الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن دكتاتور الإعلام والثقافة عموما

عصام الخفاجي

2013 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


في مأسَسَة سلطة التحريم الثقافي
3.عن دكتاتور الإعلام والثقافة عموما

ولكن، كيف تستقيم العلاقة بين متسلّط على بعض ثقافة وبين منتجيها؟ ليس من متسلط، مهما كان مجال سلطته ضيقا، يستطيع أن يديم سلطته إن لم يمتلك حاسة شم نافذة تدرك اتجاه الرياح، وإن متأخرا، وتتوصّل في الآن ذاته إلى التعرّف عن القادر على، والراغب في تمويل مطبوع أو وسيلة إعلام مسموعة أو مرئية هي بالتعريف خاسرة، لكن لكل من المتسلّط والمموّل مصالح قد تتقاطع أو تتباين. ومن المهم ألا يستطيع التابعون، أي الكتّاب والإعلاميين، الوصول إلى تلك المصادر بشكل مستقل وإلا فقد أهم عناصر زعامته.
يستميت الدكتاتور/ بائع الثقافة/ الزعيم في الظهور بمظهر المتمتع بصداقات حميمية مع نجوم القطاع الذي يقرر الخوض فيه وفقا للظروف: أدباء، فنانين، قادة شيوعيين، باحثين ومنظّرين. ويستميت من أجل أن يسمّيه هؤلاء صديقا. لكنّه يظل وحيدا، إذ أن العلاقة الندّية والدكتاتورية نافيتان لبعضهما. العلاقات، بالنسبة له، ليست أكثر من ديكور يعرضه أمام الآخرين ليبيّن سطوته على مجاله. هي، بمعنى آخر، وسيلة إرهاب لغير الممتثلين والخارجين عن طاعته. علاقات تنذر الآخرين بأنهم لابد معزولون إن لم يلتحقوا بالركب. علاقات أشبه بالمسرحية الساخرة: كل طرف يلعب على الطرف الآخر، ويدرك الإثنان بأن ما يجمعهم هو المصلحة. مصلحة نشر كتاب، ترويج نتاج، إقامة معرض فني، تقديمهم إلى وسائل الإعلام. ولكن ليس للجنرال من يكاتبه. خارج تلك الديكورات والمصالح المشروعة لمثقفين وفنانين يضطرون للصمت من أجل إيصال نتاجهم، لابد للدكتاتور من أتباع وأجراء. هو يعرف موقعهم، وهم يعرفونها وعليهم عدم تجاوزها وإلا تعرّضوا للنبذ والمجئ بغيرهم. فبضاعة الأجراء رخيصة الكلفة ومتوافرة. وأهم ميزات تلك العلاقة هي إشعار الأجراء، أو قناعتهم كخانعين، بأنهم في سفح هرم يقف هو على قمته (في محاكمات صدّام حسين المسرحية لمن حاولوا ترشيح غيره للقيادة عام 1979، كان يتحدث عن "قدره": ماذا نفعل إذا كانوا في السفوح ونحن في القمة؟) . يقتنعون جازمين بأن وجودهم ومصيرهم معلقان بوجوده ويقتنعون جازمين بأنهم لو حاولوا تجاوز تلك القمة والتواصل مع مافوقها فيسقطون لامحالة في الهاوية. إنه وسيطهم وملّبي حاجاتهم. فلو اقتنع الآخرون بغير ذلك، لفقد المتسلّط مبرر وجوده (وقد حصل هذا الأمر بالفعل من جانب شخصية عربية محترمة رتّبت لقاءات عدة مع من يقف فوق أحد هؤلاء المتسلطين من دون المرور به. فمن يعرض نفسه كقمة يحاول ألا يظهر للآخرين تبعيته لمن هو أعلى. وكانت النتيجة قطيعة لاتزال قائمة بين الإثنين).
ولأن الندّية والإستقلالية مدمّرة لهذا الهرم أو مزعزعة له على الأقل فقد إن أي مثقف يملك حسّا باحترام الذات يمضي أشهرا في العمل معه ليغادر بعد ذاك. ولكن، كما في أي وضع مأساوي/ كوميدي كهذا، يندفع عشرات لملء الفراغ. لايهم أن يكون هؤلاء أشباه مثقفين، بل لعل من المفضّل أن يكونوا كذلك. المهم أن يضمن الإمتثال والطاعة. إنه يستمتع ويحفز الأخرين من أتباعه على التعامل معه بصفته معشوقا، يتنافسون فيما بينهم لينالوا رضاه أكثر من غيرهم. هكذا يتوالد أتباع يعبدون دكتاتورا، متظاهرين بأنهم يجهلون عبوديته لآخر.
بات القول مألوفا "يتحول البعض إلى آلهة لأن هناك من يركع لهم". ولن يُخدع الدكتاتور بعبارات التزلّف. لابد أن يكون الأتباع مرّوا بامتحان عبروه بنجاح كحمل أقلام تسجيل يزودهم بها لوضعها في جيوبهم لتتجسّس على الرفاق، أو التصدّي لحملة الأفكار الهدّامة في الوقت المطلوب. ولأننا في عصر الفضائيات والديمقراطية، فإن فرض الموالاة يتخذ أشكالا أكثر دهاءا قد يكون من بينها شراء معدّي برامج في قنوات مستقلة يحدد لهم مواضيع حلقات برامجهم والمساهمين الذين يجب استضافتهم ونوع الأسئلة التي يجب توجيهها والشخصيات التي تُحرّم دعوتها.
لأختتم بذكر تجربة شخصية مررت بها مع أحد هؤلاء ولعلها هذه فرصة لأشكره، ولو متأخرا، لانه ساعدني في الإسراع باتخاذ قرار مغادرة الحزب. فقد كان التغني بالبيرسترويكا والشفافية على أشدّه في النصف الثاني من الثمانينات. ولم يكن الأمر ليكون إلا كذلك بعد أن تبنى السوفييت هذه المبادئ. حينها قدمت دراسة موسعة تسعى لمعالجة الإنحطاط الذي وصلت إليه صحافة الحزب. وللقارئ أن يدرك كيف يجابه قائد لعب دورا أساسا في إيصال تلك الصحافة إلى ذلك الوضع دراسة هدّامة كتلك. اجتمع مكتب الإعلام، الذي كنت أحد أعضائه، بقيادته، وجاء رد الحزب المفند لآرائي مكتوبا. ورد الحزب هنا يعني رد المكتب السياسي الذي كان قائدنا لاعبا رئيسا، أن لم يكن اللاعب الرئيس، فيه. ولأننا هيأة "ديمقراطية" فقد طُلب من كل عضو من أعضاء المكتب إبداء رأي فيه وتفاوتت الآراء بشأنه وهو أمر طبيعي. حتى جاء دور السيد المطيع الذي أحاول نقل "آرائه" بأعلى درجة من الدقة: "إن هذا ليس مجرّد رد على أفكار الرفيق عصام. إنه وثيقة علينا الرجوع إليها دائما للتعرّف على السياسة الإعلامية التي يجب علينا اتّباعها". مكافأته؟ إنه الآن "مشرف عام" على صحيفة لاتوزع أكثر من مئتي نسخة في الشهر.
يومها سألت نفسي: بمَ نختلف عن مكتب الإعلام القومي الذي يقوده صدّام حسين. كل هذا ونحن في المعارضة. فكيف سيكون الحال لو سقط النظام؟
وسقط النظام. لم نستلم السلطة، لكن من قبضوا على سلطة إعلامية هائلة لايزالون يخشون من مثقف أعزل فرد ويسعون عاجزين إلى فرض الحُرُم عليه!´




*****************************************************************
في مأسَسَة سلطة التحريم الثقافي

2- حديث الملموس
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=347070

1- حديث النظرية والتاريخ
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=346755








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أنا متفق مع ما تذكره
فيصل لعيبي صاحي ( 2013 / 2 / 27 - 04:40 )
عزيزي عصام تحية طيبة، أنا متفق مع ما تذكره من منغصات تلك التجربة، لكني أعتقد أن هذا - الدكتاتور - لو وجد من يقف بوجهه ويقول له ما يعتقد بدون مواربة ولامجاملة او خوف لما وصل الى ما وصل إليه، ربما ، كما تقول، تكون الحاجة الماسة جداً دافعاً لمثل بعض هذه التسلكات عند بالعض، لكن لايجب أن تستمرحتى الإصطدام الشخصي أو المصلحي بين الطرفين. هناك مثل جزائري يقول : الصراحة راحة ، وقد عملت به منذ أن وعت عيني الأشياء. لنكن منذ البداية أصحاب وجهات نظر مختلفة وواضحة وربما معارضة ولنعلنها بجرءة ودون خوف ولا وجل، عندها يختفي - الدكتاتور - وحاشيته مثل زبد البحر. تحياتي ومودتي الدائمة وإحترامي لجهدك الأكاديمي الرصين.


2 - الخراب والاستبداد الحزبي
صاحب الربيعي ( 2013 / 2 / 27 - 04:41 )
هذه مشكلة كل الذين كانوا جزءً من الخراب والاستبداد الحزبي حين طالهم أخذوا يشتمونه ويتنصلون منه ويحاولون تبرئة ساحتهم ويعدون أنفسهم ضحايا مثل الآخرين، أنهم يخوضون معاركهم في الساحات الخلفية لأجل تصفية الحسابات الشخصية، وللأسف معظمهم من المثقفين المحسوبين على الدكتاتور الذي استخدمهم كخط دفاعي أول ضد معارضيه.


3 - من المقصود؟؟؟؟
سمير ( 2013 / 2 / 27 - 08:24 )
لماذا لم تكتب اسم المقصود
الواضح هو فخري كريم وشلته


4 - احيي قرارك
طلال الربيعي ( 2013 / 2 / 27 - 13:20 )
استاذي العزيز د. عصام الخفاجي
شكرا على مقالك الذي يعكس تجربة شخصية لربما للعديد منا.
ان قرارك بمغادرة التنظيم كان يعني الاصرار على تحقيق الاهداف التي
حدت بك بالانظمام اليه في المقام الاول. ولذلك فان نزاهتك الاخلاقية والفكرية حتمت عليك اتخاذ قرارك الحكيم بعد ان -غادر- الحزب اهدافه ولم يبق له غير التعكز على الماضي لانه ليس ما يقوله او يقدمه في الحاضر.
للاسف للشديد الاحظ شخصيا ان بقاء العديد في التنظيم يعود لاعتبارهم الحزب كشلة من الاصدقاء يحتاجها البعض لخشيته العزلة والوحدة التي لربما تنتج عن قطع علاقته التنظيمية, وخصوصا فان هؤلاء قد يجابهون لاحقا حملات مضادة من التشهير والشتائم والاسقاط الشخصي او السياسي التي تعكس ثقافة عشائرية متخلفة رغم ارتداءها قناع الشيوعية واليسارية.
البعض الآخر هم ضحية لسطوة العادة او غريزة القطيع ويبقى في التنظيم لانه يفتقر للشجاعة الادبية التى تتحلى بها, هذا اضافة الى ثقافتك ومؤهلاتك الفكرية المتميزة التي تحميك من الشعور بالنقص الذي يحاول البعض التعويض عنه بالبقاء في التنظيم.
يتبع


5 - احيي قرارك
طلال الربيعي ( 2013 / 2 / 27 - 13:28 )
ايضا, فان قسما آخر مشبعون بثقافة ذكورية ويحتاجون الى راعي القطيع, الديكتاتور, لانهم يخشون المسؤولية الشخصية والحرية اكثر من خشيتهم الموت, ولذلك يفضلون الموت على الحياة كما يذكرنا ميكويل دي شيرفانتيس. ان ذلك لربما يفسر كثرة عدد الشهداء. فالهوس بالموت يجسده تسمية الحزب لنفسه ب -حزب الشهداء-, والموت هو الخيار المفضل كهروب من خيار الحرية وتبعات المسؤولية الشخصية.
فاحد القادة سابقا ينكر مسؤوليته الشخصية باتفاقه مع قرارات حزبية خاطئة ومدمرة بكونه كان مغسولا دماغيا وكالمنوم مغاطيسيا(؟).
والبعض الآخر لا يستطيع العيش بدون نوستالجيا مدمرة للنفس والوطن.
اما القسم الآخر فيستمر بالانتماء لاسباب مادية كالرواتب واغراءات مالية اخرى.
اتفق تماما مع الصديق العزيز فيصل لعيبي.
مع تحياتي ومودتي لك وللجميع.


6 - 4- حديث السؤال النقدي
لحسن وزين ( 2013 / 2 / 27 - 14:22 )
جميل ان تكتب هذه النصوص لكن للاسف سؤال الاسباب والاصول والتناول النظري والنقدي كما قلت يلزمك بمواجهة السؤال التالي لماذا تاخرت كل هذه السنوات للخروج بهذا التقييم والتقويم وما هي الشروط والظروف الذاتية والموضوعية التي توافرت الان وانعدمت في وقتها المناسب ربما تحتاج الى محور رابع تبين فيه غياب البعد النقدي في الثقافة والفكر العربي كالية داخلية قادرة على عيش الاستقلالية والصيرورة والتجاوز فتكتسب جدارة انتاج ثقافة الحرية والتحرر. وغياب ذلك البعد النقدي هو الذي جعل المثقف عموما واليساري منه خصوصا عبدا لتموجات ما يفرزه الحركة التاريخية في الشرق السوفياتي والغرب الامبريالي فكيف لعبودية ان تاخذ ع_لى عاتقها مهام الحرية والتحرر والشيء نفسه لايزال يتكرر بشكل او باخر....

اخر الافلام

.. الترجي التونسي يستضيف الأهلي المصري في ذهاب الدور النهائي|#ه


.. الوصل يحقق انتصارا تاريخيا على النصر ليتوج بكأس رئيس دولة ال




.. لماذا تخاف إسرائيل من مخيم جنين؟


.. شهيدان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في مخيم بربرة وسط رفح جنوب




.. مطعم للطاكوس يحصل على نجمة في دليل ميشلان للمطاعم الراقية