الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يـــــوم الأرض وعد النضال المتجدد

نايف حواتمة

2005 / 4 / 2
القضية الفلسطينية


يقول المؤرخ الإسرائيلي بني مورس في مقابلته الشهيرة مع الصحفي آري شاريت والمنشورة في صحيفة هآرتس بتاريخ 9/1/2004: " إن كانت نهاية القصة ستكون سيئة من وجهة النظر اليهودية فإن سبب ذلك يعود إلى أن بن غوريون لم يكمل الترانسفير عام 1948، لأنه أبقى مخزوناً ديموغرافياً كبيرا ومتفجراً في الضفة وغزة وداخل إسرائيل نفسها " ويضيف في إجابته على سؤال لاحق : " إن عرب إسرائيل هم قنبلة موقوتة ، وانزلاقهم نحو فلسطنة كاملة حولتهم إلى امتداد للعدو في داخلنا، ومن حيث القدرة فإنهم طابور خامس ديموغرافي وأمني على حد سواء ويمكنهم تقويض الدولة. وهكذا إذا وضعت إسرائيل مرة أخرى في وضع تتعرض فيه لخطر وجودي كالذي كان عام 1948، يمكن أن تضطر للعمل مثلما فعلت آنذاك .... فإن الإبعاد يغدو مبرراً " . بعيداً عن لا أخلاقية ما قاله بني مورس أخطر ما فيه أنه يؤشر إلى ما يخطط إسرائيليا ضد الفلسطينيين الذين تمكنوا من البقاء على أراضيهم المحتلة في العام 1948 تحت دعوى حق ( إسرائيل ) المزعوم في الحفاظ على طابعها " كدولة يهودية "، و خطر فلسطينيي 48 من وجهة النظر الصهيونية (الإسرائيلية) كامن في سعيهم للحفاظ على هويتهم القومية المتميزة، وقد تمكنوا من ذلك بامتياز على مدار ستة وخمسين عاماً، وتركيز نضالهم على المطالبة بحق المساواة القومية تحت شعار " دولة لكل مواطنيها "، وكذلك في مؤشرات التحول الديمغرافي الذي سيعصف بـ ( إسرائيل) مستقبلاً في ظل زيادة سنوية بنسبة تقدر بـ 1.4% لليهود مقابل 3.4% لفلسطينيي 48،وذلك حسب التقرير السنوي الصادر عن دائرة الإحصاء المركزية (الإسرائيلية) للعام 2002، في حين وحسب نفس التقرير بلغ صافي عدد المهاجرين12600 فقط وهو ناتج المقاصة بين عدد الوافدين 33600 والهجرة المعاكسة 21000، وفي هذا تراجع بنسبة 23% عن العام الذي سبقه.
لقد بدأت المخططات الإسرائيلية لتذويب الشخصية الوطنية لفلسطينيي 48 منذ اللحظات الأولى لإقامة دولة (إسرائيل) على حساب الحقوق التاريخية المشروعة لشعب فلسطين، وأقدمت الحكومات (الإسرائيلية) المتعاقبة على مصادرة أكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية المتبقية في المثلث والجليل، فضلاً عن مصادرة أراضي النقب، وذلك عبر العشرات من القوانين والأوامر العسكرية التي منعت أيضاً الفلسطينيين من البناء والتوسع الطبيعي في أرضهم. كل هذه الممارسات (الإسرائيلية) دفعت إلى المواجهة الحتمية، التي وقعت فعلاً، وكانت ذروتها في الثلاثين من آذار 1976، لكن السبب المباشر وراء انتفاضة يوم الأرض كان قرار وزارة المالية (الإسرائيلية) الصادر بتاريخ 29/2/1976 والقاضي بمصادرة 21 ألف دونم من أراضي فلسطينيي الجليل، لإقامة ثمانية قرى صناعية يهودية عليها، تطبيقاً لخطة الحكومة (الإسرائيلية) المسماة بخطة "تطوير الجليل"(اقرأ تهويد الجليل)، والصادرة في العام 1975، ولم تتورع وزارة الزراعة (الإسرائيلية) من الإعلان صراحة أن الهدف الأول من وراء خطة التطوير هذه هو تغيير الوضع الديمغرافي لمنطقة الجليل، بما يُمَكن من خلق أكثرية يهودية فيها .
إن إعلان وزارة الزراعة (الإسرائيلية يفضح ويعري سياسات الحكومات (الإسرائيلية) المتعاقبة حيال فلسطينيي 48، والتي قامت على ركائز عنصرية أبرزها :
تدمير منهجي للمجتمع الفلسطيني، ومنع تطوره، وتدمير بنيته الاقتصادية التحتية، التي يغلب عليها الطابع الزراعي، وتحقيق هذا من خلال مصادرة الأرض. وفي هذا السياق يندرج أيضاً منع التوسع العمراني بما يتناسب مع حاجات الزيادة السكانية ، ومنع تطوير البنية التحتية ومرافق الخدمة العامة، وبالتالي تحويل قوة العمل لفلسطينيي 48 إلى قوة عمل مأجورة في سوق العمل الإسرائيلية، لا تجد فرصتها إلا في قطاعات الإنتاج والخدمات الهامشية. وهذا كله أثّر ويؤثر بالنهاية على بلورة هوية وطنية مستقلة وفاعلة، تقود إلى نضال من أجل انتزاع حقهم في المساواة القومية مع اليهود(الإسرائيليين) .
إن شرط بقاء بنية مجتمعية متماسكة تبلور هوية وطنية، و تنتج ثقافة هو استقرار وتواصل تؤمنهما العلاقة مع الوطن – الأرض، لذلك فإن نزع الأراضي المتبقية في ملكية عرب 48 يقوض أساس كيانيتهم وهويتهم القومية المستقلة، ويجعل مواطنتهم منقوصة حكما، عندها ينصرف حقهم إلى حق بالإقامة دون حق بملكية الأرض، أي تحويلهم إلى "مواطني درجة ثانية"، أقرب في الحقوق توصيفاً برعايا دولة أجنبية لهم حق الإقامة الدائمة، وحتى هذا الحق محفوف بخطر الإسقاط .
المخططات الحكومية الإسرائيلية الموضوعة حتى العام 2020 تحكم الخناق تماما على المدن والقرى والتجمعات العربية الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب والساحل الفلسطيني، ولا تدرجها في قائمة المستفيدين من مشاريع التطوير، ومعظم السلطات المحلية العربية لا تجد الأموال اللازمة لتقديم الخدمات الأساسية، بما عكس نفسه على مستوى خدمات التعليم والصحة والخدمات الأخرى، وهناك خطر انهيار عدد واسع من السلطات المحلية العربية، في حين تُمنح السلطات المحلية اليهودية دعما يتعاظم سنويا بغية استكمال تهويد الأراضي الفلسطينية، والخيار المطروح أما م الكثير من السلطات المحلية العربية الانضواء في إطار سلطات محلية يهودية، أي تحولها إلى مجرد معازل في مناطق مهودة تماماً ، بما يعني تفكيك البنيان الداخلي للمجتمع الفلسطيني بما ينسف مقومات تماسك هويته الوطنية.
يتم استقدام المهاجرين اليهود الجدد وتوطينهم تطبيقاً لما يسمى بـ (قانون العودة اليهودي)، في حين تواصل السلطات (الإسرائيلية) رفضها مجرد البحث في حل مشكلة الفلسطينيين المهجرين من أراضيهم إلى مناطق أخرى داخل (إسرائيل) والذين تقدر أعدادهم بمئات الألوف، والمفارقة أن السلطات (الإسرائيلية) رفضت الأخذ بقرارات قضائية (إسرائيلية) قضت بمشروعية عودتهم إلى قراهم التي هجروا منها (إفرت وكفر برعم في الجليل مثالاً)، وجرى تعطيل القرارات القضائية بقرارات عسكرية، بما يعني رفض تمدد الفلسطينيين خارج التجمعات المحصورين فيها حالياً، وهنا نلاحظ بأن قوانين الطوارئ تطبق على فلسطينيي 48 دون سواهم من السكان اليهود في دولة (إسرائيل) ، وهذا يؤشر إلى أن (إسرائيل) تتعامل وكأنها في حالة حرب مع فلسطينيي 48 ، وهي في حقيقة الأمر كذلك حتى تجردهم من كل أراضيهم.
منذ قيامها في العام 1948، ترفض دولة "إسرائيل" الأخذ بمبدأ علمانية الدولة (الفصل بين الدولة ويهوديتها)، وتعتبر أن أساس وجودها هو حفاظها على طابعها كـ "دولة يهودية ـ ديمقراطية".
إن التركيز على طابع "يهودية الدولة" يلغي حق الأقلية العربية الفلسطينية (فلسطينيي 48) في المساواة القومية تطبيقاً لديمقراطية الدولة، لأن المساواة تعني تعطيل كل القوانين والقرارات العسكرية، التي تم بموجبها مصادرة أراضي فلسطينيي 48، وتضعهم على قدم المساواة القومية مع اليهود "الإسرائيليين"، وهذا سيشرع لاحقاً على ضوء التحولات الديموغرافية تحولها إلى "دولة ثنائية القومية"، دولة علمانية لكل مواطنيها.
في تعاملها مع مجتمع فلسطيني 48 أوجدت "إسرائيل" فرزاً خاصاً يهدف إلى تكريس مبدأ التعامل مع الفسيفساء الدينية والطائفية المكونة لهذا المجتمع كمجموعات منفصلة، فهي تقسمهم إلى عرب وهذا يشمل مسلمي ومسيحيي الجليل والمثلث، ودروز وبدو وشركس. ويلاحظ هنا تطبيق قانون الخدمة العسكرية الإلزامية على "الدروز والبدو" دون غيرهم من مكونات مجتمع فلسطيني 48، ليصبح الحديث هنا عن أقليات دينية وطائفية متفاوتة الاندماج في المجتمع "الإسرائيلي"، وليس عن اقلية قومية فلسطينية عربية، وأهداف هذه السياسة ضرب الوحدة الكيانية والهوية القومية المتميزة لفلسطينيي 48.
لقد رأت حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف في أحداث الحادي عشر من ايلول/ سبيمبر 2001 في نيويورك فرصة مناسبة للدفع بسياساتها العنصرية حيال فلسطينيي 48 إلى مراحل متقدمة أكثر غلواً، بما صعد من حجم المخاطر التي تهدد وجودهم وحقوقهم، وأكبر هذه المخاطر ما صدر في قمة العقبة 4/6/2003 من مواقف أكثرها خطورة وغرابة موقف محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية الحالي، الذي كان وقتها رئيساً لوزارة السلطة الفلسطينية، حيث أقر عباس حينها بخطابه في قمة العقبة بحق "إسرائيل" في الحفاظ على طابعها "كدولة يهودية"، وهذا يشرع صراحة لحق "إسرائيل" المزعوم في مواصلة اضطهادها القومي لفلسطينيي 48، ويضعهم مرة أخرى أمام رياح الترانسفير والتهجير، التي ينادي بها اليمين الإسرائيلي المتطرف، كما هو معبر عنه في مقابلة بني موريس، وجاءت وثيقة جنيف 3 كانون أول/ ديسمبر 2003 لتزيد من هذه المخاطر بافتراضها قبول الفلسطينيين بمبدأ "تبادل الأراضي"، وهذا ما تلتقفه حكومة شارون لتؤسس عليه طرحها بمبادلة أراضي من المثلث بسكانها الفلسطينيين مقابل ضمها للتجمعات الاستيطانية الإسرائيلية الكبرى حول القدس (إرئييل غوتى عصيون، معاليه ادوميم) وعمق أراضي الضفة الفلسطينية المحتلة. إن دخول بعض أركان السلطة الفلسطينية على خط التكيف مع الرؤية الإسرائيلية لشكل الحل نزولاً عن قرارات الشرعية الدولية، التي تضمن الحد الأدنى من الحقوق الشرعية الفلسطينية، بل وأبعد من ذلك تقديم تنازلات من وراء ظهر الانتفاضة والشعب، وبدون تفويض من أحد، تمس وتنتقص من حقوق فلسطينيي عرب 48 سينعكس سلباً على نضالاتهم في سبيل الحفاظ على هويتهم الوطنية وحقوقهم بأرضهم والعيش على قدم المساواة آخذاً بمبدأ المساواة القومية.
إن هذا المسلك الفئوي الانفرادي لبعض أهل السلطة الفلسطينية يضرب العلاقة الكفاحية القائمة على الإسناد المتبادل بين فلسطيني 48 وباقي أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، والتي تجلت بأبرز صورها من انتقال المظاهرات والمواجهات من عرابة وسخنين وكفركنا إلى القدس ورام الله والخليل ومخيمات الشتات.
واليوم وأمام تصاعد التحديات فإن وحدة كل أبناء شعبنا في مناطق الـ 48 هي شرط بناء سد الممانعة في وجه مشاريع تذويب هويتهم وإعادة تهجيرهم، ويبقى مطلوباً كل أشكال الإسناد من كل أبناء شعب فلسطين، ووقف سياسات التلاعب بالحقوق الوطنية الثانية للشعب الفلسطيني، كمثل ما جرى في قمة العقبة 4/6/2003 ووثيقة جنيف 3/12/2003. ويكفي فلسطينيي 48 تعقيدات وضعهم وظروف نضالهم على مدار 56 عاماً في مواجهة حروب مصادرة الأرض والتذويب والتهجير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يسعى لتخطي صعوبات حملته الانتخابية بعد أدائه -الكارثي-


.. أوربان يجري محادثات مع بوتين بموسكو ندد بها واحتج عليها الات




.. القناةُ الثانيةَ عشْرةَ الإسرائيلية: أحد ضباط الوحدة 8200 أر


.. تعديلات حماس لتحريك المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي عبر الوسط




.. عبارات على جدران مركز ثقافي بريطاني في تونس تندد بالحرب الإس