الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمال و النقابة و اليسار

حسن خليل

2013 / 2 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


شهدت الحركة العمالية تصاعدا واسع النطاق منذ مطلع عام 2000. و حتي أضراب المحلة الكبير عام 2006 كانت الاحتجاجات العمالية متناثرة. بعد أضراب المحلة حدث تغير نوعي في حجم و كم الإضرابات العمالية – و كذلك الفئات الأخري – و أصبح الباب مفتوحا للقوي اليسارية للتواصل مع العمال بدرجة ما عبر القادة العماليين الطبيعيين الذين أفرزتهم الحركة الاحتجاجية. و كان سعى القوي اليسارية للالتقاء بالحركة العمالية يهدف أولا للتضامن معها و توفير الدعم الإعلامي و القانوني لها من حيث الأساس. حتي أن مجموعة منهم أسمت نفسها مجموعة "تضامن". و عدا ذلك هدفت الحركات اليسارية إلي ضم أعداد من العمال لصفوفها . و قد حدث هذا فعلا و في سياقه حدث نوع من الصراعات بين القوي اليسارية علي كسب العمال مما كان له أحيانا أثرا سيئا علي نظرة العمال لهذه القوي. سياسيا لم تطرح القوي اليسارية علي العمال سوي ما يطرحونه هم أنفسهم من احتجاجات متعلقة بالأجور و الحوافز و التثبيت. و قد جري نقاشا واسعا حول التعددية النقابية في هذه الأثناء و سط الأكثر أهتماما بالحركة العمالية. ثم كان أضراب الضرائب العقارية خطوة ضخمة للأمام بالأبداع الذي لازمه و روح الجراءة و التضحية. و بعد أن تكلل الأضراب بالنجاح تم تأسيس النقابة المستقلة للضرائب العقارية و قد كانت خطوة متقدمة و يرجع الفضل في ذلك لحد كبير للقائد الشهير كمال أبو عيطة. و في أعقاب الثورة 2011 اتسعت حركة بناء النقابات المستقلة وصولا لتكوين اتحادين للنقابات المستقلة . اتحاد النقابات المستقلة و أتحاد عمال مصر الديمقراطي عدا عن نقابات عديدة و تجمعات أخري. و ساهمت القوي اليسارية بالكثير في هذه الحركة توعية و دعما و حشدا. و بالنتيجة توسع وجود اليسار وسط الحركة العمالية و أن كان مازال بعيدا عن أن يكون متغلغل في الحركة ذاتها أو حتي معروفا بشكل واسع للعمال. و هنا يثور سؤالين ما الذي تقدمه الحركة النقابية للعامل و ما الذي يقدمه اليسار للعامل؟

ما الذي تقدمة الحركة النقابية الجديدة للعامل؟
النقابات الجديدة نوعين نوع ورقي لا يرقي لمستوي أن يسمي نقابة. النوع الأخر هو نوع النقابات المستقلة المناضلة التي خرجت من رحم الاحتجاجات العمالية في المواقع المختلفة و التي يتصدرها قادة هذه الاحتجاجات.و تقوم المهمة الأساسية لهذه النقابات علي ما يمكن أن نسمية "نقابة الخدمات" أي النقابة التي تقدم "خدمات" لأعضائها المنتسبين أليها هذا مقابل نقابة "الطبقة" التي تجعل همها ليس الأعضاء فحسب بل مجمل الطبقة العاملة. و للتوضيح فأن نقابة الخدمات تقوم بالتفاوض و قيادة الاحتجاجات و الإجراءات القانونية و الإعلامية لصالح موقع من المواقع. أما نقابة الطبقة فتقوم بكل هذا بالإضافة للمشاركة في صياغة موقف عام للطبقة العاملة ككل من مصالحها المباشرة القريبة و البعيدة و الدفاع عنها. رفع الأجر و تثبيت المؤقتين و ذيادة الحافز في موقع معين هو عمل من أعمال الخدمات . إقرار حد أدنى للأجور و أعانة للبطالة و إلغاء نظم العمالة الموقتة هو عمل من أعمال نقابة الطبقة. نقابة الطبقة هي نقابة "ثورية" تسعي لتغيير المجتمع -وحين نقول تغيير المجتمع نعني تغيير القوانين التي تحكمه- نقابة الخدمات هي نقابة إصلاحية تسعي لتحسين حال أعضائها. النقابات المستقلة الجديدة هي في أغلبها نقابات خدمات و رغم كفاحها و نضالها الذي لا يمكن التقليل من شأنه إلا أنه لم يرتقي للمستوي المطلوب خصوصا في ظل أوضاع ثورية في مصر منذ ثورة يناير.

ما الذي يقدمه اليسار للعمال الآن؟
يتمحور دور اليسار وسط العمال في دعم العمل النقابي. تماما كما كان يتمحور دوره في السابق في دعم الاحتجاجات. فلا يطرح اليسار علي الحركة العمالية أي أفق أوسع من الأفق النقابي. بل أن عدد من قادة الحركة النقابية اليساريين ينكرون يساريتهم حتي يندمجوا تماما مع الحركة النقابية. و الأحزاب اليسارية رغم أنها تؤكد في برامجها علي أنها تمثل "الطبقة العاملة" فأنها حين تتحدث عن العمال لا تتعامل معهم كطبقة لها مصالح سياسية محددة و لكن كفئة لها مصالح أقتصادية من نوع رفع الحد الأدنى للأجور و التثبيت و ما إلي ذلك. و شعار "عاش كفاح الطبقة العاملة" الذي نسمعه ليل نهار لا يقصد به سوي تحقيق بعض المطالب الجزئية . و تتعامل هذه الأحزاب مع الطبقة العاملة باعتبارها أجزاء متناثرة كما تتعامل الطبقة العاملة مع نفسها علي هذا الأساس أيضا.

أن أي تغيير في الأوضاع المعيشية للطبقة العاملة هو أمر مؤقت و عارض. فكل أضراب ناجح يؤدي لتحسين مستوي معيشة العمال في هذا المصنع أو ذاك يعقبه أرتفاع في الأسعار يأكل هذا التحسن و غالبا يعيد الأمور إلي وضع أسواء مما سبق. و منذ تولي المجلس العسكري الحكم أشاع الإعلام أن الاحتجاجات العمالية هي أحتجاجات "فئوية" كما لو أن الاحتجاجات الفئوية هي أمر مكروه أو ذميم أو خاطئ. فمن الطبيعي أن تحتج الفئات المهضومة الحق و المستغلة. بل أن فئوية الاحتجاجات هي طبيعة كل احتجاج . ففئة الفقراء يحتجون مقابل "فئة" الأغنياء. و "فئة" المحرومين من السلطة يحتجون ضد "فئة" محتكري السلطة و هكذا. غير أن الغرض من دمغ الاحتجاجات العمالية بالفئوية تعريتها و نزع صفة "الوطنية" عنها. كما لو أن الوطنية حكرا علي الفئة الحاكمة تحدد من هو الوطني و من هو غير ذلك. و مع التدهور الاقتصادي الحاد تصاعد قمع الحركات العمالية و حينما أعتلى الإخوان السلطة تصاعد قمع الحركات العمالية تصاعدا كبيرا و صدرت أحكام بالسجن و هوجمت المصانع بالكلاب البوليسية و المدرعات و القي الأف خارج العمل و مئات في السجون. علي كل حال أن الأضرابات و الأجهزة النقابية هي كل ضرورية لكن كيف يمكن تحسين حال العامل إذا كان كلما تقدم خطوة للأمام دفعه النظام خطوتين للخلف؟

تواجه الحركة العمالية و اليسار معا السؤال التقليدي ما العمل؟
مازال اليسار متقاعسا عن الإجابة الحاسمة الواضحة علي هذا السؤال. فقد وضع نفسه خلف الطبقة العاملة يسير وراءها و يتضامن معها و يدعمها دون أن يقدم لها أفقا لحركتها و دون حتي أن يقدم نقدا لهذه الحركة.
أن النقابية هي خطوة للأمام في تطور حركة الطبقة العاملة لكنها خطوة للخلف بالنظر لدور الطبقة العاملة. أن الطبقة العاملة لن تحقق قدرا معقولا من الانعتاق دون أن تشارك و تقود الحركة السياسية وصولا لان تشارك في السلطة. أن السلطة السياسية هي سلطة أصحاب المصالح و رجال الأعمال و المستثمرين سواء أيام المخلوع أو أيام أبو دقن. و هذه السلطة السياسية لابد لها أن تقف إلي جانب أصحابها في مواجهة العمال. و حتي أن رضخت مؤقتا فستعود ثانية و تستعيد ما قدمته من فتات. لذا فأن الأمر الرئيسي بالنسبة للعامل هو السلطة السياسية. هذا ما لا يقدمه اليسار الآن للعمال. أن الطبقة العاملة في حاجة لأن تعي حقيقتين هامتين أولهما أن كل نضال عمالي لا يفضي للسلطة السياسية للعمال و حلفائهم هو نضال منقوص في أحسن الأحوال ثاني هذه الحقائق أن الطبقة العاملة قادرة علي أنتزاع السلطة السياسية بمشاركة حلفائها و قادرة علي تحشد حولها كل الطبقات الشعبية لو أظهرت تصميمها علي أنتزاع السلطة و تضامنها معا.
و بالمثل أن النقابة العمالية التي تكتفي بخدمة أعضائها لا تقدم حقيقة سوي خدمة منقوصة لهؤلاء الأعضاء أن النقابة العمالية يجب أن تخدم أعضائها و أن تخدم في نفس الوقت مجمل الطبقة العاملة.فلا تكتفي النقابة بالنضال لأجل رفع الأجر في هذا الموقع أو ذاك و أنما تسعي لرفع كل الأجور و لا تكتفي بأن تناضل لتثبت العمالة المؤقتة فحسب بل من أجل فرص عمل لكل العاطلين و المؤقتين. النقابة دورها ليس أن تسعي لتغيير سياسية هذه الإدارة أو تلك في مصنع من المصانع بل تغيير السياسة العامة في المجتمع و قد قام العمال بهذا من قبل مرات عديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات الهدنة: -حماس تريد التزاما مكتوبا من إسرائيل بوقف لإ


.. أردوغان: كان ممكنا تحسين العلاقة مع إسرائيل لكن نتنياهو اختا




.. سرايا الأشتر.. ذراع إيراني جديد يظهر على الساحة


.. -لتفادي القيود الإماراتية-... أميركا تنقل طائراتها الحربية إ




.. قراءة عسكرية.. القسام تقصف تجمعات للاحتلال الإسرائيلي بالقرب