الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هتك عرض الدولة

إكرام يوسف

2013 / 2 / 23
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


جلس مطاطئ الراس منكسرا، وعندما طلب منه المذيع أن يرفع رأسه لمواجهة الكاميرا، قال بصوت مصحوب بكل نكد الدنيا، إنه لا يستطيع أن يواجه الناس بما يحمل من عار! المسكين لا يعرف أن العار هو أن يستقوى جبان بسلطانه ليهين أعزلا أوقعه حظه العاثر بين براثنه. لم يعرف أن الضابط الذي أهانه وهو بين جنوده المدججين بالسلاح، هو الذي يحمل عار الجبن والخسة والدناءة، نفس العار الذي يحمله كل مسئول في الدولة سمح بذلك.
كان الشاب أيمن، الميكانيكي البسيط، يعتقد أن المشي بجوار الحائط والبعد عن حديث السياسة كفيل بأن يضمن له الأمان والبعد عن المشاكل، إلى أن تواجد بالصدفة في نطاق حملة اعتقال عشوائية قامت بها قوات الشرطة للمتظاهرين، فكان ما كان! وفي حلقة من برنامج المذيع اللامع يسري فودة "آخر كلام"، خرجت كلمات أيمن من قلب يعتصره القهر، تحكي ما تعرض له من ممارسات فاجرة الوحشية: كل ما يمكن أن تتخيله من ممارسات جرت في سجن أبو غريب على أيدي المحتل الأمريكي، من محاولات إذلال وامتهان وكسر للنفوس! بداية من انتهاك أعراض الرجال، إلى ربط طوق في رأس الأسير وإجباره على السير على اربع والنباح كالكلب، مرورا بإجبار الرجل على تسمية نفسه باسم امرأة، واتهام نفسه بالشذوذ! ويوضح الناشط حسام بهجت مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن مسألة "قلع بنطلون الضحية وإدخال عصا في مؤخرته" صارت عملية ممنهجة، تتكرر حاليا مع معظم من يلقى عليهم القبض من نشطاء في عهد مرسي! ولم يكن حديث الضحية "أيمن" ولا الناشط "حسام" جديدا على المتابعين للأحداث! فمنذ تولى محمد مرسي حكم البلاد حتى الآن، خرجت عدة تقارير موثقة من مختلف الجمعيات الحقوقية، وأبرزها مركز النديم لعلاج ضحايا التعذيب، ومجموعة لا للمحاكمات العسكرية، ومركز هشام مبارك لحقوق الإنسان، وغيرها، تفضح ممارسات سادية مجرمة يتبعها ضباط مرضى مع ضحاياهم العزل: انتهت في حالات إلى الموت تحت التعذيب، أو دخول ضحايا مستشفيات الأمراض العصبية! ولم يلتف أحد إلى هذه التقارير، ولم نسمع عن تحقيقات جادة فيها!
ولا شك أن هذه التقارير وصلت إلى رئيس الدولة، الذي يتيهون بأنه حافظ للقرآن ويصلي الفجر حاضرًا! لكننا لم نسمع أنه رفع اصبعا ـ كالذي أشهره في وجوهنا محذرا ـ يطالب فيه بوقف انتهاك أعراض أبناء شعبه! ألا يعلم الرئيس وأهله وعشيرته، أن انتهاك أعراض المواطنين رجالا ونساء في عهدهم ـ وهو ما لم نشهد حدوثه أبدا في الشهور الأولى من حكم أي رئيس سابق ـ إنما هو انتهاك لأعراضهم جميعا؟ ألا يعلم هؤلاء السادة أن مؤخراتهم لم تكن بعيدة أبدا عن العصي التى أدخلها زبانيتهم في أدبار الابرياء من أبناء الوطن؟ وأن صمتهم على ما يحدث حتى الآن ليس سوى موافقة وتشجيعا، للمرضى من مرؤوسيهم على استمراء ما يفعلون ومواصلته؟ وهل يعتقد هؤلاء أن "مؤخراتهم" سوف تكون آمنة مستقرة فوق كراسيهم، عبر انتهاك مؤخرات المواطنين؟
تذكرت مقولة كنت قرأتها لإحدى حرائر لبنان المناضلات، عندما هددها المحتل الإسرائيلي باغتصابها بعد اعتقالها في الجنوب، فقالت "لا معنى لشرف شخصي في وطن مغتصب"! ألا يفهم هؤلاء السفلة أن كافة أفعال الاغتصاب والإهانة، لا تقلل من قدر ضحاياهم الذين يجبرون تحت التعذيب على قول وفعل ما يكرهون، وإنما تقلل من شأن الفاعلين المجرمين وتكشفهم مدى حقارتهم وانحطاطهم، هم ومن يصمتون على هذه الممارسات من رؤسائهم ولا يتحركون لوقفها؟
لقد أثبتت تجربة "أيمن"، الشاب الذي حرص على أن يؤكد "أنا ماليش في السياسة ولا باتكلم فيها" أن وحشية الأنظمة المستبدة لا تطول فقط معارضيها، وأن أحدا في هذا المجتمع لا يأمن على حياته ولا على كرامته وعرضه، في ظل نظام لا يهمه سوى تمكين رموزه من أوصال الدولة، واغتصابها عنوة. وقد فتحت قضية "خالد سعيد" أعين الناس على أن ظلم نظام المخلوع ووزير داخليته، لم يعد قاصرا على النشطاء، بعد أن ظلوا طوال ثلاثين عاما هدفا للقمع والمطاردة والتنكيل، في غياب اهتمام جماهيري، بعدما نجحت الحكومات المتعاقبة في غرس بذور الأنانية واللامبالاة في أذهان الكثيرين. ولم يتوقف أحرار هذا الوطن طوال عهد المخلوع ،عن الجهر بقول الحق في وجه سلطان جائر، ولم يستوحشوا طريق الحق رغم قلة سالكيه، وتحملوا طويلا دفع الثمن وحدهم، في غياب مشاركة جماهيرية حقيقية، وربما في غياب التعاطف أيضا! فكم من المرات كان النشطاء يتعرضون للضرب والاعتقال في وسط الشارع، من دون أن يتصدى المارة لنجدتهم؟ كانت الغالبية تتوخى السلامة عبر عدم الزج بنفسها في الصراع السياسي، رغم تدهور أحوالها المعيشية. وقبل كثيرون لقمة العيش المغموسة بالقهر والذل حرصا على مجرد الحياة. لكن قصة "خالد سعيد" التي تكررت كثيرا بعد ذلك، وبوتيرة أسرع وأعداد أكبر منذ تولى الإخوان الحكم، وتعرض المزيد من المواطنين "الماشيين في حالهم جنب الحيط" للتعذيب والمهانة وهتك الأعراض ثم الموت؛ من العامل البسيط الفقير عصام عطا، إلى سعد سعيد في قسم العمرانية، وبطل قصتنا الأخيرة "ايمن" وغيرهم، تؤكد أن ظلم الطغاة يطول الجميع؛ وأن أحدا لن يكون آمنا في ظل نظام يفتقر إلى أي فهم للديمقراطية وحقوق الإنسان! ولم يعد النشطاء والمعارضون وحدهم من يدفعون ثمن وصول المستبدين للحكم! فقد صار الطغاة ينتهكون عرض الدولة بأكملها. لكنهم لا يدركون أن ممارساتهم انتهاك أيضًا لأعراض حكام هذه الدولة، فلاشك أن انتهاك أعراض من هم تحت مسئوليتك يعني انتهاك أعراض أهل بيتك وعرضك شخصيًا!
وقد كنت أتمنى لو استضاف لنا الزميل يسري فودة أطباء نفسيين، لتشخيص حالات من يمارسون هذه الأعمال القذرة ضد مواطنيهم، ومن يرأسونهم ويصمتون عليها. ويوضحون لنا طبيعة شخصيات هؤلاء وعلاقاتهم بأهلهم ومعارفهم. ولعلهم يفسرون لنا ما ذكرته في مقال سابق عن احجام كثير من الأسر الطيبة عن تزويج بناتهم من ضباط الشرطة!
وأخيرا، ليعلمل الزبانية ورؤساؤهم؛ هذه جرائم لا تسقط بالتقادم؛ لا أعني فقط قانونًا، ولكن الضحايا لا ينسون! واحذروا يوما يلقاكم أحد ضحاياكم وجها لوجه، بعيدا عن جنودكم، يومها لا تلومون سوى أنفسكم!.. سوف تدفعون ـ جميعكم من أكبر رأس فيكم لأصغر رأس ـ الثمن عاجلا أم آجلا. فالدم قصاص، والأعراض قصاص..هـــــــانت!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي