الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نائب وكيل الأحدية

عذري مازغ

2013 / 2 / 23
كتابات ساخرة


من الرائع تأمل هذه الصورة الكاريكاتورية التي وردت تفاصيلها من مدينة ميدلت بقلب الأطلس المتوسط: صورة تمشكل وضعا فجا في تاريخ المغرب الحداثي، تمثل ذروة في التخلف، مع أن العادة في المغرب، أن كل تخلف، كل سمة له تشكل مفخرة عظيمة لبعض الأجناس المتخلفة، فالدولة الوحيدة التي لها هذا الطابع المحافظ لاستمرار التخلف على الرغم من ادعاء الحداثة هي دولة المغرب، الدولة التي ترسم معالم تطورها التاريخي وفقا لمعيار الثوابت التي لا تتحرك خطوة نحو الأمام، أي أنها تبني ما يعثر خطوتها بأي ثمن، تبني تركيبة صنمية في اتجاه تقدمها، لذلك لا عجب أن تحتل مدينة العشاق كميدلت، مركز اهتمام واسع في الأسابيع الآخيرة، ليس لأنها تحتفي بعروس التفاح المغربي كما دأبت العادة، بل لأنها ، وعلى غير العادة، ازفت في عرس آخر من نوع آخر، دشنت دخلة قدم في حذاء نائب وكيل الملك، وكان للدخلة طقس خاص، تضحية خاصة: أن يجثم عامل ميكانيكي تقبيلا لحذاء نائب وكيل الملك: حدث استحق بامتياز أن يسم مدينة عادتها زف عرائس التفاح، أصبح لها فجأة موسم آخر: أن تزف هذه المرة حذاء لقدم نائب وكيل الملك. من جمائل الثبات المغربي، أن تكون للعدالة ثوابتها، عدالة أساسها الملك، والملك حجر الزاوية في العدالة، وبقدر ما تتراكم شؤون العدل في المغرب، بقدر ما تحتاج إلى عرس احتفالي يبهج مزايا عرسانها في زفة ابتهال التي عادة من سماتها التقبيل والسجود والتمرغ، أي أن من عاداتها الممجدة الحط من الكرامة من خلال تفاوتاتها الطبقية أو من خلال تسلسلها في السلم الإداري، وعادة السجود والتقبيل وما إلى ذلك من صفات الإنحطاط تتسلسل بدرجات متفاوتة في الترتيب من فوق إلى تحت، من تقبيل الكتف مرورا باليد إلى تقبيل الحذاء، يتسلسل عكسيا من الإنحطاط الوضيع الذي تمارسه العامة، إلى الإنحطاط السامي الذي تمارسه النخبة، أليس عظيما ان يكون لعادة الإنحطاط في المغرب موسم شبيه بمواسم الجني: جني حب الملوك بصفرو، جني التفاح بميدلت، واخيرا جني موسم الأحكام العدلية: موسم فيه الطبقة العاملة تقبل أحذية الخنازير العدلية في موسم ميدلت الجديد حيث عامل الميكانيك زف لحذاء نائب وكيل الملك في مشهد قداس لم يعرف مثله المغرب في كل تاريخه التليد. ومن المفارقة العجيبة أن يكون رجل تليد في القانون الجنائي والجنحي، قد ضرب عرض الحائط كل ترسانة علمه الجنائي والجنحي عرض الحائط ليتمسح بنزوعه العنصري، أن ينزع كل جلبابه القانوني المثقل بكل عيوبه الخياطية ليتجرد ككائن شريف، أي كائن منحط، كائن يتغذى على علف أجرة هي من صميم عرق المواطنين ومع ذلك يتجرد بشكل سوريالي بما يسمه ككائن اجتماعي تلقى تعليمه وأجر خدماته من ضرائب مواطنيه، يتجرد كما لو أن اجرته تدفعها له الملائكة، والمفارقة الأعظم أن يكون الحدث أمام شهود عيان، امام شرطة المفروض فيها أنها تحمي كرامة المواطن عوض أن تسحبه من مقر عمله إلى مخفرها دون وصل قانوني يفيذ الإعتقال او الإستنطاق، لتوقعه أضحية لقداس.
المسألة لا تتوقف عند الحدث بل تتعداه إلى مستويات بنيوية متعددة، ففي جميع القطاعات نجد مثل هذه المسلكيات بدرجات متفاوتة تظهر إلى اي حد صنع جهازنا التربوي كائنات نبيلة جدا وشريفة جدا بمجرد انها تعتلي مقعدا مخزنيا بالتعيين المفيد، مقعدا شريفا كما ينتظر ان يحمله وعي العامة، ويعني ذلك، بما لها من مزية التعيين، انها تنتمي إلى جنس آخر، جنس المحظوظين، ويعني تاليا انها تحمل رأسا من الحماقات بتعبير نيتشة، وبناء عليه يمكن أن يصدر من كل الكائنات المعينة بمرسوم ما وهم على راس كل الوظائف الحساسة، في أي وقت محتمل، كل ما يتوقعه منها الشارع المغربي، فهي كائنات حصينة بالتعيين، وتحاكم في مسلكيتها العامة وفقا لوعي فوقي تسلسلي هو وعي التعيين نفسه المستمد من الشعور والغبطة العارمة بالإنتماء إلى الحظوة، في بيئة يتحكم فيها هذا النزوع إلى إعادة التقبيل وتجديده وفق معطيات مختلفة، يمكن لإعادة التقبيل مثلا ان يحافظ على مكانة النبيل بعد حماقة مغرضة، حماقة مثلا تظهر نوعا من النزاهة المقلقة لذوي الأمور ونحن نتذكر مثلا كيف كان يقبل المحجوبي أحرضان قدما الحسن الثاني عندما صدرت منه نزاهة عميقة تنبع من عمق الحقيقة السياسية في مغرب المخزن، حين وصف حكومة جلالته ب "حكومة الشمايتية"، كانت حينها تلقائية أحرضان في تقبيل قدما الحسن الثاني تنم عن رضى تام ينبع عن شعور بالإثم البالغ:شعور بأن يفقد مكانته الوظيفية في جهاز الأعتاب الشريفة ومعنى ذلك انه سيصبح خارجا عن طبقة الشرفاء، أن يكون خارجا، وبتعبيره هو، عن طبقة "الشمايتية" نفسها، ويمكن بهذا الصدد اعتبار صفح الملك الحسن لأحرضان نابع أيضا عن نضج شرط الصفح وهي ان يكون التقبيل علنا وامام عدسات وسائل الإعلام، أن يكون عبرة للشعب، بينما مشهد أو حادثة نائب الوكيل مع الشاب هشام فهو تعبير عن الوقاحة نفسها، محاكاة لجانب من الفظاعة الشريفية في شروط مختلفة تماما، هي انعكاس لفعل "الشمايتي" على الآخر خارج دائرة "الشمايتية" وذوقها عند الشاب هشام يختلف كثيرا عن ذوق أحرضان: يقول الشاب هشام حمي كما نقلته وسائل الإعلام: "شعرت حينها كما لوكنت حشرة". وهو شعور كل الشعب المغربي الخارج عن دائرة شعب أو طبقة "الشمايتية".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هو اكثر شيء يزعج نوال الزغبي ؟??


.. -احذر من صعود المتطرفين-.. الفنان فضيل يتحدث عن الانتخابات ا




.. الفنان فضيل يغني في صباح العربية مقطعا من أحدث أغانيه -مونيك


.. مشروع فني قريب بين الفنان فضيل وديانا حداد وجيبسي كينغ




.. أغنية -عبد القادر- بصوت الفنان فضيل في صباح العربية