الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أشبعناه سبا و فاز بالابل

نزار جاف

2005 / 4 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


المسؤولية في الشرق(المسلوب الرأي و الارادة) حسب التعبير الرسمي الطنان الذي لابد من التمشدق به هو: تشريف و ليس تکليف. والمسؤول في هذا الشرق المتخم بقيض الاستبداد، له ثلاثة مراحل لابد له من المرور بها ولکل حالة من هذه الحالات مميزاتها و طابعها الخاص بها. المرحلة الاولى "قبل تسلم مهام المسؤولية"، يکون لهذا الانسان سمات خاصة يتفرد بها من حيث مثاليته و عصاميته و إخلاصه و تفانيه في سبيل وطنه و عمله. هذه الهالة ترافق کل مسؤول في البلدان ذات الاستخدام المزدوج للقانون(حيث يعزف به في النهار و يعاقب به ليلا) عشية تسنمه لمنصبه الحساس. في المرحلة الثانية، عند تسلم المنصب، يدرک هذا المسؤول "بفطرته الثاقبة" أنه لابد من أن ينضو عن ذاته دثار المثالية و العصامية أمام "ولي النعمة" ويغدو ضمن إطار خاص يختلف بالمرة عن إطاره السابق. أما في المرحلة الثالثة، حيث يکون المسؤول خارج إطار المسؤولية، عندها يغدو حکيما ذو نزعة فلسفية تداف في الخط العام لکلامه في المناسبات و غيرها "إن إقتضى الامر". هذه المراحل الثلاث تذکرتها و أنا أطالع مقالة السيد أحمد ماهر(وزير الخارجية السابق في مصر) و المنشورة في الشرق الاوسط و التي يقدم خلالها نصائح عديدة للرئيس الامريکي بوش بخصوص تحسين الصورة الامريکية بالسياسة لا بالدعاية"حسبما جاء في عنوان المقال". ولامناص من الاقرار أن السيد ماهر قد أجاد في مقاله إصابة کبد الحقيقة في أکثر من مضمار، والحق أنه قد ظهر في کثير من کلامه بمثابة (المجرب و الحکيم) معا في آن واحد. إلا أن الحقيقة الاکبر و الاعظم من ذلک هي واقع المنطقة و حالة التردي التي تمر بها، ولقد کانت"ولازالت" أمريکا الشماعة المفضلة التي علقت و تعلق عليها إخفاقات و حالات الاختناق التي عاشتها و تعيشها المنطقة. صحيح أن أمريکا کان لها دوما حضورا مشهودا في المنطقة، لکن الاصح کان بالامکان جعل هذا الحضور محددا أو على الاقل کان من الممکن تقنينه، کما حصل في الحالتين الالمانية و اليابانية. أن المشکلة لاتکمن أساسا في رداءة أو إيجابية الدور الامريکي في المنطقة بقدر ماتکمن في حالة إخفاق القيادات السياسية في المنطقة لخلق حالة من النهوض الاقتصادي و الفکري و السياسي و مايرافقها بالضرورة حالة من النهوض المعنوي الذي يغذي صلابة الموقف السياسي و يقويه. وقد يکون إسداء النصح مفضلا و "ضروريا" لمن هم في حاجة ماسة إليه فعلا، ولاأعتقد أن رئيسا مثل بوش "المحاط بجيش من المستشارين" يحتاج أساسا تلک النصائح" المکررة على الدوام"، سيما وأن الرئيس بوش کما يعلم أي ضليع بالامور السياسية لايتحرک من تلقاء نفسه أو بتعبير أدق لاتدفعه النزوات و حالات الغضب و الرضى التي تجتاح نفسه لإتخاذ قرارات معينة وأنما هو مجرد منفذ لإستراتيجية محددة "لفترة معينة" تمت دراستها من مختلف الجوانب. وأنا لاأشارک السيد ماهر بأن السياسة الامريکية قد فشلت في العراق، بل هي في عنفوانها و ماسيأتي سيکون هو الفيصل الذي سيحسم الكثير من الجدل السائد حولها. وکان الاحرى بالسيد ماهر أن يشير الى التجربة الامريکية في أفغانستان و التي راهن الکثيرون على فشلها، وهاهي تمضي قدما وسط حالة من اللامبالات من قبل الدوائر الاعلامية في المنطقة، إذ أن نجاح واشنطن في کابل هو في حد ذاته صدى و عمق التجربة الامريکية في العراق. ولاأعتقد أن السيد ماهر يقول الحقيقة کلها حين يذکر(فإذا أضفنا مايتعرض له "أصدقاء" الولايات المتحدة من جانبها من هجوم فيه کثير من الظلم، وتدخلها في شؤونهم الداخلية بتمويل و تشجيع نشاطات معارضة في الوقت الذي يقوم هؤلاءالاصدقاء ـ استجابة لرغبات شعوبهم ـ بحرکات إصلاح تدعي الولايات المتحدة انه متبناها) ذلک أن الاصلاح الذي يتحدث عنه لم يکن في واقع الامر"استجابة لرغبات شعوبهم" بقدر ماکان إتقاءا من عدوى الحالة العراقية و الافغانية و البلقانية قبلها. وإذا کان السيد ماهر يعترف بوجود(نشاطات معارضة) في المنطقة، فلماذا لايتم حلحلة الامور مع هذه القوى عبر" الحوار" الذي يدعو إليه واشنطن، وبهذا سوف يکون أکثر من نصف الطريق مقطوعا على واشنطن ! إن أمريکا تدرک بوضوح تام أسباب الحالة المزرية التي آلت إليها الاوضاع في المنطقة، وهي تريد أن تتلافى " مابالامکان" تلافيه من عواقب قد تکون وخيمة على کل الاطراف. ومن هنا فأن الاستراتيجية الامريکية الجديدة في المنطقة و العالم قد تجاوزت (الحالة الفيتنامية) و تخطتها الى حالة جديدة و هي مبدأ إشراک الطرف المقابل في جانب من اللعبة حيث يتسع أو يضيق المدى المسموح تبعا لطريقة و أسلوب اللعب. ولاأظن أن الامريکان بعد أن أن أزاحوا خصمهم الشيوعي من الوجود، لايعرفون کيف يجمعون خيوط اللعبة. وما يحدث في لبنان و السودان، رسالة أمريکية عملية لأصدقائها "قبل خصومها" في المنطقة، وهي "أي الحالتين اللبنانية و السودانية" قابلة للتعميم خصوصا وأن الوضع العام الذي يعج بنشاطات معارضة يحمل في ثناياه أفضل الاجواء المناسبة لمثل ذلک التحرک. وقد نجافي الحقيقة و نقلبها رأسا على عقب إذا ماظننا أن حالة التصدي الضمنية للمشروع الامريکي في المنطقة کفيلة بوضع حد لها، سيما وأن حالة التصدي هذه تنطلق أساسا من منطلق نظري بحت وفق القاعدة المعروفة أشبعناهم سبا و فازوا بالابل!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نبض فرنسا: هل يتجه المشهد السياسي نحو قطبية ثنائية على حساب


.. مقتل أكثر من 100 جندي من بوركينا فاسو في منطقة قرب الحدود مع




.. شخصيات فنية رياضية تدعو إلى منع فوز اليمين المتشدد في التشري


.. إسماعيل هنية في كلمة لأهل غزة: تضحياتكم تصنع النصر




.. البرهان يؤكد ثقته بالنصر ودقلو يتهمه بالانسحاب من المفاوضات