الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحداث جامعة البصرة، خطوة نحو الأستبداد

نجيب المدفعي

2005 / 4 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


وقف الطفل أمام الدكان متحيرا في شراء شيء بالمبلغ البسيط الذي كان في يده، فطلب علكة. و كم كانت دهشته عندما نهره البائع مقرّعا إياه و واصفا العلكة (بالحرام). لم يحاول الطفل فهم السبب بل أطلق ساقيه للريح فرارا من غضب البائع الذي راح الشرر يتطاير من عينيه لهذا الطلب (الغير شرعي).

كنت أنا هذا الطفل، و الحادثة مضت عليها عقود من السنين. كنت في حينها في زيارة ـ صحبة والدي ـ لبعض معارفنا في أحدى المناطق ذات الأغلبية "الشيعية"، و كان الوقت هو أيام عاشوراء. حكيت لوالدي ما حصل لي مستفسرا عن السبب الذي يجعل العلكة ـ التي طالما اشتريتها ـ حراما. و لا أذكر الآن التفسير الذي قدمه لي في حينها. و لكنها كانت صورة أولى من صور الأستبداد و القمع.

و تكرّ ُ السنين، و ذات يوم برز في حيينا صندوق خشبي مهول، سكنه جمعٌ من الناس، خليط من الجنود و المدنيين. بعد الاستفسار تبيّن أنهم (حماية) لأحد قيادي انقلاب 17 تموز 1968. و كان عناصر هذه (الحماية) في غالبيتهم من أقارب هذا القيادي الذين جاءوا من الناحية التي ينحدر منها. كانت في ذاك الحين قد سادت في العالم صرعة شبابية هي (الخنافس) و قد اعتدنا على مشاهدة بعض الصبية في الحي و هم يجارون هذه الصرعة.

ذات يوم من أيام صيف 1968، كان فتى من (المتخنفسين) يسير في الشارع صحبة فتاة ترتدي أخر صرعة في مجال الأزياء النسائية. لم يرق الأمر لأفراد الحماية (القرويون) فلاحقوا الفتى و الفتاة و ضيقوا عليهما ثم اعتدوا على الفتى بالضرب و بشكل لم أكن قد شاهدته في حياتي حتى حينه. لم يعترض أحد و لم يحتج أحد على ما حصل جراء الخوف. كانت تلك بداية زحف القرية بقيمها على المدينة حتى تحول الوضع إلى (قرية تحكم العراق). و تلك كانت صورة أخرى من صور الأستبداد و القمع.

ما جعل الحادثتين أعلاه تتداعى في ذاكرتي، هو ما حصل من اعتداء على طلبة كلية الهندسة بجامعة البصرة. فهل نحن مقبلون على استبدال قرية بأخرى لتحكم العراق. إن التسربل برداء الإسلام لفرض ممارسات معينة على المجتمع من خلال إضفاء القدسية عليها، هو أمر لا يخفى على إدراك الناس. لكن السؤال الأهم هل نحن على استعداد للوقوف بوجه هذه الممارسات و أدوات فرضها، أم سنستسلم لموجة (العربان) الجديدة.

إن إقامة دولة القانون و العمل على تدعيمها و ترسيخ مفهوم القانون بين الجمهور و تشجيعهم على التصدي لمن يخرج عن حدود القانون، هو الكفيل بحماية المجتمع من تمكن أصحاب المآرب الخاصة من امتطاء صهوة السلطة و تحويلها إلى مؤسسة مقدسة لا يجوز المساس برموزها كما كانت على أيام صدام حسين في العراق و في أكثر بلداننا العربية. و بالتالي شرعنة كل ممارسات رموز السلطة مهما كانت صارخة في مخالفتها لأبسط القيم الإنسانية.

يتمترس الانتهازيون و أصحاب المصالح الشخصية و الرؤى الضيقة وراء مختلف المسميات، و في زمن غير بعيد كانوا هم (البعثيون) و اليوم يتمترسون وراء الأصولية الدينية التكفيرية بشقيها (السُـني و الشيعي). و إن كانوا قد نجحوا في الوصول إلى تولي السلطة في البصرة بالقانون، فعليهم أن يثبتوا أنهم أهلٌ لحماية القانون وفرض سلطته، و أن يتنصلوا مِـن كل مَـنْ يدّعي أنه يمثلهم و يعتدي على الناس. قد يكون من حق السادة في التيار الصدري أن يفرضوا على النساء في البصرة رداءا يمنع عنهن حتى الهواء أو سلوكيات اجتماعية معينة، ولكن ليكن هذا من خلال تفعيل سلطة القانون و سن التشريع الذي ينظم هذا الأمر، لا أن يترك الموضوع لاجتهادات شخصية تتحكم بها الأهواء و الأغراض. و ما الضير لو حاولوا الاستفادة من التجربة الإيرانية، حيث هي مرجعيتهم. ففي إيران يتم إشعار الوافدات إلى تلك البلاد بنوع الملابس المقبولة فيها و العقوبات القانونية المترتبة على عدم الالتزام بها. أي إن الموضوع يطبق بالقانون، لا بالقتل كما حصل في البصرة.

و الحل الذي اتبعه الصدريون في البصرة يجعل الناس تخافهم و لكن لا تحترمهم، و تتحين الفرص للإيقاع بهم و الاستعانة بالغريب عليهم. و حال صدام حسين ليس ببعيد على كل لبيب و كان من الذين يعقلون. و بافتراض استمرار اللعبة الديمقراطية في العراق يكون السؤال (هل إن الصدريين بغير حاجة لأصوات الناخبين؟). إن نظام السوق الحر يتطلب منك عرض بضاعتك بأفضل طريقة لاجتذاب الناس إليها. و هو أمر ينسحب على الساحة السياسية، فكيف للتيار الصدري أن يجتذب الناخبين لبرامجه السياسية إذا كانت هذه الصورة القمعية هي بعض مما يقدمه من خدمات للمجتمع.

إنّ شكل الدولة و نظامها لا يجوز فرضه بالقوة ففي ذلك تنفير للقريب قبل الغريب، و بالتالي يكون بناءها قابل للتقويض عند أولى الملمات. دعونا أيها السادة نبني وطنا نحسّ ُ بانتمائنا إليه، و امتلاكنا له بشكل مشترك و لا ينفرد بتملكه صدّاميون أو صدريون أو تكفيريون...الخ. وطن يحفظ كرامة أبناءه لكي يستحق أن يُخدم.

وكلمة عتاب للقوى الديمقراطية و الليبرالية التي آثرت السكوت. يا سادة إن سكتم اليوم فسيأتي الدور عليكم غدا، و هي نفس خطوات صدام حسين الذي فرض ديكتاتوريتا أوصلت الناس إلى حد الكفر بالثوابت الوطنية و تسليم الوطن للاحتلال عن طيب خاطر.

على مدعي الإسلام أن يتخلقوا بأخلاق الإسلام و أن يكونوا منصفين. فمن لا أخلاق له لا قدرة لديه على الإنصاف، و أن تكون منصفا يتطلب منك أن تكون عادلا و العدل يستلزم الانتصار على الكراهية. و اختلال العدل يقود إلى اختلال الضمير. كونوا صادقين مع أنفسكم و مع أتباعكم و مع الشعب. ارحمونا يرحمكم الله، لا نريد ديكتاتورية جديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحت غطاءِ نيرانٍ كثيفةٍ من الجو والبر الجيش الإسرائيلي يدخل


.. عبد اللهيان: إيران عازمة على تعميق التفاهم بين دول المنطقة




.. ما الذي يُخطط له حسن نصر الله؟ ولماذا لم يعد الورقة الرابحة


.. تشكيل حكومي جديد في الكويت يعقب حل مجلس الأمة وتعليق عدد من




.. النجمان فابريغاس وهنري يقودان فريق كومو الإيطالي للصعود إلى