الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنف ضد المرأة – التحرّش الجنسي انموذجاً

إبراهيم حسن

2013 / 3 / 7
ملف التحرش الجنسي ضد المرأة في الدول العربية - بمناسبة 8 آذار/ مارت 2013 عيد المرأة العالمي


يُعد العنف ضد المرأة واحداً من الانماط السلوكية البارزة في المجتمعات الشرقية، رغم انها مجتمعات تبدو اكثر التصاقاً بالدين والتدين ظاهرياً. الا انها ابعد ما تكون عن مبادئ الاديان النبيلة التي تعتنقها، في حين يبرز الغرب كإنموذج واضح المعالم من ناحية التسامح واللاعنف ضد المرأة، ورغم انه يعد بنظر الشرقيين " كافراً او ملحداً " الا انه تحدّى هذه الرؤية المؤدلجة مجسّداً افعاله وتصرفاته على ارض الواقع وليحقق تقدماً ملحوظاً في كافة المياديين. لست هنا مدافعاً عن الغرب بقدر ما هي مقارنة بسيطة عامة بين جبهتين ثقافيتين كانتا متصارعتان آيديولوجياً وعسكرياً وثقافياً.

الشرق ( أو المجتمعات الشرقية )، هي اكثر المجتمعات الانسانية عنفاً ضد المرأة، والعنف سوسيولوجياً يأخذ أشكالاً عديدة في شتى المُجتمعات تبعاً لاختلاف الاساليب الثقافية المشرعنة عرفاً وقانوناً في معالجة او معاقبة المرأة بطرائق لا اخلاقية. فهناك عنف مادي يترك آثاراً واضحة ضد المرأة من قبيل مثلا، الضرب بشتى اشكالهِ ووسائلهِ، والقتل ( غسل العار انموذجاً )، وهناك العنف الرمزي، الذي تحدّث عنه السوسيولوجي الفرنسي القدير بيار بورديو (1930 -2002)، الذي يأخذ نمط الالفاظ الغير الاخلاقية، والسب والشتائم الخ. وكذلك النظرة الدونية وحرمان المرأة من حق التعليم وحرية الرأي والتعبير عنه، ومنعها من اعتناق مذهب فكري او ديني معيّن او التدخل في القضايا المعيشية الرئيسية وعزلها ضمن برنامج عمل بيتي فقط. كذلك التحرّش الجنسي اللفظي والسلوكي والاعتداء على المرأة ( الاغتصاب ). ان كل هذه الامور وغيرها يمكن ان تندرج نظرياً تحت عنوان ( العنف ضد المرأة )، وهي تختلف من مجتمع لاخر تبعاً لاختلاف ظروفهِ وثقافتهِ ( عاداته وتقاليده واعرافه الخ).

وفي الوقت الذي يزداد العنف ضد المرأة في المُجتمعات الشرقية التقليدية بكل اشكالهِ، يتزايد التحرّش الجنسي اضعافاً مضاعفة مشكّلا بذلك النمط السلوكي الابرز ضمن انماط العنف ضد المرأة. والتحرّش الجنسي يتخذ اشكالاً وآليات عمل يتبناها الرجل في تنفيذ هذا التحرش – العنف، مستغلا بذلك ضعف القانون، او اختفاءه لعدم وجود قانون صريح يمنع من ممارسة التحرّش ضد المرأة قولاً وفعلا. فضلا عن ان طبيعة المجتمعات الشرقية من حيث كونها مجتمعات ذكورية ساهمت في تقليص مساحة الدفاع التي يمكن ان تستغلها المرأة في الدفاع عن نفسها. ووجدت المرأة نفسها في ظلم ومأزق كبيرين منذ ولادتها وكأنه قدر مكتوب عليها. فهي ضعيفة جسدياً بحكم تكوينها البيولوجي، مما يعطي للرجل فرصة ممارسة الجنس بصورةٍ قسرية مع المرأة من خلال ضربها وتهديدها وتكبيل يديها. ناهيك عن التحرّش اللفظي الفاضح وبأقبح الكلمات التي تخدش الحياء وتجرح الضمير الانساني. والغريب إن التحرّش عند الرجال – في المجتمع العراقي تحديداً – يُعد مفخرة وشجاعة بنظر الرجال – الشباب. وقد سبق للمرحوم الدكتور علي الوردي ان شخّص هذه الحالة وتحدّث عنها تفصيلاً. وقد كتب في كتابهِ " مهزلة العقل البشري " عن رأي اثار حفيظة الكثيرين، فقد قال ان الفساد والتحرش ينتشران في المجتمعات التي ينتشر فيها الحجاب وتُطبّق فيها التعاليم الدينية بصرامة. وبغض النظر عن موافقتنا للوردي او مخالفتنا له. فإن الواقع يشير الى ان المجتمعات الشرقية هي من اكثر المجتمعات تحرّشاً بالمرأة. واذا ما نزلت في بغداد، وتجوّلت في شوارعها سوف تلاحظ هذا النمط السلوكي بوضوح وببساطة. فحالما يرصد الرجل – الشاب فتاة في الشارع يلهث وراءها ناظراً اليها شزراً ومتلفظاً بالفاظ لها دلالات جنسية اباحية. تثيرني جداً هذه الحالة الغير اخلاقية، فالشباب في بغداد، اجدهم متعطّشين للجنس، وحالما تصادفهم فتاة حتى تُثار غريزتهم الجنسية وهو امر يدل على كبت جنسي وضعف في الوازع الديني وارتباك في عملية التنشئة الاجتماعية. كما تؤشر هذه الحالة على اضطراب المنظومة التربوية - البيتية في العراق، وغياب الوعي الثقافي، وانتشار العزوبية، وتقصير من قبل النظام السياسي في تشريع قانون صارم يمنع التحرّش اللفظي والسلوكي ضد المرأة. وغياب دور منظمات المجتمع المدني والقنوات الفضائية والجامعات والباحثين في مجال علم الاجتماع والانثروبولوجيا وعلم النفس من تشخيص هذه الحالة والايصاء بآليات عمل من شأنها ان تخفف مستقبلا من التحرّش الجنسي ضد المرأة.
وكما ان هناك عوامل داخلية تحفز الشاب للتحرّش بالمرأة، فإن هناك عوامل جاذبة تستخدمها المرأة قصداً او دون قصد، تجذب الرجل للتحرّش بها، مثل الارتداء الغير المعقول للملابس، كالملابس القصيرة والملابس الضيقة والتي معها تبرز كل مفاتن المرأة وملامح جسمها، ما يؤدي بالرجل بصورةٍ مباشرة الى التحرّش بها على اعتبار انها هي من عرضت جسدها امامه. ان الحديث عن العنف ضد المرأة، والتحرّش الجنسي هو موضوع معقد وشائك وفيه الكثير من التفصيلات، ويحتاج الى دراسات سوسيولوجية وانثروبولوجية من خلال مجموعة باحثين، يلتزمون هذه القضية بدعم من الوزارات المعنية ( وزارة التعليم – وزارة العمل والشؤون الاجتماعية – وزارة العدل – وزارة المرأة – وزارة حقوق الانسان ) ومنظمات المجتمع المدني. ويتبنون منهج بحث علمي رصين في رصد وتحليل هذا النمط السلوكي والايصاء بكيفية معالجته. على أن يؤخذ بنظر الاعتبار ان هذا السلوك هو سلوك ثقافي غير اخلاقي مترسّخ في المنظومة الثقافية العراقية ويحتاج لوقتٍ طويل للقضاء عليه.

ابراهيم الساعدي
باحث في الانثروبولوجيا - بغداد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التوثيق والمعالجه لعاهات العراق ضروري لبرمجةالتقدم
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2013 / 3 / 8 - 01:39 )
تحيتي المتجددة لباحثنا الاجتماعي الشاب ابراهيم الساعدي وهو يعالج واحدة من سلبيات التخلف الاجتماعي في بلادنا
ان التصدي لمثل هذه المواضيع من قبل الاكاديميين والكتاب يعتبر ايفاء بالتزامهم امام مجتمعهم المحتاج للعقل والفكر النيرين المتسلحين بالعلموالمعرفة وانني اشدد على ضرورة الاستفادة من المجتمعات والبلدان الناجحة خصوصا في اوربا واميركا

اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و