الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثامن ايام الاسبوع..

حيدر تحسين

2013 / 3 / 3
الادب والفن



كانت الفوضى اشبه بال(بطايق، بطايق)..

اردت يوما ان اتقاسم الالم و الدواء معك،
وذلك الادمان في محبة وطن لم يحمِنا..
حيث تتعدا بنا الكلمات لنجد ان كلمة غدر او خيانة، كم تافهة بعد كل الاحداث!
اختار ذكرى مجنونة. اضعني بين سطرين وجملة، صيغتين و اضع نقطة..
احاول ان لا اقتني مشاعر مزيفة كي استقبل الاشياء،
لا اخدش العاطفة..
فالقضية اكبر من بكاء رجل ومدينة.

صوت الطائرة مزعج، لا ينصح بواقيات الاذن
صباح تحول نصفه اشتياق ونصفه الاخر لقاء.. القدح الاخير غير مقنع وحبيبة غيرت عندي مفهوم العطش..
تسمعني.. نحيب يصغي اليّ،
امامها اعيد تأسيس اشتياقي.. على اذنيها اعاتب الظروف، نضحك لزلة لسان ثم نعاود بكائنا. كان هذا اخر صوت اسمعه قبل ان انزع السماعات الصغيرة عن اذني.

من فوق كل شيء يلبس التراب، شمس الظهيرة احرجت عيناي.. اغمض قليلا
اعاود النظر.. كل شي حنين ومتيبس، الشمس في بغداد تمتلك جرأة على تحويل اللهفة الى انكار ثم الى ضحكة متبوعة بعبارة "يلة شنسوي"
الضغط الجوي يدعو للغثيان وقائد الطائرة يعلن... بعد عشر دقائق نهبط،
ترى كم يحتاج القلب من ضغط فكري كي يعلن هذيانه هو الاخر.. واي كلمات ممكن استخدامها كي أخفي في صدري غرغرة حروف؟
انتظريني حيث ترتبك الدموع.
تهدأ بنا الطائرة..
شمس الظهيرة تستعر، وانا اراها كالذهب
هل اخطأنا في هذه المدينة يا ترى؟ شيء ما يسالني..
جواب يبتلع ريقه ودون جدوى كانت لترمينا في الصحراء اوهام العشيرة
كإن موت الله في السماء حصتنا الأخيرة.

في الطائرة اناس لا يحبون الحرارة وانا ادمنت رائحة العرق ورائحة النساء المسافرات..
رائحة لا تضع عطر الغروب الحزين، فقط واضعة فوق شفتيها عبارة:-
اهلا بك في بلادك..!
لم يفتشوا ذاكرتي.
جدتي كانت احدى محطات البكاء.. تلك اللحظة التي تأسر فيها النفس، دراما العائلة الكبيرة... بسنواتها الثمانون وملامح تشرح تقلبات الايام في تجاعيدها، وجه يمنحك حق الامان واعادة تعبئة العاطفة مرة اخرى
"الحلم هو ان تجهل روحك مكان عودتها فتقيم في الخيال الاكثر مبالغة.. ليل بغداد، ساعتها تتحول السماء الى فراش انيق"
* * * * *

صباح اخر..

صياح الديك مسموح في اي وقت..
الجدران انهكها صوت المولدات، الشوارع تعج بالماء والتراب.. الطين متلاصق في (نعالاتنا)،
انا وعمي ذاهبان لشراء الصمون.. "طووط عليكم" تحية سائقي التكسي، مزامير السيارات تتبع عنصر الاستفزاز والمفاجئة..
طووط بلا داعي و طووط اخرى من بعيد توشك ان تصطدم باحدهم، لكن السائق يمتلك الخبرة الكافية في صناعة العبث المروري
القيادة هنا اشبه بلعبة سكة الموت، توشك ان تموت لولا ان انسيابية الاحداث تنقذك في اللحظة الاخيرة،
الشوارع تعتبر (مبلطة) معبدة.. مع ذلك لا اعلم لم لا توضع لافتة (هنا تصليحات) او بالاحرى (الدروب هنا غير صالحة للحياة)؟
تنساب الافكار ... انزلق، تتلقفني تحذيرات عمي،
اعيد ترتيب قيافتي بسخط مخفي وابتسامة يبدو عليها التذمر.. لا توجد مساحة كافية للتذمر، فترة قصيرة واترك بلادي مرة اخرى.

يبدو ان الانسيابية هنا اتخذت طابعها الفوضوي. كالعادة النفايات في كل مكان
واجهة فرن الصمون عبارة عن المنيوم و زجاج.. صورة كبيرة لشهيد واقعة الطف، لكن هذه المرة يخرج من رأسه دم..
اصوات قراء العزاء تفوح مع رائحة الصمون الشهية
"بطايق.. بطايق" الباعة متجولون في طريقهم الى العمل،
- انا ادفع الحساب.
كأني اثبت اني ما زلت ابن بار لتلك المدينة، لم افقد عاداتها.. اعود مرة اخرى لأنغمس في الازقة.. انه عد عكسي للأحساس
في بغداد كل شي متهيب للحب والموت، في هذه المدينة تتناسى العاطفة اجزائها، تجري احداثها كموسيقى فلم حزين.

وطن كالايجاز في التعبير..

هذه الشوارع شهدت الكثير من الخوف قبل عدة سنوات، صوت الذئاب كان نهاية العالم.. كل شيء يرثي ذاته ببكاء مخفي، تقرأ "العديلة" على عجل من امرها... كل ما اذكره في هذا المكان هي الوجوه التي تموت لتنتصر او تعيش لتعاود الكّرة في اليوم المقبل
بعض الجدران ما زالت تحتفظ بالشظايا
هنا زلزلت الأرض، أجهضت أحفادها..
تعانقت أعضاء الأطفال والرجال والنساء والشيوخ، كل من له أمل جديد أو من عاش على ذكرى جده اومن قرأت على صدره دعاء النجاح جدته!
في لحظة تجعلك تفصل بين الحلم والخيال.. كم كنت غير منتبه!
حتى لو وضعوا في طريقك لافتة تقول أمامك موت محتم وانفجار صغير. مت ببساطة أن أكملت الطريق إلى العمل.. إلى الحياة،
إلى الحياة؟!..
لم يصدق يومها المراهقين أن في حياتهم شظايا مجانين تمنعهم من الفرح، تمنع أمهاتهم من الحب حين حزنت على بكائهم وقت العاصفة،
لا احد يستعد للموت.. فالمقبل على الإعدام يأمل أن يأتي محامي الدفاع بأدلة جديدة، حتى المقاتلين في الحروب يأملون يوما قد يعم السلام ليعودوا كما كانوا مزارعين أو صاغة ذهب أو حمالين، أو باعة خمر.. اي شيء
لا توجد ملابس مناسبة للموت
فكانت هنا مقارنة خاسرة بين اقلية الارواح واغلبية الموت..


صباح جميل..
ذكرى تحاول اخفاء حزنها عن الشمس، انها متفائلة بعض الشي هذه الايام.. الاطفال ذاهبين الى مدارسهم وصوت العصافير يدل على قلة عددهم..
بعد الافطار كان الاقتراح ان نستقل حافلة صغيرة (kia) بدلا من (التاكسي) كي نستمع لأحاديث الناس العابرين ونحن في طريقنا الى دائرة الاحوال المدنية..

بطايق بطايق.. احد الباعة متجولين يعمل
عمي يتذكر، ثم يسأل:-
- هل احضرت (البطايق الاربعة)
- نعم..
البطائق الاربع.. هوية الاحوال المدنية وشهادة الجنسية وبطاقة السكن والتموينية... هذه البطائق اخذت مسميات كثيرة واغربها (صداميات) لأنه بدأ العمل بها في زمن صدام،
اتسائل ما هذه البطائق التي يرددها الباعة المتجولين

- انها كروت سنوية لشراء النفط والغاز.. عندما يشترون العوائل كفايتهم من النفط والغاز يبقى لديهم فائض منها.. يبيعوها للباعة المتجولين قرب انتهاء مدة صلاحيتها او بعد انتهائها بقليل
- وماذا يفعلون بها الباعة المتجولون؟
- يشترون النفط والغاز ويخزنوه كي يبيعوه في الشتاء بلا محاسبة.

بطايق بطايق..

الاحاديث في الحافلة ليست متنوعة، اغلبها عن الاحداث السياسية وفشل الحكومة او نجاحها حسب الانتماء الفكري للشخص.. احيانا تصل الجدالات حد الشجار..
ثم بكل بساطة (اني من رخصتكم نازل عيني).

احيانا لا تحتاج الحافلة كي تركن على جانب الطريق فشدة الازدحامات تمنعها من ذلك.. يضطر المتحدث السياسي النزول وسط الشارع.

الدائرة ليست بعيدة، والطوابير الطويلة شيء بديهي.. الناس يحاولون الهرب من الشمس وانا احاول الامتلاء منها.. ربما هي عقدة الثلج والشتاء في جسدي
الاحاديث العابرة تكرر نفسها والتذمر نفسه في كل الطوابير، اسلم المعاملة
انتظر بعد ساعتين كي استلم هويتي الجديدة، عمي كعادته في المزاح يهنئني لعودتي عراقي مرة اخرى،
اضحك بلا تركيز لأن ما شغلني اكثر هي تلك الفرحة في وجوه الناس وهم يستلمون هوياتهم الجديدة، واخرون لم يستلموا لنقص احدى البطائق الذهبية في معاملاتهم..
الضابط يشعر انه يسلم جوائز قيمة للناس وليس هويات يجب ان تصل الى بيوت الناس بدلا من ان يروجوا معاملاتها،
المحسوبيات ما زالت موجودة في بلد حديث المساواة.. عمامة متوسطة الحجم سوداء تُستقبل بحفاوة من قبل الموظفين،
التذمر مسموح للمواطنين ولكن دون اعارة اهمية ،
نعود الى المنزل، اتعلم مصطلح جديد.. ان الانسان المزعج والممل يدعى (معاملة)، هكذا ابناء عمي كانوا يتداولون هذه الكلمة.
* * * * *

يتبع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رد
الكاتب- حيدر تحسين ( 2013 / 3 / 13 - 07:56 )
شكرا علي الزيدي، اما بخصوص العنوان فالنص لا يحتاج ان اقتبس له عنوان من نص اخر.. لكن ان شاءت المصادفة فهذا يعني انه عنوان يستحق اكثر من نص

اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟