الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسونامي الفساد لا سقوط بعد الحضيض!

عصام مخول

2005 / 4 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


*جاءت تصريحات وزير المالية نتنياهو هذا الاسبوع، حول ضرورة التمسك بالاراضي الفلسطينية التي لا يسكنها الفلسطينيون في ايدي اسرائيل، لقيمتها الاستراتيجية والتاريخية لاسرائيل، لتفضح طبيعة المخطط الاسرائيلي الذي لا يرغب "بضم الفلسطينيين" وانما يرغب بضم "المناطق الفلسطينية" غير المأهولة*
إهتزت المؤسسة السياسية الاسرائيلية هذا الاسبوع من الاعماق، وهي تئن تحت وطأة "تسونامي الفساد" وعقلية الرشوة التي رافقت اقرار ميزانية حكومة شارون للعام 2005، وانعكاساتها الكارثية على حياة الناس وكرامتهم، ومصالح الاكثرية الساحقة من العاملين وحقوقهم، والعاطلين عن العمل وفئات الضائقة المهمشة، المدفوعة الى دائرة الفقر والبؤس عنوة، وفي طليعتها، المواطنون العرب ابناء الاقلية القومية العربية المهمشين مرتين، واحدة بفعل الموقع الطبقي الاكثرية الساحقة منهم، في مواجهة السياسة الليبرالية الجديدة المتوحشة، واخرى بفعل هويتهم القومية، وبفعل البعد العنصري لهذه الميزانية، الذي يهدف الى ترسيخ ثقافة سياسية انهزامية ومستسلمة، لفظتها الجماهير العربية عبر وحدتها الكفاحية على مدى عقود طويلة، مثل يوم الارض الخالد، 30 آذار 1976 قمة من قممها، ومحطة حاسمة على طريق الانتقال من نفسية النكبة الى نفسية المواجهة والتحدي. ويهدف الى ترسيخ ثقافة سياسية تتنكر لمفهوم الحقوق، في التعامل مع المواطنين العرب، وتستعيض عنه بمفاهيم "المصالح" الموهومة، ومقايضة الفتات بالموقف السياسي، والاجتماعي الاساسي، من مجمل سياسة الحكومة ومن الحكومة نفسها.
وجاءت الخطوة التي اقدم عليها رئيس الحكومة شارون بعد اتمام الصفقة على الميزانية وانخراط من انخرط فيها، فور انتهائه من تمرير ميزانيته الكارثية، وقيامه بتوزيع الغنائم على شكل وظائف جديدة لوزراء، ونواب وزراء، وتوقيع اتفاقيات خالية من أي جديد، سوى انقاذ ماء الوجه لهذا الحزب او تلك الكتلة البرلمانية، خطوة فاسدة وفاضحة، ليس لشارون وائتلافه فحسب، بل لشركائه في تمرير الميزانية الكارثية، التي لم تبق امام شرائح كثيرة من المجتمع بما فيهم مرضى السرطان المتظاهرون من اجل الدواء، سوى خيار ان يدفعوا ثمن هذه الميزانية بالموت او الذل او الجوع.
لقد جاء تصرف رئيس الوزراء في قضية تعيينات "الجزاء الفوري" اشبه بتصرف رئيس عصابة منه بتصرف رئيس حكومة، يجزي "رجالته" عند اتمام الصفقة مباشرة، وبدون وازع من خجل.
لقد ثبت هذا الاسبوع، ان حكومة شارون ودعائمها المباشرة وغير المباشرة ليست قابلة للسقوط ليس لانها تستحق الحياة، بل لانه لا يمكن السقوط اكثر، من الحضيض الذي استقرت فيه، اخلاقيا وسياسيا واجتماعيا. فالحكومة التي طلبت الى الكنيست امس الاول اقرار قائمة جديدة بالوزراء ونواب الوزراء الجدد جزاء على دورهم في تمرير الميزانية هي الحكومة نفسها التي اشترت الذمم والاحزاب والكتل البرلمانية، بعضها " بثلاثين من فضة" لتمرير الميزانية والكوارث الاجتماعية والسياسية التي تحملها. وهي الحكومة ذاتها التي دأبت على اقرار القانون المعروف بـ"قانون الوظائف" والذي يوفر للوزراء امكانية القيام بتعيينات سياسية حزبية واسعة في وزاراتهم، على مبدأ "الاقربون اولى بالمعروف".
ان تصرفات حكومة شارون، والوقوع في شباك مفاهيمها، والقبول باللعب على ملعبها، يعبر عن الازمة الشاملة والخانقة التي تعيشها المؤسسة السياسية الاسرائيلية، والتي باتت ايضا ازمة اخلاقية لا تطاق. وبدلا من استغلال هذه الازمة، التي تهدد ما تبقى من معالم الدمقراطية، في هذا المجتمع ومن قيمة للحقوق، من اجل تصعيد النضال لاسقاط هذه الحكومة، عبر اسقاط ميزانيتها، فاننا نشهد التطوع الهزيل البائس لبعض قوى المعارضة، والقوى التي كان يفترض ان تكون في المعارضة، لانقاذ شارون وحكومته، ليس من اجل الخروج من الازمة الشاملة والخانقة التي يدفع ثمنها اوسع القطاعات الشعبية في المجتمع الاسرائيلي وفي طليعتها الجماهير العربية في اسرائيل، بل من اجل احتفاظ شارون بالحكم برغم الازمة وبرغم تعميقها في الميزانية المقرة للعام الحالي.
ومن المثير ان تأتي الدعوات للتصويت الى جانب الميزانية لانقاذ حكومة شارون ومنعها من السقوط خوفا على خطة شارون للانفصال عن غزة وما تتضمنه من اخلاء المستوطنين. ان هذه الدعوة مغالطة لا يمكن المرور عليها مر الكرام، فاذا كان سيتم اخلاء بضع مئات من بيوت المستوطنين في مستوطنات غزة وشمالي الضفة الغربية في اطار خطة شارون، فان الميزانية التي يطالبوننا بالتصويت عليها او تمريرها تحتوي على تمويل لبناء سبعة آلاف بيت جديد في مستوطنات الضفة الغربية ومستوطنات القدس الكبرى بما فيها معاليه ادوميم التي ستقضي نهائيا على حلم اقامة دولة فلسطينية مستقلة، اضافة الى تمويل بناء جدار الفصل العنصري، وتمويل حواجز الاحتلال، وتركيز الشعب الفلسطيني في مجموعة من السجون الكبيرة، لقد قلنا في الماضي ونقول- ان خطة شارون ليست خطة لانهاء الاحتلال ولا لتعجيل بناء الدولة الفلسطينية، انها خطة لاخراج الشعب الفلطسيني من اللعبة والتأثير في قضية الاحتلال وتحويل مسألة الاحتلال وانهائه والابقاء عليه الى مسألة اسرائيلية داخلية ومحاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه من الاحتلال، ان خطة شارون ليست جزءا من الحل السياسي بل بديلا له، وبديلا للدولة الفلسطينية، وللاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.
لقد جاءت تصريحات وزير المالية نتنياهو هذا الاسبوع، حول ضرورة التمسك بالاراضي الفلسطينية التي لا يسكنها الفلسطينيون في ايدي اسرائيل، لقيمتها الاستراتيجية والتاريخية لاسرائيل، لتفضح طبيعة المخطط الاسرائيلي الذي لا يرغب "بضم الفلسطينيين" وانما يرغب بضم "المناطق الفلسطينية" غير المأهولة. ان خطة الانفصال عن غزة التي اصبحت لدى بعضهم، مبررا لانقاذ حكومة شارون- هي سقف الحل الذي تقترحه هذه الحكومة، او الذي تريد هذه الحكومة ان تعرضه على الشعب الفلسطيني، ليس خطوة في طريق الحل، وانما الحل كله وبديلا له.
لقد بات واضحا الآن ان السنوات الاربع الماضية، لم تشهد انتفاضة فلسطينية بقدر ما شهدت انتفاضة الاحتلال الاسرائيلي ضد الحل السياسي، وضد السلام العادل، بدأها شارون في صعوده الاستفزازي الى باحة المسجد الاقصى، ويصل بها قمتها بخطته للانفصال عن غزة.
ويحاول بعضهم، ادلجة الموقف الانهزامي واليائس لقسم من قوى المعارضة في الساحة الاسرائيلية، في طليعتها حزب العمل وكل المتساوقين مع مدرسته السياسية، والداعين الى انقاذ حكومة شارون، بثمن تخلي المعارضة، عن دورها المعارضة وانضمامها الى الركب الحاكم، لتحصيل ما يمكن تحصيله من فتات الحكم، هروبا من المواجهة مع "حكم الازمة" او مع " ازمة الحكم".
ان هذه الدعوة المتمسحة "بالواقعية" والبراغماتية المشبوهة، اضافة الى انها مناهضة للمنطق الدمقراطي، فانها تخفي وراءها عقلية الاستسلام للامر السياسي الواقع، واليأس من النضال الشعبي والهروب من المواجهة مع سياسة الاحتلال والاستيطان والحرب، ومع التمييز والمصادرة والهدم، ومع هجمة "الليبرالية الجديدة"، والاكتفاء بقبول ما يتصدق به الاقوياء، من خلق وهم سياسي ووهم اجتماعي كاذب، وجوائز للطيعين المنسجمين مع "الواقعية المستسلمة" والمتسلخين عن مفاهيم الوحدة الكفاحية، لانتزاع الحقوق المدنية والقومية في حالة الاقلية القومية العربية في اسرائيل.
ان الخطر الحقيقي لهذه الادلجة، وما تروجه من ازالة للحواجز والحدود بين "البراغماتية" وبين الانتهازية، بين "الواقعية السياسية" الحقيقية القادرة على تجنيد الطاقات وضحايا السياسة الكارثية للحكومة، وبناء وحدتهم الكفاحية المجاهدة لتعبئتهم للمواجهة لتغيير الواقع القائم، وبين اليأس من قدرة الجماهير على الدفاع عن حقوقها التيئيس عبر التسويق لموقع الايتام على مائدة اللئام، وعقلية "اقتسام الكعكة" بدلا من التأثير على طعمها وطابعها، والانتقال من الترويج للفتات، الى التندر على مفهوم النضال والاستخفاف بالتمسك بالمبادئ والتعامل معها كقيمة قديمة بالية لا يتسع لها عالم القطب الامريكي الواحد بعد اليوم.
ان اخطر ما في هذه الادلجة، ليس بعدها السياسي المحلي، وانما اندراجها في المزاج الانهزامي العام الذي تروج له قوى اقليمية وعالمية ليطغى على الشرق الاوسط الكبير والصغير، في ظل العدوانية الامريكية المنفلتة، وتوطئة لمخططاتها الاستراتيجية العدوانية المشتركة مع حكام اسرائيل لمواصلة تهديداتها والاعداد لحربها ضد سوريا وايران ولبنان، وللسيطرة الامبريالية على العالم. ومن هذا المزاج ترويج بعض الانظمة في المنطقة، الى التطبيع السريع وغير المبرر مع اسرائيل، بحجة تشجيعها على التحرك السياسي. ان المبادرة الى مشاريع التطبيع في القمة العربية الاخيرة تندرج في هذا المزاج.
ان تطبيع اسرائيل يجب ان يسبق التطبيع معها، وتطبيع سياسة الحكومة، وميزانيتها يجب ان يسبق تطبيع العلاقة معها، والعمل على انقاذها.
وفي كلتا الحالتين، على الحكومة الاسرائيلية ان تدفع مستحقات هذا التطبيع بالعملة الفلسطينية الصعبة، وبعملة المساواة في الحقوق المدنية والقومية للمواطنين العرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتماع مصري إسرائيلي أميركي مرتقب بشأن إعادة فتح معبر رفح| #


.. المتحدث باسم الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: الكرة الآن




.. رئيس مجلس النواب الأميركي يعلن أن نتنياهو سيلقي كلمة أمام ال


.. أربعة عشر متنافسا للوصرل إلى كرسي الرئاسة الإيرانية| #غرفة_ا




.. روسيا تواصل تقدمها على جبهة خاركيف وقد فقدت أوكرانيا أكثر من