الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرض الأخير

أمل جمعة
(Amal Juma)

2013 / 2 / 20
الادب والفن


أشدُّ الستار، أسحبه حتى النهاية ، المسرح فارغ تماماً،غبارٌ خفيف يعلو سطحه الخشبي وأكوام من أزياء الممثلين،شبه ممزقة وكئيبة، أجدُ في ركنٍ قصيّ ثلاث نسخٍ مختلفة لعرض مسرحيّ،تشدني تلك المخطوطة بخظ اليدّ،بها عشرات الخطوط الحمراء والشطب والإضافة،أقرأ النسخ المطبوعة أيضاً رغم أنها تحمل نفس العنوان ،وأقرأ الثالثة والمذيلة بكلمتين بقلم الرصاص :نسخة نهائية

لكن العرض الذي شاهدته قبل سنتين كان مختلفاً عن النسخ الثلاثة ولا يتقاطع مع كومة الأوراق إلا بالإسم، جميع النسخ تحمل نفس الإسم ،أدس يدي في قعر الصندوق أجدُ نسخاً جديدة كلها تحمل تذيلاً بقلم الرصاص :نسخة نهائية ،ومع ذلك كتبت العبارة بخطوط مختلفة .

لماذا يتوالد هذا العرض المسرحي بلا توقف؟ ولماذا ترك الممثلون والكاتب والمخرج كل هذه النسخ تغبرُّ هكذا بلا قيمة وبلا اهتمام ؟

أبحث عن نسخة بعينها،تبدو العملية شديدة التعقيد ،أي نسخة كتبت لي كممثلة، كنت قد تدربت على الفصل الأول فقط،تحديداً هو كتب لي خصيصاً كما قال الكاتب والمخرج والممثل النجم،والعبارة هنا تحملُ قصدها لا تأويل ولا مجاملة ولا تورية وتعني أن النص لبسني تماماً فصار لي وحدي.

كنت ممثلة جديدة لم أقف من قبل فوق خشبة مسرح، ولا أحمل صوتاً جهورياً ذو رنّة مميزة ،وجهي كما قال المخرج ينفعُ لدورٍ واحد فقط :امرأة في الأربعين تسافر في سفينة للمرة الأولى، وتبقى طوال الوقت تحدق بالماء وتتذكر،ضحكت من المشهد حسبته كوميدياً بامتياز ،ولكن المخرج صرخ بي حاسماً:"هذا مشهد درامي مائة بالمائة،وهو فصل المسرحية الأول".

لم يعجبني الدور فانسحبت ،رغم إنجازي لكل التدريبات القاسية، كل نسخة تلت هذه النسخة كان الكاتب يستبدل أثواب الممثلات فقط ،وقبعاتهن،فرحت أنه لم يمنح لون ثوبي لممثلةٍ أخرى ،وعجبتُ أن ما رفضته بالنص - وكان سبب إنسحابي من عرضه- قد غيره المخرج ،واستخدم جملةً حرفية لي في إحدى النسخ ،منحها لممثلة بثوب خمري ،وقبعة حريرية سوداء .

لم أقرأ أبداً نهايات العروض كانت تهمني البداية فقط الفصل الأول تحديداً.
لست ممثلة أبداً فلماذا قبلت منافسة عشرات الممثلات المحترفات ،وكنت أعرف أن وجهي لا يتمتع بالقدرات التعبيرية المهمة للتمثيل،هو ساكن جداً ، وضعيف التعبير ،ويسرع في البكاء مفسداً كل شيء ،وهو لا يحتمل الإضاءة ولا مساحيق التجميل.

لا يهم أبداً لقد أحببت الدور حقاً ، وبقيت لسنوات متعلقة به أحقظه عن ظهر قلب،بل واسترجعه في ليلي ونهاري ،وانتظر أن يسند الدور إلىّ وأشخصه بمهارة – كما صرت أعتقد - تدربت على أكثر المشاهد صعوبة عندما أقفز للماء،وأتذكر أن حفرة عميقة انسيابية غير ظاهرة كانت في أرض المسرح وعلى أن أعطي الشعور الكامل بالغوص تماماً بالماء وكأنني أسقط في بحرٍ حقيقي .
الغريب أنني لم أسأل المخرج يوماً عن الفصل الثاني وجدوى السقوط في أول المسرحية ،وكان يبتسم كل مرةً ويقول بشيء من الحزن :"ولا أنا !

حتى عندما ذهبت لمشاهدة العرض الأول بعد أن تلقيتُ دعوةً من المخرج مذيّلةً بكلمات قليلة مكتوبة كعادته بقلم الرصاص ،انسحبت فور سقوط الممثلة في الماء ،لم أشهق من براعة اللقطة ، فأنا أعرف سرّ الفتحة الخفية في أرض المسرح ،كان يهمني أن أرى وجه الممثلة التي أخذت دوري ،أو بإنصاف شديد ،تلك التي حازت على لقب نجمة العرض ،أحببت أنها تشبهني بشكل ما،رغم ثوبها الخمري وقبعتها السوداء، ووجهها سخيّ التعابير والقوي لإحتمال الإضاءة الكثيفة .

لغاية الآن لم أشاهد باقي فصول المسرحية ،وكنت ألتقي المخرج لماماً على هامش عروض لمسرحيته ، أنسحب بعد الفصل الأول وكان يبتسم كلّ مرة ويقول لي ذات لعبارة وأنا أتلمس طريقي في ظلام صالة العرض :" اليوم ستحملُ مسرحيتي نهاية موفقة ستروق لك" وأقول كما دوماً :"أحبٌّ البدايات ،الفصل الأول تحديداً،النهاية دوماً نهاية مهما أدهشت ".

غداً هناك عرضٌ جديد ،سيكون كالعادة بنجمة جديدة ،وسأكون هناك أتابع سقوطي المدهش في الماء بثوب جديد وقبعة جديدة ،فقط عندما يمنحُ المخرج لونَ ثوبي لنجمةٍ جديدةٍ ،سأتوقفُ وأتابعُ المسرحية حتى الفصل الأخير ،ولن أشارك بمسرحية بتاتاً ،فكما قلت وجهي لا يحملُ سخاءً بالتعابير،والنهايات لا تروق لي فهي دوماً نهايات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا