الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-المسيحية العربية- حجر الاساس للوجود الحضاري للامة العربية

جورج حداد

2013 / 3 / 2
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير



ظهرت المسيحية الشرقية في العصور المبكرة قبل وبعد ميلاد السيد المسيح، كحركة ايمانية ـ فلسفية ـ أخلاقية ـ اجتماعية منظمة، بوصفها ارفع شكل من اشكال التآخي بين الشعوب القديمة التي كانت تقطن المنطقة الشاسعة التي تألفت منها لاحقا الامة العربية الواحدة، والتي نسميها اليوم الوطن العربي الكبير.
وبعد سقوط قرطاجة، وقبل ظهور الدين الاسلامي الحنيف بمئات السنين، شكلت المجموعات المسيحية الشرقية "العربية" طليعة النضال ضد الاستبداد والاستعمار الروماني، وضد الاستغلال الطفيلي والفساد اليهودي. وكان ظهور يوحنا المعمدان، وتبشيره بقدوم السيد المسيح، ثم قطع رأسه، أحد أهم معالم المسيحية الشرقية. وكانت قمة التضحيات التي قدمتها المسيحية الشرقية "العربية" هو اعتقال السيد المسيح ذاته واهانته وتعذيبه على ايدي الرومان واليهود والحكم عليه بالموت بموجب القانون "الديني" اليهودي وبموجب قانون "الدولة الرومانية"، ثم قتله على الصليب. ومن اعجب اعاجيب التاريخ، ان الفاتيكان الموقر، وانطلاقا من مبدأ "التسامح المسيحي"، قد برأ ذرية اليهود من دم المسيح (قرار المجمع المسكوني سنة 1965)، في حين ان القيادة الدينية اليهودية لم تعترف الى اليوم بأن "الحكم الديني اليهودي بالموت" على المسيح لم يكن مجرد خطأ، بل كان جريمة بحق المعتقد الديني المسيحي وبحق الانسانية. كما ان قيادة الدولة الايطالية وكل الدول الاوروبية والغربية التي ورثت الامبراطورية الرومانية لم تعلن الى اليوم لاقانونية ولاشرعية الحكم بالموت على السيد المسيح، وان الذين حكموا على المسيح بالموت هم الذين ينبغي ان يحكموا بالموت بموجب قوانين العدالة الانسانية الحقيقية.
وبعد صلب المسيح وقيامته من الموت وصعوده الى السماء، فإن تلامذة المسيح والروابط والاخويات "المسيحية الشيوعية" الاولى، والكنائس والاديرة والمناسك والصوامع ومحابس الرهبان، هي التي تصدت للطغيان الروماني والانحراف والانتهازية اليهوديين. وكان المسيحيون الاوائل يلقون الى الحيوانات المفترسة وفي النار ويبادون جماعيا كما جرى لاصحاب الاخدود الذين يتحدث عنهم القرآن الكريم.
وبعقيدتها الايمانية بمجيء المسيح ـ المخلص، ثم بإيمانها بتجسد وميلاد السيد المسيح من البتول مريم، وصلبه على يد الرومان واليهود، وبمتابعتها النضال ضد الطغيان والاستبداد الروماني، وضد الاستغلال اليهودي، مثلت المسيحية الشرقية "العربية" المدماك الاول لتوحيد شعوب ليبيا والمغرب الكبير، ووادي النيل، وسوريا الطبيعية، واليمن وشبه الجزيرة العربية، وما بين النهرين، في بوتقة حضارية واحدة تمخض مسارها التاريخي عن ولادة الامة العربية الواحدة.
وجاء الدين الاسلامي الحنيف لا لينقض، بل ليتوج هذه العملية الحضارية التاريخية، التي انتهت بظهور الحضارة العربية ـ الاسلامية، التي ورثت وطورت كل حضارات شعوب الشرق العربي القديمة.
ولكن تكاتف نزعة الاستعمار الغربي (بدءا من الحروب الصليبية) ونزعة الاستعباد العثماني (الاسلامي المزيف!!!)، قوض الحضارة العربية ـ الاسلامية ووضع الامة العربية في خانة الصفر.
ومنذ ظهور الحركة الصهيونية في القرن التاسع عشر، ثم "معاهدة سايكس ـ بيكو" و"وعد بلفور"، ثم انشاء اسرائيل كنتيجة للقرار الامبريالي الغربي ولخيانة المبادئ الشيوعية من قبل القيادة "السوفياتية!" الستالينية، ـ منذ ذلك الحين، تتعرض الامة العربية لهجمة امبريالية ـ صهيونية عالمية شرسة، هدفها الاساسي: خنق النهضة العربية الجديدة التي بدأت بواكيرها في عشيات القرن التاسع عشر وفجر القرن العشرين، وتمزيق وحدة الامة العربية ومنعها من العودة لاحتلال مكانها الطبيعي على مسرح السياسة الدولية والحضارة العالمية، وتحويلها الى مساحة جغرافية وحسب كـ"مدى حيوي" للغرب الامبريالي، والاستيلاء على اراضيها ونهب خيراتها الطبيعية البكر.
ولكن ـ وبعد زوال الكابوس العثماني الذي كان يتزيا زورا وبهتانا بالزي "الاسلامي!"، ويضيق الخناق على الامة العربية ويكتم انفاسها باسم "الاسلام!" ـ فإن الامبريالية والصهيونية العالمية، وبالرغم من تحويل المنطقة العربية الى فسيفساء دول عاجزة ومتخلفة، وبالرغم من كل الانتصارات التي حققتها اسرائيل في حروبها العدوانية على الدول العربية، فإنها، اي التركيبة الامبريالية ـ الصهيونية العالمية، واجهت مقاومة شرسة ومتفانية من قبل حركة التحرر العربية، بالرغم من كل تفتتها وتشرذمها القطري والفئوي والحزبي. وقد عجزت التركيبة الامبريالية ـ الصهيونية عن ان تقضي على روح المقاومة الشعبية العربية، لسبب جوهري هو انها، اي الامبريالية ـ الصهيونية، عجزت عن ان تمحو الذاكرة الجمعية للجماهير العربية، اي الذاكرة المتمثلة في "الهوية القومية الحضارية الجامعة" للامة العربية الواحدة.
ولكن التركيبة الامبريالية ـ الصهيونية العالمية، وعلى رأسها الدولة الاميركية، لم تستسلم لهذا الفشل، ولم تقف مكتوفة الايدي.
ومنذ اواخر القرن الماضي، وتحديدا منذ طرح صاموئيل هنتنغتون نظريته حول "صراع الحضارات"، بدأت الدولة الاميركية واجهزتها السياسية والمخابراتية والبروباغاندية وكامل التركيبة الستراتيجية العسكرية ـ السياسية ـ الاقتصادية ـ "الثقافية"، للامبريالية ـ الصهيونية العالمية، ـ بدأت حملة عالمية شعواء وشاملة لتفكيك ومسخ "الهوية الحضارية التاريخية" للامة العربية والقضاء التام على تلك الهوية.
وتدور هذه الحملة على ثلاثة محاور، مختلفة في المظهر، متلازمة في الجوهر. وهذه المحاور هي:
الاول ـ تبرئة الغرب الامبريالي من المسؤولية عن اقامة ودعم الانظمة الرجعية والدكتاتورية والفاسدة في فسيفساء "سايكس ـ بيكو" العربية القطرية، وصم الاذان بالعزف صبحا ومساء على معزوفة: الحداثة والتحديث والتجربة الاتاتوركية والدمقراطية وحقوق الانسان والاتنيات والاديان والمذاهب والاقليات والقوميات، بهدف واحد وحيد هو تمزيق النسيج الوطني في كل قطر عربي على حدة، وضرب المجتمع العربي التعددي كله بعضه ببعض، والتوصل الى تحطيمه ذاته بذاته.
الثاني ـ النباح بأعلى الاصوات ضد "الارهاب!" و"الاسلام!" و"الاسلام الارهابي!" و"الارهاب الاسلامي!"، بهدف واحد وحيد هو: تغطية الدعم المطلق، السري والعلني، المباشر وغير المباشر، للجماعات "الاسلامية!" المزيفة، الارهابية والتكفيرية و"الاصولية" والمتطرفة، التي تعيث فسادا في البلدان العربية، بهدف استعداء العالم كله ضد العرب والشعوب العربية.
والثالث ـ التخلص النهائي من الوجود المسيحي في البلدان العربية.
وعلينا ان نتوقف بشكل خاص عند هذه النقطة بالذات، التي نعتبرها المحور الرئيسي للستراتيجية الامبريالية المعادية للامة العربية:
ان الامبريالية ـ الصهيونية العالمية حينما تصوب سهامها المسمومة، وخصوصا بواسطة "الاسلاميين!" المزيفين التكفيريين، ضد الوجود المسيحي العربي فهي لا تفعل ذلك عبثا او عفوا، كرمية من غير رام، بل بالعكس: انها تصوب على "المقتل" الاول والاساسي للوجود القومي العربي وللهوية الحضارية للقومية العربية، التي تمثل المسيحية الشرقية مدماكها الاساسي وعنوانها الرئيسي.
فإذا ما سقطت "المسيحية العربية"، سيسقط اوتوماتيكيا "الاسلام العربي"، الذي مثل تاريخيا الوجه الحضاري المشرق للاسلام، وسيحل محله "الاسلام!" المزيف "العرباني" (بالمفهوم الابن ـ خلدوني) او المملوكي او العثماني او القراقوشي او التيمورلنكي او الجنكيزخاني، الذي يأتي في رأس تطلعاته "الحداثية": سحق العرب ودوسهم وخوزقتهم وهتك اعراضهم ودفعهم الى الدرك الاسفل وإلغاء وجودهم كأمة، وكل ذلك باسم "الاسلام!!!".
نستنتج من ذلك، وببساطة ابسط معادلة حسابية: ان الدفاع عن وجود "المسيحية العربية" يمثل بامتياز اليوم وكل يوم "خط الدفاع الاول" عن "الاسلام العربي" الحضاري، وعن "الهوية الحضارية التاريخية" للامة العربية.
وهذا يعني ان مهمة الدفاع عن الوجود المسيحي العربي هي اكبر بكثير من مسألة الدفاع عن الاقليات، وعن حرية المعتقد الديني، وعن التآخي الاسلامي ـ المسيحي، وعن التعايش الاسلامي ـ المسيحي، وعن التسامح الديني، وما الى ذلك. ان مهمة الدفاع عن الوجود المسيحي العربي تعني كل هذه القيم، ولكنها في الوقت نفسه تعني الدفاع اولا واخيرا عن وجود الامة العربية، وعن المحتوى الحضاري للقومية العربية، وعن المحتوى الحضاري للدين الاسلامي الحنيف، وعن وجود الاسلام العربي، كرسالة حضارية وكجماعة بشرية حضارية.
فبدون المسيحية العربية لا وجود للرسالة الحضارية للاسلام!
وبدون المسيحية العربية لا وجود للهوية الحضارية للامة العربية!
وبدون المسيحية العربية لا وجود للامة العربية كأمة وكقومية!
وبدون المسيحية العربية يتحول العرب الى قطيع بشري يعد مئات الملايين من المخلوقات شبه البشرية التي تسوسها وتتحكم بها الامبريالية والصهيونية العالمية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى السيد كبلوت
جورج حداد ( 2014 / 1 / 26 - 18:03 )
تعليقا على السيد كبلوت كبلوت في الفايسبوك الذي يتعجب من رأيي بوجود مسيحية قبل المسيح اقول له ولكل امثاله من اليهود او المتأثرين باليهودية: حينما ولد السيد المسيح ألم يذهب رعاة ومزاارعون الى مغارة بيت لحم لينحنوا للطفل يسوع، وهو بعد لم يعلن رسالته؟وحينما علم قادة اليهود وهيرودوس بولادة المسيح، وتأكدوا ان الذي ولد هو ليس المسيح الذي كان ينتظره اليهود بل هو المسيح الذي ينتظره المسيحيون، ألم يقم الرومان واليهود بارتكاب مجزرة قتل اطفال بيت لحم كي يتوصلوا الى قتل المسيح ـ الطفل؟ وحينما فرت العائلة المقدسة من الناصرة في فلسطين الى مصر، من كان يؤويها ويقدم لها الماء والطعام ويخفيها من وجه الرومان واليهود الذين كانوا يبحثون عن المسيح ـ الطفل ليقتلوه؟
هؤلاء هم المسيحيون الشرقيون العرب الفلسطينيون والمصريون الذين كانوا ينتظرون ولادة المسيح، اي انهم كانوا -مسيحيين- قبل ولادة المسيح وبانتظار ولادته. وهذه الحقائق يتم التعتيم عليها من قبل اليهودية العالمية ومن قبل الكنيسة الغربية بزعامة الفاتيكان التي هي وريثة الرومانيين الذين تآمروا مع اليهود لمحاولة قتل المسيح الطفل ثم قتل المسيح الشاب

اخر الافلام

.. بايدن يحث إسرائيل على التفكير في بديل آخر لضرب منشآت إيران ا


.. قصف متواصل على الضاحية الجنوبية واشتداد المواجهات جنوب لبنان




.. مشاهد تظهر فيضانا يغرق قرى في البوسنة


.. مظاهرة وسط العاصمة الأردنية عمان دعما للمقاومة الفلسطينية وا




.. انفجارات في الضاحية الجنوبية لبيروت