الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات البرلمانية المصرية...المشاركة أم المقاطعة أم الرفض

علاء عوض

2013 / 2 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


منذ انطلاق العملية الثورية فى 25 يناير 2011، كان من الطبيعى أن تبدأ الثورة المضادة فى عمليتها هى الأخرى. اتسمت عملية الثورة المضادة بالعديد من المسارات السياسية التى تنوعت وفقا لتطور الوضع الثورى على أرض الواقع، بدءا من سياسات القمع الأمنى ثم محاولات الاحتواء من خلال موائد الحوار مرورا باستدعاء الفتن الطائفية ومحاولة تفريغ الثورة من جوهرها الاجتماعى، غير أن أهم هذه المسارات هو المحاولات الحثيثة التى مارستها –وتمارسها- الثورة المضادة بأجنحتها المختلفة لبناء الاطار التشريعى والمؤسساتى للحكم بما يضمن وأد العملية الثورية وقطع الطريق على تطورها باتجاه أجندة ذات طابع جذرى والدخول بها فى دهاليز المسارات السياسية التى تؤدى فى النهاية الى اعادة صياغة النظام الحاكم بما يسمح بتأكيد سيطرة الرأسمالية بشرائحها المختلفة على الحكم. والواقع أن الدعوة الراهنة للانتخابات البرلمانية هى حلقة من حلقات هذا المسار، والذى سبقته حلقات أخرى ربما كان أهمها هو اقرار الدستور.
تنطلق دعوات القوى والتيارات السياسية "المعارضة" والمشاركة فى الانتخابات من منطلقات مختلفة، فهناك من يتناول الأمر بشكل "أكاديمى" يحدد شروطا أربعة لنجاح تجربة مقاطعة الانتخابات، وتتلخص هذه الشروط فى حدود درجة التأييد الشعبى للمعارضة وكذلك للحزب الحاكم وأيضا قدرة المعارضة على الحشد والتعبئة الجماهيرية وقدرتها على ضم غالبية الأحزاب المعارضة لهذا الموقف المقاطع. والواقع أن تناولا بهذا الشكل ينطلق من قراءة غير دقيقة بالمرة لطبيعة اللحظة الراهنة، لأن هذا التناول ببساطة يتعامل مع الأمر باعتبار أننا ازاء حالة صراع سياسى بين الحكم والمعارضة، أو بمعنى آخر بين الاخوان وجبهة الانقاذ. ان الحديث عن صراع سياسى يفترض وجود قوى سياسية متبلورة على المستوى التنظيمى وقادرة على بناء صلات ما مع جماهيرها، وتعمل فى اطار واقع سياسى مستقر تحكمه قواعد تشريعية ومؤسساتية متفق عليها من غالبية القوى السياسية، ويهدف هذا الصراع الى ممارسة كافة أشكال الضغوط الممكنة للحصول على أكبر قدر من المكاسب السياسية. فى هذا السياق فقط تكون مقاطعة الانتخابات بقصد تعديل شروطها الاجرائية أو السياسية سلاحا يمكن قبوله، ويمكن قياس قوته من خلال المعايير السابقة.
فى حقيقة الأمر نحن الآن نعيش حالة من مختلفة من الصراع، ربما كان من الأجدر تسميتها ب "الصراع الثورى"، وهو صراع بين قوى اجتماعية وسياسية صاحبة مصلحة فى استمرار الثورة وانتصارها، وقوى أخرى تنتمى عضويا الى الثورة المضادة. وبالرغم من أن هذا الصراع لم يصل بعد الى درجة التبلور السياسى والبرنامجى الكامل، ومازالت أجندة الثورة تدور فى دوائر عمومية مثل "القصاص" و"العدل الاجتماعى"، ومازالت عاجزة عن الخروج من دائرة المحتوى الديمقراطى الى الجوهر الطبقى، الا أن درجة التناقض الاجتماعى الحادة قد ظهرت آثارها وبوضوح شديد فى اتساع نطاق الاحتجاجات الجماهيرية فى عموم البلاد، ونجاح تجربة الاضراب العام فى بورسعيد، ومواجهة القمع الأمنى العنيف بمزيد من التصعيد والاحتجاج، وقد أدى ذلك دون شك الى ظهور مزاج جماهيرى رافض لهذا النظام ولأدواته الحاكمة، بل تطور الأمر الى طرح بعض الأفكار الجنينية فى الادارة الشعبية فى المحلة والاسكندرية وبورسعيد. نحن اذن أمام ثلاثة أطراف فى الصراع الدائر، فبينما تقف الجماهير الغاضبة فى الميادين والشوارع ترفع رايات العصيان وترفض أدوات الحكم المزمع بنائها، نجد على طرف آخر نظام الاخوان يقف فى حالة عداء شديد لهذه الجماهير مواجها اياها بمزيد من القمع والارهاب، وعلى الطرف الثالث نجد جبهة الانقاذ، التى لها تناقضاتها بالطبع مع نظام الاخوان، الا أنها مازالت تسعى الى تأكيد نفس المسار السياسى ولكن بشروط تسمح لها بلعب دور أكبر فى المشاركة فى الحكم، وفى هذا السياق تقف الجبهة أحيانا مع مطالب الجماهير، وتتبرأ أحيانا أخرى من أدائهم. الواقع أن الجبهة لا تقف فى نفس الخندق مع الجماهير، ولكنها تحاول دائما أن تكسب من التصعيد الجماهيري. وهنا يجب أن ندقق كثيرا فى فهم الفارق بين أداء الشباب المنتمى الى المكونات الساسية للجبهة، ذلك الأداء الثورى على أرض الواقع والذى يسعى دائما الى الالتحام بالحركة الجماهيرية وتقديم التضحيات بالدماء، وبين الأداء الرسمى لقيادات الجبهة فى بياناتها وتصريحاتها. فى المجمل أستطيع أن أقول أن صراعا كهذا لا يمكن أن ينطبق عليه الخطاب المدرسى السابق فى قواعد المقاطعة الانتخابية.
ازاء هذه الحالة من الصراع تنتقل الدعوة من مقاطعة الانتخابات الى دائرة رفضها برمتها، هذا الانتقال الذى لا يعنى فقط مجرد رفض الاطار التشريعى والاجرائى المنظم للعملية الانتخابية فى الوقت الراهن، ولكنه يعنى بالأساس الرفض الكامل لهذا المسار وطرح مسارات ثورية بديلة تنطلق من الامكانات الفعلية الموجودة فى الواقع –مهما كانت صغيرة ومحدودة- والتى طرحت الجماهير بعفويتها تصورا جنينيا لها، وتحديدا الدعوة الى بناء أدوات مختلفة لسلطة شعبية حقيقية من خلال لجان محلية منتخبة. والواقع أن فرصة بناء هذه التنظيمات الجماهيرية موجودة بالفعل فى بعض من بؤر الصراع، والاسراع ببنائها سيقدم تجربة نوعية مختلفة فى التاريخ السياسى المصرى المعاصر، وسيفتح الطريق أمام انتقالها الى مناطق أخرى، وسيطرح ربما للمرة الأولى، قضية "الديمقراطية البرلمانية" على دائرة الوعى الجماهيرى من خلال خبرة نضالية حقيقية.
على حانب آخر هناك من يدعون للمشاركة فى الانتخابات ولكن من منطلق يطرح الأمر بشكل مختلف، فهو يقرأ الصورة من زاوية تدنى الوعى الجماهيرى، وعجزه عن تخطى حدود "البرلمانية"، وبالتالى تكون النتيجة الوحيدة لفكرة المقاطعة هى مزيد من العزلة عن الحركة الجماهيرية، ويتطور الأمر لدى أصحاب هذه الأفكار الى ضرورة الانتظار لنرى كيف سيتطور المزاج الجماهيرى العام تجاه الانتخابات، لتحدد القوى السياسية موقفها من العملية الانتخابية وفقا لهذا التطور. والواقع أن هذه الأفكار تنطلق من قراءة مغلوطة للوضع الراهن، وحالة من العجز وفقدان الثقة فى القدرات الفعلية للحركة الجماهيرية. نحن أمام حالة احتجاجية من الممكن أن تؤدى الى عجز النظام عن اجراء الانتخابات فى محافظة واحدة –وربما أكثر- على الأقل، مما يخلق وضعا سياسيا غير مسبوق ويهدد بنسف العملية برمتها. كيف يمكننا أن نتفق مع المزاج الجماهيرى فى بورسعيد ونرفض الانتخابات، ثم نشارك فيها فى نفس اللحظة فى الصعيد أو القاهرة. هل نتوجه الى جماهير بورسعيد والمحلة والمنصورة بضرورة انتخاب لجان شعبية تلعب دورا فى الرقابة والادارة، ثم نتوجه الى باقى جماهير البلاد بانتخاب مرشحينا فى الانتخابات. وعلى الجانب الآخر، هل علينا أن نتوجه الى بورسعيد نطالب المحتجين والمشاركين فى الاضراب العام هناك بضرورة الانخراط فى العملية الانتخابية واختيار قوائمنا، وكيف يمكننا أن نوصف ذلك، هل هو فى صلب العملية الثورية أم أنه يخدم سياسات الثورة المضادة. ان مصادرة تطور الحركة الجماهيرية التى تمارسه بعض التيارات السياسية هو فى حقيقة الأمر نتيجة لعجز هذه التيارات عن بناء ارتباطات حقيقية وصلبة مع هذه الحركة، ومن المثير للدهشة أن هذا العجز أيضا لن يسمح لها بتحقيق أى مكاسب حقيقية من خلال الانتخابات، فما الجدوى اذن من المشاركة؟ كما أنه من الغريب أيضا أن تطرح تيارات سياسية تدعى ممارسة دور طليعى فى الحركة الجماهيرية مواقف تقدس العفوية بل وتتذيلها. أستطيع أن أفهم أن رفع شعارات تتجاوز وعى الجماهير بمسافة كبرى هو طريق العزلة السياسية، الا أننى أيضا أفهم أن قوى الثورة عليها أن تكون دائما فى طليعة الحركة الجماهيرية ومتقدمة عنها بخطوة على الأقل.
أتصور أننا أمام لحظة هامة وفارقة فى مسار العملية الثورية، لحظة تسعى فيها الثورة المضادة الى اختطاف الثورة ووأدها وتكريس سلطتها السياسية لاحكام سيطرتها الاقتصادية على مقدرات الوطن، وعلينا أن ننحاز الى خيارات الثورة، وأن المشاركة فى الانتخابات البرلمانية القادمة هى فى جوهرها موقف داعم لمسار الثورة المضادة. هناك عبارة شهيرة تتردد كثيرا فى أجواء الانتخابات المصرية: "نكون حيث تناضل الجماهير". حسنا، لاخلاف على تلك العبارة، ولكن علينا أن نحدد بشكل دقيق على أى ضفة تناضل الجماهير وما هى الآفاق الممكنة لتطور حركتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ”أنت رهن الاعتقال“.. توقيف صحفية أثناء توثيقها لعنف الشرطة م


.. أضرار جسيمة إثر إعصار قوي ضرب ولاية ميشيغان الأمريكية




.. نافذة إنسانية.. تداعيات توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي في رفح


.. مراسل الجزيرة: قوات كبيرة من جيش وشرطة الاحتلال تقتحم مخيم ش




.. شاحنة تسير عكس الاتجاه في سلطنة عُمان فتصدم 11 مركبة وتقتل 3