الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الميزانية موقف وليست مسرحا للمقايضات والمساومات

محمد بركة

2005 / 4 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


الأسوأ منذ 56 عاما
بركة: الميزانية موقف وليست مسرحا للمقايضات والمساومات
*ميزانية شرسة تجاه الفقراء والضعفاء والعرب *ميزانية كريمة مع اصحاب رؤوس المال والاستيطان والاحتلال *حكومة تريد بيعنا البضاعة مرتين واكثر*
يجمع الكثيرون على أن ميزانية اسرائيل للعام الحالي 2005، هي أسوأ ميزانية منذ 56 عاما، وهذا نهج متصاعد، وحتى أن رئيس هذه الحكومة، اريئيل شارون، الذي يشجع وستحمل مسؤولية هذا النهج، اضطر للاعتراف بأن سياسية حكومته الاجتماعية مجحفة ولا رحمة فيها، وامس زفّ لنا "بشرى" أخرى بقوله انه يعارض خصخصة المراكز الجماهيرية، وانا لا افهم اين يقف رئيس الحكومة، هل هو رئيس حكومة ام رئيس معارضة؟، هل هو رئيس مجموعة احتجاجية؟ فهو بمقدوره ان يوقع على تحويل مبلغ 700 مليون شيكل مع كتلة شينوي، ولكنه لا يستطيع ان يوقع على بضعة ملايين من اجل تشغيل المراكز الجماهيرية، ولا يستطيع ان يحول 120 مليون شيكل لمرضى السرطان، الذين ادوية معينة قد تنقذ حياتهم، والتقليص في ادويتهم بمثابة حكم اعدام عليهم.
إن هذه الميزانية هي ميزانية هي ميزانية مجحفة ووحشية في كل ما يتعلق بجمهور العاملين والضعفاء، وهي ضد تحقيق المساواة وسد الفجوات بين الشرائح المختلفة في المجتمع عامة، وهي ضد العرب وضد تحقيق المساواة لهم وتعمق سياسة التمييز العنصري. فمن ابرز اهداف هذه الميزانية، تمويل وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية بموجب خطة الفصل، التي بادر اليها رئيس الحكومة، كما ان الميزانية تريد مواصلة تمويل بناء الجدار الفاصل، الذي يدعي "المعتدلون" بأنه جدار موقت، ولكنني متأكد من انه جدار سياسي يهدف الى منع تحقيق السلام ومنع امكانية اقامة دولة فلسطينية ذات قدرة على الحياة، الى جانب دولة اسرائيل.
هذ الميزانية تعمق الفقر وتوسع دائرة البطالة، وهذا في الوقت الذي فيه عدد الفقراء يتزايد باضطراد، وفي السنة الاخيرة لوحدها زاد عددهم بمئة الف انسان، وايضا في الوقت الذي تراوح فيه البطالة مكانها، فحين يدعون انه في عام واحد نشأ 80 ألف مكان عمل في اسرائيل، يتضح من معطيات رسمية ان 60 الفا منها هي وظائف جزئية، ووظائف جوع وضائقة، بمعنى انه حتى من يتوجه الى العمل، او كان يعمل بالاساس، فإن العمل لم ينقذه من دائرة الفقر، والبطالة لا تزال في حدود 10%، ولكن هذه معطيات رسمية، أما على ارض الواقع، وإذا قلنا ان الوظيفة ومكان العمل هو الذي بامكانه انه يحقق دخلا شهريا مناسبا، فإن البطالة الحقيقية هي اكثر بكثير مما نسمعه.

فقر وصحة

لقد دأبت الحكومة على تقليص المخصصات، تلك التي تدفع بالاساس للشرائح غير القادرة على التوجه الى العمل، من مسنين واولاد ومرضى ومعاقين، او أولئك العاملين الذين يتقاضون رواتب جوع ويستكملون رواتبهم من المخصصات، وبنفس الوقت فإن وزير المالية بنيامين نتنياهو يدعي ان تقليص المخصصات يهدف الى تشجيع التوجه الى العمل.
اولا نسأل هذه الحكومة من تريد أن يتوجه الى العمل؟، هل أولئك الذين في كل مكان في العالم هم خارج دائرة العمل؟ ثم إذا اردت الحكومة تشجيع العمل فعليها ان تفتح اماكن عمل ثابتة، جدية وواقعية، وليست وظائف عابرة بأجور أبخس من زهيدة. إن السياسية الاقتصادية الحكومية هي ديماغوغية رخيصة تريد القاء تهمة الفقر على الفقراء، وتهمة البطالة على العاطلين عن العمل.
وفقط لنعرف اين تقف اسرائيل، نعرض مثلا من العالم، فنسبة الفقر في الدانمارك تتراوح ما بين 7% الى 8%، وهذا بسبب تدخل الحكومة، ولولا تدخلها لكانت نسبة الفقر قد تصل الى 40%، اما في اسرائيل فبعد تدخل الحكومة فإن نسبة الفقر هي 20% من مجمل الجمهور، و30% من جمهور الاولاد، أما لدى العرب فإن الصورة قاتمة أكثر بكثير، إذ ان 46% من العرب يعيشون تحت خط الفقر، ونسبة الفقر بين الاولادر العرب 60%، بمعنى ان السياسة الحكومة هي ليس فقط سياسة وحشية تجاه الجمهور بأكمله، بل ايضا تزداد وحشيتها تجاه شرائح معينة، وبالاساس العرب.
ومثال آخر على السياسة الحكومية، فقبل عدة ايام، وبعد سلسلة من الاحتجاجات، قررت الحكومة تحويل 150 مليون شيكل لسلة الادوية، في حين ان المبلغ المطلوب، وحسب وزارة الصحة نفسها، هو 500 مليون شيكل، لكي يكون بالامكان تعديل قائمة الادوية بالشكل المناسب، ويتجاوب مع احتياجات المرضى.
حين تريد الحكومة اجراء تقليص فلربما تجد ما يمكن تقليصه، فمثلا تقليص بالخبز!!، فبدلا من أكل ثلاثة شرائح خبز، بالامكان أكل اثنتين. ولكن كيف بالامكان تقليص الامراض، وكيف بالامكان تقليص ادوية تنقذ حياة انسان؟ هل بالامكان تقليص ادوية لمرضى السرطان، التي بامكانها ان تنقذ حياتهم؟ هذا نموذج آخر على وحشية الحكومة وسياستها.
لقد سمعنا عن خصخصة صناديق المرضى، واقامة صندوق مرضى خامس، وعلى ما يبدو فإن الامر تم تجميده، ولكن الاتجاه واضح، هم يريدون خصخصة كل شيء، بما فيه جهاز الصحة، ولكن لا يقولون هذا بشكل مباشر، فهم يتحدثون الآن عن اقامة صندوق مرضى خامس وبملكية خاصة، لذوي الامكانيات، أما الفقراء والضعفاء فسيواصلون التشبث بصناديق مرضى فقيرة وضعيفة، وكذا الأمر بالنسبة لخدماتها، اما ذوي الامكانيات واصحاب رأس المال فلهم ستكون خدمات صحية دي لوكس من ابداعات وزير المالية بنيامين نتنياهو.

ضرب جهاز التعليم

ما الذي لم تفعله الحكومة لتعبر عن "ابتهاجها" بزيادة مبلغ 700 مليون لجهاز التعليم عامة من اجل تطبيق خطة دوفرات، ولكن بعد فحص وتدقيق تبين كيف سيصرف هذا المبلغ، فبمعظمه مخصص لضرب جمهور المعلمين وتقليص آلاف الملاكات، وقذف آلاف المعلمين الى سوق البطالة، لأن المبلغ مخصص بالاساس للصرف على تعويضات المعلمين المنوي فصلهم، بمعنى آخر فإن جهاز التعليم لن يحظى بدعم، وانما سيتم ضربه من خلال فصل آلاف المعلمين.
لقد قالت وزير التعليم ليمور ليفنات بشكل واضح، انه إذا لم يتم تطبيق خطة دوفرات فإن وزارتها لن تحصل على مبلغ 700 مليون شيكل، وهذا يعني ان الوزارة ستضطر لفصل معلمين، بمعنى آخر ان فصل المعلمين هو في كل الاحوال، في حال تم تطبيق خطة دوفرات، وايضا من دون الخطة سيتم فصلهم، وهو منطق لم نسمعه في اي مكان في العالم، فقط هنا وحيث تطبق هذه السياسة الوحشية.
كذلك هناك موضوع النقص في الغرف التعليمية، لقد زفوا لما اليوم "بشرى" أخرى، فـ "البشائر" تتلاحق، ولكن اي بشائر؟، قالوا لنا انه في اطار الاتفاق مع كتلة القائمة العربية الموحدة فإن الحكومة عازمة على بناء 550 غرفة تعليمية في الوسط العربي خلال السنوات الثلاث القادمة، وما اريد قوله في هذه النقطة ان الوسط العربي يحتاج سنويا ما بين 450 غرفة الى 500 غرفة لسد احتياجات الزيادة الطبيعية، بمعنى ان ما تم الوعد به للكتلة المذكورة بالكاد يغطي حاجة الزيادة الطبيعية لسنة واحدة، كما ان هذا العدد لا يسد الفجوة والنقص القائم في الغرف التعليمية في الوسط العربي، إذ بلغ النقص حتى الآن 1800 غرفة.
وليس هذا فحسب بل إن ما تم وعده هو ليس زيادة على ما هو موجود اصلا في الميزانية، فالميزانية الاصلية كان تقضي ببناء 450 غرفة، بمعنى ان كل الزيادة هي 100 غرفة، وليس هذا فقط فالغرف المئة هذه، منها 70 غرفة لم يتم بناؤها في العام الماضي وتم نقل ميزانيتها للعام الحالي لبنائها في هذا العام، اي ان الزيادة الحقيقية هي لا اكثر من 30 غرفة، وقد تكون 30 كرفانا، ولا أعلم إذا هذا يستدعي تأييد الميزاينة او الامتناع في التصويت عليها.
أما بخصوص جهاز التعليم العالي فهنا كانت المسرحية أكبر، وهي لا شك في انها مسرحية بائسة يتم فيها التلاعب بمستقبل اجيال بأكملها، فبداية قررت الحكومة تقليص ميزانية التعليم العالي، وليس الحكومة بتركيبتها الحالية، بل تلك الحكومة التي كانت فيها كتلة "شينوي" وشاركت في صياغة الميزانية وضرب جهاز التعليم ولم تطلب اي طلب بهذا الخصوص، واليوم نسمع ان كتلتة شينوي لديها طلبات وتحويل ميزانيات للتعليم العالي، ولكن هذه ميزانية موقتة، وليست ثابتة، بمعنى ابقاء جهاز التعليم تحت رحمة المزاج السياسي للحكومة واولوياتها المتقلبة.

مليارات حكومية لكبار اصحاب راس المال

نفهم من بنود الميزانية وقانون التسويات، ان الحكومة تريد ان تخفض النسبة التي يدفعها اصحاب العمل لمؤسسة التأمين الوطني، وستبلغ قيمة هذه التسهيلات حوالي 400 مليون شيكل، وهذا يعني تخفيض مداخيل مؤسسة التأمين الوطني بهذا المبلغ الضخم، وعلى حساب من؟ طبعا على حساب الفقراء والمعوزين والمعاقين والمسنين والاولاد.
وليس هذا فقط، بل إن التخفيض سيزداد اكثر في السنوات الخمس المقبلة، وخلال هذه الفترة ستنخفض مداخيل مؤسسة التأمين الوطني بقيمة 9,2 مليار شيكل، وهو مبلغ بامكانه ان ينقذ جهاز الصحة ويرفع مستواه، كما بامكانه ان ينقذ الحكم المحلي. ولكن هذه الحكومة كريمة جدا مع اصحاب العمل ورؤوس الاموال، وهي تغدق عليهم بالتسهيلات منذ العام 1984، حكومة شمعون بيرس "العمالي"! ويتسحاق شمير.

حكم محلي يئن تحت وطأة التقليصات

لا اريد الآن عرض معطيات كثيرة في كل ما يتعلق بالحكم المحلي والضائقة التي يواجهها، ولنستوعب الصورة يكفي ان نسمع رؤساء السلطات المحلية، فالذي بامكانه ان يسدد رواتب شهر لمستخدمي يكون بطل الحكم المحلي، بمعنى ان الشغل الشاغل للحكم المحلي اصبح تأمين رواتب الشهر لمستخدميه، وليس من اجل ان يقدم الخدمات للمواطنين، وهذا ناجم عن سياسة متواصلة منذ سنوات، يتم فيها ضرب كل الخدمات الحيوية والاساسية للمواطنين، وهذه السياسة تزيد ضائقة السلطات المحلية وتهدد بانهيارها.
إن الحكم المحلي في البلاد ليس فقط انه تلقى ضربة قاصمة، بل هو، ايضا، اكبر مكان عمل في اسرائيل لاجور الحد الادنى ورواتب الجوع، وقسم جدي من العاملين فيه يحصلون على مخصصات استكمال الدخل، وكل ما نسمعه من الحكومة واذرعها هو توجيه اللوم للسلطات المحلية وتسليط نقمة المواطنين على مجالسهم البلدية.

التلاعب بديون ضريبة الاملاك

في ما يتعلق بديون ضريبة الاملاك، فقبل عدة اسابيع تلقى ملاكو الاراضي العرب اخطارات تطالبهم بتسديد ديون سابقة فرضت عليها غرامات وفوائد، ولكن كل من توجه الى جهاز الضريبة لكي يرتب مسألة التسديد شطبوا له كل الغرامات والفوائد، ودفع المبلغ الاصلي، وحتى أقل منه.
وفي اطار الاتفاق الذي وضع على طاولة الكنيست بين الحكومة والقائمة العربية الموحدة، نقرأ أن وزارة المالية وافقت على شطب الغرامات والفوائد، بمعنى ان لا جديد في هذا الاتفاق على ما هو قائم قبل الاتفاق، وهناك من يريد عرض هذا الأمر علينا كانجاز، ولكن علامات السؤال على هذا الانجاز كثيرة، والسؤال الأول هل حقا هو انجاز؟! إن الانجاز هنا هو ان من كان بامكانه ان يدفع حتى أقل من المبلغ الاصلي لن يكون بامكانه هذا مستقبلا، فأية صفقة هذه؟!.
لا يمكن ان تكون اية مساومة على ميزانية من هذا النوع، فحتى الحزب الحاكم، ليس موحدا في دعمه لهذه الميزانية، طبعا لاسباب أخرى، ولكننا نحن نعارض هذه الميزانية لأنها ميزانية حرب في كل ما في الكلمة من معنى، إنها تشن وتواصل الحرب على الشعب الفلسطيني وتريد تعميق وتوسيع الاستيطان على اراضيه، كما انها ميزانية تشن حربا على جميع الفقراء والضعفاء في البلاد، وهي ميزانية تشن حربا على الجماهير العربية من خلال تعميق سياسة التمييز العنصري، ليس فقط هذه الميزانية يجب ان تسقط بل ايضا الحكومة برمتها يجب ان تزول ومعها سياستها.
إن معارضتنا للميزانية معارضة جوهرية، لهذا لم نذهب للتفاوض على الفتات ولشراء البضاعة مرتين.

*كلمة النائب بركة في النقاش على ميزانية الدولة للعام الحالي 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -علموا أولادكم البرمجة-..جدل في مصر بعد تصريحات السيسي


.. قافلة مساعدات إنسانية من الأردن إلى قطاع غزة • فرانس 24




.. الشرطة الأمريكية تداهم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات الطلاب


.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24




.. بلينكن يلتقي من جديد مع نتنياهو.. ما أهداف اللقاء المعلنة؟