الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة - عبق الورد وشوكه

خيري حمدان

2013 / 3 / 6
ملف التحرش الجنسي ضد المرأة في الدول العربية - بمناسبة 8 آذار/ مارت 2013 عيد المرأة العالمي


لا شكّ بأنّ الكبت الجنسي في العالم العربي عامّة قد أدّى إلى فهم خاطئ للعلاقة ما بين الجنسين. العلاقة بين الرجل والمرأة شأن طبيعي وفيزيائي وكلّما ارتفعت وتائر الضغط الاجتماعي لوضع أطر مختلفة لتحديد هذه العلاقة قسريًا، تشوّهت أوجه تطبيقاتها لتصبح المرأة للأسف هدفًا جنسيًا وسلعة يتربّص بها الرجل بحكم موضعه الاجتماعي في العالم العربي الذي يتّسم بالرجولة، وهناك تطبيقات مماثلة في الغرب المتطور يتمثل بإجبار النساء على ممارسة رقص الإغراء وتسويق محاسن المرأة مقابل المال عدا عن الرقّ الأبيض المنتشر بكثافة، حيث تقع فتيات أوروبا الشرقية ضحايا لشبكات المافيا، التي تتمكن بدورها من جمع ثروات هائلة تفوق موازنات حكومات بأكملها، لكن يبقى القرار في نهاية المطاف بين أيديهنّ لممارسة ذلك مقابل إخضاع المرأة العربية لإرادة الرجل عن سبق الإصرار والترصّد.

العالم العربي ذكوريّ بحكم التربية والنشأة، حيث تراجع دور المرأة إلى مستوى كبير مقابل تسامي دور الرجل بغضّ النظر عن مقوماته ومؤهلاته، ويمكن لأيّ رجل في عالمنا العربي أن يسوق من خلفه ما تيّسر من النساء متسلّحًا بما حصل عليه من حقوق وأولويات، بدلا من توخّي أسس وأصول المحبة والتكافؤ مع الجنس الآخر، في الوقت الذي أثبتت فيه المرأة قدرتها على تحدّي الفضاء الخارجي وقمّة "إفرست" والفوز بالجوائز العلمية إثر الاكتشافات والدراسات التي حققت تقدّمًا حصاريًا خدم الإنسانية لعقود طويلة من الزمن، وماري كوري أكبر إثبات ودليل على ذلك. لذا فإن تراجع دور المرأة في العالم العربي يبدو أمرًا مبرمجًا عبر التاريخ، ويحتاج تعديله لجهود هائلة لإقناع طبقات وفئات المحتمع بعدم جدوى هذا النهج.

النظم السياسية على كافّة أشكالها تشارك عمليًا في ترسيخ عملية تهميش دور المرأة، وكأنّ تنشيط حضورها أمرٌ خطر قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه في المجتمعات العربية، علمًا بأنّ الدول الغربية تلجأ لتعيين رؤساء وزراء من النساء في الأوقات العصيبة والأزمات، لأنّ المرأة كما تبيّن قادرة على اتخاذ قرارات حكيمة للصالح العام، وأنوثتها ضرورية لسلامة المجتمع فهي القادرة على استمرار البشرية من كافّة الجوانب البيولوجية والمادّية. كما من الملاحظ بأنّ معدّل النساء الغارقات في الفساد المالي محدودًا مقابل الفساد الذي نجده في ممارسات الرجال المتمكنين من السلطة، لذا يصبح دور المرأة هامًا في مراحل الإنقاذ الوطني للدول المشرفة على الإفلاس والتي تعاني كذلك من عجز مالي وعدم استقرار.

الأوضاع المهينة للمرأة في العالم العربي، تعكس حالة من العداء التي يكنّها الرجل العربي للمرأة وكأن هناك ثأر قديم ودائم وعدائية غير مبرّرة تجاهها. أمّا العلاج المرجو فيحتاج إلى تغيير جذري لرفع مستوى الوعي لدى الرجل كي يقتنع بكفاءة المرأة وقدرتها على احتلال مركز متقدّم في المجتمع، وأصرّ على إدراج مفهوم القناعة لأنّ استخدام أساليب أخرى في هذا المجال غير مجدي وقد تؤدي إلى نتائج عكسية ولردود فعل عنفوية. أرى بأنّ الرجل كذلك ضحيّة لهذه المفاهيم فعدائه للمرأة يعني الوقوف في وجه الأم والأخت والحبيبة والزميلة، وهذا لن يزيد من رجولته ولن يرفع من معدلات التستيرون في شرايينه.

العلاج المرجو يتطلب آليات جديدة في التربية وتغيير أنماط الثقافة والتعليم، لأنّ التعامل المهين للمرأة يبدأ مع ولادتها وحتى اللحظة الأخيرة من حياتها إلا من امتلك ضميرًا واسعًا ووعيًا متفتّحًا، وهم ليسوا قلّة في العالم العربي. تجدر الإشارة إلى أن الفصل بين الجنسين في مراحل الدراسة المختلفة تؤدّي إلى تكريس صورة غير حقيقية عن المرأة، وتخلق لدى الرجل والمرأة حالة من الشهوة والإشتهاء الكامنة قد يتغلب عليها الرجل من خلال غزواته، لكنّ المرأة تواجه عقابًا قد يصل حدّ الموت إذا ما حاولت أن تشبع هذه الغريزة، الأمر الذي يتنافى جملة وتفصيلا مع شأن العدالة الاجتماعية في العالم العربي. لذا فإن خلط الجنسين في المدارس سيساعد على كسر هذا الحاجز غير المرئي، وسيساعد على تكامل فئتي المجتمع ونموّه وتطوره، كما سيعمل على رفع مستوى الثقافة وإيجاد الأسس التي تكفل بناء حضارة راقية تليق بإنسانيتنا.

من الملاحظ بعد تنامي الصحوة الدينية في العديد من الدول العربية، إجبار النساء على ارتداء الحجاب والملابس الفضفافة للغاية وتلفيعهن بالسواد، هذه المسالك ليست أدوات عملية لحفظ الشرف كما يدعي الكثيرون في الأنظمة الجديدة، لأنّ عمليات التحرّش بالمرأة لم تشهد تراجعًا بل ازدادت في الآونة الأخيرة، ما يدلّ على أنّ تغييب حضور المرأة يزيد من تشيئتها وتحويلها لسلعة مادية، حتى وإن كانت تملك روحًا في جسد، لأنّ هذه الروح قد روّضت عمليًا لصالح الرجولة في العالم العربي، الذي ما يزال يصرّ على إنكار حقوق المراة ويتعامل معها باعتبارها طرف قاصر وغير عاقل. أعتقد بأنّ هذه التوجهات تتنافى مع التعاليم الإسلامية وقد كانت المرأة تتمتع بحريّة أكبر خلال الحقبة الأولى من الإسلام مقابل المعاناة التي تشعر بها في الوقت الراهن، من إصرار مستمر على إجبارها للإنزواء وعدم المشاركة في المسيرة الاجتماعية والمساهمة في دفع العجلة الاقتصادية إلى الأمام.

الغريب في الأمر أن الكثير من النخب الحاكمة في العالم العربي تفضّل الصمت حيال هذا الواقع لأنّه وفي نهاية المطاف تصرّف ونهج مريح للغاية. مواجهة هذه المهانة المتناقلة عبر العقود الماضية يعني كسب غضب القبائل والفئات المتحفظة التي تمثّل الغالبية العظمى في هذا المجتمع. لذا فإنّ التغيير يحتاج لتضحيات جمّة وسوف يصاب الكثيرون بالصداع إذا ما حاولوا الوقوف ضدّ التيار الرجعي اليميني في عالمنا العربي، وقد يواجهون تحديّات وتهديدات مباشرة ضدّ حياتهم ووجودهم الفيزيائي. لكنّ رحلة الألف ميل تبدأ دائمًا بخطوة واحدة. يبقى السؤال قائمًا على أيّة حال "من يملك الشجاعة للقيام بالخطوة الأولى نحو تحرير المرأة من عبودية الرجل، ليتحرّر بذلك الرجل نفسه؟" حان الوقت لوقف أوجه ابتزاز المرأة وعدم تحميلها فوق طاقتها، بعد أن أنعم الله عليها بأجمل مسحات الطبيعة وهي الأنوثة الخلاقة، التي يسكن إليها الرجل كلّما راق له ذلك، لكن يتوجب على هذا الرجل بأن يدرك بأنّ لهذه الأنوثة حقوق ونصيب من الحرية المطلقة التي يتمتع بها ليتمكن عالمنا العربي من التخلّص من التخلّف والظلامية، وتحقيق العدالة الاجتماعية على كافة المستويات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نفس الاسطوانة
اخيل الاردني ( 2013 / 3 / 28 - 20:00 )
كثيرا ما اتسائل كلما قرأت وسمعت نفس الاغنية من نفس الاسطوانة المشروخة وهي الظلم الواقع على المرأة في العالم العربي ويكون تساؤلي هو:هل الكاتب-ة يسقط نفسيته وقهرة في حروفه ام ينظر في نفس المرآة المقعرة التي تعكس ثقافات هو ليس منها؟ام هو فعلا صادق؟؟وكثير من الصفات من هنا وهناك
ما يدعوني للتعليق هو انشغال ماسكي الاقلام في حق المرأة في القيادة او ممارسة الجنس مع من تحب واغالهم لدماءها التي تسيل في العراق وفلسطين وسوريا ,ام غض بصرهم عن عظامها التي برزت فوق جلدها في الصومال او افريقيا!!اليس حق الحياة اولى اولاً(من حيث المبدأ) من حق الجنس او الاختلاط او اللباس؟؟
يلفت انتباهي من يقول ان المجتمعات العربية والاسلامية تحارب المرأةبالسيف والعادات ,نعم لا انكر وجود بعض الدول والفئات من هذا التصرف لكني لا استطيع نسيان ان هنالك مدرسات يحملن الشهادات العليا قد اعطوني العلم في جامعتي ولا يمكن اغفال انه في كثير من الاحيان كانت المقاعد حولي تملئها الفتيات, وكيف ننكر ان هنالك من المسلمات الكثير الكثير من هي ملكة او وزيرة او معلمة او طبيبة في بلدي وفي بلدان اخرى-طبعا انا من الاردن - اذا في هذا نسف لما ....


2 - 2نفس الاسطوانة
اخيل الاردني ( 2013 / 3 / 28 - 20:09 )
....
اذا في هذا نسف لما تفضل فيه الكاتب عن ان المرأة تعيش في غياهب الجب عندنا الا
اذا اختلفنا في تعريف كلمة حرية
لاحظت ان الكتاب في هذا المجال ايضا كثيرا ما يستعملون كلمة (الكبت الجنسي) لوصف مرض مجتمعنا ,لكن لو رجعنا الى العشرينات من القرن المنصرم لوجدنا ان الراحل سيجموند فرويد قد وصف نفس المرض او الحالة للمجتمع الغربي برمته ولا زال هذا المفهوم هو ركيزة مستخدمة في العيادات النفسية حول العالم اجمع ,طبعا رغم الاختلاط وممارسة الجنس في سن مبكرة في المجتمع الاوروبي وبدون قيود في كثير من الاحيان مما يدلل ان الاختلاط ليس هو الحل الناجع في حذف الكبت الجنسي من حياتنا وذلك لأن الكاتب وغيره الكثيرون قد استخدموا هذا الربط الخاطيء,وتدلل عليه العالمة آنا فرويد والعالم ادلر بأن الحل يكمن في العفه والتقنين للجنس والاختلاط
اما بالنسبة للباس فأنا اتفق مع الكاتب بكلامه لكن في بعض الدول الخليجية ,وهنا ما يتدخل هو العادات البالية(وليست القبلية كما يشار لها وإلا لما سمعنا اي قصيدة غزل في العصر الاسلامي القديم) وحله هنا يكمن على رجال الدين والفنانين بتبيين ما هو مطلوب وغير ذلك وتقديمه بصورة حضارية جميلة


3 - 3نفس الاسطوانة
اخيل الاردني ( 2013 / 3 / 28 - 20:12 )
واود الرجوع الى مسألة الاختلاط
ولا اقصد اني ضده ..فهنالك ضرورات في التعليم والطب والقانون وغيرها..لكن؟هل نجد سبب للخيانة اقوى من الاختلاط بدون روابط وضوابط؟؟ واذا كان الاختلاط ليس معناه ان يؤدي الى الجنس-طبعا في حالة عدم وجود الضوابط-فما المانع ان يسير الناس عراه وان تنام امرأه فلان مع غير فلان وتضبط نفسها؟
تحياتي للكاتب وللجميع


4 - اين التعليق الاول؟
اخيل الاردني ( 2013 / 3 / 28 - 21:09 )
من فضلكم ,اين التعليق الاول؟

اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس