الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعداء الاحتلال ليسوا بالضرورة أعداء لأمريكا

عماد الطائي
فنان تشكيلي

2005 / 4 / 3
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تتغير موازين القوى في العراق بسرعة بحيث ان الفرد منا لم ينتهي من كتابة موضوع الا واستجدت أمور تلغي ما توصل له من استنتاجات. لقد اثر هذا التسارع في الأحداث والفوضى الى ان يعدل الكثير من المواطنين عن السياسة والتورط بانتماءات جديدة الى الاحزاب السياسية خاصة وان السياسيين انفسهم لا يتمكنون من تنفيذ سياسة قيادة بعض احزابهم لأنها تأتي على الدوام بالمتغير الذي يناقض أحيانا السياسة الرسمية لها. هذه القيادات التي يصعب ان تفهم تصريحات الكثير من ممثليها اذا ما قارنتها بما يحصل على ارض الواقع حيث يعمل قسم منهم بعكس البرامج او الاديولوجيات التي من المفروض انهم ملتزمون بها ولا احد يعرف ما اذا كانت الجهات الرسمية للاحصاء سجلت في هذه الايام نسبة الاعداد الضخمة من العراقيين الذين يتركون السياسة بعد كل هذه النكسات أوعدد الذين لا يريدون سماع كلمة سياسة او القيام بمجرد علاقات اجتماعية عادية مع السياسيين جاء هذا نتيجة لليأس والملل من الكلام والعهود والتناقض الشاسع بين ما هو ممكن ومفيد وبين ما هو مجرد وعود ومصالح ضيقة ويتمنى الكثيرون لوان البعض تمسك بتنظيراته على علاتها بدلا من تحويلها الى مسرحيات تناقض بعضها البعض ويتندر الناس بها سواء من جانب الإحباط أو من باب التشفي.
ومن الايجابيات التي حصل عليها العراقي بعد سقوط الفاشية هو ظهور الاحزاب السياسية على حقيقتها وليس كما يهلهل لها إعلامها أضف الى ذلك وعودها التي تعب المواطن من سماعها فالأمريكان من الذكاء والخبرة بحيث انهم لا يمنعون عليك شيء في حال ضمان ان ما يحصلون عليه لاحقا سيكون أضعاف ما تجنيه انت والسبب بسيط جدا فهم ذو خبرة طويلة تعادل ألف مرة مما نمتلكه نحن أو حتى من هو اكبر منا بدليل ما حصل قي التاريخ القريب ابتداءً من الخطط التي اتبعت للتعجيل بإنهاء أسطورة الاتحاد السوفيتي والتداعي الخاطف للمنظومة الاشتراكية وانتهاءً بتجميد النشاط السياسي للصين الشعبية.
 المشكلة إننا نبالغ بشعاراتنا ولا نطبق منها شيء أما الامريكان فيقولون ويفعلون, يقايضوك بشيء مقابل شيء اكبر, يعرفون من أين تُأكل الكتف(يعترفون بالخطأ بعد فوات الأوان!!!) ليس من عادتهم ان يمنحوا بالمجان بدون مقابل ورغم النواقص الاجتماعية الخطرة عندهم الا انهم افضل منا بالعلم والطب, بالتكنولوجيا والبناء واستكشاف الفضاء, بالرياضة والتسلح بالسينما والمسرح وبأشياء اخرى عديدة اهمها انهم أذكياء باساليبهم التي تجعل البلدان المتأخرة تكنولوجياً أو اجتماعياً تراوح بمكانها وهم يتقدمون فهم وحلفاؤهم يساندون من بعيد من يؤخر مجتمعاتنا لانهم يربحون من ذلك ثم يحاججونك على ان مجتمعك متخلف وغير قادرعلى أن ينهض بمسؤولياته, يوصلوك الى الاقتناع بان تسلم امورك لهم وانت الممنون وتبقى على الدوام جاهلا لان تستدل اين يكمن الخطأ واين هي العلة؟
لا يوجد أعداء أبديون لامريكا بالمعنى المحدد كنظام رأسمالي- عسكري- اقتصادي متكامل فهذا الأمر مقتصر على عدد من الاحزاب الشيوعية أو الاشتراكية التي ليس لها مصالح مشتركة مع الرأسمالية وهدفها هو القضاء عليها طبقيا.اما الحركات الاخرى المناوئة لامريكا فهي مؤقتة وليس لها هدف ثابت او نظرية توحدها ولا تهدف الى القضاء على امريكا كونها تمثل قمة الرأسمالية العالمية ولا تنوي هذه القوى تشكيل التنظيمات الشعبية لمواجهة الظلم الطبقي للرأسمالية ذلك الظلم الذي نتج عن اغتناء المؤسسات الرأسمالية على حساب عامة الشعب الذي أدى الى سحق الفقراء وتوسع البطالة. فهم لا يكافحون ضد امريكا( كنظام رأسمالي) لكنهم يقفون بوجه المظالم التي تصدر عنها ومثل هذه الحركات موجودة الآن في العراق ومنظمة بشكل جيد في الدول الصناعية المتطورة أو الدول التي لا توجد فيها أنظمة دكتاتورية وهي ضعيفة في بلدان أوربا الشرقية التي نفضت للتو عن نفسها غبار الاشتراكية السوفيتية وتلهث الغالبية فيها وراء الرأسمالية حتى ولو كانت مجرد قشور او مظاهر تافهة وهذا متأتي من العقد الهائلة التي نتجت عن بيروقراطية الحزب الواحد, سياسة التعتيم والقمع والحرمان التي فرضتها تجربة الاتحاد السوفيتي المنهارة مما ادى لاحقا لان تتوسع مساحة المنبهرين بالولايات المتحدة بشكل لم تحلم به أمريكا يوما مما أدى الى تزايد الغرور والعنجهية عندها بمعدلات قياسية .
أما ما حدث داخل العراق فقد كان شيئاً آخر لم يحدث في أي بقعة في العالم حيث انتظر انهيار النظام الفاشي جميع من اجبروا على الانتماء لحزب البعث بالاضافة الى الكثير من منتسبي الجيش والشرطة أما ما يتعلق بالمعارضين للنظام الذين لجأوا الى الخارج فمنهم من انحاز الى جانب امريكا رغم علات سياستها الخارجية ومنهم من رفض هذا التكتيك لاسباب تاريخية تتعلق برفضهم لسياسة واشنطن التي تمثلت بالعداء للتقدم في الدول العربية واستعمالها حق الفيتو ضد أي قرار يفضح الجرائم اللاانسانية للاحتلال الإسرائيلي كذلك الإسناد الكبير الذي قدمته امريكا الى المؤوسسات الرجعية في البلدان العربية أو تعاونها السياسي والعسكري مع النظام الدموي لصدام حسين وامتناعها عن إسقاطه بعد حرب الخليج ورغم كل هذه الكوارث تحالفت بعض التجمعات العراقية"مع العدو أو الشيطان الأعظم" وتدريجيا انضم في الخارج الى هذا الخليط العجيب آخرون من غير الراضين على سياسة امريكا في المنطقة متشبثون بها للمساعدة في تقويض النظام الفاشي في العراق الذي أحاط نفسه بأوهام كاذبة كاستحالة تقويضه. تلى ذلك مباشرة انقسامات في الحركات السياسية العراقية بين المتعاونين مع أمريكا فعلا والرافضين او من لعب على الحبلين أي ان مصلحة القضاء على النظام فتحت ولأول مرة الأفاق لكي يربط علنا البعض مصيره بالمخابرات الأمريكية ولو مؤقتا متناسيا إستراتيجيته السابقة.
في أثناء الحرب العالمية الثانية كانت تحالفات الولايات المتحدة الأمريكية مع أعدائها الطبقيين من دول شيوعية وراديكاليين وخليط عريض من المعادين للنازية قد حققت نجاح كبير بالقضاء على التوسع الفاشي لألمانيا وانتعاش الحريات الواسعة والانفتاح على الأنظمة الليبرالية والديمقراطية المدعومة من القوى الراديكالية والتقدمية غير ان ذلك النصر لم يلحقه احتلال أمريكي لأي دولة مهما كانت صغيرة كما إنها رفضت دعم أي قوة دينية أو طائفية.
أما الذي حصل في العراق فهو إن التحرير قد تحول الى احتلال رسمي وفرض تشكيلات طائفية متعنتة لتحقيق"الحريات والديمقراطية" وهو ما فاجأ حتى المتعاونين في البداية مع الأمريكان وتشتت الوطنيون المستفيدون من سقوط النظام خاصة بعد ان تحولت ارض العراق ولأول مرة الى رماد مستباح وفريسة رخيصة لمن هب ودب تلته مباشرة مفاجآت متنوعة لم يحسب حسابها الكثيرون ممن عولوا على جيش التحرير المنتظر حين تحول العراق ولاول مرة الى معسكر علني ومنظم بدقة للتخلص بالكامل من الاقليات والطوائف الدينية الغير مسلمة رغم احتلال العراق من قبل اكبر الدول المسيحية في العالم وفجأة جرى اكتساح العراق من قبل منظمات بأسماء اسلامية لم يسمع بها احد قامت بادارة رحى الفتن الطائفية وتشريد اكبر عدد ممكن من الكوادر العلمية والمثقفة وفق خطة مدروسة وباسناد اجنبي ذو خبرة تفوق كل ما لدى الدول العربية مما خيب آمال من عول على جيش التحرير في بناء عراق جديد بما فيهم الآلاف من المغتربين الذين أيدوا التدخل الأمريكي بعد وعود باعادتهم فور التحرير تجدهم وحتى هذا اليوم وهم يراوحون في الخارج في مكانهم مما اضعف جبهة المتحمسين للاحتلال.
غير ان مستقبل السياسة الامركية طويل جدا في العراق وستبقى أطراف عديدة تترنح بين التحالفات المؤقتة والطويلة الامد حسب تكتيك الأمريكان خاصة سياستهم بمد الجسور الى التنظيمات المختلفة اينما كانت بما فيها العصابات الإرهابية للاستفادة منها مستقبلا أو وقت الحاجة ويجب ان لا يفاجأ من هو معني بالشأن العراقي او شأن الشرق الأوسط يوم يرى قسم من المعادين اليوم للاحتلال وللأمريكان وهم يقفون مستقبلا الى جانب جنرالات الجيش الامريكي في صف واحد أو خندق مشترك لمجرد إشراك هذه القوى في تقاسم( كعكة السلطة) والذهب الاسود الذي يقطر منها حسب مصالحها الذاتية وتعطشها للنفوذ والهيمنة وهناك بالتأكيد من هو مستعد للمشاركة بهذه الطبخة فليست مقاومة الاحتلال ونظامه الطائفي الرجعي الحالي هو هدفهم ولا التضحية في سبيل التعجيل ببناء الوطن بل السلطة والكسب السريع الذي يتمنوه وسيأتي اليوم الذي نرى فيه بعض الأصوات الرنانة ضد الاحتلال وهي تقلم أظافر من يعادي الحكومة الأمريكية وتقدم مجانا قوائم بأسماء أعداء أصدقائها الجدد!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في شمال كوسوفو.. السلطات تحاول بأي ثمن إدماج السكان الصرب


.. تضرر مبنى -قلعة هاري بوتر- بهجوم روسي في أوكرانيا




.. المال مقابل الرحيل.. بريطانيا ترحل أول طالب لجوء إلى رواندا


.. ألمانيا تزود أوكرانيا بـ -درع السماء- الذي يطلق 1000 طلقة با




.. ما القنابل الإسرائيلية غير المتفجّرة؟ وما مدى خطورتها على سك