الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة السورية في سياق التناقض الدولي

معتز حيسو

2013 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


إن تراجع دور العقلانية السياسية لقوى المعارضة، وتحديداً من يدعي منها تمثيل مصالح السوريين، يعرقل تحقيق الأهداف التي ثار من أجلها الشعب السوري، الذي مازالت غالبيته تتمسك بالطابع السلمي للحراك الثوري، وبضرورة إيقاف العنف والعنف المضاد، وهذا يفترض بداهة ضرورة التمسك بالقيم الأخلاقية النبيلة، واحترام كافة الأطراف لحرمة الدم السوري النازف، والتوقف عن ممارسة العنف، والحذر من الدور السلبي لبعض الوسائل الإعلامية المدعومة من دول ضالعة في الأزمة السورية، والتي تتعمد التهويل والتضخيم والتحريض، والتلاعب بمشاعر وعواطف وعقول البشر... والتي تعمل إضافة لذلك على تضخيم بعض الشخصيات والهيئات المتواجدة في الخارج وتحوّلهم (لأبطال وقادة سياسيين).
لقد تشكّلت بنية السلطة السياسية المسيطرة على الأحادية القهرية في سياق فرض ذاتها على المجتمع وقواه السياسية والمدنية من خلال هيمنة الأجهزة الأمنية التي اشتغلت على تجفيف منابع الحياة السياسية في سياق القضاء على بعض القوى السياسية وتوظيف الآخر منها لتأبيد سيطرة السلطة المسيطرة وترويج سياساتها. وبحكم بنيتها العقلية السلطوية الأمنية والعسكرية، فإنها مارست وما تزال فعل القهر لتأبيد هيمنتها على السلطة. إن استمرار توظيف العنف المستند لثقافة الأنا الأحادية السلطوية قهرياً، يعززه غياب منطق العقلانية السياسية، الذي كان من الممكن أن يشكّل الضمانة الحقيقية لحماية المجتمع السوري من التفتيت والانقسام والتناقض الداخلي. وقد تجلى غياب العقلانية السياسية من خلال الدفع الممنهج من أطراف متعددة داخلية وخارجية حتى يسود العنف المتعدد الأشكال والأبعاد والمستويات كآليات مواجهة وحيدة، مما يعني إخراج الحراك السوري المطالب بالحرية والكرامة والديمقراطية السياسية والاجتماعية عن سياقه السلمي، وإبعاد رموزه الثقافية والفكرية والاجتماعية عن حقل الممارسة السياسية. وكان من الواضح بأن آليات عنف السلطة والعنف المضاد سيكون سبباً في تدويل الأزمة السورية وتحويلها لحرب بالوكالة، وأيضاً يمكن أن تكون سبباً للتدخل الخارجي. لكن المواطن السوري ظل متمسكاً بحقه في الدفاع والنضال السلمي لاستعادة حقوقه المهدورة، مقاوماً كافة الآليات الهادفة لإعادة المجتمع الناهض إلى حظيرة الاستبداد والصمت والخوف والقهر والموت، مفضلاً الموت من أجل حريته وكرامته على البقاء في ظل الاستبداد، الذي حوّل المجتمع للمملكة من الصمت والخوف.
وكان واضحاً في سياق استعمال القوة ضد من خرج يطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، إن من يرسم ويحدد آليات القمع السلطوي، كان يشتغل على إظهار وتفعيل وتوظيف كافة التناقضات المجتمعية الأوّلية الكامنة. أي تم الاشتغال ويتم على تشويه ملامح وأهداف وآليات النهوض الشعبي الذي كان يرى في الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية هدفه الأساس والنهائي.
في المقلب الآخر، فإن المعارضة السياسية ومنها الخارجية،عانت وتعاني من أزمة بنيوية موضوعية عامة وذاتية، تنعكس على سياق علاقاتها البينية، وآليات اشتغالها.ولم تستطع حتى اللحظة غالبية هذه المعارضات بتنويعاتها المتعددة والمتباينة إيجاد مخارج سياسية عقلانية لتناقضاتها. إن أحد أشكال ومستويات الأزمة التي تعاني منها غالبية أطراف المعارضة،هي التماهي مع بنية العقل والأدوات والآليات السلطوية للفئة المسيطرة، وهذا التماهي ينعكس بوضوح في تجليات ممارستها السياسية. بالتالي فإن المعارضة التي من المفترض أنها ستشكّل البديل السياسي المحتمل للسلطة (ملوّثة)، كما السلطة المسيطرة، وإن بأشكال ومستويات مختلفة ومتباينة بتناقضات البنية الاجتماعية المتخلفة، التي هي بذات اللحظة أحد تجليات الممارسة السياسية للسلطة المسيطرة، بكافة مستوياتها وأشكالها السياسية والثقافية والفكرية والاقتصادية، التي تُحدد في سياق الترابط الجدلي كافة مستويات البنية الاجتماعية. ولا تنحصر إشكالية المعارضة السياسية في تماهيها مع عقل وآليات الفئة المسيطرة فقط، بل إن بعضها نتاج السلطة السائدة وأحد تجلياتها.ومن هذا المنظور، لن يكون البديل السياسي إلا من ذات البنية الاجتماعية المأزومة والمتخلفة القائمة على التناقض بأشكاله وأبعاده المتخلفة. ونركز على أن النظام السياسي البديل إن ولد من رحم العنف، فإنه لن يكون إلا أكثر عنفاً و تخلفاً واستبداد، وإن بأشكال ومستويات مختلفة، وتحديداً في ظل هيمنة لغة العنف على آليات وأدوات التغيير، التي لن تنتج أي شكل من أشكال التغيير الديمقراطي، وتحديداً في ظل تزايد دور المجموعات الجهادية والتكفيرية، التي تنعكس آليات عملها وأيديولوجيتها التكفيرية سلباً على الحراك الشعبي، أي، لن يكون مستقبل البديل السياسي والاجتماعي كما يطمح إليه السوريين. ومن هنا كنا نؤكد دائماً على ضرورة التمسك بالخيار الديمقراطي السلمي، وأن تمارس المعارضة السياسية والمثقفين والمفكرين.. عملية النقد والنقد الذاتي ديمقراطياً، وتعزيز وتمكين الممارسة السياسية على أسس عقلية،ذهنية، فكرية، ثقافية، وسياسية ديمقراطية، تناقض ما يشكّل بنية السلطة المسيطرة. لتكون أكثر أخلاقية وديمقراطية وشفافية ومصداقية، وأكثر تعبيراً عن مصالح وتطلعات الشعب السوري في سياق انجاز التغيير الوطني الديمقراطي.
لكن للأسف، حتى في ذروة الأزمة التي في سياقها يستباح دم ومال وعرض.. الشعب السوري، كانت مؤتمرات المعارضة في الخارج تقوم على المساومات والتسويات الخاضعة للتناقضات البنيوية التي تقوم أساساً على المصالح الأنوية لشخصيات (سياسية) تدّعي تمثيل الشعب السوري، بذات اللحظة التي يخضعون فيها للتوازنات والتناقضات والاستقطابات الدولية. وبدل أن تكون مصالح الشعب السوري الذي يأمل في إيقاف العنف والعنف المضاد لإنجاز التغيير الوطني الديمقراطي بأدوات وآليات ديمقراطية هي الأساس والمعيار لآليات اشتغال وتفكير قوى المعارضة، والتي يجب على أساسها تحديد آليات وأهداف عملها، فإن هاجس اعتلاء غالبية قيادات المعارضة للشعب السوري ومصالحه لتقاسم المكاسب المادية والسياسية الآنية والمستقبلية كانت هي الأساس، وهي التي تحدد آليات وسلوك عملها. ومن المؤسف أن غالبية رموز المعارضة، وبشكل خاص المتواجدون في الخارج، لم يقفوا حتى اللحظة على حدود عجزهم الذي حولهم لحجر عثرة وعامل إعاقة لسياق التغيير الوطني الديمقراطي. بل ما زالوا حتى اللحظة يشتغلون على اكتساب مشروعيتهم السياسية من الدول الداعمة( الغربية والإقليمية) وكأن مشروعية الخارج تغنيهم عن مشروعية الداخل. دون أن يعلموا( أو أنهم يعلموا) أن اكتسابهم المشروعية من الخارج لا يعوّضهم عن فقدانهم لمشروعية الداخل السوري وبذات اللحظة يفقدهم صوتهم الوطني الديمقراطي في الداخل، ويضعهم في خانة التناقض مع الشعب السوري ومصالحه وأهدافه. لأن الجميع يدرك أن الدول الفاعلة في الأزمة السورية، ليست جهات خيرية، بل تشتغل على تأمين مصالحها السياسية والمادية. ومصالح الغرب والمتعاونين معهم في اللحظة الراهنة تتناقض مع مصالح الشعب السوري؟.
وإذا كان هاجس تأطير المعارضة السورية في إطار سياسي ائتلافي من أجل بناء خطاب وطني جامع تتلاشى أو تتراجع في سياقه المصالح الأنوية وهيمنة النزوع السلطوية التي تتكئ على التناقضات البنيوية والبينية ذات الجذر الشخصاني، ويغيب عنه العقل اللا عقلاني الذي يدّعي تمثيله لمكونات المجتمع السوري. فإن الخطاب الوطني الديمقراطي الذي يحمل إمكانية تحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية والمواطنة والحريات الأساسية والعامة في سياق مشروع وطني ديمقراطي سياسي/ اجتماعي،كفيل بتحقيق ذلك. ونعلم ويعلم الجميع بأن التنوع الإثني والمذهبي والعرقي في سورية، لم يتحوّل في أي لحظة من لحظات التطور الاجتماعي إلى تناقض لا في مستوياته الأولية ولا في أشكاله السياسية. لذا فإن إنضاج خطاب وطني ديمقراطي يرتقي إلى مطامح الشعب السوري وحجم تضحياته وإلى حرمة الدم النازف.. يفترض أن يجبّ ويتجاوز كافة أشكال ومستويات الوعي الاجتماعي المتخلف، رغم محاولة بعض الأطراف توظيف وتثمير التنوع الذي يتمتع به المجتمع السوري من أجل أهداف سياسية تقود إلى تفتيت بنية المجتمع السوري، وهذا أخطر ما يمكن أن يواجه الشعب السوري في المستقبل، كونه سيُدخل المجتمع في صراع مفتوح متعدد الأشكال والمستويات، يتم في سياقه تغييب الجذر الاجتماعي( الطبقي) للصراع، وهو الذي يشكّل أساس وجوهر الأزمة السورية.لذا فإن التأكيد على ضرورة تمثيل مكونات المجتمع السوري سياسياً وفي هذه اللحظة بالتحديد، يشكّل مدخلاً إلى تحويل الطوائف والأقليات.. من ذات اجتماعية تكونت بفعل التطور الاجتماعي القائم على التنوع، إلى ذات سياسية تكرّس الطائفية السياسية التي تقود إلى تقسيم سوريا لكانتونات سياسية طائفية عرقية مذهبية إثنية.. إن اشتغال بعض الأطراف الخارجية والداخلية على تمكين المكوّن الأولي للمجتمع بأبعاد وأشكال السياسية،لا يناقض فقط أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية السلمية، بل يناقض المنظومة القيمية والأخلاقية للشعب السوري، ويناقض واقعه الاجتماعي الموضوعي وتطلعاته الديمقراطية المستقبلية التي يرى من خلالها إمكانية تحقيق العدالة والحرية والكرامة.
ومن هنا نؤكد، على أن ما جرى ويجري في قطر أو غيرها من الدول الإقليمية والغربية، لا يتعدى كونه اقتسام للغنائم قبل القبض عليها( كمن يحاول القبض على الريح). لأن شكل وبنية العقل السلطوي لبعض شخصيات المعارضة الذي يتماهى مع عقل وبنية السلطة المسيطرة، لم يزل هو السائد، وتقاسم الحصص تحت مسميات مختلفة ومتعددة لا يعبّر عن ارتقاء هذه المعارضات لمهامها الوطنية والديمقراطية في التعبير عن مصالح الشعب السوري الذي بات يكفر بكل أشكال وآليات عمل المعارضة، التي اختزلت أهداف الثورة ومصالح السوريين إلى مسائل وقضايا شخصانية تتحول في بعض اللحظات إلى مواقف ثأرية هاجسها الأساس الإطاحة برأس النظام، أياً كانت الأثمان التي سيتحملها المجتمع، بغض النظر عن شكل وبنية البديل السياسي القادم، الذي سيكون عاجزاً من وجهة نظرنا عن تحقيق الحد الأدنى من أهداف الحراك الشعبي السلمي المطالب بالتغيير الديمقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية، كلما استطال العنف، وكلما تمسكت الأطراف الفاعلة في حركة الصراع بذات العقلية والأدوات والآليات السياسية التي تتماهى بها مع آليات اشتغال السلطة المسيطرة، مع العلم أن من أهداف الثورة السورية تجاوز العقل الإقصائي الاحتكاري مهما تنوعت تجلياته ومستوياته، وأياً كانت مصادره. ومن هذا المنظور فإن تعيين الدكتور جورج صبرا رئيساً للمجلس الوطني الذي لم يكن في أي لحظة من لحظات الحراك الشعبي السلمي معبّراً عن الحراك السوري ومصالح الشعب السوري، لكنه كان لضمان عدم انحلال المجلس الوطني نتيجة للتناقضات التي تعتمل في داخله والتي باتت تنعكس سلباً على الحراك الشعبي، ولضمان دوراً قيادياً في الإئتلاف المزمع تشكيله، لذا كان من الضروري إجراء انتخابات وإعادة هيكلة شكلانيه تستبق الإعلان عن تأسيس الائتلاف الوطني الذي يعتبر نفسه ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوري وللمعارضة السورية. وهذا الإجراء يتناقض مع أبسط المفاهيم والمعايير الديمقراطية،ولا يتجاوز عملية المقايضة السياسية واللعب على ورقة المكوّن السوري. وكان من الواضح بأن الإئتلاف الجديد لم يتشكّل على أساس خطاب وطني ديمقراطي جامع للسوريين، بل نتيجة لضغوط دول فاعلة في الأزمة السورية، وهذا لا يساهم في بناء المشروع الديمقراطي الذي ينشده ويتطلع إليه الشعب السوري.
إن تعيين د: صبرا رئيساً للمجلس الوطني لا يتعدى كونه إخراجاً سيئاً لأزمة المجلس الوطني الذي يهيمن عليه الإسلام السياسي، ولتجميل شكله الخارجي فقط. لكن حتى في هذه اللحظة، لم يتخلى الإسلاميون عن دورهم المسيطر في رسم سياسيات المجلس. وليس هذا فقط، بل أنهم قبضوا على مفاصل الائتلاف الوطني الجديد مما يضمن قيادتهم السياسية للحكومة والسلطة في المستقبل، وتحديداً في سياق اشتغالهم مع باقي قيادات المعارضة المتواجدة في الخارج، على كسب اعتراف الأطراف الدولية بهم كممثل شرعي و( وحيد ) للشعب السوري( دون أن يعلموا بأن دورهم وحتى وجودهم مرحلي ووظيفي بالنسبة للقوى الدولية الكبرى). لكن هذه الشرعية تبقى منقوصة طالما الشعب السوري يرفض الائتلاف الجديد ولا يعترف به كممثل له. هذا إذا لم نقل أن غالبية الفئات الشعبية لا تطمئن لقيادات المعارضة السياسية، بحكم آليات اشتغالها السياسية، وتحديداً من اشتغل منها على عسكرة (الثورة) وطالب بفرض حظر جوي ومناطق عازلة (تدخل خارجي بشكل مبطّن أو معلن ...) فالاعتراف الدولي بالتأكيد، ليس بديلاً عن الاعتراف الشعبي ولا يعوّضه حتى. والسعي الدولي والإقليمي لتوحيد المعارضة، حتى وإن كان يشكّل ضرورة سياسية يطالب بها المجتمع السوري لتسريع وضع حلول وآليات للخروج من الأزمة الراهنة، لكن تحقيقه بعيد المنال، وغير ممكن، وغير موضوعي، بحكم الخلاف والتناقض البنيوي والمنهجي بين أطراف المعارضة. أن الخلافات الأيديولوجية والتناقض في آليات الممارسة السياسية والأهداف، كفيل في انعدام إمكانية توحيد المعارضة على المستويين التنظيمي والسياسي، ومن وجهة نظرنا يجب ألا يكون توحيد المعارضة تنظيمياً وسياسياً هو الهدف الأساس. ليس فقط لعمق التناقض السياسي والبنيوي والعقائدي بين مكونات المعارضة، بل لأن الخلاف بين أطراف المعارضة وصل لحد التناقض الجبهي، دون أن يعني هذا أن الخلاف والتباين في الفكر السياسي النظري وآليات الممارسة، لا يشكّل حالة موضوعية.لكنُّ التباين والتناقض السياسي وتقديم القوة على المفاوضات السياسية من قبل أطراف الصراع سيؤدي بالمجتمع والدولة إلى جحيم الصوملة. لذا يجب العمل على تمكين خطاب سياسي وطني ديمقراطي يعبّر عن تطلعات وأهداف الشعب السوري، حتى لو استدعى هذا تشكّل أطر سياسية متباينة، وهذا لا يخالف الواقع الموضوعي لأي مجتمع سياسي. لذا فإن تكثيف التنسيق والتعاون بين الأطراف والقوى والكتل السياسية من أجل إنجاز أهداف الحراك الثوري على أسس وطنية ديمقراطية، يجب أن يكون هو الهدف الأساس وليس توحيد المعارضة الذي يعرف الجميع بأنه مستحيل، ليس فقط نتيجة لأزمتها البنيوية، بل بفعل علاقة أطرافها بدول تتناقض مواقفها من الأزمة السورية، مما يعمّق حدة الاستقطاب السياسي بين أطراف المعارضة. إن الدفع لتوحيد المعارضة من قبل بعض الجهات الإقليمية والدولية يتم توظيفه فقط من أجل إطالة أمد الصراع السوري ولاستكمال تدمير بنية المجتمع السوري وبنية الدولة ومؤسساتها السيادية تحقيقاً لمصالح بعض الدول.
إن ما تم ويتم في أروقة وكواليس المؤسسات الدولية، وتحت رعايتها وإشرافها، يدلل على أن الأطراف المعارضة التي تدّعي تمثيل الشعب السوري، لم تتجاوز حتى اللحظة تناقضاتها الذاتية وأزمتها البنيوية ومصالحها الأنوية الشخصانية ونزوعها السلطوي.. فكيف لها بوضعها الراهن القائم على التناقض والاستقطاب أن تعبّر عن المشروع الوطني الديمقراطي أو تقوده، في لحظة نعلم بأن الحوامل المادية للمشاريع السياسية الديمقراطية التنموية هو الشعب السوري الذي يشكّل بحكم الاضطهاد والقمع والاستقطاب والإفقار والتهميش الأساس الموضوعي للثورة الوطنية الديمقراطية السلمية. إن سياسية المحاصصة وعقلية الهيمنة والسيطرة والإقصاء والتخوين والتكفير والعقل الأقلوي بأشكاله ومستوياته المتباينة والمختلفة، ما زالت هي السائدة والمسيطرة على البنية العقلية والذهنية لبعض قوى المعارضة وآليات عملها، وهذا كفيل بتحوّلها لعامل إعاقة للحراك الثوري السلمي، وأيضاً كفيل بشلّ قواها، وإدخالها في حالة موت سريري مؤجل إعلانه لحين.
إن تراجع فاعلية المعارضة الديمقراطية العلمانية وقوى اليسار والتشكيلات المدنية في الداخل السوري، يشكّل أحد أهم وأبرز إشكاليات الحراك السوري، وتحديداً لمعرفتنا بأن هذه القوى كانت من أوائل المشاركين فيه، وأحد أهم عوامل قوته السياسية والاجتماعية.لكن اعتماد العنف كوسيلة للتغيير السياسي أبعد هذه القوى عن ممارسة دورها الوطني الديمقراطي كونها رفضت منذ البداية دخول أي صراع مسلح.إن آثار الاشتغال خارجياً وداخلياً على تغييب هذه القوى ينعكس سلباً على مجريات الواقع السوري، مما يعني زيادة حدة العنف الذي يهدد المجتمع السوري بالانفجار من داخله، والانقسام على ذاته عمودياً وأفقياً. كما أنه سيزيد من أزمة قوى المعارضة وانقسامها على ذاتها لتتحول في هذه اللحظة لعوامل تحبط الأمل في إمكانية تحقيق التغيير الوطني الديمقراطي السلمي، وتعيق سياق التحولات الثورية الديمقراطية ذات الطبيعة الوطنية. ونظراً للحضور الإيجابي لقوى اليسار في نسيج المجتمع السوري فإن دورها يمكن أن يحول دون انقسام المجتمع على ذاته.
إن إقصاء قوى اليسار والديمقراطية والعلمانية والوطنية،يتم في سياق تكريس وتعميق تبعية وارتهان بعض الأطراف السياسية للقوى الخارجية المعادية لسوريا وللشعب السوري، مما يضع هذه الأطراف في تناقض صريح مع مصالح الشعب السوري وتطلعاته إلى إنجاز للمشروع الوطني الديمقراطي للتغيير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو