الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدث في سجن الفارعة

عطا مناع

2013 / 3 / 3
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


بقلم- عطا مناع
أعادني خبر اعتقال الطفل منذر محمد سالم أبو الحاج من مخيم الفوار الكائن في فلسطين المحتلة والذي لم يتجاوز عمرة 12 عاما عقدين إلى الوراء حيث إسطبل سجن الفارعة سيء الصيت، هذا السجن الذي وجد بهدف سلخ جلد الأطفال وإرعابهم من خلال إخضاعهم لجولات متكررة من العنف الشديد على أيدي محققين عسكريين يستخدمون كل الوسائل لانتزاع الاعترافات من الأطفال.
عقلية شيطانية هي التي أسست وأشرفت على هذا السجن، وكانت تستهدف الأطفال بشكل خاص وكأنها توقعت اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1987 ولذلك كانت الاعتقالات بالجملة، ومن عايش جولات التعذيب والشبح والاعتقالات العفوية التي لا هدف لها إلا إرهاب الأطفال والفتيان يستطيع أن يرسم المقاربة بين تلك الفترة وهذه الأيام.
لم يقتصر العنف الذي مارسه المحققون على الناحية الجسدية وإنما طال البعد النفسي، فقد اتخذ طاقم التحقيق لنفسه أسماء حركية مرعبة للأطفال مثل أبو خنجر وأبو جبل وأبو سيف، وأمام هذا المشهد ادعوا القارئ توقع الرعب الذي عاشه أمثال الطفل منذر أبو الحاج الذين زج بهم في الاسطيل بعد "حفلة الاستقبال" التي على كل معتقل المرور بها قبيل الدخول إلى الإسطبل، وهي "حفلة " يتم فيها الترحيب بالمعتقل المعصوب العينين والمقيد اليدين من الخلف وأبطالها أبو خنجر وأبو جبل وبقية طاقم التحقيق الذي ينفث كل حقدة على الأطفال بالركل والصفع والكم.
ألان تحضرني كلمات الشاعر الفلسطيني سميح فرج لاختصر المشهد قدر الإمكان والذي قال في قصيدته يا إسطبل خيل الفارعة.
كلنا نحن المخيم..... فأسرع كثيراً.... وافرح كثيراً أن كان سلخي فرحة يا اسطبل خيل الفارعة.......نأتيك شيباً أو شبابا .....نأتيك نحراً أو عتابا.... نأتيك عرسا أو عذابا.... نأتيك برقاً أو سحابا ......فاغضب كثيراً ...... لا بد أن نكبر .........قد بلغنا من ملاحمنا النصابا.
نحن نتحدث عن مرحلة عاشها من سبقوا الطفل منذر أبو الحاج، أطفال زج بهم في بطن الوحش على أمل بعث الخوف في قلوبهم وبكل الوسائل المتاحة آنذاك، فكنت إذا دخلت منطقة الإسطبل ترى العشرات من الفتيان المشيوحين في الساحة المؤدية للإسطبل الذي هو عبارة عن ممر طويل نوعاً ما وفية غرف التعذيب حيث الفتيان الذين وقع الاختيار عليهم للخضوع لجولات من العنف تستمر لأيام.
وقتها توقع الاحتلال أن يكبح جماح التفاعلات الغاضبة التي وجدت لها مكاناً في الصدور، وتوقع الاحتلال أن التعذيب العنيف سيحيد من يدخل الإسطبل وبالتالي لن يرى المولود المنتظر" الانتفاضة الأولى" النور، ولهذا كانت الاعتقالات بعشرات الآلاف في محاولة فاشلة من قبل قيادة الكيان لدفن الانتفاضة الأولى في مهدها، لكن الانتفاضة اندلعت وكان فتيان الإسطبل وقودها والعنفوان الذي أعطى لأيامنا القادمة معنى.
لو قدر لجدران اسطبل سجن الفارعة أن تتحدث لنسجت العشرات من الحكايات الموجعة التي عاشها أطفال فلسطين، ولو قدر لهؤلاء الأطفال الذين أصبحوا اليوم رجالاً أن يحكوا حكاياتهم لأدركنا أن المشهد يكرر نفسه، هذا من جهة العقلية الاحتفالية التي تحاول قتل الروح والانتماء لدى أطفال فلسطين تلك العقلية التي لن تتوقف عن ممارسة جرائمها بحق أطفالنا الذين تحاول العقلية المخابراتيه الإسرائيلية تشويه بنائهم النفسي وتحيدهم.
ما بين الفارعة الأمس وعسقلان ومجدو وعوفر اليوم تشابه كبير، لكن أطفال فلسطين اليوم لن يكونوا بالضرورة أطفال الأمس، فأطفال اليوم يمتلكون المعرفة والحقيقة وفلسفة التفكير التي تختلف عن أطفال الأمس بالرغم من حالة الإحباط واليأس التي تحاصرهم، هذه الحالة التي ستكون الحافز لمواجهة الواقع بكل أشكاله وخاصة أن العنف الموجه ضد الأطفال الفلسطينيين اتخذ أشكالا أخرى أكثر خطورة.
وإذا انطلقنا من قاعدة مفادها أن الشعب الفلسطيني لم يعد قطيعاً وان المعرفة أصبحت في متناول أطفالنا فالنتيجة المنطقية أننا بصدد جيل مختلف لن تكبح جامحة كل المحاولات التي تستهدفه من اجل تحيده، ولا اعتقد أن هذا الجيل الذي يؤسس قطعاً لحقبة مختلفة تماماً عن الحقب السابقة من كفاح الشعب الفلسطيني، وهذا يتطلب من المستوى السياسي والوطني الفلسطيني إدراك الحالة الراهنة بالرغم من عدم وضوحها، وعملية الإدراك تأتي من خلال قراءة الواقع بتجلياتة الأمنية والوطنية والحياتية التي تلقي بظلالها قطعا على الفعل الوطني للأجيال القادمة التي أحبطت الرهان على نسيانها القضية الأم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات تشريعية بفرنسا: اكتمال لوائح المرشحين واليمين المتط


.. ندوة سياسية لمنظمة البديل الشيوعي في العراق في البصرة 31 أيا




.. مسيرات اليمين المتطرف في فرنسا لطرد المسلمين


.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع




.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف