الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا دخل الجهاديون سوريا؟

ثائر زكي الزعزوع

2013 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


قد تكون السعودية، ومن خبرتها الطويلة في التعامل مع الجماعات الراديكالية الجهادية، سواء في أفغانستان أم في اليمن، أدركت باكراً أنه ليس من مصلحة المجتمع الدولي ترك الأمور في سوريا دون حسم واضح، ولذلك فإنها سارعت وقبل أي دولة أخرى للدعوة إلى تسليح المعارضة السورية من أجل تمكينها من التغلب على نظام الأسد وإنهاء حكمه بسرعة، ولعل الاستياء الواضح الذي أبداه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل خلال مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في تونس في شباط فبراير من العام 2012 مرده إلى تقاعس الأسرة الدولية آنذاك عن تنفيذ النصيحة السعودية، وعبّر الفيصل صراحة ودون مواربة وقتها عن خيبة أمل بلاده لأن " ما تم التوصل إليه لا يرقى لحجم المأساة ولا يفي بما يتوجب فعله في هذا الاجتماع. لأن حصر التركيز على كيفية إيصال المساعدات الإنسانية لا يكفي "وإلا كنا كمن يريد تسمين الفريسة قبل أن يستكمل الوحش الكاسر افتراسها".. هل من الإنسانية أن نكتفي بتقديم الطعام والدواء والكساء للمدنيين ثم نتركهم إلى مصيرهم المحتوم في مواجهة آلة عسكرية لا ترحم". وكان الفيصل وقتها يشير صراحة لا مواربة إلى ضرورة العمل بكافة الوسائل لإنهاء ما وصفها بالمأساة السورية.
وقد حذت بعض الدول العربية فيما بعد حذو المملكة وساهمت بشكل غير مباشر في إيصال السلاح للثوار، وقد مكّنهم ذلك الأمر من دحر قوات النظام في أكثر من منطقة، لكن النظام ظل قادراً على لعب دور "الأقوى" في الصراع من خلال سلاحه الجوي الذي لم تتوفر إرادة دولية كافية لفرض منطقة عازلة تحدُّ من قدرته على التحليق والنيل من الثوار، وإفساد محاولاتهم لإصلاح ما خربته آلته العسكرية.
واستمرت المطالبات من قيادات المعارضة السورية، ومن الشارع الثائر للمجتمع الدولي من أجل القيام بواجبه في إنهاء النظام سواء من خلال تدخل عسكري مباشر أم من خلال تمكين الثوار من فعل ذلك عبر مدّهم بأسلحة قادرة على مقاومة ترسانته التي لا تنضب بسبب استمرار تدفق السلاح الروسي والإيراني، عبر الموانئ أو حتى في الطائرات المدنية.
ولكن الموقف الأميركي الأوروبي لم يتغير، وظلت المعادلة بالنسبة لهم لا تتجاوز التصريحات الحماسية في بعض الأحيان، والتي لم يكن من شأنها أن تخفّف المعاناة وآلة القتل التي تطورت باضطراد توازياً مع استمرار النظام في فقدان سيطرته، ووصلت حدّ الذروة خلال الأسابيع المنصرمة بظهور الصواريخ البالستية إلى الواجهة لتدكّ وبكل ضراوة المدن الثائرة، وقادت الأمم المتحدة، بدهاء، لعبة تحريف معنى الأزمة السورية، وعلى لسان مندوبيها "عنان والإبراهيمي" وكذلك على لسان أمينها العام ومساعديه، لتتحوّل من ثورة ضد نظام ديكتاتوري، إلى أزمة نازحين ولاجئين، وكثرت التحركات الأممية في هذا الصدد، من خلال دعوات متكررة لمساعدة وإغاثة اللاجئين، وتقديم الدعم المادي والإنساني لهم. ولا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار أهمية هذا الملف، لكن بالمقابل ألم يكن حرياً بالأسرة الدولية العمل على وقف نزيف الدماء، وصولاً إلى منع نزوح عشرات الآلاف الآخرين في حال استمرار الحرب التي يشنها النظام على كافة المناطق والمدن لفترة زمنية غير معلوم موعدها النهائي.
قد يكون مفيداً التذكير بأن أمن إسرائيل والخشية من وصول السلاح إلى جماعات متطرفة هي الذريعة التي أبرزتها واشنطن وغيرها من الدول لتبرِّر تريثها، واستطراداً امتناعها عن مدّ الثوار بالسلاح النوعي، إلا أن ما لم تخطط له واشنطن جيداً هو إغفالها جانباً في غاية الأهمية، وهو أن تحوّل سوريا، أو على الأقل بعض مناطقها إلى بؤرة للفوضى سيكون بيئة آمنة، لتلك الجماعات لتدخل متذرعةً بألف سبب يبرز في مقدمتها سبب أخلاقي لا يمكن لأحد رفضه أو الاحتجاج عليه، وهو نصرة الشعب السوري والدفاع عنه أمام هذا النظام الذي يسكت العالم عن جرائمه.
وهذا تماماً ما حدث...
فقد وجدت تنظيمات جهادية معروفةٌ المجالَ مفتوحاً أمامها لتدخل عبر الحدود، وتنضمّ إلى المقاتلين، بل ولتشكلَ كتائب وألوية وتلوّح براياتها، وقد لقيت في بعض المناطق ترحيباً نظراً لما يتمتع به أفرادها من انضباط وبسالة في القتال، واستطاعت تلك الجماعات ومن أشهرها "جبهة النصرة" وخلال أشهر قليلة أن تضع لنفسها مكاناً على الخارطة الثورية في سوريا، وبالمقابل فإن الإدارة الأميركية سارعت إلى إدراج "جبهة النصرة" على قائمة الإرهاب لديها، بسبب علاقتها بتنظيم القاعدة كما جاء في بيان وزارة الخارجية الأميركية، وقد أثار القرار الأميركي حفيظة العديد من قوى المعارضة السورية، وعلى رأسها الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة وأشار رئيسه معاذ الخطيب إلى أن قرار واشنطن اعتبار إحدى الجهات التي تقاتل النظام جهة إرهابية يستلزم إعادة النظر فيه، وأكد، خلال مؤتمر أصدقاء سوريا في المغرب، أن كل بنادق الثوار هدفها إسقاط النظام المجرم. فيما هلّل نظام دمشق للقرار الأميركي واعتبره نصراً له لأنه يؤكد مزاعمه بأنه يخوض حرباً ضد إرهابيين، وأن رواياته عن العصابات التكفيرية الإرهابية لم تكن من نسج خياله، بل هي حقيقة تؤكدها الإدارة الأميركية، التي يعتبرها نظام دمشق ألدّ أعدائه، ورأس حربة المؤامرة الكونية عليه.
ومع استمرار أمدِ الصراع، الذي تحوّل بشكل أو بآخر إلى حرب تحرير شعبية تخوضها فصائل متنوّعة ضد نظام واحد يبدو متماسكاً من الخارج، لكنه في الحقيقة مهلهلٌ ويفقد مع مرور الوقت قدرتَه على التحكّمِ في شؤون المناطق والمدن، حتى تلك التي ما زالت خاضعة لسيطرته، مع استمرار أمد هذا الصراع فإن توقّعَ دخولِ بل وتشكّل المزيد من الحركات الجهادية واستطراداً الراديكالية على خطّ المعركة هو أمر متوقّعٌ، بل إنه حتمي بلا أدنى شك، وهو سيساهم في القضاء على النظام، لكنه لن يساهم أبداً في عودة الهدوء والاستقرار المنشودين، وربما سيكون تخوّف واشنطن وحلفاؤها الغربيون وقتها مبرراً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة