الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية بين المطرقة والسندان

زوهات كوباني

2005 / 4 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


التطورات التي خلقتها الثورة العلمية والتقنية وثورة المعلومات ، أدخلت العالم في مرحلة جديدة ، وهذا ما جعل التغيير ضرورة ملحة في جميع الأنظمة التي تم إنشائها في القرن العشرين ، ولذلك فمع هذه التطورات دخلت هذه الأنظمة الشمولية في وضع صعب ، أما أن تقوم بالتغيرات وتجري الإصلاحات بشكل شامل أو تتعرض للضغوطات الخارجية . لأنها بقيت بعيدة عن العصر ولا تتجاوب مع متطلبات المرحلة ، فقد انتهى دورها مع تحقيق الثورة العلمية وبدلاً من أن تلعب دوراً تقدمياً بالنسبة للشعوب والمنطقة تحولت إلى عبأ على كاهل الشعوب ، وتقف حجرة عثرة أمام التطورات .لذلك ونتيجة لتحولها إلى أداة لا تفي مصالح الشعوب ، فمن ناحية يبدأ الشعب بالمقاومات والعصيانات والمسيرات والعمليات الديمقراطية التي شمل المجتمع بجميع أطيافه وصولا إلى مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات البيئة وغيرها . ومن ناحية أخرى ونتيجة تخلفها وتحولها إلى عقبة أمام الأنظمة العالمية التي تريد تطوير عولمة من على جميع الصعد متجاوزا الدول القومية ، فهي تتعرض لضغوطات هذه الأنظمة ومداخلاتها .
إن تجربة لبنان تعطي الكثير من العبر والدروس للأنظمة الموجودة في المنطقة ، وتظهر الحقيقة جلية أمام الأعين، بان الجماهير الشعبية قادرة على إسقاط الحكومة الموجودة وتجبرها على الاستقالة حتى ولو أرادت الأنظمة إعادتها تحت يافطات جديدة إلى سدة الحكم . إن هذه الأنظمة التي كانت تنظر إلى الشعوب نظرة فوقية متعالية ، بأنها لا حول ولا قوة لها إلا بالاستناد على النظام الموجود. قد ظهرت مرة أخرى في لبنان ، بان الشعب هو الذي يقرر المصير وقادر على تنحية الحكومات من الحكم . حتى ولو وقفت خلفها الدول والأجهزة الأمنية التي تسلط كالسيف على رقاب الشعوب من اجل ترهيبه وتخويفه للخنوع أمام كل ما يقال له ويفرض عليه من قبل الأنظمة الموجودة وأثبتت بان إرادة الشعوب مازالت تحافظ على قوتها وان تلك التقييمات والتحليلات التي تتم بصدد الشعوب على إنها عاجزة ما هي إلا نظريات مبتكرة من قبل تلك الأنظمة نفسها ، ليس لها إمكانية الحياة في الوجود وقد عفى عليه الدهر . وقد كانت المظاهرات الحاشدة في ساحة الشهداء والتي أدت إلى أن يقوم الرئيس عمر كرامي بالاستقالة ، ورغم انه يتم العمل من اجل إخفاقها واضعا كل إمكانيات وقوى الحكومة في الوسط من اجل تظاهرة أخرى لأ فراغها ولكن لن تغير تلك الجهود التي تبذلها تلك الدول والأنظمة من المعادلة شيئاً ، فقد خرجت الطلقة ولم تعد من قوة قادرة على إعادتها إلى الفوهة ثانية ، لذلك فالنظام الموجود لا يمكن أن يبقى بشكله الموجود على الحكم وحتى المؤتمر الصحفي الأخير الذي أقامه الرئيس عمر كرامي ما هو إلا اعتراف بحقيقة المعارضة الشعبية لانه كان يصر على تشكيل حكومة ليس من نوع واحد بل أن تشاركها جميع الأطياف وحتى انه قيل لو بقي الوضع هكذا وانه أيضا مستعد للاستقالة ، أي انه تم اخذ وضع الجماهير الشعبية والقوى المعارضة بعين الاعتبار . ويعتبر هذا سواء تم تشكيل الحكومة الجديدة أم لا, فانه يعتبر هذا نصر للقوى الجماهيرية التي عملت تلك الأنظمة على تهميشها وتقزيمها لكي لا تبقى فيها القوة والإرادة وتبقى خارج دائرة القرار في الدولة .
إن خروج الجيش السوري من لبنان في هذه المرحلة هو نتيجة للضغوطات التي يتلقاها النظام السوري من الخارج ومن الضغوطات التي يتلقاها من الداخل من المعارضة , نعم سورية تدعي بأنها تخرج من لبنان منذ خمس سنوات ولكن الخروج الأخير كان بمثابة صفعة قوية لسورية لان المعارضة خرجت إلى الشوارع وقالت بصوت عالي لا لقوات الاحتلال ولا للأجهزة الأمنية التعسفية التي حولت لبنان إلى جحيم لا يمكن للإنسان من العيش بهدوء في بيته في ظل هذه الأجهزة . ويبقى بعد هذا الخروج القرار وتبيان المصير على انتخابات عادلة ونزيهة يقوم بها الشعب اللبناني بعيداً عن الأنظمة و الضغوطات من قبل الدول المجاورة . إن هذه التطورات والضغوطات الداخلية والخارجية قد اجبر الرئيس السوري بشار الأسد إلى الخروج على المنبر أمام البرلمان وان يعترف بالوضع الموجود وحجم الضغوطات التي يتعرض سورية لها ، وبان هناك أخطاء تم ارتكابها من قبل أجهزتهم الأمنية ومؤسساتهم العسكرية المتواجدة في لبنان ، وسيتم الانسحاب من لبنان . ومن جانب آخر فان النظام السوري وما يقوم به من سياسات البطش والإرهاب وارتكابه للمجازر قد أدى إلى ردود الفعل لدى الجماهير الكردية بالانتفاضة الجماهيرية التي قاموا بها في الثاني عشر من آذار ، بحيث لم تنحصر هذه الانتفاضة في مدينة واحدة بل شمل جميع المحافظات السورية التي يعيش الكرد فيها وعلى اثر ذلك اعترف الرئيس مرة أخرى بان الأكراد جزء من النسيج السوري وبان هذه القضية هي قضية داخلية ويتطلب حل الكثير من المسائل العالقة وإذا ما أضفنا إلى هذا ، المعارضة العربية والوضع الدولي وخاصة بعد التدخل في العراق والمخطط الأمريكي في الشرق الأوسط الكبير والعمل على التأثير بمختلف الأشكال بدأً من الضغوطات السياسية إلى الاقتصادية إلى تحريض المعارضة في الداخل كما يقوم بها في لبنان والتي أعطت ثمارها ولو لم يكن بشكل تام ، فان كل هذا يشير إلى حقيقة الوضع الذي تعيشه سورية والواقعة بين فكي الكماشة أو بين المطرقة الأمريكية وسندان المعارضة الداخلية .
إن الدولة السورية لا بد لها من قراءة الأحداث بشكل صحيح ولا ينفعها في كل مرة التظاهر أمام البرلمان أو التصريح أمام الرأي العام بإجرائها للتغيرات أو غيرها فان كل هذا لا يدل إلا على إنها لا تملك استراتيجية تغيير واضحة المعالم بل تحاول من خلال القيام ببعض الترقيعات أو الترميمات واعطاء بعض العهود من اجل إطالة عمرها . لذلك فالقضية التي تعيشها سورية هي قضية جدية وهي أمام مشكلة التغير أو أنها ستتعرض للتدخل بمختلف الأساليب ، فمنذ مجيء الرئيس بشار الأسد على سدة الحكم وخطاب القسم الذي أدى به أمام البرلمان وما يزال الشارع السوري ينتظر تطبيقه للوعود بتحديث وتطوير سورية ، ولكن دعنا من التطوير والتحديث في مختلف المجالات فقد قامت بارتكاب المجازر وزجت الآلاف من المواطنين في السجون التي أودى بحياة الكثيرين منهم نتيجة الأعمال التعذيبية الوحشية ، وازدادت البطالة وتعمقت الأزمة الاقتصادية وانعكست على الناحية الاجتماعية ، ومن الناحية الخارجية بدلا من تطبيع العلاقات على أساس الاحترام المتبادل عملت على تطبيق سياسة التدخل في الدول المجاورة لإبعاد الأنظار عن المشاكل التي تعانيها وتحريفها في التوجيه نحو هدفها ، من اجل أن تبعد نفسها من هدف المرمى ، ولكن نسيت إن عملية المداخلة لها جانبين فكما أن سورية تقوم بمداخلة الدول في المنطقة بطرق مختلفة فان الدول الأخرى ستقوم بنفس المداخلة وبطرق مختلفة حتى إنها سترد الصاع صاعين ، لذلك وكما يقول المثل من كان بيته من الزجاج عليه أن لا يرمي بيت الجيران بالحجارة ، فمؤهلات الدول العظمى من اجل التدخل اكثر من سورية بكثير وبالتالي فان نقاط الضعف في سورية كثيرة بدءً من ضعف الإمكانيات وتخلف النظام الذي له طبيعة ديكتاتورية شوفينية إلى عدم وجود الحريات والديمقراطية في الداخل إلى وجود صراعها مع الكثير من دول الجيران وعلى رأسها إسرائيل لذلك يتطلب منها تحليل الأوضاع الراهنة وقراءة الأحداث بشكل جيد وموضوعي بعيدا عن البرغماتية الضيقة وقصر النظر لانه إذا ما توحدت عوامل الضعف الموجودة في الداخل بالنسبة للنظام والتي تسفر عن ظهور معارضة مع الضغوطات الخارجية من قبل الدول العظمى وعلى رأسها أمريكا فلن يكون مصير سورية افضل ممن سبقوها من جيرانها .
لم تنجح سورية في صراعها مع إسرائيل وفي كل مرة كانت تخسر قطعة أخرى من أراضيها فكيف ستنجح في الامتحان الصعب في المرحلة الراهنة التي أصبحت فيها أمريكا جارتها . فأمام سورية طريق واحد فقط وهو أن تقوم بتحصين جبهتها الداخلية وهذا ممكن بإحداث تغير شامل في سياساتها الداخلية وعلى جميع الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وتتخلص من العقلية الشمولية الإنكارية ومنظورها الشوفيني الذي يتناقض مع العصر ويقف عائقاً أمامه ، وتطبيق الديمقراطية وفق المقاييس العالمية المعاصرة واطلاق الحريات السياسية وإفساح المجال أمام الشعوب والأقليات القاطنة في سورية أن تمثل لونها في الحياة السياسية وان تتمكن من الانضمام إلى الحياة الاقتصادية والاجتماعية بشكلٍ فعال وبإرادتها ، لانه لا يمكنها القيام بلعب دور إيجابي وفعال بشخصية مسلوبة الإرادة التي تجعلها عبأً على النظام والدولة وعامل ضعف لها وحتى قد يتحول إلى ضدها نتيجة المداخلات الخارجية وبالتالي يصبح الخطر محدقاً ولا يمكنها التخلص من ضربات المطرقة وردود فعل السندان وستكون العاقبة وخيمة وأليمة ستكلفها كثيراً.
فعند قيام سورية بهذه التغيرات الديمقراطية ستسحب الورقة التي تتحجج بها الدول العظمى من اجل التدخل ، ويتطلب منها أن تقوم بترتيب البيت السوري بنفسها ومع موزاييكها قبل أن يتدخل العالم لترتيبها وفق مصالحها ومنافعها . فسورية اكثر من كل الدول لها الحاجة إلى الحفاظ على هويتها وهذا يمر بالتخلي عن سياساتها الخارجية التي تحاول إثارة القلاقل والمشاكل في دول الجوار من اجل المحافظة على أمنها وهي السياسة التي كانت متبعة في القرن العشرين وخلال الحرب الباردة وذلك بتصعيد الثورة والثورة المضادة في المناطق البعيدة من اجل الحفاظ على أمنها . لقد أفلست هذه السياسة مع الدول الكبرى من أمثال الاتحاد السوفيتي وأمريكا وبدأ العالم كله وحتى أمريكا تدخل في مرحلة ديمقراطية وان لم تكن ديمقراطية وفق المقاييس التي يتطلبها الشعوب ولكن ومهما كانت فأنها تكون افضل من مرحلة الديكتاتوريات الاوليغارشية والاتوقراطية والتوتاليتارية ، وإذا كانت الدول الكبيرة قد تخلت عنها فما بالك بالدول الفقيرة والصغيرة والتي لا تستطيع أن تحمي نفسها نتيجة ضعفها الاقتصادي والمشاكل الداخلية التي تعانيها من أمثال سورية وغيرها, إن عدم التغير هذا يصبح ضرب من ضروب الدونكيشوتية في المرحلة الراهنة وذلك بمناطحة الصخور .
إن سياسة الضغط والتهديد والتعذيب والقتل لا تجلب إلا المآسي فهذه السياسات لها آثار سلبية تتركها على المجتمع من جميع النواحي وحتى إنها تؤثر سلبيا على بنية وتكوين الشخصية ولا يمكن إزالتها خلال عشرات السنين حتى إنها تشكل أجواء من الحقد والانتقام والشكوك والشبهة تتحول الحياة فيمثل هذا البلد إلى نوع من التعذيب والتحرك بالإحكام المسبقة وما الأحكام المسبقة الموجودة تجاه الأكراد أو غيرهم من الاقليات القاطنة في سورية إلا أحد ثمار هذه السياسات الشوفينية العقيمة والتي لها نتائج تدميرية على المجتمع . إن طريق الخروج من الأزمة العميقة المعاشة في سورية ومن الوضع الشبيه بالدخول بين المطرقة والسندان هو بإجراء التحول والتغيير وتطبيق النظام الديمقراطي الكونفدرالي لان الأنظمة القومية التي تشكلت قد أثبتت إفلاسها ولم تعد تدر للشعب والجماهير بأية فائدة ، وتحولت إلى عراقيل جدية أمام التطورات الاجتماعية والسياسية والديمقراطية والحريات ، وهي تشكل عراقيل جدية فحتى نظام العولمة الموجودة تعمل على تجاوزها ولكن بدون أن تطور البديل لها ، والوضع العراقي خير مثال على ذلك . ان النظام الديمقراطي الكونفدرالي الذي يقوم بأخذ جميع الاثنيات والفرو قات الطبقية بعين الاعتبار ، هو النظام الذي يستطيع فقط حل جميع قضايا الشعوب في المنطقة والعالم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30