الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كما تكونوا يولّ عليكم

منعم زيدان صويص

2013 / 2 / 23
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


في منتصف القرن الماضي نظم الشاعر السوري عمر أبو ريشة قصيدة تقطر ألما وغيرة على حالة الشعوب العربية وفشل القادة العرب في مجابهة مخططات الإنتداب البريطاني على فلسطين ومحاربة الحركة الصهيونية، وقال:

أمّتي كم صنم مجدته لم يكن يحمل طهر الصنم
لا يلام الذئب في عدوانه إن يكُ الراعي عدوّ الغنم

ومثلت هذه القصيدة بدايةالإنتقادات للحكام العرب -- ولا أقول الأنظمة لأن هذه الكلمه لم تكن متداولة بعد -- ونعتهم بالخيانة وبالعماله للأجنبي، و تدمير ثقة الناس بهم، والدعوة إلى الإنقلاب عليهم. ووجدت هذه الدعوات طريقها إلى التنفيذ في عدد من الدول العربية في الخمسينات بعد الثورة المصريه عندما إنضم الإعلام المصري إلى هذه الحملات وأصبحت إذاعة القاهرة وصوت العرب، التي كانت تسمع بوضوح من المحيط إلى الخليج، المحرض للشعوب العربية على الثوره على حكامها، ونجح هذا التحريض في إحداث تغييرفي العراق وسوريا واليمن وكاد أن ينجح في الأردن وتونس، وكان التغيير على شكل إنقلابات عسكرية وإطاحة بحكام، ولكن الحكام الجدد كانوا أسوأ من الذين سبقوهم بدرجات، ولم يكونوا سياسيين محترفين ولم يعرفوا كيف يديرون بلدانهم إلا باضطهاد المعارضين لهم وأعدام كل من خرج عن طوعهم. و فُتْح الباب واسعا للإنتهازيين وأحزابهم ليستولوا أو يحاولوا الإستيلاء على السلطة، وأستمرت النزاعات وعدم الإستقرار حتى حرب عام 1967 عندما تلقت الدول العربية ضربة على الرأس أعادت إليها شيئا من العقلانية.

وتوقفت الإنقلابات منذ بداية السبعينات، عدا إنقلاب البشير في السودان، وتحقق الإستقرار تحت أنظمة شمولية وشبه شمولية، وسيطر الحكام على شعوبهم بالقوه وعن طريق أجهزة المخابرات. ولم يؤسسوا أنظمة ومؤسسات ليتم عن طريقها نقل السلطة سلميا بل خططوا لتسليم السلطة لأبنائهم. واستمر حكم صدام حسين في العراق، وحافظ الأسد في سوريا، وحسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا، وزين العابدين بن علي في تونس، وعلي عبدالله صالح في اليمن لعقود طويلة.

غير أن كثيرا من وسائل الإعلام والمثقفين وكتاب الأعمدة إستمروا في إنتقاد الأنظمة والدعوة الضمنية لإسقاطها، واتسعت هذه الإنتقادات بعد إنتشار القنوات الفضائية والإنترنت، وفي التسعينات تبنت قناة الجزيرة الفضائية، بعد سنة أوسنتين من إنطلاقها، دعم حركات المعارضة في جميع الدول العربية، ما عدا قطر. وتكللت الدعوات لإسقاط الأنظمة بالنجاح عندما بدأت الإنتفاضات الشعبية العربية في أواخر عام 2010، في تونس ثم في مصر وتبعتها ليبيا واليمن وسوريا، وسقط أربعة حكام عرب حكموا شعوبهم بطريقة دكتاتورية سيئة. وبدأ الناس في هذه البلدان ينتظرون ماذا ستكون النتيجة، وهل سقوط حكامهم معناه نهاية معاناتهم ومآسيهم. غير أن إنتظارهم لتحقيق التحسن طال، والوضع في بلدانهم ساء أكثر من ذي قبل واتسعت أعمال العنف التي كان سببها ومعظم أبطالها من أتباع الأحزاب الدينية المتطرفة والمنغلقة والمبتزة لبقية أعضاء المجتمع. وتذوقت الشعوب العربية طعم الإسلام السياسى عندما طبق عمليا في مصر وتونس. لا شك أن الإنتفاضات برهنت على مقدرة الشعوب على إحداث التغيير ولكن مع الأسف لم تكن هذه المقدرة منضبطة أوموجهة توجيها صحيحا.

خلال كل هذه العقود كانت جهود الكتاب والمثقفين وتحليلاتهم تُركّز على الحكام وكيفية إزالتهم، ولم تنتبه لأوضاع الشعوب، وكأن الحل السحري لمشاكل البلدان والشعوب العربية هو الإطاحة بالحكام. ولكن التطورات في المنطقة برهنت على خطأ هولاء، فالحكام هم جزء لا يتجزأ من الشعوب ولا يمكن إصلاحهم إلا إذا صلح المجتمع، فكما تكونوا يولّ عليكم. إن جزءا كبيرا، وربما أغلبية الشعوب فيما أطلق عليه إسم دول الربيع العربي، يتمنون الآن أن ترجع الأحوال إلى ما كانت عليه -- ما عدا ليبيا بالطبع لأن من المستحيل أن نجد أسوأ من نظام القذافي. أما سوريا فلا أعتقد أن هناك أي شخص ذي عقل سليم لا يتمنى لو أن الذي حصل فيها لم يحصل أبدا.

والآن ما هو سبب الفشل، وأين الخطأ؟ هل سنستمرفى لوم الحكام فقط ونتجاهل التناقضات في المجتمع العربي؟ هل سنبقى نتجاهل الإتجاهات الخطيرة التي تتبناها بعض الحركات التي تدّعي الحرص على الدين والتي تحارب كل من لا يتفق معها؟ لماذا لا نتعامل مع هذه المجموعات الهدامة بوضوح؟ بعض رجال الدين والحكماء قالوا إنهم يعارضون هذه الحركات، ولكن هذا لا يكفي، فهذه المعارضة يجب أن تكون مدعومة بحملة إعلامية وبتصريحات وأبحاث مقنعة تفند آراءهم وتقف بوجههم بشجاعة. إذا كنا نريد لبلداننا أن تتقدم فيجب على برلماناتنا أن تسن قوانين تمنع تأسيس الأحزاب الدينية، أوعلى الأقل المتطرفة منها.

ومما يبعث الأمل، هنا في الأردن، ظهورحركات إسلاميه تقدمية ومفكرين إسلاميين يعارضون هذا التطرف بشدة، وفي مقدمتهم المفكر الإسلامي الدكتور رحيل الغرايبة الذي هاله ما يحصل في سوريا ومصر وغيرها، من تهديدات للثقافة والتقدم فحاول، هو وزملاؤه، إصلاح الحركة الإسلامية من الداخل ومحاربة التطرف. ففي مقال كتبه في العرب اليوم بتاريخ 18 شباط، يتحدث الغرايبة بمراره عن " إقدام بعض الأطراف الإسلاميّة الثوريّة المتشدّدة على قطع رأس تمثال أبي العلاء المعرّي في سورية،" وقال إن هذه الحادثة "تمثل طعنة نجلاء في صميم العمل الإسلامي الحديث كلّه." وذكّر بتدمير "التماثيل في أفغانستان،" وتدمير أضرحة "بعض الصالحين والأولياء في ليبيا وبعض الدول الأفريقية." وفي مقالات أخرى ركز علي الجوانب العلمية والثقافية و"تمكين المجتمعات العربية اقتصادياً وسياسياً وعلميّاً."

نأمل أن تنموا هذه الإتجاهات العقلانية وأن تكون "مبادرة زمزم" خطوة كبيرة في هذا الإتجاه. نأمل أيضا أن يتداعى الحكماء والمثقفون الحقيقيون في المنطقة إلى الإجتماع على كلمة واحدة ويحثوا المراجع الدينية على إتخاذ الإجراءات الازمة لإيقاف هؤلاء المتطرفين عند حدهم ولمنع أفكارهم من الإنتشار بين الشباب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أهن أه الرحمة على علي كرم الله وجهه
عبد الله اغونان ( 2013 / 2 / 23 - 01:28 )
سبحان الله
اذا صلح الحكام
فسدت الشعوب
ألفت الشعوب الخنوع والذل
ان العبيد حتى لو وجدت من يحررها
تتشبث بالعبودية والذل
اللهم ول أمورنا خيارنا
ولاتول أمورنا شرارنا
نتذكر بالرحمة على أبي تراب الامام العادل
الذي كان جل أهل زمانه منافقين فاسدين
مشكلتنا ليست مع الحكام فقط بل مشكلتنا أننا ليس الأخرون هم الجحيم
بل نحن الجحيم نفسه
صدقت ياخير خلق الله
كماتكونوا يول عليكم
ولاحول ولاقوة الابالله


2 - السيد عبد الله اغونان
عبد الرضا حمد جاسم ( 2013 / 2 / 23 - 06:23 )
تحية طيبة
من هم المنافقين الفاسدين كما وصفت في ت1 الذين كانوا على زمن علي
تعرف لو يتم تشحيصهم كم من الدماء تُحقن
العبارة التالية من ت1
نتذكر بالرحمة على أبي تراب الامام العادل
الذي كان جل أهل زمانه منافقين فاسدين

اخر الافلام

.. كلمات ادريس الراضي وخديجة الهلالي وعبد الإله بن عبد السلام.


.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين داعمين لغزة أمام متحف جا




.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية


.. الشرطة الأميركية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين وتفكك مخيما ت




.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام