الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأدبوا في حضرة الشعب!

إكرام يوسف

2013 / 3 / 4
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


لم تكن اساءة عبد الله الأدب مع ضابط حراسة قصر أبيه محمد مرسي، مفاجئة عندما قال له "حاقلعك الميري واخليك تقعد جنب أمك"! فقد سبق وفعلها أخوه الأكبر، عندما قال لمواطن ذكر اسم ابيه مجردا من اللقب: "اسمه السيد الرئيس يا بغل"! وحتى هذه، لم تكن الأولى، فأثناء الحملة الانتخابية لأبيهما، قام اثنين من أبنائه بالتعدي على ضابط مرور استوقف سيارتهما بسبب مخالفة مرورية في الشرقية!
والحقيقة أن ما فعله أبناء الرئيس المنتخب ليس مجرد قلة أدب، أو سوء تربية، مثلما يرى الكثيرون؛ فأبناء الرئيس عينة من جماعة، قال كبيرها ذات يوم "طز في مصر واللي جابوا مصر"! كاشفا عما تكنه الجماعة من ازدراء لهذا الوطن؛ الذي يعتبرونه مجرد مطية، للتمكين والانطلاق لتكوين امبراطورية تحت مسمى دولة الخلافة!
فلا غرابة إذا أن يستهين أبناء هذه الجماعة بالشعب، الذي قفز على حكمه من لا يعرف قدره؛ ولن تكون آخر مظاهر الاستهانة بالشعب ذلك الحوار الباهت الذي تأخر عن موعده ست ساعات، كما لو أنه يحكم شعبا من "العواطلية" المغيبين، الذين لا يعني ضياع ست ساعات من يومهم شيئًا! و تكررت مظاهر عدم احترام السيد الوالد لشعبه، منذ ترك المصريين يتظاهرون في التحرير، ووقف أمام قصر الاتحادية مخاطبا أهله وعشيرته! وعندما دعا الرموز السياسية للحوار واستمع إلى رؤاهم ومطالبهم، ثم خرج بعدها ليصدر إعلانه الديكتاتوري، ضاربا بكل ما قالوه عرض الحائط! وعندما أصر على تشكيل لجنة تأسيسية من أهله وعشيرته وبعض مواليهم، متجاهلا وعده ـ عندما كان يتوسل لعاصري الليمون طالبا أصواتهم ـ بتشكيل لجنة تأسيسية توافقية! وكان إصراره واضحًا على تجاهل مطالب الثوار بالقصاص للشهداء، الذين زادوا في عهده بالعشرات، وتغاضيه عن تكرار حالات السحل والخطف والتعذيب والقتل للنشطاء، التي صارت سياسة ممنهجة لزبانية حكمه، ونكوصه عن وعده بمحاسبة مسئولي العهد السابق، واعلان رموز جماعته نيتهم التصالح مع رجال الأعمال الفاسدين، في تأكيد واضح لمقولة "المصالح تتصالح"!
لا، لم تكن قلة أدب أبناء الرئيس مع أبناء الشعب، خروجا عن نهج جماعة؛ لا تكن لشعبنا احتراما، ولا تأبه لمصالحه. فعلى الرغم من المعارضة الواسعة لفكرة الصكوك الإسلامية؛ التي رفضها حتى شيخ الأزهر ونزع عنها قناعًا دينيًا كانوا يحاولون تسويقه، أصرت جماعة الرئيس الحاكمة على تمرير الفكرة، رغما عن الجميع! ولم تعلن أية ضمانات تحمي الأصول الرئيسية للدولة! وكانت ثالثة الأثافي، عندما انكشفت نيتهم تأجير آثارنا، في استهانة، تنم عن عدم إدراك لقيمة هذه الآثار التي ترتبط بقدر ومكانة الوطن؛ وهي جرأة تصل إلى حد الوقاحة غير المسبوقة! فلم يسبق أن طرأت الفكرة حتى على عقول المحتلين، ولم يكن أحدا من المصريين ليسمح لهم بذلك.
ولم تكن وقاحة أبناء الرئيس مع أبناء الشعب خروجا على تقاليد جماعة حرصت على التعامل مع الشعب باعتباره مجرد أصوات يشترونها عند الانتخابات، بتوزيع مواد غذائية على الفقراء، أو تقديم مساعدات نقدية كانت أوعينية. فقد حرصت الجماعة طوال تاريخها على تكريس مجتمع السادة وعبيد احساناتهم، عبر استغلال كسل الأغنياء الذين يريدون التخلص من عبء الزكاة، من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن المستحقين، ربما من أقاربهم، ووجدوا في الاخوان فرصة للتخلص من هذا العبء الديني، فباتوا يدفعون إلى الجمعيات الإخوانية زكاتهم، لتتولى توزيعها على الفقراء، وتحتفظ لنفسها لنسبة العاملين عليها، وتكسب ثوابها، فضلا عن أصوات الفقراء في صناديق الانتخابات. وتحرص الجماعة على ألا تقيم بهذه الأموال الطائلة مصانع مثلا لتشغيل الفقراء، حتى لا يصبحوا قادرين على شراء مستلزماتهم من من المواد الغذائية، بكرامة ومن عرق الجبين، وإنما تصر على أن يستمروا فقراء قابعين في انتظار "حسنة" الجماعة، فيردونها لها أصواتًا انتخابية، وهكذا!
ولم يكن غريبا، حالة الغطرسة والعجرفة التي بات يتعامل بها كل من ربى ذقنًا مع بقية أبناء الشعب، منذ تولت الجماعة للحكم، حتى قال أحدهم ذات مرة "نحن أسياد البلد". ويتسق مع هذا النهج، انشغال الرئيس المنتخب بتمكين أهله وعشيرته من كافة أوصال الدولة وأواصرها، على نحو لم يلتفت معه للوفاء بأي من تعهداته في برنامجه الانتخابي، على الرغم من إصراره ـ عندما كان يتسول الأصوات الانتخابية ـ على أن "البلد مليانة خير"، مؤكدا أن هذا الخير يكفي لحل جميع المشكلات التي يعاني منها المواطنون! وبعد فوز هذا المرشح، كرس جهده ووقته وإمكانياته من أجل مهمة واحدة "تمكين الجماعة" توطئة لإنشاء إمبراطورية الخلافة! حتى لو كان ثمن ذلك عقد صفقات مع الولايات المتحدة ـ التي اتهموها سابقا بمحاربة الإسلام ووصموا مخالفيهم بالعمالة لها ـ والتعهد بالحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، الذي صدعوا رؤوسنا بشعارات معاداته، بداية من "خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود" إلى ""عالقدس رايحين شهداء بالملايين". لكن هذه الشعارات ذهبت أدراج الرياح، بعدما اتضح للجميع أن مصادقة الأمريكان وحماية أمن الكيان الصهيوني ثمنا مقبولاً في سبيل تمكين الجماعة، ولا يهم في سبيل ذلك سحل المصريين وتعريتهم وانتهاك أعراض الرجال والأطفال، وخطف النشطاء وقتلهم، فالولايات المتحدة لا تلوح بورقة حقوق الإنسان ولا يشغلها حال الحريات في الأنظمة الموالية لها، إلا عندما تكون بصدد فرض إملاءات يتقبلها الحكام العملاء برحابة صدر، ويهرولون إلى تنفيذها، فتتوقف واشنطن عن التلويح بهذه الورقة وتعود إلى إغماض عينيها.
وهكذا، تهتم الجماعاة بمراعاة خاطر ومشاعر كل من يساعد على التمكين بداية من الشيطان الأمريكي الأعظم، الذي لم يعد أحد يتحدث عن محاربته للإسلام، والكيان الصهيوني الذي صار رئيسه "الصديق العظيم"، حتى أن الرئيس المنتخب يقبل أن يصف نفسه ـ في سابقة لم يفعلها رئيس مصري من قبل ـ "بالصديق الوفي" للصهيوني بيريز! وصولا إلى ممالأة الحكومات الإقليمية الحليفة لواشنطن والكيان الصهيوني، وجعل أصول الدولة وتراثها ملك يمين كل من يساعد في خطة التمكين. ومن ثم لن أستبعد أن يخرج علينا واحد من الأهل والعشيرة في مجلس الشورى أو البرلمان، باقتراح تغيير مسمى رئيس الجمهورية إلى "خليفة المسلمين" أو "أمير المؤمنين"،وطظ في مصر واللي جابوا مصر! فهل يكون غريبا إذا أن يتعامل أبناء الرئيس المنتخب مع الشعب، بالمزيد من قلة الأدب والحياء؟
غير أن هؤلاء، كبقية الطغاة المصابين بمتلازمة الغباء المصاحب للكرسي، لا ينتبهون إلى أن صبر هذا الشعب العظيم، ينفد في لحظة لا يتوقعها الظالمون؛ وعندها سيكون حسابهم عسيرا. فسارعوا إلى التأدب في حضرة هذا الشعب، وإلا لن تلوموا إلا أنفسكم عندما يحين أوان دفع الثمن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: اليمين المتطرف يتصدر الاستطلا


.. فرنسا: هل يمنع حزب التجمع الوطني مزدوجي الجنسيات من الولوج إ




.. هل يعتمد ماكرون استراتيجية تشوية اليسار في الدورة الأولة للت


.. مظاهرات بتل أبيب والقيسارية ضد نتنياهو هي الأضخم منذ بدء الح




.. الناصرية 1 حزيران 2024 - مشاركات الحضور - ندوة سياسية لمنظم