنا؟
يتبع..


2 - الى المعلق بن ساسي
محمد عبعوب ( 2013 / 2 / 24 - 12:17 )
انا لا امزح ولا أخادع ولا أستحمق أحد.. نعم أنا أحترم هذه اللغة وأقدر المتكلمين بها لأنها لغة جيراني في بلدتي وفي مقر إقامتي بطرابلس، ولأنها لغة جزء من مكون ليبيا لا يعقل إلغاءه يجمعنا به تعايش يمتد لقرون، لكنني لا اوافقك الرأي على دسترتها وإلزامنا بالتعامل بها، ولا اعتقد ان هناك من يجهل خاصة من المثقفين معنى الدسترة.. التي تعني إلزام طرفي الدستور، اي الشعب والسلطة، بتنفيذ هذا العقد حرفيا، وأن أي تعديل عليه لا يتم إلا بإجراءات معقدة وطويلة تستلزم تقديم طعن في البرلمان والتصويت عليه ثم عرض التعديل على الشعب في اقتراع عام.. دعونا ايها الأخوة من العواطف واستعملوا عقولكم، وانا هنا اوكد لك أنه اذا ما كانت الامازيغية ستشكل منقذا لنا من التخلف سأكون اول مطالب بدسترتها كلغة اولى ووحيدة لليبيا، ولكن واقع الحال وكل المعطيات تؤكد انه مشروع يراد منه الابقاء علينا في دائرة التخلف والتخبط بدل الانطلاق نحو التقدم ..

اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟