الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا كثرت التساؤلات حول سيناء ؟!

جمال ابو لاشين
(Jamal Ahmed Abo Lasheen)

2013 / 3 / 6
الارهاب, الحرب والسلام



في الماضي البعيد مثلت شبه جزيرة سيناء خاصرة مصر الشرقية منطقة تصادم حضاري بين غزاة قادمين من الشرق، وبين مدافعين عن حياض مصر خرجوا للمعركة لصد الغزاة، لذلك بقت تلك الأرض الصحراوية على مدى قرون جرداء قاحلة تلعب فيها الطبيعة دوراً إستراتيجياً في حفظ أمن مصر.

وفي العصر الحديث ومع تشكل دولة ِإسرائيل وما تبعه من حروب للوصول إلى قناة السويس والسيطرة عليها كممر مائي هام يربط غرب العالم بشرقه، حدث العدوان الثلاثي من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر في العام 1956، واحتلت سيناء في حرب العام 1967 المسماة نكسة حزيران وأقام الإسرائيليون ما عرف بخط بارليف شرق القناة وهو حائط رملي كبير يمتد على طول القناة تمركزت شرقه القوات الإسرائيلية المحتلة، وفي العام 1973 وقعت حرب أكتوبر ودمرت القوات المصرية الحائط الرملي وتقدمت للشرق من قناة السويس مشتبكة مع جيش إسرائيل لتصبح سيناء مسرحاً للقتال الذي توقف بعد تدخل الأمريكان والسوفييت، وحصل فك الاشتباك الأول والثاني، وفي تلك الحرب حظيت إسرائيل بجسر جوي أمريكي مستمر بالسلاح والعتاد، وتم إبلاغ المصريين بالتوقف لأن الحرب الآن بين السلاح الأمريكي والسوفييتي الذي كانت مصر تتسلح به آنذاك ولن تسمح أمريكا بتدمير سلاحها، وأبلغ السادات حرفياً من الأمريكان أن ثغرة الدفرسوار التي فتحها الإسرائيليون لا يمكنه ضربها لأنها حققت نوع من التوازن بعد الهجوم الكاسح الذي أبداه المصريون في تحطيم خط بارليف والتقدم نحو سيناء.

من هنا وصلت الرسالة لمصر أنها لا تحارب إسرائيل بل تحارب الأمريكان، فتوقف القتال على وعد بتحقيق الانسحاب من سيناء بالمفاوضات.

كان السادات يعتقد وقتها أنه سيحصل على سيناء والجولان والأراضي المحتلة، وسيضرب حسب تعبيره العرب الين اتهموه بالخيانة ( بالجزمة القديمة ) على حد تعبيره، إلا أنه غرق في التفاوض مع الإسرائيليين حول سيناء والمستوطنات الإسرائيلية المقامة عليها، فالإسرائيليون يدركون تماماً أنه لا شيء بدون ثمن، وأن بعض مستوطنات في سيناء كفيلة بعرقلة المفاوضات حتى تحقيق الثمن المطلوب، لقد أدرك نائب الرئيس السادات السابق والسياسي المخضرم منذ ثورة يوليو 1952 السيد/محمود فوزي وقتها المطلوب من مصر، حيث صرح للصحفي الكبير أحمد بهاء الدين بقوله " إن المفاوضات ليس على المستوطنات في سيناء، فسيناء للعلم عرضت علينا مرتين لأخذها بدون قتال مرة في عهد الراحل جمال عبد الناصر ومرة ثانية في عهد الرئيس السادات ونحن رفضنا ذلك، لأن المطلوب منا ليس أخذ سيناء بل الخروج من العالم العربي نهائياً، وأن نصبح دولة كإيران أو تركيا في المنطقة نكتفي بالشجب والاستنكار من بعيد، بل وأكثر من ذلك أن نقف من إسرائيل وأي دولة عربية أخرى على نفس المسافة، وندين حيث تتوجب الإدانة " هذا التصريح سجله الصحفي أحمد بهاء الدين في كتابه حواراتي مع السادات، وقد تحقق فعلاً ما أراده الإسرائيليون.

وفي 1978.9.17 وقعت اتفاقية كامب ديفيد بين السادات ومناحيم بيغن رئيس وزراء إسرائيل وقتها ومنذ العام 1979 وحتى العام 1989 علقت عضوية مصر في جامعة الدول العربية وتعرضت لانتقادات عربية كبيرة خلقت شرخاً كبيراً في العلاقة مع مصر خاصة وأن السادات لم ينل من عملية السلام مع إسرائيل سوى سيناء وهذا ما كان يريده ليبقى على الأقل رئيساً للمصريين الذين خرجوا عليه في أعوام سابقة للمعاهدة بمظاهرات صاخبة تندد بالغلاء والانفتاح الاقتصادي الذي أفقر الطبقة المتوسطة وسحق الطبقة الفقيرة في مصر، ومع التنازل الشديد الذي أبداه السادات خرجت سيناء حتى من مصر حيث قسمت حسب الاتفاقية لثلاث مناطق أمنية الجزء الأكبر فيها لا تملك مصر فيه سيطرة أمنية وهو المجاور لقطاع غزة.
وفي عهد الرئيس حسني مبارك بقى وضع سيناء الأمني كما هو في حين همشت تلك المنطقة من التطوير الاقتصادي والعمراني وكان المطلوب إسرائيليا وأمريكيا أن تظل سيناء مهمشة حتى لا يخلق فيها واقع ثقافي واجتماعي جديد يتطلب تمويلاً أكبر وبالتالي حقوقاً وتشريعات تحسن من المنطقة كمثيلاتها في مصر، وتم الاستعاضة عن هذا التقصير في حق سيناء وعدم إحكام الدولة يدها على سيناء بعمليات التهريب التي تتم فيها والتي صارت جزءاً من توجه البعض من أهلها لتحسين مستواهم وإشباع حاجاتهم ضمن بيئة اجتماعية وسكانية مظلومة قياساً بغيرها من المحافظات المصرية مما خلق شريحة من التجار والمهربين فيها وكانت أعمالهم توجه إما داخل مصر أو خارجها ومن ضمنها قطاع غزة الذي يقع على تماس مع رفح المصرية في ظل غياب سيطرة أمنية مصرية، ووجود تيارات مختلفة تعمل في سيناء.

واليوم تعود سيناء للواجهة، ويعود الحديث عن أمن سيناء مجدداًَ من الإسرائيليين والأمريكان الذين يراقبون الوضع فيها باستمرار بل ولديهم من المعلومات حولها ما يفوق ما تمتلكه مصر، بل وهناك تدخلات من الجيش الإسرائيلي داخل سيناء باعتراف كتاب مصريين. إن العزلة الشديدة التي أبقت سيناء طوال الفترة الماضية بعيدة عن الواقع السياسي المصري لمدة 33 عاماً، يبدو أنها ستنكسر بعد ثورة 25 يناير، خاصة وأنها عادت لتتصدر الأحداث وحديث الصالونات السياسية بل واهتمام الأمريكان والإسرائيليين الذين لم يغفلوا عنها، وعاد الإسرائيليون يهددون باحتلالها إذا لم تضبط الحدود ويتوقف تهريب السلاح إلى قطاع غزة، وإذا ما حدث شرخ في الجيش المصري .

وحالياً نلاحظ أن الغضب المصري ينصب جزءاً كبيراً منه في هذه الأيام على الفلسطينيين تحت حجة الأنفاق والتهريب، والجيش المصري يغرق تلك الأنفاق بقرار قضائي لأول مرة وبموافقة رئيس مصر محمد مرسي وصمت جماعة الإخوان هل ما يحدث سبب كاف للحديث عن أمن سيناء وخروجها عن السيطرة أعتقد أننا إذا علمنا أن مساحة شبه جزيرة سيناء تبلغ 60 ألف كم2 ونيف يسكنها قرابة 380 ألف نسمة، تضم أكبر مخزون على أرض مصر من الثروات المعدنية مثل المنجنيز والنحاس، وأنها منذ أول عملية تنقيب في 1910 تعتبر منجم البترول والغاز المصري، هذا إلى جانب أهميتها العسكرية والأمنية ندرك أن إثارة موضوع سيناء يتعدى ما نراه ونلحظه من لغط عبر الفضائيات، وأن الأمور في مصر المتدهورة سياسياً واقتصاديا قد تودي لخسارة سيناء إذا ما لم تتوفق القيادة السياسية المصرية في معالجة الأوضاع المتدهورة بسيناء، خاصة وقد أخذت على عاتقها السيطرة على التهريب من مصر للقطاع ( بتوريط أمريكي وقطري لها )، ولن يشفع لها موافقتها على أن الأعمال التي تنطلق من قطاع غزة هي أعمال عدائية ( وهو بند تم برعايتها )، وكما لن يشفع لها (إصرارها المتواصل على الالتزام ببنود كامب ديفيد ) المجحفة بحق مصر وبحق أهالي سيناء، وأن كل الأحاديث الجارية عن توطين فلسطينيين في سيناء ضمن حل إقليمي هو ذر للرماد في العيون وتحويل للأنظار عن حقيقة الأوضاع الإسرائيلية في التوسع، والتي تنتظر اللحظة المناسبة لبسط نفوذها أولاً على سيناء، وثانياً احتلالها في اللحظة التي تشعر فيها أن النظام ينهار في مصر، وأن الجيش المصري لا يستطيع السيطرة على الأمور.

فإلى المصريين أقول خسرتم سيناء أكثر من ثلاثين عاماً فلا مجال للاستمرار بذلك، فسيناء التي عاشت الحروب الإسرائيلية بحاجة أكبر للتنمية والازدهار، وبحاجة أكثر للخطط البناءة في العمران والمشاريع التشغيلية فلا يعقل أن يصبح تهريب السلاح والمخدرات جزءاً من اقتصاد محافظة لها هذا الموقع الاستراتيجي والأهمية الأمنية، كما لا يُعقل أن تتجه الأنظار للفلسطينيين كأحد أسباب ما يحدث في سيناء، والتي دوماً كانت بعيدة عن جسم مصر ، واهتمامات قادتها، فمصر خسرت بعدها الأمن الاستراتيجي جنوباً بتمزق السودان، وغرباً بتقسيم ليبيا، وليس أمامها عدا البحر شمالاً سوى أمن سيناء كآخر معقل استراتيجي لها، فهل ستحافظ عليه؟ أم ستكون آخر كماشة لخنق مصر كترتيب دولي، أم ستظل غارقة في حساباتها الداخلية تناقش القومية والأخونة وحقوق المرأة والإسلام السياسي.. الخ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة