الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


درج الليل.. درج النهار - جديد الروائي السوري نبيل سليمان

ياسر اسكيف

2005 / 4 / 1
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


ما من قول مفتعل . أي ما من فكرة استدرجت السرد , أو لهث السرد خلفها . والشعرية السردية لم ينتجها انزياح لغوي فحسب , بل تناغم سردي حقّقه تجاور وتداخل الأصوات كشكل فني قامت عليه الرواية .فالتقطيع الذي قام به الروائي , والذي جاء أقرب ما يكون إلى فن السيناريو , حقّق , بالانتقال الخاطف بين مقطع وآخر , قطعاً للطريق على أي إملال قد يحدثه السرد التقليدي . كما أن الحضور شبه الخفي , إنّما الفعّال والمؤثّر , للراوي , قد وسّع فضاء المشاركة وفسح المجال للشخصيات كي تتبادل معه الأدوار في قيام السرد , الأمر الذي أعطى قيمة إضافية للتشويق عبر المنولوج الذي ارتدى مسوح الحوار ( الرسائل – الحوارات الافتراضية ) .

المجمّع 21 .. صورة وطن :

- أين المخالفة يا فهيم ..

- أن ينصّب الدكتور عيسى علينا ابن أخيه .

- من هذه الناحية لا تشغل بالك . إذا كان في الأمر مخالفة نعدّل القانون كرمى لمن يطالب بسيادة القانون

من برّاكيات التوتياء يبدأ الدكتور عيسى نزهان رحلة الإنشاء , ومعه طاقم ينفّذ مشيئته دون اعتراض , ويحتفل بإنجازاته كأنّما هي إنجازات كل فرد منهم . ربيع , جنان , إياس ....إلخ .
المجمّع حاضر في كلّ لحظة , وغائب على الدوام كفضاء روائي . نادرة هي الأحداث التي يكون المجمّع مسرحاً لها . وطاغية هي الأحداث التي يكون المجمّع سبباً لها . حيث يحضر على الدوام كقدر غيبي يحرّك حياة الأشخاص ويقرّر مصائرهم , كما يحدّد روائياً , وبسببية واضحة , الارتباطات والتداخلات الحدثية . حيث يلاحظ أن جميع اللقاءات , كأحداث مصيرية في حياة شخوص الرواية , يعود سببها إلى الانتماء للمجمّع 21 , تلك اللقاءات التي تقرّرها الصدفة والانقياد السحريان , كما يتراءى للوهلة الأولى . غير أن تلك السحرية سرعان ما تتكشف عن نوع من الإرادة المضمرة التي غيّبتها المواربة السلوكية في ممارسات الأشخاص .
إن أشخاص الرواية جميعاً لا يأتون من منطقة خلفيّة محدّدة وموصوفة , بل تتحدّد تلك الخلفية على ضوء , أو بمشيئة الممارسة الراهنة .
( ربيع لشلاش ) هو الشخصية الوحيدة التي لا يضيء حاضرها ماضيها , والتي تبدو وكأنما نبتت في الحاضر ومنه جاءت , إنها تمثيل للآن المنقطع , أو المؤقت .
هل يقودنا ذلك إلى اعتبار ربيع تجسيداً للقدري الراهن , وبالتالي نستطيع اعتبار هذا مفتاحاً لقبول ميكانيكية الصدفة في قيام العمل الروائي :
- اللقاء بين ربيع وشهلة في المطار
- معرفة ربيع عن طريق الصدفة , وعبر مربّع أسود في الجريدة , بأن حسين نوري قد توفي .
- اللقاء بين ربيع وشهلة مرّة ثانية في الاعتصام .
- اللقاء الثالث بين ربيع وشهلة في الاعتصام أيضاً , بعد أن قطع الأمل برؤيتها .
أم أنّه اللامعقول الذي يستمد منطقيته في الكون جزءاً من لا معقول أعم وأشمل ؟

ولأن الشخصيات في هذه الرواية تتموضع كمرايا لبعضها , وشخصية ربيع هي المحرق في هذا التموضع , فإن في إلقاء الضوء عليها , مروراً على كل الشخصيات , وتعييناً للكثير من الارتباطات الروائية .

شخص مغرم بالعنق , وأول ما يستوقفه في المرأة هو عنقها . قد تكون هذه خصيصة نفسية لا تفسير لها . والكثير من الروايات الرائعة قد تستند في قيامها على مثل هذه الخصيصة . لكننا في حال إخراج هذه الشخصية من المكمن الروائي , أي من منبتها الأدبي , إلى مساحتها الثقافية وبالتالي الاجتماعية , وهذا ما لا يمكننا إلا فعله كقراء , فإنّنا
سنواجه شخصيّة تلتئم على الكثير من التناقضات التي لا يشعر القارىء بأيّة حاجة لتبريرها والبحث عن أسبابها , لأن الرواية قد استطاعت تظهر التعايش والإتسجام بين ( ربيع ), وتناقضاته دون أي خلل في التموضع الروائي , أو العلاقات التي يخلقها هذا التموضع . وصفات ( ربيع ) بما فيها
( ذئبيته ) الواضحة ( التركيز على العنق ) وانتهازيته المفرطة ( في لقائه الغرامي الأول مع جنان لم يحدثها إلا عن المجمّع وعن الدكتور عيسى , ومن ثم طلب منها الزواج ) وخنزيريته الفاقعة ( استحضار الدكتور عيسى وغيره , افتراضياً , إلى سرير الزوجية كي ينجز وصاله مع جنان ) تنسحب على مجمل الكادر التقني والإداري الذي استخدم في بناء , ليس المجمّع 21 فحسب , بل كل المجمعات الشبيهة , التي شكّلت بدورها محرّك الوطن وعناصر بناءه .

سد زيزون – قصّة موت معلن .


ليس من المصادفة أن يتزامن انهيار سد ( زيزون ) مع انهيار وتداعي الدكتور عيسى نزهان , وهنا ينتصر السرد للتلميح والمواربة كي يدوّن تصريحه الجارح دافعاً بالرواية إلى الإيغال في التحريض استيلاد الأسئلة واستحضار فترة تاريخية محدّدة كموضوع للمساءلة دون اقتراب من التاريخ .
الكل يعرف أن السدّ يعاني من مشكلة ستودي به إلى الانهيار , غير أنّ أحداً لا يجرؤ على تأكيد ذلك أو نفيه , وما من أحد مستعد ٍ للإقرار بأن هناك مشكلة خطيرة , لأنه بإقراره هذا يؤكد أنّ هنالك سبباً وبالتالي مسبّب .
قد يكون سبب الانهيار قصور في الدراسة أو سوء في التنفيذ , وهذا أمر قد يحدث في أي مكان في العالم . أما أن يعرف الجميع بأن عنق ( سنتياغو نصّار ) قيد الدّق دون أن يخبره أحد , مع أن أيّاً من العارفين لم يكن متواطئاً مع القتلة , فهذا ما تتركنا الرواية أسرى التفكير به في المساحة الما وراء أدبية .

زيزون آخر , والحبل على الجرّار

إذا كان سد زيزون قد انهار فعلاً وجرفت مياهه مساحات واسعة من الأراضي والمزروعات والمواشي , فإن سدوداً أخرى على وشك الانهيار . وحينها سينداح الدم لا الماء .
سدود من الوهم وإدارة الأزمات , شكّلتها الأيديولوجيا وصانها النفع المتبادل . وهنا لا تكمن العلّة في انزلاق التربة بل في مبدأ الواحدية , بديلاً عن التعددية , بالمعاني التي تحتملها الواحدية جميعاً , والذي يصرّ منتجوه على أنّه الضماد الأكثر نجاعة للجرح الوطني .وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه الرواية قد كتبت خلال عامي 2003 – 2004 كما يثبت المؤلّف فيصبح من السهل علينا أن نتفهم الأهمية التي تتمتع بها ( ونسه ) فيما يخصّ ما تقدم , وبما لها من خصوصية في دعم البناء الروائي .
والذي يمكن قوله فيما يتعلق بهذه الشخصية هو أنّها الوحيدة التي تأخذ بالرواية إلى مساحات الخصوصية ومجاهل الهوية . ( لم ينجح الأمر فيما يخص إياس وبقي موضوع الهوية ملتبساً ) . هذا الأخذ الذي طال حتى السرد , وبالتالي فنيّة العمل الروائي ككل .
فالتدفق الحر الذي تتعرف ( ونسه ) من خلاله , وتنمو كشخصيّة لم نعتد عليها في النتاج الروائي السوري , إن لم يكن العربي , يقنعنا بحقيقيتها , ويأخذنا إلى ضرورة وصحيّة التعدد في إطار الوحدة , والاختلاف في إطار التجانس .
إن (ونسة ) تؤكد , كشخصيّة روائية , أنها المختلف والمتميز , ولكن العادي والطبيعي في اختلافه . وهي في عرضها لذاتها تدفعنا إلى التوقف طويلاً عند الرفض الممارس ضد اختلافها , حتى من قبل مماثلين لها في الاختلاف .

نهاية , لا بدّ من الإشارة إلى المتعة الفنيّة المتأتية عن التشظي السردي الذي حقّق توازناً مهمّاً بين آليات المؤلف في إنتاج روايته وآليات الشخصيات الروائية في إنتاج سردها . ولا بد من القول أيضاً بأن ( درج الليل .. درج النهار ) نجحت تماماً في الخلاص من كونها رواية أفكار , كما عوّدتنا روايات ( نبيل سليمان ) وانضمت إلى ذلك النسق من الروايات التي تحرّض في كل صفحة على إنتاج الأفكار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا