الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما أسعدك يابنيّ لأنك ولدت في بلاد الصقيع!

عثمان أيت مهدي

2013 / 2 / 27
حقوق الانسان


روى صديق لي، والعهدة على الراوي، أنّ صبيا بهيّ الطلعة قد ولد له، وهو في بلاد الغربة. بلاد أرضها صقيع وثلوج، بردها قلّما يرتفع قليلا فوق الصفر، تعدّ من الدول الصناعية السبع، وتقع في الجزء الشمالي من القارة الأمريكية.
هذه الدولة الفيدرالية يحكمها نظام ديموقراطي تمثيلي وملكية دستورية. ثنائية اللغة، الانجليزية والفرنسية. تمتلك واحداً من أعلى مستويات المعيشة في العالم، ومؤشر التنمية البشرية يضعها في المرتبة الثامنة عالمياً. بلد مزيج من الجنسيات والثقافات المختلفة، دستوره يكفل حماية الجميع ويسن السياسات التي تشجع التعددية الثقافية.
تخصّص هذه الدولة 300 دولار شهريا لهذا الطفل السعيد، دون احتساب نفقات رعاية الأم ومتابعتها إلى الولادة، ورعاية الطفل ومتابعته الطبية من طرف ممرضة خاصة تعين لهذا الشأن.
إلى هنا يبدو الخبر عاديا، طالما أنّ هذه الدولة قويّة باقتصادها وصناعتها، ومستوى المعيشة لديها مرتفع جدا، وشعبها يعيش الرخاء والطمأنينة.
ما أدهشني، وجعلني أطأطئ رأسي خجلا من نفسي، أنّ هذه الدولة التي ترفع عنك عبء نفقات ومصاريف ابنك، تفرض عليك شروطا تتقيد بها، منها، أن توفر لابنك مكتبة صغيرة في غرفته، وتقرأ له كلّ مساء قصة، وأن تقوم برعايته وتربيته خير قيام. وإذا تخليت عن هذه الشروط، يحق للدولة التي تنفق على الطفل أن تنتزعه منك، وتسلمه لمن هو أكفأ منك، وأقدر على المسئولية.
إنّ العلاقة البيولوجية للابن بوالديه في هذه الحالة لا معنى لها، طالما أنّ الحيوانات دون استثناء تنجب وتتكاثر، فما الذي يميزنا عنهم، إذا لم تكن التربية السليمة، والأخلاق النبيلة، والصحة الجيدة.
إنّ أوطاننا التي تنعم بالشمس والبحر، والفصول الأربعة، والأراضي الخصبة، والتضاريس المتنوعة من جبال وسهوب ووديان وصحاري. أنظمتنا يقال عنها أنها حكيمة، وساستنا حكماء. يجتمع في أوطاننا التاريخ الواحد والدين الواحد واللغة الواحدة والشعب الواحد والحاكم الواحد الأوحد. اقتصادنا هش، ومستوى المعيشة لدينا ضعيف، وعلاقتنا بأبنائنا علاقة بيولوجية، نلد ليقوم الشارع بعملية التربية والتنشئة. شوارعنا تكتظ بالأطفال والصبيان في كلّ وقت وفي كلّ آن، وكأننا نقول للدولة: خذوا أبناءنا، لسنا في حاجة إليهم، انتهت مهمتنا بانتهاء عملية الإنجاب. وتردّ علينا الدولة العاجزة عن مراقبة مسئوليها: لا أريدكم ولا أريد أبناءكم، يكفيني ما بقاع الأرض والبحر.
إنّها معادلة غامضة ومبهمة، لا نستطيع حلها بمفردنا، إننا نحتاج، ربما، إلى صقيع وثلوج، وبرد قارص أقلّ من الصفر، وتحتاج بلداننا إلى أن تقترب قليلا من القطب الشمالي، حتى تتمكن من نفض غبار التخلف عن نفسها.
عفوا، أحبائي، إنّني أمزح، لأنّه لو تحقق ذلك لنقرضت سلالتنا من على هذه الأرض، ومات كذلك حكامنا الذين يتصفون برجاحة العقل وسداد الرأي وبعد النظر. اللهم، دفء الشمس وحرارتها أرحم لنا من قشعريرة البرد والموت على الصقيع. آمين.


عثمان أيت مهدي
26/02/2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف


.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي




.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية


.. كاميرا العربية ترصد نقل قوارب المهاجرين غير الشرعيين عبر الق




.. هل يمكن أن يتراجع نتنياهو عن أسلوب الضغط العسكري من أجل تحري