الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيش مصر يكبح جماح العثمانيين الجدد

مهدي بندق

2013 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


بعد مناورات تمهيدية ، تمثلت في زيارات واستقبالات ومماحكات تتلمظ على لحم مصر ؛ أطلقت تركيا على لسان سفيرها بالقاهرة حسين بوصطالى بالونة اختبار جديدة : تقترح تخفيض ميزانية الجيش المصري لمساعدة الدولة كي تجتاز محنتها الاقتصادية الحالية !
بالونة الاختبار تلك ما لبثت حتى انفجرت في وجه مُطلقها إذ تلقى رداً عنيفاً من قيادة الجيش المصري التي اعتبرت هذه التصريحات تدخلا في الشئون الداخلية المصرية مرفوضاً شكلاً وموضوعاً، ، موضحةً أنه ليس من حق أحد التحدث عن أوضاع القوات المسلحة؛ بحسبانها مسائل تخص الأمن القومي المصري، وليس لتركيا أو غيرها حتى أن تشير إليها من قريب أو بعيد ، "مقترحة " على " سعادة " السفير أن يراجع تصريحاته، وأن يكون حذراً فيما يقول، فالجيش المصري يرفض بشدة هذا النوع من المهاترات .
والجدير بالتسجيل هنا أن كافة القوى الوطنية في مصر قد أعربوا عن ارتياحهم لهذا الرد الصارم من جانب المؤسسة العسكرية، الأمر الذي يؤكد التفاف الشعب جميعاً حول جيشه العملاق واعتزازه بمواقفه القويمة .
فهل حدث أن السفير التركي قد راجع نفسه فعلاً رغم خروجه على الكافة بنفي رسميّ لتلك التصريحات ؟ لنتأمل معاً ما جاء بنص ذلك النفي الذي يزعم أن السفير لم يقل سوى " أنه يجب على مصر توفير الاعتمادات للتعليم، والصحة وتخفيض نسبة الفقر، ولكن أين نقف، وأين الحد ؟ الحد هو الأمن الوطني.. الأمن الوطني موضوع حساس، وله الأولوية، كما أنه أيضا يجب أن يشمل الالتزامات الإقليمية والدولية للدول بناء على سياساتهم الخارجية " أ.هـ .
هذا النفي في ذاته لم يمح شبهة محاولة التدخل في الشئون المصرية ، بل لعله أكدها! فالقصة إذن في مجملها ينبغي ألا تمر مرور الكرام .. الأكمة وراءها ما وراءها كما سنفصّل في موضع تال من خلال عرض مختصر لعلاقة الطرفين التركي والمصري بعضهما ببعض ، خاصة من الناحية الإستراتيجية والعسكرية .
مثل بعض العجائز المتصابين ، تحلم دولٌ بإعادة شبابها ، الذي توهج يوماً على حساب دول أخرى تُحتـل وتُخضَع . من هذه الدول : إيطاليا التي أقسمت أن تعيد مجد روما من خلال نظام فاشستي، فما لبثت حتى ُهزمت شر هزيمة في الحرب العالمية الثانية ، بينما سلّمت المنتصرتان بريطانيا وفرنسا بأنهما بلغتا سن الشيخوخة وبأن حقائق العصر لم تعد تسمح ببقاء الاستعمار واحتلال أراضي الغير بالقوة ، فقامتا بتفكيك إمبراطوريتهما طواعية .
إلا أن بعض الدول ظلت معرضةً عن تعلم هذا الدرس دون التفات لحقائق العصر وشروطه ومقتضياته ، وهانحن نرى اليوم كيف تسعى إيران وريثة " الإمبراطورية الفارسية" القديمة كي تستعيد الأمجاد الساسانية الأسطورية تحت راية إسلامية شيعية ! ، وكذلك نرى تركيا سليلة الخلافة العثمانية - التي أسقطتها الحرب العالمية الأولى- تمشي على استحياء في شوارع العصر الأوربي / الأمريكي وهي تضمر نيتها في بعث إمبراطورية بني عثمان التي أذلت أوربا في الماضي البعيد .
ولما كانت إيران ليست موضوعنا في هذا السياق بل تركيا ، فلقد صار لزاماً علينا أن نتدارس المغزى المستتر في تصريحات السفير عباس لفضح مراد دولته من منظومة الشرق الأوسط وعلى رأسها مصر ، وهو مغزى يمكن استخلاصه مما أشرنا إليه آنفاً : التوق إلى استعادة الشباب ولو بوسائل "طبية " مصطنعة Artificial من ناحية ، ومن أخرى تقديم أوراق اعتماد مجددة ليس إلى الإتحاد الأوربي – الذي يحجم عن قبولها عضواً به – بل إلى أمريكا كي " توظفها " مشرفاً على الترتيبات المطلوبة لشرق أوسط جديد . ولم لا ؟ أليست تملك المؤهلات اللازمة ؟ ألم تكن وإلى وقت قريب صاحبة الولاية على المنطقة جميعاً تحت اسم الخلافة العثمانية ؟! هكذا راحت تركيا ( الكمالية العلمانية والأربكانية الإسلامية المعدلة بالأردوغانية المراوغة ...الخ ! ) تسأل الأخ الأكبر الأمريكي بينما هو لا يزال يساءل معطيات الموقف مراوحاً في المكان ، متحيراً مشغولاً بالبحث عن صيغة شاملة تعالج التحدي الإيراني وأزمة سوريا وتشظيات العراق ، جنباً إلى جنب محاولة درء المخاطر عن إسرائيل ، وتأمين الأنساق اللوجستية لبترول الخليج .. فضلا عن القضية الفلسطينية والمستقبل المصري المحاط بالغيوم .
فيما يخصنا نحن في هذه المعادلة الصعبة فإن أمريكا تعلم ومعها تركيا أن النظام الإخواني الحاكم الآن لا يزال في مرحلة الاختبار ، وهما معاً تدركان مدى صعوبة " أخونة " الدولة والمجتمع خاصة في ظل وجود مؤسسة وطنية ( الجيش) ذات أصالة لا غش فيها ، وتاريخ لم تشبه شبهة العمل لصالح طرف خارجيّ في يوم من الأيام . فماذا يكون الحال لو قررت أمريكا بناء حلف " سنيّ " من تركيا والسعودية والأردن ومصر كي يخوض حرباً على محور إيران الشيعية وسوريا العلوية وحزب الله الرابض في الجنوب اللبناني ؟ هل يمكن تصور انصياع الجيش المصري للنظام الأخوانيّ الحاليّ إذا ما قبل بهذا الحلف ؟
إن تركيا تحديداً ليس بإمكانها أن تنسى تجربتها مع الجيش المصري الحديث في ثلاثينات القرن التاسع عشر ، يوم اصطدمت دولة الخلافة بمصالح مصر الصاعدة – حتى وهي ولاية عثمانية من الوجهة الرسمية - فلم تتردد مصر في البدء بالمواجهة العسكرية .. تذرع باشا مصر محمد علي الكبير بخلافه مع والي عكا ، كي يدفع بابنه القائد إبراهيم لاحتلال سوريا منزلاً هزيمة منكرة بجيوش العثمانيين . ورغم استنجاد السلطان العثماني بالدول الأوربية ، واصل إبراهيم باشا زحفه نحو آسيا الوسطى ليدحر الجيوش العثمانية في معركة نصيبين 1839 مقترباً بذلك من الأستانة عاصمة الخلافة ، تاركاً ندوباً ذات " مغزى " في صميم الكبرياء العسكري التركي .
إن التاريخ لا يكرر نفسه الحافر على الحافر ، ومن ثم فليس متوقعاً نشوب حرب بين مصر وتركيا فيما لو تبين للطرفين تصادم مصالحهما، لكن على الأقل ستظل العقيدة القتالية للجيش المصري تمثل حاجزاً يمنع التمدد " الاستراتيجي " الأمريكي ، ولجاماً يكبح جماح العثمانيين الجدد إن هم حاولوا استعادة ماضي شبابهم الضائع على حساب شباب مصر القادم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قتلة مخدّرون أم حراس للعدالة؟.. الحشاشين وأسرار أول تنظيم لل


.. وكالة رويترز: قطر تدرس مستقبل المكتب السياسي لحركة حماس في أ




.. أوكرانيا تستهدف القرم.. كيف غيّرت الصواريخ معادلة الحرب؟| #ا


.. وصول وفدين من حماس وقطر إلى القاهرة سعيا لاستكمال المفاوضات




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - وفد من حماس يصل إلى القاهرة لاستكم