الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرَّاهبُ المَخْنُوقُ

عبدالرحيم داودي

2013 / 2 / 28
الادب والفن


مِنْ فج التاريخِ الغائرِ، يتعالى نَحِيبُ العشقِ المأتمي ، يَعْلُو ويَعْلُو في دوائرَ مخروطية ثم ينداحُ صَداهُ ليشملَ كلية الكون في اتساعه. في هدوء كنهوتيٍّ ، غَرَقَتْ عَوالِمُ التاريخِ و تلاشت تحتَ غلالةِ الضبابِ الغاشمِ .انتهت وبانتهائهَا شُجَّ رأسُ المؤرخ وعيناهُ تحدجانِ الشمس الغاربة ، في مساء ماسِيٍّ خاشع..
يَرْشَحُ صوتُ الباخيةِ منْ شُقُوقِ دِيرِ الشَمَالِ المهجورِ، مُغَمسًا بوجعِ الغُربة والبعدِ ، ومشوبًا بغصةِ تُثقلُ الجسدَ الجَرِيحَ و تهدهُ . في مَعبد "باخوس" كرع خمر الغواية ، ومن نار" المجوس" تلقن كيف يخضع لغي الإستعارة والكناية.. باخية دونت حروفها و أحداثها عاشقة مخبولة ، في زمن بابل السحيق . يقول الرواة والقوالون أنها دونتها في سادس والعشرين من شهر الجمر بالتقويم الهندوسي القديم..
كان لا يلتقي بها إلا لماما ، أو عن موعد مُخْتَلَسٍ تحت شجرة الإستنارة المقدسة ، مستغلا غياب الحكيم الجليل . يحدثها عن زمن العجز والرقابة . عن قهر الكهنة واستبداد الرهبان . يحكي لها عن الأزمنة البائدة وخيانة الأرض ووجع التراب القاتل..يحكي لها عن كتبه الصفراء التي اشتراها ليقرأها وهو يتضور جوعا..
وبعد أن ينتهي ، يطبق شفتيه على شفتيها اللذيذتين ، ويدخل لسانه في فمها المبلل عسلا فيعقدان لسانهما في تواشج يصدح شهوة و قداسة . يشتف عنقها البلوري ، يمرر شفتيه عليه ، ويلثمه بحنو ورفق بالغين . يجرها لجانبه ويلتصق بها ثم ينحي على صدرها . يتحسس ناهديها النافرين من سلطة الثياب الرادعة . ليغرق في تقبليهما ورضع حلمتيها الموردتين . يستبد به جنون الشبق الطاغي ، يجلس على ركبتيه . يهدهد فخذيها الناعمين ، ويرفع رداءها عاليا متلصصا على فرجها الملتهب . يقبله و يتلمسه في سكون واجف . ويشرع في لحسه و تقبيله ببطء و التأني ، بينما تتلوى العاشقة شهوة وتتأوه بصوت مبحوح مترنمةً بعزفِ المانترا .. ومدركة إدراكاً راسخاً أن الحبَّ يقتات من ظلال اللحظات المسروقةِ ..
كانت هي قدره الذي لا يفارقه ، استوطنت مخياله ، و وأقدت فيه مضاجع النسيان المدفونة . وفي حديثهما كان يرتد إلى متاهات الذاكرة وفراغاتها البيضاء ، ليسترجع الزمن الضائع ، و صرخات القتل والإبادة ، وبعضا من عويل الذئاب المشنوق ..يحكي لها عن الحرية المسلوبة و المشاعر المنهوبة .
هي عاشقة الشفق و الغسق وما ضاق على الروح ومانفق ، عاشقة البوح النائح و الغيم السائح و الضوء االفاضح . عاشقة الشبق الدائخ والخفق الباذخ..هي عاشقة الخبل والهبل . هي عاشقة البحر الهارب ، والشجن الضارب والنجم الثاقب . تعرف أنها عاشقة وتمضي .. وتعرف أنه الفقير وتفضي ..وتخطط لمستقبل الحب وهي تدري ..أن افاقه محكومة بالرقابة والتصدي..
على الربوة العالية كانت تجلس ، ترقب تراقص أوراق السرو والصفصاف ، وتناجي طيور البجع المأخوذة ببهائها الرائق :" ما أروعك يا طيور البجع ..!! كيف تستطعين اقتطاع مزق اللحم من صدرك وتقديمها لفراخك..؟!.
في عالم عائم وسط ضجيج اللامعنى ، ومتسيب على تخوم العماء ، تتناحر الشهوة على مذابح الموت ،وتتذابح الالهة تحت شظايا الأولمب ، وخراب تاتاروس ، يمضي العاشق ممسكا بيد العاشقة الفاتنة ، غير عابئ بمن حوله ، ولا يلق بالا لنواميس الحضارة الغاشمة ، يحدوه عزم غامر ، وتغمره السعادة في أبهى صورها..تلك كانت ، نتفا من باخية الراهب العاشق وتلك كانت، عاشقة الراهب المخنوق..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان