الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خَرِيف النُخبْة

أحمد إسكندر

2013 / 3 / 2
الثورات والانتفاضات الجماهيرية




قد يبدو المشهد السياسي/الثقافوي المصري القاتم ،كما لو أنه لوحة سوريالية من فرط عبَثه مهما كان المُصوَر، موالاة أو معارضة. هذا المشهد ينذر بسؤال مرير فى الوجدان الربيعي العربي أجمع ومصر خاصة ؛هل قَدرْ مونت كريستي عبثي لهذه الدرجة حتى يحفر السجين مجددا فى جدار زنزانته ثم يجد نفسه فى زنزانة أخرى أشد ضيقا وظلاما ؟!
كان ومازال قدر الثورة المصري –ومثيلاتها العربية- أن تتحمل أعباء وتكاليف اضافية ليست من صنعائها ، تشكل الرياح المضادة لتيار للثورة ؛ هذه الحمولة هى خريف النخب والمثقفين.
الحقائق المُرّة من فرط كثافتها أصبحت بديهيات وجَبَ تجرعها ؛يقول إلياس خوري : حين انفجرت الثورات لم يكن احد مستعدا، فلقد اضاعت النخب الفكرية والسياسية العربية عشرين عاما من دون ان تستخلص عِبَر سقوط الاتحاد السوفياتي، ومعاني الأفق الديموقراطي وسبل مواجهة الغطرسة الاسرائيلية، وبناء دولة المواطنين الأحرار على انقاض دولة الرعايا والعبيد...

لم تكن الإستحقاقات الثورية لتنتظر حتى تستعد النخب السياسية والثقافية لهذا الحدث الجلل وتنظّر له وتحد آفاق مستقبله ، لكن ما حدث هو العكس ؛ فالنخب حاولت أن تهرول لاحقة بركب الثورة الذي سبقها بمراحل بل وصل الأمر ان بعض المثقفين يحاول إقناعنا بأنه كان قائد الثورة أو اشعل فتيل شرارتها وذلك من خلال عملية تعذيب وتقويل للنصوص السابقة بما لم تقترف وتعترف به أصلا على شاكلة قاطع الطريق بروكوست فى الاسطورة اليونانية المعروفة.
لم تكن أزمة الشعوب الربيعية مع النخب فى كون الأخيرة لم تنذر بالثورة أو تقودها رحلها او تمهد لها الطريق فحسب ، بل لأن النخب والمثقفين ظلوا عائقا أمام المسار المنشود للثورة التى قدمت ما يمكن ان تعطي أقصاه وهو الدم.

مشهدين متناقضين ؛ الاول فضائي إعلامى يحاول ترميم صورة نفسه وصورة المثقفين المتخلفة عن الركب ، وآخر ميدانى يحاول لمّ أشلائه بمزيد من الدم الجديد. الشباب فى معارك الميادين يعلم فقر النخب والخدعة التى تعرض لها منهم ،لهذا فهو أدرك أن الواقع الدموي سيكون أشد وأكثر عمقاً من التجريد الاعلامى العقيم.
لم نحتاج إلى تلسكوب لرصد ظواهر عبثية فى مشهد ينذر بالوجود تمثلها جماعات النخب والمثقفين فى المشهد الحالى :-
- كل ما تملكه جماعات النخب والمثقفين حتى الان هو التنديد بممارسات الحكم الاستبدادى فلا تملك أن تنتقل من أرض النقد الى ارض البناء ؛ ومن التجريد الى التفعيل.

- غياب مشروع أو فكرة محددة لشكل السلطة أو الدولة الديمقراطية ،فهى أساسا لم تنشىء مشروع إصلاحي فى التنوير والحداثة حتى تحدثنا عن النهضة والحضارة.

- بسبب فائض مركبات النقص لدى جماعات النخب والمثقفين ، تحاول وضع نفسها وكيل للثورة فما تبقى لها هو نفاق الدم الشبابي المسال فى الميادين ؛وكأنها تنتظر أى سلوك إستبدادي كي تدينه حتى لا تبتعد عن المشهد الثورى وهذا يذكرنا بمقاربة مايكوفسكي عن البقة التى تعتاش على دم الضحايا. لكن ما يغيب عن النخب والمثقفين –وربما تتناساه عمدا- أن الشعوب أدركت المعادلة السليمة وهى أن دفاعك عن الثورة لا يعنى أنك تمارس التثوير.

- رغم الحرب الضروس بين أقطاب النخب فانهم فى حقيقة الامر يسفسطون حول معنى واحد وهو ان الديمقراطية عندهم هدف وليست وسيلة (نظريات فى السلطة فقط بعيدة عن الوضع المجتمعى الذي أستنطق الثورة) ؛وكأن تجارب الامم الأخرى جُمل إعتراضية فى سياق الخبرة الإنسانية. الشعوبلن تحيا بالديمقراطية لكنها تستخدم الديمقراطية كسلم للحصول على الحكم الرشيد الذي يحقق ثالوث الإستحقاقات العيش ؛الحرية ؛الكرامة الإنسانية.

- التصور والنظر النسبي للحقائق والمفاهيم وفق التعارض والتصادم الايدلوجي للمثقفين والنخب وليس وفق طبائع الاشياء ،وسقوط البديهيات فى مستنقع النكايات لعل أخرها التعارض النخبوي فى التعامل مع إيران ،فحين كان هناك تقارب ما بين قطر وإيران كان هناك هجوم شرس ضد البلدين لانهما فقط حليفا السلطة ، وأهملوا المصلحة الاستراتيجية المفترضة مع الدولتين.

الثورات الإنسانية عبر التاريخ بل و عبر الأساطير أيضا قامت لدحض فكرة ثنائية إما...أو ؛ وإكتشاف الجدل والبعد الثالث فى الرواية لكن مازالت نخب ومثقفين تعيش فى مرحلة ما قبل الدولة وتحاول أن تحتكر صياغة الحاضر والمستقبل الذي هو نقيض لخلايا أدمغتهم. فكثير منهم –وهو المتصدر المشهد- نخب عاطلة عن العمل لأنها غير واعية بالتاريخ ،أو على حد وصف خيري منصور ، هى أشبه بالنحل الذي استبدل الرحيق بالسكر المطحون واستبدل الغابات بالنباتات الزجاجية. وعن هذا السياق يقول " وما يقال عن غياب النّخب كروّاد وطلائع للحراك السياسي يحب ان يقال ومن باب اولى عن غياب التنوير الذي يسبق التثوير ويعبّد له الطرق . لهذا يتورط من يقرأون التاريخ افقيا فقط بالمقاربة بين حراكات حديثة وبين الثورة الفرنسية مثلا، وكأن حقبة التنوير التي سبقت تلك الثورة ومهدت لها محذوفة من هذه التقاويم"

مظاهر وتجليات الخريف النخبوي/الثقافي لم تعد تخفي حتى على الأعمى نفسه ،فبمجرد التحسيس ندرك الإصفرار الخريفي طالما حاول الغراب الهديل ،أو سلحفاة تحاول التحليق عاليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نجل الزعيم جمال عبد الناصر: بشكر الشعب المصري الحريص على الا


.. مقابلة مع وليد جنبلاط الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي




.. فى ذكرى وفاته.. منزل عبد الناصر بأسيوط شاهد على زيارة الضباط


.. فى ذكرى رحيله.. هنا أصول الزعيم جمال عبد الناصر قرية بنى مر




.. شرطة نيويورك تعتدي على متظاهرين داعمين لفلسطين وتعتقل عددا م