الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول اجتثاث البعث وتطهير العراق منهم

جان كورد

2005 / 4 / 4
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الذين درسوا تاريخ حزب البعث العربي الاشتراكي وتأسيسه ونشأته يعلمون أن هذا الحزب قد تأثر تأثرا بليغا بالحزب النازي الألماني والحزب الفاشي الايطالي، ومدرسة المقبور ميشيل عفلق قد أخرجت مجرمين كبار كمجرمي النازية، وأن النازيين والفاشيين اتهموا وأدينوا بعد القضاء على حكمهم الجائر بجرائم الاعتداء على الدول المجاورة وتمزيق الاتفاقيات المعقودة وانتهاك المواثيق الدولية وضم أراض الغير والقيام بجرائم ضد الإنسانية بإبادة الأعراق والأقليات القومية والدينية، وهي ذات التهم التي سيحاكم عليها مجرمو البعث الكبار من أمثال صدام حسين وزمرته الطاغية التي تقبع الآن في السجون تنتظر كلمة الشعب العراقي والإنسانية جمعاء بحقها، ونأمل أن يكون الحكم عليهم عادلا ومنصفا بقدر الظلم الذي وقع من قبلهم على هذا الشعب وعلى هذه الإنسانية.. كما أن مرتكبي المذابح والمجازر في سوريا البعثيين لا بد وأن يجرعوا من ذات الكأس التي جرع منها رؤوس النازيين والبعث العراقي...

النازيون والبعثيون وعدوا شعبيهما بالوحدة القومية واسترداد المغتصب وتحقيق الاشتراكية الوطنية وتأمين الحريات بعد ذلك، وفشلا في ذلك فشلا ذريعا، والفارق الوحيد بين النازيين والبعثيين يكمن في أن النازيين دافعوا عن زعيمهم حتى آخر صف من صفوف الرجال، بل من فتيانهم الذين رفضوا مفارقة مواقعهم حول مقر زعيمهم أدولف هتلر الذي فضل الانتحار مثل العديد من جنرالاته على الاستسلام، في حين أن البعثيين حاولوا الفرار بما لديهم من أموال ومجوهرات وغنائم منحها لهم "القائد الأكبر!"، تاركين بطلهم القومي يعيش حتى لحظة اعتقاله في حفرة عميقة في الأرض ينهش القمل جلده.

البعثيون حكموا العراق فترة أطول بكثير مما حكم النازيون ألمانيا، وفي وقت فشل فيه البعثيون في حروبهم على ايران والكويت وشعب كوردستان الجنوبي، فإن النازيين تمكنوا وبسرعة مذهلة أن يسيطروا على مناطق واسعة من أوروبا والاتحاد السوفييتي وشمال أفريقيا ولسنوات عديدة...

لدى انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 وقع عدد من زعماء الحزب النازي في قبضة الحلفاء من أمثال هيرمان غورنغ، فيلهلم فريك ويوليوس شترايشر وروبرت لي، أو الذين ساعدوا النازيين من كبار أصحاب المصانع ورأس المال مثل ألفريد كروب والقائمين بأعمال شركات فليك الشهيرة، والذين كانوا مسؤولين مباشرة عن حرب إبادة اليهود والمذابح الجماعية للغجر واليوغسلافيين والروس والبولونيين.. مثلما تم القبض على أهم أفراد الطغمة البعثية المجرمة في العراق بعد سقوط بغداد بفترة وجيزة... ولكن كان لايزال هناك في ألمانيا حينذاك أكثر من 6.5 مليون عضو من الحزب النازي، ومن بينهم 65% من موظفي الدولة و 80% من رجال القانون ومن القضاة والعاملين في المحاكم والسجون. كما كان هناك حوالي نصف مليون عضو من اتحاد نقابة المعلمين النازيين و أكثر من سبعين ألفا من رابطة الأطباء التابعين للنازية. أي أن وضع البعث في العراق لم يكن يختلف عن وضع النازيين هؤلاء بعد أن تقوفت الطائرات الحربية الأمريكية عن القصف المكثف وأعلن الرئيس الأمريكي انتهاء الأعمال الحربية الواسعة في العراق، بعد أقل من شهر من بدئها.

اتفق الحلفاء في 2 آب / أغسطس في مدينة بوتسدام الملاصقة لبرلين حاليا على تطهير البلاد الألمانية من رجس النازية عن طريق تقديم المجرمين ومن ساعدهم إلى المحاكم لينالوا جزاءهم، ولكن في الحقيقة طالت فترة التطهير هذه لدى الأمريكان والانجليز الذين كانوا متباطئين حقا لكونهم كانوا يطمحون في تسخير الألمان في خدمة أهدافهم العدائية ضد الشيوعية ، ولو اقتضى ذلك غض النظر عن بقاء جزء هام من النازيين، كما غضوا النظر عن مسلسل هروب كثيرين من كبار العسكريين النازيين من أمثال أريش ريبكى، كارلوس فولدنر، جوزيف مينغلى وأولريش رودل بمعونة الكاردينال الكاثوليكي في إيطاليا آلويس هودال والتاجر الهولندي رودولفو فرويدى ومئات آخرون إلى الأرجنتين، حيث كان هناك الرئيس الأرجنتيني خوان دومينيكو بيرون المتعاطف مع الفاشيين والنازيين يأمل في أن يعتمد عليهم في بناء جيشه وتطوير قواته الجوية والبحرية... أما في المنطقة التي خضعت للروس في شرق ألمانيا وجزء من برلين العاصمة فقد جرت عملية تطهير البلاد من النازيين بسرعة فائقة بأن تم اجتثاثهم دون رحمة أو شفقة من كل دوائر الحكومة... ومع ذلك بقي عدد هائل من النازيين هناك أيضا.

إن بطء الأعمال البيروقراطية وحاجة الحلفاء للعاملين من أجل اعادة بناء ألمانيا وبخاصة في مجال الخدمات الصحية وازالة حطام البنايات المدمرة واعادة إصلاح المنافع الضرورية، وبسبب أن عدد النازيين كان كبيرا للغاية بحيث شمل الطبقة المتوسطة الألمانية كلها أثناء الحرب، فقد فشل برنامج اجتثاث النازيين على كل الجبهات، وتباطأت المحاكم لقلة القضاة المستقلين أو المعادين للنازية ، وظهر العفو من قبل الحلفاء مرات ومرات، وتم ترغيب النازيين الباقين للمساهمة في شؤون الدولة، حتى أفرج عن بعض كبار المجرمين من الذين قتلوا آلافا من البشر أو أشرفوا على عمليات تعذيب واسعة النظاق ودفن الأحياء بالجملة لمجرد أنهم حوكموا بأقل من 15 سنة، ومنهم ألفريد كروب الذي كان مسؤولا عن تسخير آلاف من السجناء والأجانب لأعماله الصناعية، وفريتز مير الذي كان مسؤولا عن بناء الأفران في معسكر أوسفيج لإبادة اليهود وغيرهما، بل عاد بعضهم للمشاركة مع الأيام في اعادة بناء سياسة الدولة الألمانية وشركات القطاع الخاص وفي كل المجالات الاقتصادية والعلمية والاعلامية من أمثال هانز غلوبكى، كارل كارستنز، ريتشارد غيلين والسياسي الكبير جورج كيسنجر، كما نال بعضهم راتبه التقاعدي على خدماته في العهد النازي أو تقاضت عوائلهم ذلك.. ومنهم من بقي حرا طليقا حتى قبيل انتهاء القرن الماضي أو بعد ذلك، مثل رجل المخابرات الرهيب اريش بريبكى ومثيله فريدريش انجل أو المجرم المعروف كلاوس باربي...

واليوم نرى وضعا شبيها أمامنا، إذ أن هناك عشرات الألوف من البعثيين ، من مجرمين كبار وصغار، شارك كل منهم على قدر طاقته في تحريك ماكينة القتل والإرهاب والإبادة الصدامية، ومنهم من سلب الناس أموالهم، وهرب مع أول طلقة أمريكية إلى الأردن أو سوريا أو دولة عربية أخرى، بل منهم من وصل إلى أوروبا وكان في عهد صدام مسؤولا عن القتل والتعذيب والاعتداء على أعراض الناس.. كما كان من النازحين وزير الإعلام الشهير محمد الصحاف الذي تركه الأمريكان يتوجه بالطائرة إلى دولة خليجية، ومنهم جنرالات خانوا صدام وكانوا من المقربين إليه وهم يعيشون في منطقة بوتوماك التي يسكنها الأثرياء والأقوياء و"الأذكياء" ليس بعيدا من العاصمة الأمريكية واشنطن. ولا يخفى أن عائلة صدام حسين بنفسه تعيش في بحبوحة من العيش في دولة عربية على حساب الشعب العراقي الذي يعاني الأمرين الآن...
ونسمع من العراقيين – عبر أقنية التلفاز – بأن كثيرين من مجرمي البعث ومسؤوليه عادوا وتسنموا مراكز حيوية وهامة في أجهزة الدولة والحرس الوطني والقوات العراقية المسلحة، ومنهم من تم إغراؤه ليتخلى عن بعثيته وعقيدته العروبية عسى أن يتحول إلى موظف عادي يقوم بواجبات المواطن العراقي، على الرغم من أن يديه ملوثتان بدماء الشعب العراقي أو يملك مما كان يغدق عليه صدام حسين ما لا يملكه العراقيون الآخرون...

طبعا إنها مشكلة عويصة ومؤلمة للشعب العراقي الذي ذاق الهوان على أيدي البعثيين، وذات المشاكل التي جابهت الروس والأمريكان والانجليز وحلفاءهم الآخرين بعد سقوط النازية تجابه الأمريكان وحلفاءهم هذه المرة في العراق. والسجون مليئة بالبعثيين ومن أغراهم البعث بالقدوم إلى العراق لشن حرب ماحقة وساحقة لأمريكا، وكذلك الذين أرسلتهم دول مجاورة للعراق وآخرين ينشرون الرعب في قلوب العراقيين جاؤوا من كل بقاع العالم ليحاربوا عوضا عن الشعب العراقي كما يبدو، وكأن هذا الشعب الذي ذهب بملايينه العديدة إلى صناديق الانتخاب لايدري أن الأمريكان هناك....
ولابد أن يسأل بعض الناس: " هل ستسخدم أمريكا البعثيين بعد الخلاص من صدام حسين مثلما استخدمت النازيين بعد التخلص من هتلر وعصابته لمآربها في العراق؟.."

برأيي إن البعثيين لا يختلفون عن النازيين ، سواء أكان الذي يستخدمهم صدام حسين أو الأمريكان، مثلما استخدم هتلر النازيين ومن بعده أمريكا وحلفاؤها الآخرون... والأسباب كثيرة لا مجال للحديث عنها حتى لا يطول المقال...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بلا مساعدات خارجية ودون وقود.. هل مازالت المعابر مغلقة؟


.. تصعيد جديد بين حزب الله وإسرائيل وغالانت يحذر من -صيف ساخن-




.. المرصد السوري: غارات إسرائيلية استهدفت مقرا لحركة النجباء ال


.. تواصل مفاوضات التوصل لاتفاق هدنة في قطاع غزة في العاصمة المص




.. لماذا علقت أمريكا إرسال شحنة قنابل إلى إسرائيل؟