الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاثة أيام في لندن!

محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)

2013 / 2 / 22
الادب والفن


أربعون عاماً بالتمام والكمال مرَّت منذ اقامتي لنصف عام في العاصمة البريطانية حتى زيارتي يوم الأحد 17 فبراير 2013!
رغم أنني وزوجتي وابننا ناصر (14 عاماً) لم نقف أمام إدارة الجوازات في مطار هيثرو لأكثر من دقيقة واحدة، لكن السؤال السخيف لم يرق لي اطلاقاً: لماذا جئت عن طريق ميونيخ وليس مباشرة من أوسلو؟ قلت له: لا تسألني، ولكن اسأل الكمبيوتر فهو السيد المطاع! نصف ابتسامة ظهرت على وجهه مع كلمة روتينة: تفضــَّـلوا، كأنه أراد أن يقول لنا بأنه لولا جوازات السفر النرويجية لأصبح السؤال أكثر تعقيداً!
بعد الخروج من المطار تكتشف أن كل سبعة تقابلهم في أي مكان ليسوا بريطانيين، الفندق، المواصلات ، المطاعم ، الشوارع، التاكسيات البيراتية، السوبر ماركت، فالبريطاني الجنتلمان اختفى أو هرب من لندن، وبعضهم ظل في العاصمة لئلا تغضب روح شكسبير، فاللاجئون العرب والأكراد والايرانيون والبولنديون والاثيبييون والصوماليون والعراقيون لا يستطيعون النهوض ببعض الوظائف في البنوك والمسارح والشرطة والمكتبات ودور النشر.
قمت بزيارة لندن مرة اواثنتين في كل عام تقريبا خلال العقود الثلاثة المنصرمة، وفي كل مرة تختفي أشياء وتظهر أشياء أخرى لكل يظل القول المأثور قائما: إذا كنت تعباً من لندن، فأنت تعب من الحياة كلها!
والمكان دائما يبدأ من داخلك ، وفلسفة الحوادث التي تمر بك لابد أن تحركها استرجاعات واستدراكات في البناء الداخلي لتعرف على الأقل مرارة الهزيمة قبل تجرعها، أو حلاوة النصر قبل تذوقه.
كل جنسية لها عيونها التي تعيد رسم المشهد برمته، فالهندي والعربي وجنوب الأفريقي والزيمبابوي والإسباني والكولومبي والفرنسي تلوّن عيونهم المشهد اللندني، لكن هذا الوصف والتلميع والتبهيت ينسحب ايضا على دول أخرى، فالسائق الهندي في السعودية لا تماثل أحلامه أحلام ابن بلده في النرويج، فالأول أقصى أحلامه هي عدم تفنيشه على أول طائرة، والثاني يحلم بأن يكسب قضيته بدعم النقابة له ضد صاحب العمل!
أول ملاحظة في قلب لندن هي تراجع العربي لصالح الإيراني، والمطاعم العربية تنزاح جانبا أو تغلق أبوابها لتغري أطباقٌ فارسيةٌ شهيةَ مِعدَة الزائر، وساهم في احتلال بطن الجائع الأكراد والأتراك والهنود فضلا عن اليابانيين بسوشيهم النــيّء
في ثلاثة أيام لم تقع عيناي على أكثر من أربع منقبات فهناك تراجع شديد في ظهورهن بعدما أظهرت فرنسا وبلجيكا العين الحمراء لاخفاء الوجه النسائي للمرأة المسلمة، فهذه التغطية خطر أمني وتتيح الفرصة لأي ارهابي أن يتجول كيفما يشاء، ولعل السبب الآخر يرجع إلى فشل الحكومات الدينية السارقة للربيع العربي في تبيان الوجه المتسامح للإسلام.
لا أدري سبب كراهيتنا لدورات المياه النظيفة، فهذا الموضوع شغلني كثيرا، ولعشرات السنوات، فقد كان جمال المسجد وطهارته وسجاده وحصيره والهواء المنعش الذي تحدثه مراوح كبيرة معلقة في السقف فيخفف حرارة الجو يتعارض ويتناقض مع مكان الوضوء. سألت مرات لا حصر لها مقيمي شعائر في المساجد عن سبب الولع بقذارة دورة المياه التي نتطهر فيها قبل الوقوف بين يدي الله، وحتى هذه اللحظة لم أعثر على جواب شاف.
في لندن تناولنا طعام الغداء في اليوم الأول في مطعم ( حلال ) ولا أعرف حتى هذه اللحظة هل حلال اسم المطعم أو صفته أو نوع الطعام الذي يقدمه. أصحاب المطعم من جماعتنا وقد أبدعوا في فنون الأكل فهو ما يجمع بطوننا ويفرّق عقولنا. جعلهم جمع المال غير مكترثين لنظافة دورة المياه فبدت كأنها للخنازير وليست للزبائن. في اليوم الثالث كنت على وشك تناول العشاء في نفس المطعم، وتذكرت دورة المياه فغضضت الطرف عن العودة إلى مطعم جماعتنا!
زيارتي الثانية لمكتبة (الساقي) لتصدمني الحقيقة المُرّة، فالعرب خاصموا الكتاب خصاماً بائناً، وتم اغلاق خمس مكتبات عربية، حتى في شارع كوينز واي غيّرت مكتبتان نشاطاتهما التجارية، وانتقلت الصحف العربية (القدس العربي),و(الحياة ), و( الوطن الكويتية) و( الأهرام المصرية) و(الشرق الأوسط ) الخضراء، و(الزمان ) البزازية ، والتي كان قد حكى لي صاحب مكتبة في ادجوار رود أنه يتسلم منها في كل صباح 25 نسخة، يبيع منها نسخة واحدة، مما ذكرني بـــ( ابداع ) لأحمد عبد المعطي حجازي التي كان يطبع منها أربعة آلاف نسخة ويبيع 25 نسخة في كل محافظات مصر، أي بمعدل نسخة واحدة لكل محافظة، أعني لكل فضيحة ثقافية. أليس أمراً طبيعيا أن تغلق ( سطور ) صفحاتها بعدما كانت المتنفس الثقافي الأول بعد ( العربي ) الكويتية ؟
كانت الكتابة شجاعة، ثم أصبحت القراءة شجاعة، وكان الكتاب في البيت نوعاً من الفروسية، ثم أصبح زيادة عن الحاجة لأنه يزيح البلاي ستيشين عن مكانه!
امرأة وابنتان وابن صغير قضوا في مكتبة ( الساقي ) عشرين دقيقة ينتقون أفضل ما في المكتبة، والأم تــُـعـَـلـِّـم البنتين ( في العشرينيات من العمر ) قواعد اختيار الكتاب الجيد، ولم أتمالك نفسي فاقتحمت عليهم حديثهم قائلا للسيدة: اسمحي لي أن أهنئك فوجود أسرة عربية في مكتبة لندنية عربية حالة نادرة، فإذا كانت الأم بهذا النضج التربوي فأنتِ تقومين بعمل رائع ليس فقط لأسرتك ولكن للمجتمع. شكرتني مع بعض الحرج على وجهها.
اشتريت ثلاثة كتب وهي: ( الديكتاتور فناناً ) لرياض رمزي، و( القوقعة .. يوميات متلصص) لمصطفى خليفة، و( كاميليا .. سيرة إيرانية )!
لندن القديمة التي عرفتها في الماضي كان من السهل رصد ثمانية من كل عشرة في (المترو) يقرأون في كتاب أو صحيفة، أما لندن الحديثة فمن بين كل عشرة يجلسون في ( المترو) هناك أربعة يرسلون رسائل موبايل، واثنان يتصفحان صحيفة ( إيفينينج ستاندار) المجانية، والباقي يتحدثون أو يتأملون في الآخرين دون أن يراهم أحد!
محلات الفيديو الضخمة تستعد للاغلاق النهائي فتحميل الأفلام من النت على الآي باد أو اللاب توب يجري على قدم وساق، وعشــّـاق الموسيقى لم يعودوا في حاجة لشرائها من المحلات!
في لندن القديمة كنت تجد بسهولة من يصحح لك لغتك الانجليزية ، أما الآن فهاملت يتحدث إلى أمه بالبلغارية العرجاء المخلوطة بالتركية وعدة لهجات عربية مع لكنة إسبانية تأكل النون واستونية تضغم لغة بيتر سيلرز فتضحى كأنها من أصل فنلندي!
شاهدنا مساء الثلاثاء مسرحية (BILLY ELLIOT ) في مسرح بمنطقة فيكتوريا وكانت أجمل ثلاث ساعات في ثلاثة أيام لندنية!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 21 فبراير 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سبب كراهيتنا لدورات المياه النظيفة
هانى شاكر ( 2013 / 2 / 22 - 04:00 )

قرأت فى شبابى .. قبل ثلاثين سنة تقريباً .. فى إحدى ألمجلات ألغربية فى باب ألرحلات و ألسياحة مقال عنوانه - عار مصر - أى وألله

‏The Shame of Egypt

يُحذِر فيه ألكاتب السياح المسافرين من بلده للتمتع بجو مصر ألخلاب و آثارها الرائعة من مغبة الوقوع فى الحاجة إلى أستخدام مرحاض بعيدا عن الفنادق ألسياحية ...

ألمراحيض فى أى مرفق مصرى .. محطة سكة حديد .. مطار عام دولى جديد لنج .. مدرسة .. جامعة .. دار عبادة .. بيت سكنى .. مستشفى حكومى أو أستثمارى ... محكمة ... اى مصيبة .. هو مكان لأذلال الأنسان وتعذيبه .. كما لو كان مُصممه من زبانية هتلر أو ‪..‬ أٌم صلاح نصر ..

فى بلاد الكُفار ستجد حتما مرحاض لائق أو ربما رائع حتى ولو فى سجن من السجون .. أما فى البيوت .. فالحمام مكان جميل و نظيف و صحى ...

بعد بحث مجهد تعلمت أن ألمرحاض فى بلادنا نحن ألمؤمنين هو بيت و ملاذ الشيطان .. تدخلة بيسراك مع ألدعاء .. وتحطاط وإلا لعب ألشيطان فى مؤخرتك .. أى وألله ألعظيم ... فى ....

وبسؤال ألكفار عن هذه ألأمور أفادونا أن ألتهوية وألنظافة وألصابون ألمعطر ضايقت ألجن و ألشياطين وأجبرتها على ألهجرة لبلاد ألمؤمنين‪!

اخر الافلام

.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر


.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية




.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال