الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصورة ذات الاطار الفضي

ماهر علي دسوقي

2013 / 2 / 28
سيرة ذاتية


دندنت بكلمات اغنية للتو سمعتها في المركبة التي اقلتها من الجسر عائدة من الخارج الى مدينة رام الله بحزن و حسرة, السائق ابدى اهتماما ان لا يكون الصوت مرتفعا, على عكس عادة السائقين.. علقت الكلمات المغناة في رأسها و اخذت تعيدها تكرارا و مرارا..سنرجع يوما أخبرني العندليب..

اندفعت لداخل البيت و هي مشدودة لما سمعته من كلام السائق و النغمات الفيروزية لا تتراجع, القت التحية على الأهل, تحدثت عن رحلتها بسرعة لفتت انتباه " الأم ".. و الدموع تغالب عينيها.. استأذنت و دخلت غرفتها, جلست على طرف الأريكة الصغيرة و أخرجت صورة بالأبيض و الأسود من حقيبتها, و أجهشت بالبكاء.

جاء صوت " النقرات " الخفيفة على باب الغرفة "ليربكها" قليلا, لم تكمل كلمة أدخل حتى كانت أمها و قد انتصبت أمامها بثوبها الأسود المطرز الجميل.. وقفت و رمت بكامل ثقل جسدها على صدر أمها التي أخذت بتهدئتها, و الدموع تملأ وجهها..

لاحظت "أم حسن" الصورة في يدها فأدركت ما يعتمر بصدر ابنتها, لا عليك.. لا عليك "نجوى" هو الان يرتاح حيث أراد مع الشهداء..
مضى على استشهاد "ابو حسن" أكثر من عشرين عاما, لكن ما الذي حرك كل هذه العاطفة لدى الابنة الان.. تسائلت ام حسن و يدها تتحرك بلطف شديد على وجه "صغيرتها", تدريجيا.. عادت نجوى الى نوع من الهدوء المشوب بالقلق البادي على وجهها.. أخذت بيدها و جلستا على السرير و مازال رأس نجوى ملقى على صدر امها..
هي صورة مستطيلة متوسطة الحجم احتضنها اطار فضي جميل, ربطت بخيط مجدول يميل الى اللون البني ملتف حول المرأة الأمامية في المركبة, كلما أدارت الصورة وجهها الى الخارج نتيجة الحركة و السرعة و المطبات.. أعاد السائق "محمود" وجهها الى الداخل و طبع قبلة عليها منقولة بأطراف أصابعه, و أتبع ذلك بتمتمة خاصة.. بهذه الكلمات أخذت نجوى توضح المشهد.
عيسى شاب كان في العشرين من عمره, امتشق سلاحة و قاتل المحتل بشدة وضراوة, لم يهن يوما.. و في ليلة خريفية زحفت "الأفاعي" بحذر نحو بيته و التفت و احكمت القبضة على من فيه, و أخذت مكبرات الصوت تطالبه بتسليم نفسه.. حاولنا قال "محمود" ان نقنعه بذلك لكنه رفض و طلب منا مغادرة المكان.. اندفع أمامنا الى حيث أخفى بندقيته, ودعنا و تمترس داخل البيت.. و ما أن اطمأن على خروجنا حتى بادرهم بوابل من النار..
استمر الحال على حاله حتى تدخلت طائرة عمودية و انهالت على المنزل بالصواريخ.. و ساد الصمت..
كان ذلك قبل خمسة أعوام قال محمود موجها كلامه لسيدة جلست في المقعد الأمامي و سألته عن سر تقبيله المستمر للصورة ذات الاطار الفضي.. و حينها استرسل بالحديث عن شقيقه عيسى..
في هذه اللحظة رفعت نجوى عينيها بعد أن سردت بعضا من "الحكاية" تجاه أمها و هي تلملم جراح الحاضر و الماضي, و قالت الا تذكرك يا أماه هذه البطولة "بأختها" التي عشناها نحن؟ و كيف رفض والدي تسليم نفسه و قضى شهيدا بذات المشهد.. عيسى و والدي من ذات الطينة المجبولة بأصالة الانتماء و عشق الوطن.. لكن مرارة الحاضر تدفعني للسؤال التالي: كيف يجرؤ أصحاب "العقد و الحل" على نسيان تضحيات هؤلاء الأبطال؟ و انهارت باكية من جديد!!
قرأت أم حسن الدلالات بوضوح في تعابير وجه ابنتها, و بقيت متماسكة و هي التي اعتادت على البقاء شامخة غير منهارة أمام الأبناء طوال تلك السنين التي خلت, ففي الأمر حزن على فقد "الحبيب" و خذلان البعض لما كان, و فيه فخر و بطولة على مر الزمان.. و أردفت قائلة: لن تموت هذه "الذكريات" و ستبقى حية ما بقي قلب كقلبك نجوى..و ان ارتبك أمر البلاد قليلا فسرعان ما ستعود الى جوهرها النقي الصافي..
اصمدي يا ابنتي و لا تضعفي ان قطرات الدماء الزكية هذه ستستحيل غدا الى شهب حمراء نارية تهوي فوق رؤوس الغزاة.. و انشدي معي قول فدوى طوقان.. هذه الأرض التي تحصدها نار الجريمة.. و التي تنكمش اليوم بحزن و سكوت.. هذه الأرض سيبقى قلبها المغدور حيا لا يموت..
جاءت هذه الكلمات كمنبه لنجوى, عانقت أمها بحرارة مسحت دمعها و اليأس.. و انطلقتا نحو الشرفة المطلة على الحقل القريب حيث يعيد الزهر تكوينه ليجدد الثمار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم