الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضاء على الدولة

جمال القرى

2013 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية



يكشف مشروع القانون الارثوذكسي الى انه يهدف الى تحقيق امرين اساسيين مترابطين: الاول، هو الامعان المقصود في اضعاف "الدولة"، كخطوة على طريق القضاء عليها لصالح الطوائف والمذاهب، مع ما يعنيه ذلك من مساهمة فعلية في تفتيت البلد، والقضاء على كل ما تبقّى فيه من علاقاتٍ نُسجت سابقاً، وجامعة على كل المستويات، وان كانت نسبية، ومتفاوتة، ومتواضعة، نظراً لخضوع غالبيتها للفرز الطائفي الرسمي، الا ما خصّ منها ما هو خيار وطني اختياري. اما الثاني، فهو – وفي حال اقرار المشروع- تحويل الواقع اللبناني الغير متوازن، والمفروض بالقوة المستمدّة من تغلغل قوى خارجية واقليمية فيه، الى واقع دستوري وقانوني جديد، يقفز فوق دستور الطائف ويتخطّاه، ليغطي ويشرّع رسمياً ادخال لبنان، وتدخّله المباشر في الصراع الدائر في المنطقة، وخصوصاً في سوريا، لحاجة في جعله نقطة ارتكاز لتحويل مجرى هذا الصراع – ان استطاع- لصالح المحور السوري الايراني الروسي، ولرسم ملامح المرحلة المقبلة، اي هي محاولة لزجّه في لعب دور اكبر بكثير من قدرته على التحمّل.
شكّل رفض هذا المشروع، والموافقة عليه، امتحاناً جديّاً لكافة التكتلات الطائفية والمذهبية الاساسية. فاذا ما استثنينا الكلام عن عرّابه، حزب الله، وعن مسوّقه، التيار الوطني الحرّ، فقد أزال هذا الرفض او هذه الموافقة الأقنعة عن خطاب فريق 14 آذار "الوطني"، كما كشفت عن هشاشة وضعف تحالفاته.
فرفضه من قِبل تكتلين مذهبيين رئيسيين هما السنّة والدروز، انما يصبّ في حقيقة الامر في عدم تقبّلهما لخسارة محسومة لبعض مقاعدهما، واحتسابها لصالح معارضيهما. فالسنّة سيتمثّلون حينها، الى جانب الحريرية السياسية، بوجوه اكثر راديكالية، وربما سلفية متنوعة المشارب، بدأت بالتكوّن، والنمو، وبالتحدّي بظهورها المسلّح، بعضها مرتبط بدول خليجية، وبعض آخر لا يخفي ارتباطه بما يسمى محور الممانعة، مستكملين بذلك الصورة المرتسمة على الارض السورية، مما يستدرج هذه الفئات السنيّة، وبشكلٍ مدروس، وتحت مسوّغات مختلفة، الى لعب دور محوري في الصراع الداخلي، والاقليمي القائم، وعندها، يستوجب الردّ عليها بحكم سلفيتها، وتهديدها لسائر الاقليات، ولارتباطها بالمشروع الاصولي المركزي في المنطقة. فهو اذن، ضخّ الحياة في ما هو افتراضي او غير ذي دور فعلي حتى الآن، للانقضاض عليه لاحقاً بما يخدم مسار المواجهة المرسومة المقبلة.
اما بالنسبة الى الدروز، فان خسارة المقاعد الجنبلاطية، لا بد ان يشغلها حلفاء ل8 آذار، مما يريح هذا الفريق من طول معاناته من مواقف وليد جنبلاط، لاعب دور ترجيح كفّتهم احياناً، واسقاطها احياناً اخرى. وبذلك، تتحقّق قسمة تمثيلية سياسية فعلية وضرورية في هذين المذهبين، في حين يبقى التمثيل الشيعي شبه مترّاص.
اما الموافقة على هذا المشروع من قِبل مسيحيي 14 آذار، وتفضيلهم اياه على مشاريعهم المطروحة، فلم تقنع حججها الجمهور العريض الذي منحها كامل ثقته، وآمن بها منذ 14 آذار 2005، بل بدت حججاً ضعيفة وواهية، وكأنها هروب من الحقيقة، مما يدلّ على هشاشتهم وقلة مناعتهم تجاه التخلّي عن عقلية "الاقليّة" نحو رحاب وطن مدني اوسع لطالما تغنّت بها خطاباتهم.
وتبقى الاشارة، الى ضرورة الفصل بين مواقف وخلفيات القوى الرافضة لهذا المشروع من منطلق مذهبي ومصلحي، وبين مواقف افراد ومجموعات ناشطة ونخب متصدّيه له، انطلاقاً من مواطنيتهم، ومن ايمانهم بوطن اسمه لبنان، ومن احساس بضرورة ايجاد قانون انتخابي مدني يضع حدّاً لمهزلة هذا النظام الطائفي، ويؤسس لبناء دولة مدنية ديموقراطية، خارج الاطار الطائفي والمذهبي. ولكن مأساة هؤلاء تكمن في عدم وجود اطار سياسي وطني متنوّع وجامع لهم، او لمجموعات منهم ينشطون من خلاله، ويستثمرون كل انجازٍ مدني لهم، يكسبونه بما هو فعل سياسي، ويحوّلونه الى مدماك ايجابي اضافي يبلور هذا الاطار، ويطوّره ويوسّعه، وتكمن ايضاً في فقدان الامل من امكانية خلقهم لهكذا اطار في الوقت الراهن. لذلك فان كل ما ينجزونه يصبح مع الاسف – وهو ليس بالقليل- عرضة للاستثمار السياسي من قِبل القوى النافذة المتقاطعة مصلحتها الآنية معهم، كل بدوره، وكل لمصلحته، وكل بشارعه، فهاهم يتراكضون للترؤس، وللاضاءة عما يخدم توجهاتهم، ويخطفون ما تيسّر من افكار وانجازات ليست لهم ولا تشبههم.
ان قُدّر لهذا المشروع – الفتنة ان يرى الحياة، فانه سيشكّل في نهاية المطاف، هدراً لكرامة انسانية متبقية عند البعض، وسيسوقهم غصباً عنهم الى بيت طاعة "المذهب"...ولكننا نعدهم ونطمئنهم باننا لن ننساق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو