الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


( أين نحن من الذات؟!)

طارق فايز العجاوي

2013 / 2 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


( أين نحن من الذات؟!)
الكاتب طارق العجاوي

جاء في مقدمة ابن خلدون قوله:"إن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده..." .
ويقول المفكر العربي مالك بن نبي في كتابه(شروط النهضة ) وذلك بعد أن لاحظ أن كل ما في غرفته أو مكتبه غربي الصبغة باستثناء القلة :–"إن كل ما ساهمنا ونساهم به في الإطار الغربي الذي نعيش فيه اليوم هو القلة والقلة فقط..!! ".
وبعد فالثابت أن الهزائم المتكررة التي رانت وما زالت تطفو على السطح في عالمنا العربي أفرزت دون أدنى شك حالةً من (فقدان الذات)، وهذه بدورها أفرزت تغيير أضل هدفه واتجاهه فتحول حكماً على ترقيع، وبالتالي بدلا من أن تتجه الجهود إلى كسب الذات واستعادة الثقة أولا اتجهنا بل غرقنا في بحور الضياع والتشوه بل والمسخ لهذه الذات التي فقدت التوازن، وبالتالي لم تسلك الطريق الصحيح، فحتى في تقليدنا أصبحنا مثالاً لحالة ذلك المسخ المشوه بين العربي والغربي الذي أضحى قدوتنا حتى انطبق على حالتنا القول السائد الشعبي :"كالتي رقصت على السلم".
يقول مدرب عسكري ألماني واسمه (مولتكة) وقوله هذا جاء في كتاب (الإسلام والحضارة العربية ج2 ) للمؤلف محمد كرد عما آل إليه حال الجيش الذي أرهق الغرب والشرق معاً، يقول:"أصبح الجيش التركي على مثال الجيوش الأوربية من حيث التنظيم ولكن معاطفه روسية ونظامه فرنسي وبنادقه بلجيكية وعمائم أفراده تركية وسروجه نيجرية وسيوفه انجليزية ومعلميه من امة..!!".
ثقوا أحبتي أنه لا يوجد ترقيع أفظع من هذا، فقط الملاحظ هذه أغطية الرؤوس هي التي بقيت من تركيا،فأضحى الكيان كله في حالة مريعة من الترقيع فهو من قطع موصولة من هنا وهناك.
الشاهد أيها الإخوة أن تركيا مع بداية القرن العشرين أصبحت نموذجاً للمسيرة العرجاء المتأرجحة شرقاً وغرباً حتى جاء أتترك في عشرينيات ذات القرن وأعلن انحيازه الكامل للغرب وطلاقه البائن للإسلام ومسخه المريع للهوية التركية الإسلامية .
إسقاطاً على وضعنا الحالي فهي ذات الحالة وذات الوضع ما زلنا نعيشه والقادم ربما كان أخطر.
حقيقة أزمتنا مع الذات لا تكمن في طبقة المثقفين الذي آثرت تصرفاتهم وحتى ألسنتهم وقلوبهم العوج وتحولوا إلى الاستشراق فأصبحوا لا هم في صف العرب ولا هم في صف الغرب، والبعض أطلق عليهم لقلب جيل الرق الأول ، وأنا أقول بل جيل الاستعباد الذي آثر أن يعيش عصر العبودية.
أما جيل الرق الثاني –والذي لا أرى فيه أزمتنا مع ذاتنا لأن الزمن كفيل بإبدالنا غيرهم- وهو الجيل الذي سلم قيادة فكره للأجنبي وهو مختاراً لا مكرهاً ولكن أرى أن المشكلة والطامة الكبرى تكمن في حالة القابلية-الديمومة المستمرة – للاستعباد والاسترقاق وهي ذات الحالة القابلية للاستعمار التي هي المفرز الحقيقي للهزيمة النفسية والفكرية وبالتالي أصبحت ملازمة لشخصيتنا الهشة المهزوزة المهزومة التي غرقت في محيط الاحباطات المتتالية والتي قطعاً أصبحت ريشة في مهب الريح.
أيها السادة أن الغربة عن الذات عند الفرد العادي –وهي الشريحة الكبرى في مجتمعنا- لا تقل خطراً عن تلك الغربة التي يعيشها الإنسان المثقف في مجتمعنا العربي وهذا مدعاة إلى القيام بثورة ثقافية تغير في نمط وسلوك الأفراد باتجاه احترام ذاتنا وهويتنا كي نحارب غربتنا عن ذاتنا المهدِّدة قطعا لهوتنا فالتهديد سيبقى قائما ما دمنا كذلك، وهذا يتطلب بالضرورة التغيير الجذري في مناهج التعليم التي تكرس أبشع صور المسخ الفكري والتي تكرس أيضاً الإحساس الدائم بالانكسار والهزيمة فأرى أنها معركة لا بد من خوضها يوماً ما، وبعون الله لابد من كسبها في قادم الأيام قبل فوات الأوان،وإلا طالنا الانقراض والشواهد كثيرة لشعوب عاشت ذات المراحل.
كلنا يعلم أن أمتنا قد خرجت منذ قرنين ويزيد من حركة الحضارة وعجلتها وانقلبت من أمة فاعلة وفعّالة إلى أمة مقلدة ومستهلكة،وأيضا خرجت من وهج التاريخ إلا من ومضات سرعات ما انطفأت وتلاشت وأصبحت وهذا الواقع المرير الذي ندركه جميعاً موضوعاً للتاريخ بعد أن كانت الأداة الأولى في تحريكه وحركته بل هي محركة له، وهذا لا يغيب إلا عن كلِّ أعمى بصر وبصيرة.
لقد اعتزلنا العروبة والإسلام ورفعنا الرايات البيض منذ تلاشت وانطفأت جذوة النهوض أو بالأحرى منذ كان حلم النهوض قائماً فينا وكان بصيص الأمل نصب أعيننا، ونضيف إلى راياتنا البيض التي رفعناها أن دعونا الأجنبي لنؤجر له بلادنا مفروشة هذا إذا لم نصل إلى مرحلة البيع علماً بأن هناك أصواتاً تشيع وتساعد على تنفيذ هذا المسعى سواء علناً أم سراً تصريحا أم تلميحاً، لكن هناك بصيص من الأمل كي نحقق ذاتنا أو كياننا وأنا أرى أن ذلك فرضاً نظرياً يستحيل تحقيقه مادياً وعملياً-في ظل الظروف التي نعيش- التي يعيها الجميع وأنا أرى فيمن يرون الحل الوسط بين ارتباطنا بالغرب وتقليدنا الأعمى بل ادخاله لِحمانا وبين أن نبقى على ثوب عروبتنا وإسلامنا، إن هذه الوسطية تعني الذوبان والتحلل وهي بداية الانخلاع من الجذور، إذاً الوسطيين بنظري هم دعاة الانتحار الفعلي والفناء الحقيقي، فأيها الأخوة إسلامنا وعروبتنا ليست مجرد ثياب نرتديها أو نخلعها متى شئنا أو نتخلى عنها إذا أصابنا الضيق، فالثابت والذي يراه كل عميق الالتزام والنظر أن كيان الأمة لا يقبل المساومة ولا الترقيع، ولا حتى التنازل عن اليسير، فهو كيان كامل متكامل، وبالتالي تحقق مقولة :"نكون أو لا نكون" فأي تنازل يعني إهداراً للكيان ونكراناً للذات،وضياعاً للهوية.
وأرى أن أهم أسباب إنكارنا للذات وضياع هويتنا هو ذلك الشعور بالنقص تجاه الآخرين أو ما عرف عند بعض مفكرينا بعقد الخواجا، أما تقليدنا للغرب لا أعتبره فقط سلوكاً تلقائياً من جانب العامة ولكنه وجد دعاةً وحملةً للوائه،ومبشرين بيننا، وهم قادة للرأي والفكر، مثلاً منذ كتب طه حسين بالثلاثينيات من القرن الماضي عن مستقبل الثقافة في مصر دعانا إلى أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم، وأيضاً عندما نادى عبد الله العروي -وهو مفكر مغربي- في كتابه (العرب والفكر التاريخي) إلى ضرورة اجتثاث الفكر السلفي –وكان حقيقة يعني التراث الإسلامي بكل مثله وقيمه الثرة-من محيطنا الثقافي كشرط للتقدم ثم أردف قائلاً رب معترض يقول:"ستكون ثقافتنا المعاصرة تابعة لثقافة الغير وهنا يرد بوضوح :"وليكن إذا كان في ذلك طريق الخلاص"!! تصور –يا رعاك الله- وهذه الحالة التي وصلنا لها من إنكار للذات وضياع للهوية بكل قيمها،فهما زعمنا أننا عرب ومسلمون إلا أن واقع الحال يقول أننا غير ذلك، فشتان ما بين الأصل والصورة والثابت أننا نخجل من شرقيتنا بأسلوب مزدوج فحواه الاعتذار للغرب والتقليد الأعمى له، وسنكتشف أن المسخ المشوه والذي حقيقة لا أعده مزجاً أو تفاعلا لم يعد مقصوراً على واقعنا الثقافي والفكري لكنه وهذه الحقيقة امتد ليطال واقعنا السلوكي والاجتماعي بكافة مخارجه وصوره وكما أشار أحد مفكرينا الكبار "حتى صرنا في واقع الأمر مجتمعات عرجاء تمشي بساقين متناثرتين كل واحدة في اتجاه معاكس للأخرى!" .
والثابت أيها الأخوة أن الأجانب ذاتهم أكثر إدراكاً لقيمة الشخصية العربية وأفضل تذوقا لطعم هذه الشخصية ومظاهرها الخلابة التي تتوق لها النفس البشرية السليمة.
سؤال : متى ندرك ذلك؟! ويبقى الموضوع مفتوحا على مصارعيه للنقاش وما نرجوه أن نخرج بنتائج مفيدة ومثمرة.
ونرجوا الله السداد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح