الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن المجتمع المدني والتمويل و سراندو

جمال عيد

2005 / 4 / 5
حقوق الانسان


في خضم حالة من الحراك السياسي والشعبي تهدف إلى تعديلات حقيقية وإصلاحات ديمقراطية ، تستعيد جزء من الحريات العامة والمدنية التي أهدر أغلبها في الربع قرن الأخير .

لم تجد الحكومة المصرية مخرجا لها يجنبها مزيد من الرفض لمناخ الاستبداد الذي فرضه جهاز البوليس التابع لها ، سوى اللجوء إلى ما تظنه "عصا موسى " لتشغل الشارع المصري عن استمرار مطالبته ونضاله من أجل المطالب الديمقراطية ، بافتعال ضجة جديدة حول التمويل ، أبطالها هذه المرة بعض المؤسسات التي أعلنت قبولها لتمويل قادم من السفارة الأمريكية بالقاهرة .

وعلى الرغم من رفض أغلب المؤسسات الحقوقية في مصر لمبدأ قبول التمويل من أي جهات حكومية لاسيما من الحكومة الأمريكية التي تتعاطى مع قضية حقوق الإنسان بمعايير مزدوجة ، بل ورغم أن بعض هذه المؤسسات التي قبلت بالتعاون مع السفارة الأمريكية قد بدأت تراجع موقفها . إلا أن الحملة الجديدة التي يبدو أنها معدة جيدة هذه المرة ، راحت تستخدم أدوات جديدة وتطرق ميادين لم يعهدها الجمهور المصري مثل الاتهامات بالعمالة والتحريض عبر ساحات المساجد ضد مؤسسات المجتمع المدني وفي القلب منه مؤسسات حقوق الإنسان .

وكعادة الحكومة المصرية في التعامل مع القضايا التي تثير حفيظتها ، كان الحل البوليسي المدعم ببعض وسائل الإعلام الممالئة لها هو الأسهل والعملي بالنسبة لها ، فراحت بعض الأقلام التي ترغب في كسب ود حكومة بوليسية تكيل الاتهامات وتفسح لها مساحات واسعة جعلت بعض الكتاب من المخلصين لهذا الوطن يدلون بدلوهم في قضية التمويل ، مما كان يهدد بجعل القضية الكبرى لشعب مصر والخاصة بالتخلص من الفساد والقهر الحكومي تتواري في الظل ، ليصبح بعض المال القادم من السفارة الأمريكية هو الخطر الأكبر والعدو الرئيسي لنا.

إلا أن الحملة الزائفة وهي تكاد توشك على التلاشي ، كشفت أكثر عن الرغبة المستميتة لجهاز بوليسي يحكم مصر في إبقاء الحال على ما هو عليه من فساد واستبداد ، في عالم ليس من بقاء فيه سوى لمن يقبل بقيم الديمقراطية وقبول إرادة الشعوب واحترام حقوقه .

وعلى الرغم من أن الموقف الذي يتخذه كاتب هذه السطور ضمن العشرات من المؤسسات الحقوقية في مصر ، رافض للتمويل الحكومي وبخاصة الحكومة الأمريكية ، إلا أننا نرى أن الخطر الحقيقي على أمن مصر ، ليس في مبلغ من المال قادم من هذه الجهة أو تلك ، بل أن الخطر الحقيقي هو في استمرار منهج التعذيب الوحشي الذي يمارس ضد قطاعات واسعة من الشعب المصري ، سواء في العريش أو سراندو أو أقسام الشرطة وغيرها .

الخطر الحقيقي هو معاقبة المجتمع المدني على كشفه لفظائع البوليس السياسي المسمى
بـ " أمن الدولة " في العريش وتلفيقه القضايا للنشطاء السياسيين وتعذيبهم بدءا من الصيدلي جمال عبد الفتاح مرورا بالطالب رامز جهاد ، وصولا للدكتور أيمن نور .

الخطر الحقيقي هو في استمرار حالة الطوارئ البغيضة عشرات السنين وتزوير الانتخابات كلها ، بدءا من انتخابات اتحادات الطلبة حتى انتخابات مجلس الشعب .

نعم التمويل القادم من حكومات خطرا ، لكنه لا يضاهي التمويل الخفي من حكومات عربية مستبدة سواء من العراق او ليبيا أو غيرها يستخدم لصناعة رأى عام زائف حول قضايا زائفة ، ويبتعد بالجمهور عن قضاياه الرئيسية من إصلاحات دستورية حقيقية ومطالب ديمقراطية ، بعيدا عن القمع والفساد المتفشي في كل ربوع مصر .

المجتمع المدني ليس مجتمعا من الملائكة وليس منزه عن الأخطاء ، بل أن الكثير من المآخذ تحسب عليه ، لكن هذا المجتمع المدني هو الذي سلط الضوء على الفظائع التي ترتكب يوميا في مقار مباحث أمن الدولة ، وعلى العقاب الجماعي لمدينة العريش وعلى تحالف الفساد القمع في سراندو وهو المدافع عن حقوق العمال المعرضين للتشرد ، المجتمع المدني ليس متورطا في تطبيع خفي أو مكشوف كبعض الرافعين لشعار الوطن ويروجون لرحلات سياحية إلى تل أبيب ! المجتمع المدني ليس متورطا في التعذيب ، ثم يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان .

نعم ننتقد بعض ممارسات المجتمع المدني ونحن جزء منه ، ونقبل النقد والحوار ، لكن أحرى بهذه الحكومة ومؤسساتها أن تقدم النموذج على احترام إرادة الشعب ، بدلا من قمعه وحرمانه من أبسط حقوقه ، وجعل وزرائها وضباطها طبقة أعلى من باقي الشعب .

حين يعاقب وزير الداخلية ضباطه الملوثة أيديهم بالتعذيب ولا يحميهم يمكن أن نتفهم نقده ونحاوره .

حين يحكم مجلس الشعب لصالح الشعب المصري وليس لصالح من زور الانتخابات له ، يمكن أن نتفهم نقده ونحاوره.

حين يتوقف بعض الصحفيين عن التطبيع المستتر وتزييف الحقائق وممالئة الحكم الاستبدادي ، يمكن أن نتفهم نقدهم ونحاورهم .

حين يعلن بعض المتشنجين عن مصادر تمويلهم العربي يمكن أن نقبل ونقدهم وحوارهم .

حين يعلن المجلس القومي استقالته احتجاجا عن استمرار حالة الطوارئ وتعذيب البسطاء في العريش وسراندو ، يمكن أن نقبل نقده ونحاوره .

حين يكف ترزية القوانين عن تفصيل قوانين لصالح أفراد بعينهم ن يمكن أن نتفهم نقدهم ونحاورهم .

حتى هذا الحين فليس من حق هؤلاء النقد والحوار ، وإنما هذا حق للمواطن المصري الذي نحترمه ونعمل معه كتفا بكتف من أجل مصر ، خالية من التعذيب والفساد والطوارئ وهؤلاء .
فالمواطن المصري هو الأغلبية وهو الأبقى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - استشهاد طفلين بسبب المجاعة في غزة


.. أمريكا.. طلاب مدرسة ثانوي بمانهاتن يتظاهرون دعما لفلسطين




.. وفاة 36 فلسطينيا في معتقلات إسرائيل.. تعذيب وإهمال للأسرى وت


.. لاجئون سودانيون عالقون بغابة ألالا بإثيوبيا




.. الأمم المتحدة تكرم -رئيسي-.. وأميركا تقاطع الجلسة