الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وأد الأطفال ..في بلاد النفط

رحمن خضير عباس

2013 / 2 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



هل انتهى وأد الأطفال خشية إملاق ؟ لا لم ينته . بل إنه انتعش من جديد , في ظل دولة القانون . وفي بلد اسمه العراق , يعوم على بحار من النفط . لو وزعت ثرواته – بعدالة وحرفية – على اهله لأصبحوا من اغنى الأمم , واصبح العراق من اجمل البلدان . بلد ميزانيته تعادل ميزانية كل دول الجوار مجتمعة . ولكنه يستجدي من دول جواره السلعة والخبرة والمعتقد .
اليوم في الشطرة . وهي مدينة تلوذ بنهر صغير , يشطرها الى صوبين , ويبلل حلقها العطشان . في هذا النهر الهاديء , أقدمت إمرأة على فعل يائس . قيدت اولادها وقذفتهم في النهر ثم قذفت نفسها وراءهم . ارادت الأنتحار الجماعي , هربا من مذلة الفقر ومن بؤس الحاضر ومن ذل ماهي فيه . هل كان فعلها جريمة تستحق العقاب ؟ لسنا بصدد ذالك , وانما بصدد الجريمة الكبرى التي يرتكبها المجتمع في جعل هؤلاء الناس ينتحرون يأسا . قيل انها واولادها قد انقذوا من موت محقق , وقيل ان السيد قائمقام الشطرة قد خصص لها بيتا وتكفل بإعالة اطفالها . كل هذا شيء ايجابي يستحق الثناء , ولكن السؤال الذي يطرح نفسه . هل يضطر المعدمون والفقراء الى الأنتحار كي ندرك ضرورة مساعدتهم ؟ ان المدينة متخمة بالفقراء الذين يتمنون الموت على حياة لا حياة فيها , كما هي متخمة بالأغنياء ايضا . والذي حدث اليوم هو مثل لما يحدث في عراقنا الجديد .
امرأة تهرب من الحياة الى الموت جوعا, وحكومتها تلغي البطاقة التموينية !
امرأة تحاول قتل نفسها وأطفالها لأنها لاتجد في بيتها ماتقدم لهم من الطعام , ووزراء الحكومة وحاشياتهم واتباعهم , يبحثون عن ادوية الريجيم ووسائل التخلص من السمنة !
إمرأة دخلها الشهري صفر , ودخل النائب الشهري الذي يفترض أنه يمثلها اكثر من ثلاثين مليونا !
امرأة تربط اطفالها بحبال الموت . اما اطفال المسؤولين في الدولة فمربوطون الى اجهزة الآي باد والآي فون وبقية الألعاب الألكترونية الحديثة !
هذه الحادثة التي روّعت المدينة تعكس لنا عدة جوانب
1- الطفولة المعذبة التي لاذنب لها سوى انها ولدت في مكان لايعطي للطفولة حقها . ينبغي على الدولة العراقية ان تولي عنايتها بهؤلاء الأطفال عموما . ولاسيما هؤلاء الذين يملئون الطرقات . ومحاولة إنقاذهم من فاقتهم . وذالك بتخصيص اماكن لسكنهم وتعليمهم وانتشالهم من الضياع . كما يمكن لمنظمات المجتمع المدني ان تسعى في هذا المجال . سأطرح مثلا على ذالك : هناك جمعية انشأت في المغرب اطلقت على نفسها ( بصيص أمل ) تتكون من شباب متحمسين لمحاربة الفقر والأدمان والمرض . هؤلاء الشباب قاموا بجولات ميدانية , يلتقون بالناس المحتاجين ويوزعون الأدوية مشفوعة بالتثقيف الصحي . كما يوزعون المساعدات العينية الى الناس . اما مصادر هذه الجمعية فتعتمد على جهود فردية ومخاطبة اصحاب الضمائر من الموسرين , والقيام بحفلات خيرية للأستفادة من ريعها لصالح المحتاجين . وقد شاركت احدى الأعضاء في برنامج ( تستاهل يا اعز الناس ) وهو برنامج يقدم جائزة مالية كبيرة لمن يستطيع الأجابة الصحيحة . قلت ان هذه الناشطة كسبت المبلغ واضافته الى جمعية بصيص امل . وما احرى شبابنا العراقي ان يحذوا كإخوانه المغاربة في مسح دموع الألم عن بعض الناس .
2- تعكس لنا هذه الحادثة ايضا موضوع العدل الأجتماعي غير المتحقق في بلادنا . فالأم هي ضحية إجتماعية , وكذالك اطفالها . وان الحل يكمن في المعالجة الجذرية . وهي فتح مجالات عمل حقيقية للمرأة , مثل ورش الخياطة او الصناعة التقليدية , او بعض الأعمال التي تتعلق وقدرة المرأة . ان الراتب الذي تتقاضاه , سيجعلها سيدة نفسها . ولا اعتقد انها ستلجأ الى الأنتحار يأسا .
3- تعكس لنا هذه الحادثة ايضا فداحة ما نحن فيه . فيجب علينا ان لانصمت إزاء اموال الشعب المسروقة, وحقوقه المهدورة . يجب ان نسمي الأشياء بأسمائها . ويجب ان لانسكت عن حقوقنا . ان الحرية الممنوحة لنا ليست منّة من احد . انها جاءت بعد مخاضات عسيرة .
تحية لمن ضحى بنفسه لأنقاذ هؤلاء الأطفال . وتحية لشعبنا الصابر
اوتاوة / كندا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت