الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصيدة الجرّاح / براين ترنر

حيدر الكعبي

2013 / 2 / 26
الادب والفن




قصيدة الجـرّاح


شعر: براين ترنر

ترجمة: حيدر الكعبي



(ثاليا فيلدز) تستلقي تحت سقف من الغيوم الرمادية،
تحت مضطَرب الأنواء، والمخدرُ يقطُر عبر أنبوب في ذراعها،
وجرّاح الطائرة يقول: "لقد أحرقتِ الشظيةُ الأحشاءَ هنا،
وسافرت في الداخل، وكسرتْ هذا الضلعَ وهي تدخل،
وأحرقتْ ثقباً في الرئة اليسرى، لتستقرَّ أخيراً في ظهرها."
وهي لا تسمع شيئاً.
ربما سمعت موسيقى—
تلك الموسيقى البعيدةَ لأصوات أناس
يهمسون مواساتَهم لها بلطف واهتمام
وهي في نقالتها،
في المستشفى الطائر الى (لاندستول)،
تحت المطر مباشرةً، في منتصف الليل،
إنها تغوص وتطفو، تفقد الوعي وتستعيده،
والممرضة تبلل شفتيها بمنشفةٍ رطبة،
وراحةُ يدها على جبينِ (ثاليا)،
وأحشاءُ (ثاليا) تنزلق جزئياً،
واللحمُ المحترق يُخلي السبيل للدم الساخن،
والأنفاقُ التي في داخلها تنفتح لتزوّدها
بما يكفي من الدم لسعلة واحدة، ثم تغرق ثانية.
إنها ترى أشباح أشخاص يعملون لإنقاذها،
ولكنها لا تحس بأيديهم، ولم تعد تسمعهم،
وحين تغلق عينيها،
ترتفع أجمل الألوان في الظلام،
يتشرَّبُ الأحمر البرتقاليُّ بالأزرقِ الرماديّ،
وهديرُ المحرك يواصل طنينه
على أجنحة يعسوب،
ونخيلُ الجُزُر يصبغ السماء بأطياف لونية مستحيلة،
بفرشاة كثة تقطر خضرة ...
إنها طريقة النخيل في التعبير عما حدث،
فـ(ثاليا فيلدز) ماتت—شبعت موتاً،
وهي أبعدُ ما تكون عن المسيسيبي،
على ارتفاع عشرة آلاف قدم في سماء العراق،
تغطي جسدَها بطانية،
وبقربها جرّاحٌ مُنْهَكٌ دامع العينين،
يريح يديه الملطختين بالدم على صدرها،
ورأسه محنيّ، تقوده الممرضة الى كرسيّ قريب
وتمسك به وهو يبكي،
ولا أحدَ يسمع البكاء،
إذ لاشيءَ يُسمع حين يحلق الطيارون في الظلام،
والطائرة مثل ظلٍّ يقود المطر،
هنا في ماكنة الليل المجلجلة.




* العنوان الأصلي للقصيدة هو "أَيْ بِي نگتف (قصيدة الجرّاح)"
* (لاندستول) قاعدة عسكرية أمريكية في ألمانيا كان بعض الجرحى الأمريكان ينقلون إليها لتلقي العناية الطبية المركزة.


برايَن ترنر ولد في كاليفورنيا عام 1967. حصل على الماجستير بالفنون الجميلة من جامعة أوريغون قبل أن يلتحق بالجيش الأمريكي. أمضى عاماً من خدمته العسكرية (ابتداء من تشرين الثاني 2003) يقود حضيرة مشاة في العراق. حظيت مجموعته الشعرية الأولى (هنا، أيتها الرصاصة)، الصادرة عام 2005، والتي اخترنا منها القصيدة المنشورة أعلاه، باهتمام الأوساط الأدبية ومنح بسببها جوائز وزمالات عديدة. مجموعته الثانية (ضجيج الفانتوم) صدرت عام 2010، وهي الأخرى تحوي قصائد مستوحاة من تجربة الشاعر في العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطة تخطف أنظار الحضور بعد صعودها على خشبة المسرح أثناء عزف ا


.. عوام في بحر الكلام - علاقة الشاعر فؤاد حداد وسيد مكاوي




.. عوام في بحر الكلام - فؤاد حداد أول من حصل على لقب الشاعر في


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 10 يونيو 202




.. عوام في بحر الكلام - حفيد الشاعر الكبير فؤاد حداد مع الشاعر