الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيونج يانج والتحدي بالسلاح النووي

محمود عبد الرحيم

2013 / 2 / 25
مواضيع وابحاث سياسية



لم تمر التفجيرات النووية الثالثة لكوريا الشمالية التي جرت قبل قرابة أسبوع بسلام، وإنما واجهت ردود فعل غاضبة تجاوزت مواقف جارتها المناوئة “كوريا الجنوبية” شديدة الانزعاج والتوجس، إلى تنديد دول العالم من أقصاه إلى أقصاه، وحتى الدول الصغيرة والبعيدة عن أي تماس جغرافي أو سياسي مع بيونغ يانغ كتونس أو مصر أو دول مجلس التعاون الخليجي، أو حتى الكيان الصهيوني الذي امتلك في غفلة من الجميع قرابة مئتي رأس نووي، شاركوا ضمن من شاركوا في التنديد بتلك التجربة النووية، على نحو بدا كما لو أن تلك الدولة النامية الطموحة لدخول النادي النووي بفرض أمر واقع، وتجاهل كل التحذيرات، تمثل خطراً مباشراً على الأمن والسلم الدوليين وتهدد الاستقرار العالمي من دون غيرها .

في الوقت الذي ترى أطراف عديدة، خاصة سيؤول وطوكيو وواشنطن أن كوريا الشمالية تقوم بأعمال استفزازية ضد القانون الدولي وتهدد استقرار آسيا، بل والعالم، نرى بيونغ يانغ تتعامل مع الأمر كقضية “كرامة وطنية”، وتحدٍ لكل من يحاول أن يقف ضد حقها المشروع الذي عليها انتزاعه بالقوة، ولذا لم تستجب لنصائح حتى حليفتها الاستراتيجية “الصين”، التي كانت القوى الكبرى في العالم، وحتى كوريا الجنوبية تعول عليها في الضغط على النظام الكوري الشمالي لإثنائه عن المضي في التجربة النووية الثالثة التي حسب التقديرات الأولية أكثر تطوراً عن التجربتين السابقتين، وربما يكون قد تمت، مثلما يقدر بعض الخبراء، باستخدام اليورانيوم وليس البلوتنيوم، ما يعكس قدرة ذاتية متطورة تثير مخاوف أطراف عديدة . الأكثر من هذا أن فكرة العدول عن المسار الذي تسير فيه بيونغ يانغ لم تعد مجدية، إذ سارعت تلك الدولة الشيوعية إلى إجراء تجارب على صواريخ بالستية طويلة المدى عابرة للقارات، فضلاً عن إخبار بكين نيتها استكمال مزيد من التجارب النووية، وهددت بإشعال الموقف، وخوض حرب إن تعرضت لمزيد من العقوبات .

وقد أخذ رد الفعل الدولي أبعاداً سياسية وعسكرية، فلم يقتصر الموقف على الشجب والإدانة، سواء من جانب الدول أو المنظمات الدولية، وإنما وصل إلى تصعيد الموقف دبلوماسياً باستدعاء بعض الدول الأوروبية كألمانيا وبريطانيا سفراء كوريا الشمالية لإبلاغهم رسالة احتجاج قوية، فيما رفضت استراليا استقبال وفد دبلوماسي كوري شمالي كان يسعى لفتح سفارة لبيونغ يانغ في العاصمة كانبيرا، وجرى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي أدانت تلك الأعمال، وسط تنسيق واتصال سياسي وعسكري عالي المستوى بين كل من سيؤول وطوكيو وواشنطن، وتعهد الأخيرة بأن توفر مظلة نووية أمريكية لحلفائها .

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تصاعد لدرجة استعراض كوريا الجنوبية قدرتها العسكرية، حيث كشفت النقاب عن صواريخ “كروز” قادرة على ضرب أي منطقة في كوريا الشمالية، فضلاً عن التخطيط لوضع نظام دفاع صاروخي بهدف اعتراض الصواريخ الكورية الشمالية قبل الوصول إلى الأراضي الكورية الجنوبية، كما أعلنت وزارة دفاع في سيؤول أن القوات المسلحة الكورية الجنوبية تواصل تدريبات شاملة في البحر والجو والأرض، وتكثف مناوراتها العسكرية الواسعة بالتعاون مع القوات الأمريكية تحسباً لتهديدات جارتها الشمالية، وسط دعوات من قوى سياسية عديدة في كوريا الجنوبية للتسلح النووي من أجل مواجهة أي تهديدات نووية من الجارة الشمالية، بالتزامن مع إعلان اليابان أنها يمكنها اكتساب القدرة على الضربة الوقائية مستقبلاً .

وما يجب الوقوف عنده هو اختلاف المنظور في تناول تلك القضايا الحساسة دولياً، فثمة تباين واضح في التعاطي مع قضية امتلاك الدول النامية لتكنولوجيا نووية، وتختلف المواقف سواء بالتأييد والقبول أو الرفض والاستهجان من جانب كل طرف حسب رؤيته المصلحية، إذ تنظر دول العالم، خاصة المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة لامتلاك الدول النامية لسلاح نووي على أنه انتهاك لمعاهدة منع الانتشار النووي، وفعل مجرم يجب التصدي له، مع وضع فيتو على مثل هذه الطموحات، بل وفرض عقوبات وممارسة ضغوط شديدة الوطأة على من يتجاوز هذا الخط الأحمر، سواء عبر مجلس الأمن أو المنظمات الدولية المعنية كالوكالة الدولية للطاقة الذرية أو من خلال الدول نفسها بفرض حظر اقتصادي أو عسكري أو قطع علاقات دبلوماسية بشكل فردي أو جماعي، لتفادي الإخلال بتوازنات القوى الإقليمية والدولية، وما يستتبعه من إمكانية فقد مناطق نفوذ أو إضعاف موقف حلفاء واشنطن التقليديين ككوريا الجنوبية واليابان سياسياً واستراتيجياً، مثلما هي الحال في حالة كوريا الشمالية .

وفي الوقت الذي تتربص القوى الدولية لكل من بيونغ يانغ وطهران، نراها تغض الطرف عن السلاح النووي “الإسرائيلي”، الذي يشكل بالفعل خطراً حقيقياً على المنطقة العربية، مثلما فعلت من قبل مع تجربتي الهند وباكستان كونهما تقعان تحت السيطرة، وتدوران في الفلك الأمريكي، ويمثل امتلاك كل منهما لهذا السلاح ردعاً للآخر وتوازناً دقيقاً للقوى .

على الجانب الآخر، ترى بعض الدول النامية ومنها بيونغ يانغ أن من حقها امتلاك تكنولوجيا نووية، سواء للاستخدام السلمي أو العسكري، مثلها مثل غيرها ممن سبقوها، من زاوية “العدالة الدولية”، وإقرار الحق بالقوة، وأن عليها أن تحوز كل ما من شأنه حماية نفسها من أي تهديدات، معتبرة أن ضغوط الدول الكبرى، وجيرانها، وفرض عقوبات قاسية عليها خلال السنين الماضية، وعدم الاعتراف بحقها المشروع في أن تدخل النادي النووي، كان محفزاً على إجراء تجربة نووية جديدة، واستجابة لمطلب شعبي للرد بشكل عملي على مثل هذه المواقف العدائية للطموح الكوري بحسب التصريحات المتواترة للمسؤولين الكوريين الشماليين .

وإن كان سباق التسلح النووي من زاوية يمكن اعتباره يمثل خطراً على الأمن والسلم الدوليين، وإخلالاً بتوازنات القوى الإقليمية والدولية، فإنه يمكن النظر إليه من زاوية أخرى، وهي كسر التابوهات القائمة، وهدم لبنية علاقات القوى التي أنتجتها مناخات الحرب العالمية الثانية

وهذا التصور عبرت عنه بيونغ يانغ صراحة عبر صحيفة “رودرونغ سينمون” الناطقة باسم حزب العمال الحاكم في كوريا الشمالية، بالإشارة إلى أنه: “إذا كان لدى الإمبرياليين ترسانة نووية وصواريخ باليستيه عابرة للقارات وأنواع أخرى من الأسلحة، فإن على كوريا الشمالية أن تمتلكها أيضاً، وإن قدرة بيونغ يانغ النووية هي خيار مبرر وستسهم في السلام الحقيقي لكل البشرية، وأنه لا مساومة في المعركة الأخيرة ليعلو صوت انتصار استقلال البشرية” .

وربما تكون ردة الفعل الدولية العنيفة تعكس انزعاجاً حقيقياً من أن يكون تمرير مشروع كوريا الشمالية النووي بداية لمزيد من التحدي من قبل دول نامية أخرى، للفيتو الغربي بحظر امتلاك تكنولوجيا نووية، وتكرار مثل هذا التجرأ أو المغامرات التي تمثل كسراً للحصار المفروض على طموحات الدول الصغرى نووياً .

وربما يكون المشروع النووي الإيراني السائر في طريقه، رغم العقوبات الاقتصادية التي تزداد تشديداً يوماً تلو يوم، والضغوط السياسية، والمفاوضات التي لا تتحرك خطوة للأمام منذ سنوات طويلة، ماثلاً في أذهان الغرب، عند التعاطي مع التجربة النووية الكورية، خاصة في ظل تداول معلومات عن تعاون نووي بين بيونغ يانغ وطهران، بل إن مصادر دبلوماسية غربية قد ذكرت أن “التجربة النووية الجديدة التي أجرتها كوريا الشمالية مؤخراً، تمت في حضور عدد من الخبراء الإيرانيين بموقع “بونجيري” النووي في “بيونغ يانغ”، وبمساعدة مالية إيرانية .

وتلك المعلومات في حال تأكيدها قد تزيد من شكوك المجتمع الدولي حول توجه إيران نحو تطوير سلاح نووي .

وبالعودة إلى أزمة بيونغ يانغ، فإن السيناريوهات المتوقعة لا تؤشر إلى إمكانية تراجع كوريا الشمالية عن مشروعها الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الإنجاز، ووصل إلى محطته الأخيرة، وفكرة إخلاء شبه الجزيرة الكورية من أسلحة الدمار الشامل باتت غير منطقية الآن، كما أن استمرار تشديد العقوبات الدولية لن يغير من المشهد، بل إنه قد يقود إلى مزيد من التوتر، وربما إلى حرب إقليمية إذا ما أقدمت سيؤول بمساعدة واشنطن وطوكيو على فرض حظر بحري يعوق حرية الحركة، ويضيق الخناق على كوريا الشمالية ويحرمها من توفير احتياجاتها الأساسية، وهو ما هددت به صراحة بيونغ يانغ، كما أن بكين لن تقبل بعزلة وعقاب حليفتها بشكل يجهز عليها وعلى النظام الحاكم الحليف لها كما تأمل سيؤول، ويبقى الطريق الوحيد هو الاعتراف بكوريا الشمالية كدولة نووية كأمر واقع، واستقطابها بمنطق الحوافز وليست العقوبات للانفتاح على العالم من دون ضغوط مباشرة أو إجبارها على تغيير نظامها السياسي والاقتصادي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس