الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تعود الولايات المتحدة إلى عزلتها ؟ 3/3

نجيب الخنيزي

2013 / 3 / 3
العولمة وتطورات العالم المعاصر


هل تعود الولايات المتحدة إلى عزلتها ؟ 3/3
من المهم الإشارة إلى أنه قد تتقاطع ، وتلتقي أحياناً مصالح الولايات المتحدة مع مصالح الشعوب و البلدان الأخرى ، كما حصل أثناء الحرب العالمية الثانية والتصدي لخطر النازية ( الألمانية ) والفاشية ( الإيطالية ) والعسكراتية ( اليابانية ) أو إزاء العدوان الثلاثي ضد مصر في 56م، و عملية تحرير دولة الكويت في 1991 . غير أن الدافع الرئيسي والحاسم الموجه للسياسة الأمريكية في التحليل النهائي يظل تأكيد وتثبيت مصالحها الإستراتيجية و الذاتية في المقام الأول. الحديث عن فوارق هامة وجوهرية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري إزاء المسائل الاستراتيجية للسياسة العامة ، وخصوصا السياسة الخارجية، و ما يطرح حول ميل الجمهوريين إلى العزلة والانكفاء والسلبية إزاء متطلبات السياسة الأمريكية مقارنة بالديمقراطيين ، تبدو ضرباً من الأوهام الساذجة. قد يبدو في الظاهر أن هنالك فوارق معينة في مواقف الحزبين، وقد توجد بالفعل بعض الفوارق ، ولكن إزاء قضايا داخلية بحتة وذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية ، كالضرائب ونسبة الفائدة ونظام الرعاية والتأمينات الاجتماعية والدعم المقدم لقطاعات التعليم والصحة والعمل والبيئة، ومسائل مثل احترام القيم العائلية والأخلاقية ، والموقف إزاء بعض التشريعات التي تطال المثلية الجنسية ، وتقنين حمل السلاح وغيرها ، وهي قضايا تمس وترتبط بهموم واهتمامات الشعب الأمريكي. من المعروف أن الشعب الأمريكي هو أقل الشعوب في البلدان الغربية اهتماماً بالتعاطي بقضايا السياسة العامة والسياسة الخارجية على وجه الخصوص ، ما لم تمس بشكل مباشر مصالحه ، وتؤثر على استقراره كما حصل في حرب فيتنام ، والصدمة النفطية التي أعقبت حرب أكتوبر (1973م) ، أو ما أسفر عنه الغزو الأمريكي للعراق وافغانستان ، و ما سمي الحرب على الأرهاب من نتائج كارثية ، وخسائر بشرية ومادية ضخمة . ومن المعروف أن السياسة العامة للولايات المتحدة يصوغها بصورة مشتركة الرئيس الأمريكي ، والكونجرس ، ومجلس الأمن القومي ، ووكالة الاستخبارات المركزية ، والبتناجون (وزارة الدفاع) ، وإلى حد ما وزارة الخارجية. وبالطبع فإن هنالك دوراً بارزاً ومؤثراً لمراكز ومعاهد الأبحاث والدراسات والتخطيط ، ومراكز الضغط واللوبيات المختلفة في صياغة تلك المواقف . وفي هذا الصدد كتب الباحث الأمريكي جانيس تيرر من جامعة إسترن ميتشجين "الرأي العام تاريخياً لم يكن هو العامل المقرر في قرارات السياسة الخارجية الأمريكية ، وفي الحقيقة قلما يخفى العديد من نخبة المسؤولين العامين الازدراء لآراء الجماهير في حقل السياسة الخارجية ، والثابت أن معظم الجمهور الأمريكي ليس مهتماً بالشؤون الخارجية". غير أن تحرر السياسة الخارجية الأمريكية من قيود وتأثير الرأي العام الأمريكي ، لا يعني أنها غير مقيدة، فهنالك التأثير والنفوذ القوي الذي تمارسه الشركات الأمريكية العملاقة ، وكبار رجال الأعمال والأثرياء المتحكمين بالمفاصل الأساسية للاقتصاد الأمريكي والعالمي ، والذين يشكلون (إلى جانب شركائهم في دول المركز وتحديداً أوروبا الغربية واليابان) عملياً الحكومة الخفية التي تدير العالم في زمن العولمة ، من خلال الآليات المختلفة المتمثلة في صندوق النقد الدولي البنك الدولي للإعمار ومنظمة التجارة العالمية. حتى الأمس القريب وقبل اندلاع فصول وحلقات الأزمة الإقتصادية والمالية الخانقة في الولايات المتحدة والتي امتدت ذيولها إلى مختلف أصقاع العالم والتي هي نتيجة حتمية لطبيعة النظام الرأسمالي ، اعتبرت العولمة ، و قاطرتها الليبرالية الجديدة مرادفا للأمركة ، التي جرى تسويقها باعتبارها الملهم و النموذج المثالي لبقية شعوب وبلدان العالم ، وعن طريقها كانت الولايات المتحدة تمارس هيمنتها المادية والمعنوية في العالم ، و بما في ذلك أوربا التي اطلق عليها وزير الدفاع الأمريكي السابق رونالد رامسفيلد و أحد صقور المحافظين الجدد في ادارة الرئيس السابق جورج بوش تسمية "القارة العجوز " . غير ان هذا النموذج أو الحلم الأمريكي سرعان ما بهت وسقط على الصعيدين الداخلي والخارجي ، نتيجة تكشف الكثير من الوقائع والحقائق المريرة الدامغة . الولايات المتحدة التي تفاخر بأنها مهد الديمقراطية وقلعة الحرية في العالم ،وتسعى جاهدة إلى عولمة قيمها و وتسويق مفاهيمها السياسية والثقافية ، من خلال الربط بين الديمقراطية وحرية السوق ، تبدو في ميدان الديمقراطية الاجتماعية ، والديمقراطية الاقتصادية في أدنى درجات السلم مقارنة بالدول الغربية الأخرى ، و ونذكر هنا تفاقم دور الاحتكارات الكبرى، واتساع حدة الفوارق الطبقية والاجتماعية ، وازدياد نسبة الفقر ، وتردي أوضاع الطبقة الوسطى ، وانتشار العنف و الجريمة الفردية و المنظمة (المافيا) ، وتعاطي المخدرات على نطاق واسع . لقد اختصر جون جابي رئيس المؤتمر القاري وأول رئيس للمحكمة العليا الأمريكية المسألة برمتها عندما قال "إن من يملكون البلاد يجب أن يحكموها" ويعلق روجيه جارودي على هذا القول "النظام السياسي تماماً مثل النظام الاجتماعي صمم لكي يخدم حاجات الطبقات التي تحتكر الملكية ، فالسياسة في دوامة التسويق ولكل منصب ثمنه" وبالفعل فإن نفقات الحملة الانتخابية لعضوية الكونجرس الأمريكي تصل إلى عشرات وأحياناً مئات الملايين من الدولارات ، أما انتخابات الرئاسة الأخيرة على سبيل المثال فقد كلفت عدة مليارات من الدولارات. هذه التطورات في الداخل الأمريكي ، وعلى صعيد ميزان القوى الاستراتيجية العالمية لم تتبدل من حيث الجوهر ، حيث يظل الاتجاه الرئيس للسياسة الأمريكية هو استخدامها لكل ما في حوزتها من إمكانيات ووسائل ضغط ( القوة الناعمة ) من أجل استمرار الهيمنة والتدخل في مناطق العالم المختلفة ، ومن بينها بل وفي مقدمتها المنطقة العربية ، و دون أن تستثني إمكانية استخدام القوة العسكرية حين تستدعي الحاجة أو المصلحة الأمريكية ، لحماية مصالحها الإستراتيجية في أي بقعة في العالم ، بغض النظر عن طبيعة الإدارة الأمريكية ، وهو ما ينطبق على إدارة الرئيس الأمريكي الحالية باراك أوباما ، مع عدم إغفال وجود بعض الفوارق التكتيكية والإجرائية ، مقارنة مع الإدارات الجمهورية وخصوصا المتطرفة منها ، على غرار إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل.. تداعيات انسحاب غانتس من حكومة الحرب | #الظهيرة


.. انهيار منزل تحت الإنشاء بسبب عاصفة قوية ضربت ولاية #تكساس ال




.. تصعيد المحور الإيراني.. هل يخدم إسرائيل أم المنطقة؟ | #ملف_ا


.. عبر الخريطة التفاعلية.. معارك ضارية بين الجيش والمقاومة الفل




.. كتائب القسام: قصفنا مدينة سديروت وتحشدات للجيش الإسرائيلي