الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حماس وعصر ما بعد عرفات
هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية
(Hichem Karoui)
2005 / 4 / 5
القضية الفلسطينية
كانت حركة المقاومة الاسلامية " حماس" من بين الفصائل الفلسطينية التي دعت في أعقاب وفاة ياسر عرفات الى انضباط الاجهزة الأمنية مؤكدة أن هذه الاخيرة مسؤولة عن حالة الارباك التي تعيشها الساحة الفلسطينية. وقد نفى الناطق باسم الحركة في غزة مشير المصري أن يكون سلاح المقاومة جزءا من حالة الفوضى، موضحا أن "لقاءات قادة حماس مع محمود عباس لم تتطرق لوقف إطلاق النار مع الاحتلال باعتبار المقاومة حقا مشروعا و سلاحها شرعي يجب المحافظة عليه". وشدد على أن "حماس لن تتخلى عن سلاحها الشرعي وكذلك فصائل المقاومة الأخرى طالما بقي الاحتلال جاثما على أرضنا"، مضيفا أن "حماس لديها ثوابت لا تحيد عنها تتمثل في المحافظة على الوحدة الوطنية وتعزيز لغة الحوار وحرمة الدم الفلسطيني، واستمرار برنامج المقاومة كخيار إستراتيجي لدحر الاحتلال".
ويطرح هذا الموقف جملة من الاشكالات تعسر الاجابة عليها في هذه المرحلة , وإن كان لا بد لأي طرف سياسي معني بما يجري على الساحة الفلسطينية أن ينتبه اليها. وأول هذه المسائل أن " حماس" في حياة عرفات لم تكن سهلة سلسة الانقياد, فما بالك وقد غاب أهم الزعماء الوطنيين عن الساحة؟ وبالرغم من كل ما يفرقهما, فقد كان ياسر عرفات يكن احتراما كبيرا للشيخ أحمد ياسين, وهذا الاخير يبادله نفس الاحترام. ولكن رحيل الزعيمين الواحد تلو الآخر, لا يضعف الجانب الفلسطيني بقدر ما يزيد في الغموض الذي يخيم على المستقبل. فسواء في جانب "فتح" أو في جانب "حماس" , يترك ذلك الغياب المزدوج فراغا كبيرا يعسر أن يملأه زعيم من الجيل الثاني بالسرعة المطلوبة لحل المعضلات المطروحة بإلحاح. واضافة الى ذلك, فهذا الفراغ قد يعمق من الهوة الايديولوجية بين التنظيمين ويزيد في حدة التنافس والصراع بينهما.
لا شك أن عرفات بمفرده كان يستطيع أن يملأ الساحة , وكذلك كان حال الشيخ ياسين. وكانت السمعة التي يتمتعان بها تعمل في نفس الوقت ككابح لأي اصطدام كبير. ومع ذلك, فقد وقعت الصدامات , وكانت عنيفة أحيانا. وكانت الاطراف الخارجية أحيانا تلعب على تلك التناقضات لإضعاف التنظيمين. ولئن اهتم العديد من الملاحظين , قبل موت عرفات , بمعرفة مصير منظمة التحرير من بعده, فقلة هم الذين تساءلوا عن مستقبل "حماس" بعد رحيل عرفات, لأنه للوهلة الأولى لا توجد علاقة مباشرة بين المسألتين. وقد تبين الأيام أن ل"حماس" صوتا مسموعا بين الفلسطينيين, إذا لم يستطع "الفتحويون " أن يملأوا الفراغ الذي تركه زعيمهم الكبير. ويغدو السؤال آنذاك : هل ستأخذ "حماس" نشطاء "فتح"؟ والحقيقة أن هذا السؤال طرح منذ اليوم الذي راح فيه الناس يتحدثون عن قضايا الفساد داخل السلطة الوطنية. أما اليوم, فهناك معطيات جديدة يجدر أن نحلل مواقف "حماس" في ضوئها.
عودة الى التاريخ
تأسست حركة المقاومة الإسلامية، المعروفة اختصاراً باللغة العربية بـ(حماس) خلال المراحل الأولى من الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987-1993 في المناطق المحتلة، وتطورت بسرعة لتصبح أكثر المنظمات الإسلامية الفلسطينية نفوذاً والمنافس الرئيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تتسم بطابع وطني علماني. ورغم أن حماس ظهرت متأخرة كثيراً عن منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل المكونة لها فقد برزت من تاريخ يمتد لعدة عقود من النشاط الإسلامي المحلي والإقليمي.
من الواضح أن منظمة "حماس" غدت تمثل خطرا على الوضع الذي تريد اسرائيل خلقه في الضفة الغربية وغزة. لماذا "حماس" وليس "الجهاد الاسلامي" مثلا , أو "الجبهة الشعبية" أو "فتح" ؟ لأن "فتح" جزء من "الوضع الراهن" الذي خلقه سياق أوسلو, فرؤساؤها هم من وقع الاتفاقيات مع اسرائيل, وهم الى هذا الحد أو ذاك مسؤولون عن الاخفاق, الى جانب اسرائيل طبعا. أما "الجهاد" و"الشعبية" وغيرها من الفصائل, فهي منظمات صغيرة , لم تصل قط الى التأثير الذي بلغته "حماس" في الشارع الفلسطيني في غضون سنوات قليلة من نشأتها وبروزها على الساحة. ومن ثم, فإن "حماس" هي اللاعب الذي اصبح بإمكانه أن يملي شروطه على اللاعبين الآخرين , أو أن يفسد اللعبة ويمنعها. ولم يكن من الغريب والحال هذه أن يستهدف زعماء "حماس" بالاغتيال من طرف اسرائيل, فيما بقيت الولايات المتحدة تتفرج بسلبية على هذه التصفيات, بعد أن وضعت "حماس" في خانة "المنظمات الارهابية الاجنبية ".
الغريب أنه مع كل ما يقال عن "حماس" وبالرغم مما تتهم به, فإن شعبيتها في تصاعد وليس في هبوط, حتى أن بعض التقارير الدولية الحديثة تقول انها تمثل على الأقل خمس المجتمع الفلسطيني.
تمتد جذور حماس إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1928، وهي منظمة التزمت بالكفاح ضد السيطرة الأجنبية وأسلمة المجتمع على أساس المذهب الإسلامي السني، واعتبرت فلسطين بؤرة إقليمية لأجندتها، وعملت منذ الثلاثينات من القرن الماضي على تأسيس وجود لها هناك. وفي عام 1945 أسست أول فرع لها في مدينة غزة ثم فتحت مكتباً في القدس في السنة التي تلتها.
لعبت جماعة الإخوان المسلمين دوراً علنياً في حرب استقلال إسرائيل حيث أرسلت العديد من المتطوعين المسلحين، وبشكل خاص من مصر، للقتال إلى جانب الفلسطينيين عندما تبنت الأمم المتحدة القرار 181 الخاص بتقسيم فلسطين بين دولتين يهودية وفلسطينية في نوفمبر (تشرين ثاني) 1947، وذلك قبل وقت طويل من تدخل الجيوش العربية النظامية في مايو (أيار) 1948. وقد حظيت مشاركتها، باعتبارها المساندة غير النظامية الرئيسية، بالإعجاب مقارنة بما شاع عن خيانة وعجز الدول العربية مما رفع من شأنها في أوساط الفلسطينيين العاديين.
في أعقاب تأسيس إسرائيل وتشكيل الضفة الغربية وقطاع غزة ككيانات منفصلة تحت حكم الأردن ومصر على التوالي، تم بالمثل تقسيم الفرع الفلسطيني حيث سلكت مسارات تطور متمايزة حتى عام 1967.
احتفظت جماعة الإخوان المسلمين بهوية مستقلة في قطاع غزة تحت الحكم المصري رغم أنها كانت متأثرة مباشرة بكفاح الفرع المصري ضد القوات البريطانية في منطقة قناة السويس ونظام الحكم الوطني برئاسة جمال عبد الناصر الذي فرض حظراً عليها عام 1954. امتدت الحملة المصرية لاجتثاث جماعة الإخوان المسلمين إلى قطاع غزة حيث اضطرت الحركة إلى النزول تحت الأرض وتم اعتقال العديد من الناشطين أو إرغامهم على مغادرة المنطقة.
خلال الخمسينات المتوترة في القرن الماضي وخصوصاً في إطار الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة خلال أزمة السويس عام 1956 قام الناشطون المحليون لجماعة الإخوان المسلمين بغارات عبر الحدود ضد القوات الإسرائيلية. وقد أكسب انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 1957 الجرأة لدى القادة والأفراد من المقاتلين مثل خليل الوزير (أبو جهاد)، المؤسس المشارك لمنظمة التحرير الفلسطينية مستقبلاً (فتح) لاقتراح قيام جماعة الإخوان المسلمين بتأسيس قوة مقاتلة غير نظامية لمواصلة الهجمات ولكن قيادتهم خذلتهم. وإذ انقشعت الأوهام عنهم طفقوا يبحثون عن ملاذات أخرى فانتقلوا إلى القاهرة وبعد ذلك إلى الخليج حيث شكلوا نواة القيادة التأسيسية لحركة فتح وقاعدة تجنيدية هامة. وفي قطاع غزة واصلت مصر قمعاً منهجياً للجماعة، وتم اعتقال الشيخ أحمد ياسين، الذي سيصبح فيما بعد المؤسس والقائد الروحي لحركة حماس، عام 1965.
بدايات اصلاحية
كانت الظروف تختلف بشكل واضح في الضفة الغربية التي ضمتها الأردن عام 1950، فقد تم استيعاب الفرع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين وبقي جزءاً من حركة موحدة تابعة للقيادة في عمان لفترة طويلة بعد عام 1967م. عملت جماعة الإخوان المسلمين طيلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي كمعارضة موالية تدعم نظام الحكم الملكي الهاشمي، رغم اختلاف السياسات، وذلك في إطار مواجهتها للقوى الوطنية اليسارية. وباعتبارها حزباً سياسياً مشروعاً فقد شاركت علناً في الحياة السياسية وخاضت جميع المعارك الانتخابية.
إلا أن الهيمنة التنظيمية، سواءً في الضفة الغربية أو قطاع غزة خلال الفترة بين عام 1948 و1967، كانت حكراً على الحركات القومية واليسارية التي كانت تدعو إلى الخلاص الثوري من خلال القومية العربية والاشتراكية، وهي مفاهيم استحوذت على الخيال الشعبي بسهولة أكثر من المفهوم الإسلامي المتضمن، فيما يبدو، لمفارقات تاريخية. وفيما ابتعدت جماعة الإخوان المسلمين عن السياسة واتخذت بشكل متزايد مواقف إصلاحية، فقد امتنعت عن المشاركة في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 أو السعي لدور ضمن حركة فتح، الأكثر نشاطاً وثورية.
وكان احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين قليل الأهمية، فقد بقي تركيزها على (الدعوة) ، بدلاً من الجهاد (الكفاح). وقد سعت عن طريق التثقيف الديني بشكل خاص، "لبث الإسلام الحقيقي في روح الأفراد" وبعث "نهضة إسلامية" يقودها جيل جديد. لم يكن توجهها صدامياً. كان إصلاحياً وليس ثورياً.
مع ذلك، فإن قيادتها لم تتجنب العمل التنظيمي فقد قامت خلال عقدين ببناء مساجد عديدة وأسست شبكة من المؤسسات الاجتماعية واتخذت أولى الخطوات المترددة في اتجاه النشاط السياسي الذي أدى في نهاية المطاف إلى بروز حركة حماس.
فيما بين عامي 1967 و1989 زادت الحركة عدد المساجد في المناطق المحتلة بأكثر من الضعف من 650 إلى 1350، بإدارة مباشرة وبالتالي باستقلال عن المؤسسة الإسلامية، وكانت المنابر الجديدة ساحة مثالية للدعوة. وبدأ بناء المؤسسات بصورة جدية خلال عقد السبعينات من القرن الماضي حيث قامت جماعة الإخوان المسلمين أولاً بإنشاء الجمعيات الطلابية الفرعية والتي هيأت لها موطئ قدم في الجامعات التي كانت حتى أواخر ذلك العقد حكراً على منظمة التحرير الفلسطينية والشيوعيين. داخل الكليات والجامعات -خصوصاً الجامعة الإسلامية في غزة (التي تأسست عام 1978 وأصبحت تحت سيطرة الحركة عام 1983) - قامت الحركة بتجنيد وتعليم وتعبئة جيل كامل من النشطاء الذين برزوا فيما بعد كأكثر كوادر الحركة فعالية والتزاماً. ثانياً، قامت الحركة بإنشاء شبكة من منظمات الرعاية الاجتماعية الإسلامية أبرزها مجموعة المؤسسات المعروفة باسم (المجتمع الإسلامي) في خان يونس وكانت بقيادة الشيخ أحمد ياسين عند تأسيسها عام 1973، واستطاعت الحركة من خلال هذا المجتمع ونشاطاته الخيرية بناء علاقات مع الناس العاديين في المجتمع الفلسطيني، خصوصاً المجموعات الاجتماعية المهمشة، وتعزيز مكانتها.
ينبغي النظر إلى التسييس التدريجي للإخوان المسلمين، الذي حدث خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي، في سياق الأزمة المتنامية للحركة الوطنية الفلسطينية بعد طردها خارج لبنان عام 1982، والبروز الإقليمي للتطرف الإسلامي في أعقاب ثورة عام 1979 في إيران والتشجيع الذي تلقته الحركة بعدة طرق من قبل السلطات الإسرائيلية, التي كانت في البداية تراهن عليها لاضعاف منظمة التحرير الفلسطينية. كما أن انشقاق عدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين تحرروا من الأوهام خلال هذه الفترة لتأسيس حركة الجهاد الإسلامي الثورية المعلنة كان أيضاً عاملاً هاماً.
ورغم أن حماس كانت قد تأسست فقط في بداية الانتفاضية التي تفجرت في ديسمبر (كانون أول) 1987 فإن التحول من حركة إصلاحية إلى منظمة عسكرية كان قد بدأ في السنوات السابقة عندما بدأت الحركة تشارك بصورة أكثر انتظاماً في النشاط السياسي بما في ذلك عدة إضرابات ومظاهرات ضد الاحتلال ومصادمات مع اليساريين الفلسطينيين. كما أنها بدأت بإنشاء بنية تحتية عسكرية متواضعة. ففي عام 1984 كان الشيخ أحمد ياسين أول قادة الإخوان المسلمين الذين يتم اعتقالهم "بتهمة حيازة أسلحة وتخطيط عمليات عسكرية" وتم الحكم عليه بالسجن لمدة 13 عاماً ولكن تم إطلاق سراحه في العام التالي في إطار عملية تبادل أسرى. وطبقاً لإسماعيل أبو شنب المؤسس المشارك للحركة في إحدى تصريحاته قبل فترة قصيرة من اغتياله في 21 أغسطس (آب) 2003 فإن: "الفترة بين عام 1983-1987 شهدت مرحلة الاستعدادات المباشرة لمقاومة الاحتلال، بما في ذلك الكفاح المسلح، وأن الشيخ أحمد ياسين قام بالدور القيادي في ذلك وبشكل مستقل عن جماعة الإخوان المسلمين".
التأسيس والانتفاضة
من وجهة نظر حماس، فإن تأسيسها المفترض في 7 ديسمبر (كانون أول) 1987 -وهو اليوم الذي سبق تفجر الانتفاضة- يرمز إلى العلاقة العضوية بين بروز الحركة الإسلامية والثورة الشعبية في سائر أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة. المعنى المتضمن في ذلك أنه ما كانت لتكون هناك انتفاضة فلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي دون حماس أو على الأقل أن الحركة الإسلامية ظهرت نتيجة لقرار مدروس من قبل الإسلاميين لإطلاق وإدامة الانتفاضة ثم تولي قيادتها، إلا أن الفصائل الفلسطينية المنافسة تخالف هذه النظرية بشدة. كما أن محللين مستقلين ممن يرون أن الانتفاضة كانت عفوية وليست نتيجة لتخطيط قد أعربوا أيضاً عن شكوكهم بهذا الصدد.
يبقى تاريخ تأسيس حركة حماس موضع خلاف , ويعتقد بعض الباحثين بأن أول منشورات لها قد ظهرت في منتصف كانون الاول 1987 في حين يرى آخرون أنها ظهرت في أوائل عام 1988. والراجح أن حماس تأسست في فبراير (شباط) 1988. وفي حين أن عوامل عديدة قد أسهمت في اتخاذ القرار إلا أن الضغوط المتنامية من صفوف الأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين على قيادتهم للمشاركة في الانتفاضة إضافة إلى الذكريات القريبة حول انشقاق الكوادر المتطرفة في أوائل الثمانينات لتشكيل جماعة الجهاد الإسلامي كانت دون شك من بين العوامل الهامة. كما قيل بأن حماس قد تم تأسيسها أصلاً ليس لتحويل جماعة الإخوان المسلمين إلى منظمة عسكرية، بل لحمايتها من العواقب المحتملة إذا فشلت المبادرة أو وصلت الانتفاضة إلى نهاية مبكرة.
مع ذلك فإن انتفاضة 1987-1993 شكلت الإطار الذي برزت فيه حماس كقوة سياسية رئيسية. وكانت إحدى ميزاتها الهامة أنها، مثل الشيوعيين وخلافاً لفتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية الأخرى، تشكلت من عناصر نشأت في الضفة الغربية وقطاع غزة حيث كانت قيادتها وأفرادها جميعاً فلسطينيون يقيمون في المناطق المحتلة وكان تواجدها النادر في المنفى خلال تلك السنوات يعني أنها لم تكن مضطرة دائماً لتوفيق مصالحها مع مصالح دول عربية أو الجاليات المقيمة في الشتات.
كان مجرد وجود حماس كمنظمة إسلامية ترفض الوطنية العلمانية يشكل تحدياً مباشراً لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولم يعد هناك مفر من المنافسة الفعلية العلنية بعد أن رفضت حماس بازدراء القيادة الوطنية الموحدة التي قادت الانتفاضة نيابة عن منظمة التحرير الفلسطينية واختارت انتهاج أسلوبها الخاص بها عن طريق الإضرابات والمظاهرات والنشاطات الأخرى التي شكلت الدعامة الرئيسية للثورة.
كانت المواجهة المحلية الرئيسية لحماس مع حركة فتح التي كانت تسيطر على منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية الفلسطينية والتي كانت تنأى بنفسها تقليدياً عن الدوغماتيه العقائدية لكي يكون بوسعها استيعاب قطاع سياسي عريض بما في ذلك الإسلاميين. واتخذ الخلاف صبغة رسمية نتيجة لاجتماع المجلس الوطني الفلسطيني، وهو برلمان منظمة التحرير الفلسطينية، في نوفمبر (تشرين ثاني) 1988 في الجزائر. لكي يستثمر المجلس الوطني الفلسطيني إنجازات الانتفاضة وفك ارتباط الأردن بالضفة الغربية واستجابة لضغوط دوائر فتح في المناطق المحتلة وقيادة ياسر عرفات في تونس لوضع برنامج سياسي براغماتي واضح، فقد أعلن قيام دولة فلسطينية وصادق رسمياً على تسوية تقوم على أساس دولتين، وبذلك اعترف بإسرائيل وتنازل عن الأراضي الواقعة فيها قبل حدود عام 1967.
كانت حماس، حتى قبل انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني قد أدانت اقتراحات مماثلة أطلقها فيصل الحسيني، كبير ممثلي فتح في القدس، واعتبرتها "طعنة في ظهر أطفال الحجارة". وكانت قد أعلنت ميثاقها التنظيمي الذي تضمن برنامجاً متشدداً يطالب بالحدود القصوى وذلك في أغسطس (آب) 1988 في الوقت الذي كانت قد بدأت فيه المداولات الداخلية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبعد أسبوع من قرارات المجلس الوطني الفلسطيني أعرب الشيخ ياسين عن معارضته الشخصية لها.
النشاط العسكري
في عام 1989 بدأت حماس عدداً محدوداً من الهجمات المسلحة ضد القوات العسكرية الإسرائيلية خصوصاً عمليات اختطاف وقتل جنود إسرائيليين داخل إسرائيل. كانت هذه الهجمات، باستثناء حادث منفرد قامت به منظمة التحرير بإطلاق النار على جندي في بيت لحم في ديسمبر (كانون أول) 1987، هي الأولى من نوعها خلال الانتفاضة. أعلنت إسرائيل فوراً تقريباً، في مايو (أيار) 1989 أن حماس منظمة إرهابية وخلال الأشهر التالية تم اعتقال الشيخ ياسين، وهو مقعد مصاب بالشلل منذ طفولته، واعتقل معه عدد آخر من قادة وناشطي حماس. وأبقت إسرائيل على "خطوط اتصالات مفتوحة" مع حماس حتى أواخر عام 1989 وذلك بصورة رئيسية عن طريق استدعاء قادتها لاجتماعات دورية ومقابلة المعتقلين. واستمر هذا الوضع حتى يناير (كانون ثاني) 1990 عندما أصدرت وزارة الدفاع أوامر لموظفيها بقطع الاتصالات المنتظمة وبدء حملة مستدامة للقضاء على حماس على أساس أنه لم يكن من الممكن التوصل إلى تسوية مع منظمة إسلامية "هدفها الوحيد والثابت هو تدمير إسرائيل". وشملت الأساليب المستخدمة في الحملة الاعتقالات والإبعاد والاغتيالات.
كان عام 1990 نقطة تحول بالنسبة لحماس، فبعد أن قتلت قوات الأمن الإسرائيلية سبعة عشر فلسطينياً في الحرم الشريف في القدس يوم 8 أكتوبر (تشرين أول) طالبت حماس بإعلان الجهاد "ضد العدو الصهيوني في كل مكان وعلى جميع الجبهات وبكل الوسائل". و لم تعد هجماتها المتقطعة تقتصر على العسكريين ورموز الاحتلال، بل بدأت بضرب كل هدف متاح بما في ذلك المدنيين أيضاً في المناطق المحتلة, حيث قتلت ما يزيد على عشرة إسرائيليين بين نوفمبر (تشرين ثاني) 1990 وفبراير (شباط) 1991.
مواقف مستقلة عن منظمة التحرير
كانت حماس هي المستفيد الفعلي الوحيد، بين الفصائل الفلسطينية، من حرب الخليج عام 1991. خلافاً لمنظمة التحرير، عارضت حماس بشدة غزو العراق للكويت ، ورغم أنها عارضت أيضاً الحرب التي تلت ذلك فقد قوبل موقفها باستحسان من قبل دول الخليج التي زادت بعد ذلك من معوناتها للحركة والمؤسسات التابعة لها في حين أهملت منظمة التحرير الفلسطينية. كانت المساعدات المالية من دول الخليج مصدراً أساسياً لدعم الإسلاميين الفلسطينيين منذ أيام الإخوان المسلمين (مثلما كان الحال بالنسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية)، واستطاعت حماس استخدام التمويل الإضافي ليس فقط لتعزيز نشاطات الانتماء الديني والتعليم والرعاية الاجتماعية ولكن لدعم مشروع سياسي بديل أيضاً - بالضبط في ذات الوقت الذي كانت فيه منظمة التحرير الفلسطينية تواجه أزمة مالية ومؤسسية غير مسبوقة.
عارضت حماس المشاركة الفلسطينية في مؤتمر سلام الشرق الأوسط في مدريد عام 1991. وفي الوقت الذي وصلت فيه المحادثات اللاحقة في واشنطن إلى طريق مسدود وبينما كانت إسرائيل تعزز سيطرتها على الضفة الغربية وقطاع غزة، صعّدت حماس نشاطاتها العسكرية، وساعدت في نفس الوقت على قيادة احتجاجات ضد مواصلة المحادثات مع إسرائيل، كما أصبحت خلافاتها مع فتح، خصوصاً في قطاع غزة، أكثر حدة بصورة متزايدة.
في ديسمبر (كانون أول) 1992 سعت حكومة إسـحق رابين لمواجهة تحدي حماس بالقوة، ففي أعقاب سلسلة من الهجمات على أفراد الأمن الإسرائيليين لإرغام إسرائيل على إطلاق سراح الشيخ ياسين -هجمات لم يسبق لها مثيل منذ 1987- قامت إسرائيل بإبعاد 415 من القياديين الإسلاميين والناشطين والمعتقلين والمساندين إلى جنوب لبنان. أدى هذا الإجراء إلى عكس النتائج المرجوة، وتحت ضغط الإدانة الدولية والغضب الشعبي وانتفاضة متجددة تهدد بإخراج المحادثات في واشنطن والمحادثات السرية التي كانت قد بدأت في أوسلو عن مسارهما، شعرت إسرائيل بأنها مرغمة على إعادة المبعدين في العام التالي. ولكن المبعدين الإسلاميين كانوا قد استخدموا وقتهم في جنوب لبنان لتطوير علاقات مع حزب الله الذي أسهم بتحسن نوعي في قدراتهم العسكرية. كما أن قيادة فتح اعترفت من مقرها في تونس بأنه لم يعد من الممكن تجاهل حماس، وفي يناير (كانون ثاني) 1993 دعت الإسلاميين إلى مباحثات في الخرطوم بالسودان وكان وفد فتح برئاسة عرفات.
ورغم إثارة قضايا منوعة في المحادثات، بما في ذلك انضمام حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية فقد تم التوصل فقط إلى اتفاقية لخفض النزاعات بين الفصائل في الأراضي المحتلة والتي كانت قد أصبحت تتسم بالمرارة بشكل خاص وأحياناً بالعنف.
أدى فشل إسرائيل في القضاء على حماس إلى زيادة مكانة الحركة في صفوف الفلسطينيين ورغم الإبعاد الجماعي والعمليات المستمرة ضد الميليشيات الإسلامية وإجراءات إغلاقٍ للمناطق المحتلة لم يسبق لها مثيل فقد واصلت ألوية عز الدين القسام، وهي وحدات جديدة تابعة لحماس هجماتها على الجنود والمستوطنين الإسرائيليين طيلة عام 1993. ويعتبر تصاعد الفعالية العسكرية لحماس على نطاق واسع، عاملاً مهماً في قرار إسرائيل عقد محادثات سرية في أوسلو حيث وجدت أن منظمة التحرير الفلسطينية ترغب في هذه المحادثات بنفس الدرجة في ضوء قلقها من الأزمة المالية والسياسية التي أوقعها فيها موقفها خلال حرب الخليج وتصاعد شعبية الإسلاميين.
كانت حماس طيلة الانتفاضة تقوم بغارات سياسية دائمة. وقد تمكنت حماس بفضل قيادتها للجناح العسكري للانتفاضة، وانهيار الاتحاد السوفياتي، وشل وتشظي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في المناطق المحتلة، والاعتقاد المتزايد لدى الفلسطينيين بعدم جدوى المفاوضات، تمكنت من تجاوز فصائل المعارضة الأخرى لمنظمة التحرير الفلسطينية. وفي الوقت الذي تم التوصل فيه إلى اتفاقيات أوسلو في سبتمبر (أيلول) 1993 برزت حماس باعتبارها المنافس الرئيسي لفتح. و ساعد في ذلك نمط الحياة المتواضع لقادتها والكفاءة المهنية للمؤسسات الإسلامية بالمقارنة مع المؤسسات التابعة لمنظمة التحرير إضافة إلى بساطة ووضوح رسالتها.
أوسلو كطريق مسدودة
في اليوم الذي أبرمت فيه إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاقهما في حديقة البيت الأبيض أعلنت حماس في بيان جماهيري لها "رفضها التام" لاتفاقيات أوسلو. وعلى الرغم من إدانة حماس الحادة "للاستسلام" لإسرائيل فإنها كانت تواجه مأزقاً جدياً. كان التأييد الواسع لاتفاقية أوسلو في الضفة الغربية وقطاع غزة يعني الإشادة بوطنية ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، والأهم من ذلك خطورة تحول الرأي العام ضد أي جهة تعمل على إفشال العملية خصوصاً إذا كان من شأن عمل كهذا إطلاق صراع دموي. وقد عبرت حماس عن ذلك بالقول: "لقد اخترنا المواجهة، ولكن هل سنواجه شعبنا؟ وهل نستطيع تحويل التوازن لصالحنا؟ وإذا نجحنا فهل سيكون بوسعنا تقديم بديل للجماهير؟".
في 13 أكتوبر (تشرين أول) 1993 قدم موسى أبو مرزوق، رئيس المكتب السياسي لحماس المنفي خارج البلاد، تحليلاً للواقع المتحول. ومع إدراكه للتحديات التي فرضتها البيئة الجديدة فقد أوصى بمواصلة الجهاد ضد الاحتلال، والمحافظة على الوحدة الفلسطينية، و"المواجهة السياسية" مع السلطة الفلسطينية. وقد تم تبني هذه الاستراتيجية من قبل حماس طيلة سنوات أوسلو ولكنها كانت تقوم على تناقضات: فمواصلة الجهاد ستؤدي بالضرورة إلى توتر العلاقات مع السلطة الفلسطينية في حين أن الوحدة الفلسطينية لا يمن أن تتحقق إلا على حساب كفاح حماس ضد إسرائيل.
ما أن استقر عرفات في المناطق المحتلة حتى بدأ بانتهاج استراتيجية مزدوجة تجاه حماس، فقد سعى إلى ثلم تحديها باستخدام أساليبه التقليدية المتمثلة في فَرّق، تحيز، وسُدْ. في الوقت ذاته أطلق قوات أمنه ضد الإسلاميين عندما تبين بأنهم يشكلون تحدياً مباشراً إما لاستمرارية عملية أوسلو أو لسلطته الشخصية. من الأمثلة الناجحة على الأسلوب الأول عماد الفالوجي، وهو ناطق رسمي بارز لحماس تم طرده لعلاقته الوثيقة مع السلطة الفلسطينية، حيث شارك في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 1996 وتم تعينه فيما بعد وزيراً للاتصالات في السلطة الفلسطينية. وهناك مثال مبكر على الأسلوب الثاني هو "الجمعة الأسود" في نوفمبر (تشرين ثاني) 1994 عندما تم قتل ثلاثة عشر من المصلين وجرح مائتين آخرين عند محاولة قوات الأمن الفلسطينية منع مظاهرة إسلامية من التجمع في مسجد فلسطين في مدينة غزة، وهو أحد معاقل حماس. كانت السلطة الفلسطينية مقتنعة بأنها لا تستطيع التحيز تماماً لحماس ولا تستطيع في الوقت نفسه القضاء عليها فكانت استراتيجيتها في النهاية هي الاحتواء.
كما أن السلطة الفلسطينية كانت تتفاوض أحياناً مع حماس، ففي ديسمبر (كانون أول) 1995 أصدر سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس بياناً مشتركاً في السودان تبعه موافقة السلطة الفلسطينية على إطلاق سراح المحتجزين من حماس وتخفيف ضغوطها مقابل تعهد حماس بعدم العمل علناً على مقاطعة الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في يناير (كانون ثاني) 1996 أو العمل على تقويض العملية الانتخابية. وطبقاً لبعض المراقبين فقد أمكن التوصل إلى الاتفاقية الأخيرة عن طريق اتفاقية سابقة غير مكتوبة تقضي بالمحافظة على الهدوء خلال المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية التي أدت إلى اتفاقية طابا عام 1995 حول نقل إدارة مدن الضفة الغربية للسلطة الفلسطينية.
أعد اغتيال إسرائيل في يناير (كانون ثاني) 1996 ليحيى عياش، القائد العسكري لحماس ("المهندس")، المسرح لما ظل دائماً النقطة الأدنى في العلاقات بين السلطة الفلسطينية وحماس. تمت عملية الاغتيال في وقت توقفت فيه فعلياً نشاطات حماس العسكرية ووافقت على تسهيل الانتخابات الفلسطينية, فسبب ذلك غضباً عارماً في قيادة الحركة، وخلال شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار) من ذلك العام نفذت حماس تهديداتها الموعودة. وفيما بدا أنه ليس فقط حملة انتقام دموية بل جهداً مخططاً لتدمير فرص نجاح رئيس الوزراء شمعون بيريز في الانتخابات، قامت حماس بشن موجة من التفجيرات الانتحارية، لم يسبق لها أن قامت بمثلها، في عسقلان والقدس وتل أبيب خلفت ما يزيد على 50 قتيلاً (معظمهم من ركاب الحافلات) ومئات الجرحى. ردت السلطة الفلسطينية باتخاذ إجراءات صارمة، حيث قامت قوات الأمن الوقائي في الضفة الغربية وقطاع غزة –والتي كان معظم أفرادها أعضاء سابقين في ميليشيات فتح المحلية ويعرفون هويات وغالباً عناوين نظرائهم في الحركات الإسلامية- بالتفكيك الفعلي تقريباً لألوية عز الدين القسام وفي نفس الوقت تم اعتقال ما يزيد على 1000 من القادة والأفراد والمساندين الإسلاميين وفي حالات كثيرة تم تعذيبهم. وهوجمت منظمات رعاية اجتماعية إسلامية عديدة و/أو أغلقت، وتولت السلطة الفلسطينية رسمياً الإشراف على المساجد. وقد خلفت المعاملة القاسية لأعضاء حماس على يد قوات الأمن الوقائي والتي تضمنت حالات من الإساءة البالغة لحقوق الإنسان، خلفت ميراثاً من المرارة.
هيكلية حماس
تعتمد حماس بشدة على القيادة الجماعية، وهذه إحدى الخواص التي كان يدعو إليها دائماً زعيمها الروحي الشيخ أحمد ياسين. ورغم أن الشيخ ياسين كان الوحيد الذي يستطيع فرض آرائه الشخصية فإنه نادراً ما مارس هذا الامتياز بشكل مطلق بل إن بياناته السياسية تستمد سلطتها من قدرتها على صياغة مواقف إجماعية في ختام المداولات الداخلية.
الجسم التنفيذي للحركة هو اللجنة السياسية والتي يعتقد بأنها تضم ما بين 12-14 شخصاً تقريباً وتتألف من أعضاء يقيمون داخل وخارج المناطق المحتلة على السواء. اللجنة السياسية توجه عملياً نشاطات ممثلي حماس في الخارج، والمكتب السياسي، ومكتب المعلومات، والجهاز شبه العسكري، ودائرة شؤون الأراضي المحتلة (المعروفة بدائرة الدعوة وتضم نشاطات الحركة الخيرية والتعليمية). وتعمل اللجنة السياسية من خلال مشاورات واسعة وغالباً مطولة وبصورة رئيسية مع القيادة في الخارج، والقيادة الداخلية، ومعتقلي حماس في السجون الإسرائيلية، قبل أن تتخذ قراراتها بالإجماع عادة، وهناك مجلس استشاري يجتمع في قطر بصورة عامة يصادق على السياسة العامة والخطط والموازنة المالية.
أعضاء المكتب السياسي في الخارج: يقيمون بصورة رئيسية في لبنان وسوريا وقطر وإيران، ومن بينهم قادة بارزون مثل موسى أبو مرزوق، وخالد مشعل، وعماد العلمي، ومحمد نزال، وممثل حماس في لبنان أسامة حمدان. تعمل القيادة في المنفى كقناة للعلاقات مع العالم العربي وإيران، وهي تسعى لزيادة تعاملاتها مع فعاليات إقليمية.
لجنة التوجيه في قطاع غزة: كانت تعمل بقيادة الشيخ أحمد ياسين ( قبل اغتياله) وبتعاون مع مخضرمين من جماعة الإخوان المسلمين مثل عبد العزيز الرنتيسي ( قبل اغتياله) ومحمود الزهار وإسماعيل أبو هنية وً إسماعيل أبو شنب (وقد اغتيل ايضا). وكل هذه الاغتيالات أثرت على عمل اللجنة, ودفعت القادة الى السرية. و تعتبر هذه اللجنة العنصر الرئيسي في عملية اتخاذ القرارات، وتعكس آراء أعضاء الداخل في اللجنة السياسية ويجري الاسترشاد بوجهة نظرها في كل قضية تقريباً. تعمل هذه اللجنة بصورة ذاتية في بعض القضايا التي تؤثر على المناطق المحتلة، أما في القضايا الأوسع، مثل مفاوضات وقف إطلاق النار التي جرت مؤخراً فيبدو أن أعضاء اللجنة السياسية في الخارج يلعبون دوراً حيوياً. كما يعمل بعض أعضاء لجنة التوجيه كأعضاء أيضاً في اللجنة السياسية.
القيادة السياسية للضفة الغربية: تأثرت هذه القيادة بشدة نتيجة للاغتيالات ، والاعتقالات من قبل القوات الإسرائيلية، وقد أعاقت الإجراءات العسكرية الإسرائيلية الجهود المبذولة لإعادة بنائها. لم يعد لها قيادة محددة معلنة بعد اعتقال بعض قادتها مثل الشيخ حسن يوسف في رام الله واغتيال آخرين مثل جمال منصور وجمال سليم في نابلس. وقد تشظت هذه القيادة جغرافياً أيضاً بعد عدم تمكنها من العمل بشكل متماسك. تأثيرها اليوم محدود جداً، وهو التأثير الذي كان في السابق يدفع إلى مواقف متطرفة.
قيادة المعتقلات: تعتبر هذه القيادة تقليدياً عنصراً رئيسياً آخر في عملية اتخاذ القرارات في حماس. ونظراً لأنها تتمتع بشرعية خاصة يضفيها عليها وضعها، فقد أمكن لها أحياناً دفع حدود السياسة بأكثر مما يستطيع الزملاء الآخرون في القيادة. وتحظى وجهات نظرهم عادة باعتبار كبير في ضوء عملهم عن كثب مع زملائهم المعتقلين من حركات فتح والجهاد الإسلامي. وليس من المحتمل الآن نجاح أي مبادرة سياسية داخل حماس دون موافقة هذه القيادة.
الجناح العسكري لحماس – ألوية القسام: لهذا الجناح قيادة مستقلة وبنية تحتية مستقلة. كان أبرز قادته السابقين مثل صلاح شحادة وإبراهيم مقادمة قد قتلوا أو اعتقلوا منذ سبتمبر (أيلول) 2000، ولكن القسم الأكبر منهم تم –فيما يبدو- استبدالهم. ورغم أن ألوية القسام تتمتع بإدارة ذاتية من حيث المبدأ فالمعروف عنها أنها جهاز منضبط ينفذ قادته السياسات التي تضعها لهم قيادة حماس، وليس سياساتهم الخاصة. وتقدر المصادر الإسرائيلية عدد ألوية القسام بما يزيد قليلاً عن 1000 رجل معظمهم في قطاع غزة، ويعتقد أن ترسانتهم تحوي أسلحة خفيفة رشاشة وقنابل يدوية إضافة لصواريخ وهاونات وقنابل يدوية وأحزمة ناسفة ومتفجرات محلية الصنع. كما تتمتع حماس بتأييد عدد كبير ممن يمتلكون أسلحة أو لديهم سبيل للحصول على أسلحة، وميليشيات عسكرية تقوم بدور الدفاع المدني في بعض مناطق غزة.
ورغم أن حماس تبقى أكثر المنظمات الفلسطينية انضباطاً فهناك انقسامات داخلها وتبدو بعض الهجمات المسلحة أحياناً وكأنها تمت من قبل خلايا مختلفة على مستوى محلي، مدفوعة، في العديد من الحالات، بالرغبة في الرد على عمليات القتل أو العمليات المسلحة التي تقوم بها القوات الإسرائيلية.
تطورات السياق والسياسة
في عام 2002 سأل أحد كبار موظفي الأمم المتحدة محمود الزهار: "لنفرض أن السلطة الفلسطينية وإسرائيل توصلتا غداً إلى اتفاقية لإقامة دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 إلى جانب إسرائيل، وتم إجراء استفتاء أظهر بوضوح تأييداً شعبياً فلسطينياً لاتفاقية سلمية، فماذا ستفعل حماس؟" فأجاب الزهار: "حماس لن تقف أبداً ضد إرادة الشعب الفلسطيني". وفيما بعد صرح الزهار:
"حماس لا تحبذ التغيير بالعنف أو عن طريق الانقلابات. نحن نسعى لوحدة الشعب الفلسطيني، وحماس كانت دائماً منظمة سياسية تشمل نشاطاتها جميع المستويات – الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهي مستعدة للمنافسة في الانتخابات. نحن نحبذ الانتخابات ولكن من أجل الاستقلال وليس الحكم الذاتي. عندما تقوم دولة فلسطينية، سنشارك على جميع المستويات".
بيد أننا بالطبع لا نزال بعيدين عن هذا السياق. لذلك يتفق القيادي في الجهاد الإسلامي خالد البطش مع مشير المصري، على أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة مقاومة للاحتلال، وأن رد المقاومة على الإسرائيليين بعد " قتل عرفات على أيديهم بسبب الحصار أو التسميم" سيكون مزيدا من الصمود والصلابة، مؤكدا أن أي خيار آخر لا قيمة له انطلاقا من التجربة الفاشلة لخيار التسوية السياسية. ويوحي هذا الكلام بأن لا شيء تغير في الأساس منذ وفاة عرفات. بل قد تسوء الأمور أكثر إذ لا يوجد في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية من يستطيع المجازفة بأن يخطو خطوة يتجاوز بها ترددات ياسر عرفات. ومن ثم, فقد تعود أكثر الفصائل الفلسطينية "اعتدالا" – أي "فتح" – الى اعتناق مبادئ قتالية دون حاجة الى التنافس في ذلك مع "حماس". وقد يضعف هذا "الانسحاب" المحتمل من السياسة والدبلوماسية منظمة التحرير, وقد يفقدها ذلك التوازن الذي كان ياسر عرفات ماهرا في مراعاته. ولا يعني هذا أن "حماس" ستغدو أكثر قوة. فلاشيء يؤكد أن الساحة السياسية الفلسطينية تحتاج اليوم الى مواقف راديكالية أكثر من حاجتها الى مواقف عملية وبراجماتية. وقد تكون "التجريبية " مفيدة في كل شيء الا في السياسة, فهي ان حدثت وتكررت مصيبة حقيقية, لأنها ستؤكد مرة أخرى أن لا أحد يتعلم شيئا من التاريخ.
ولا تخفي حماس إيمانها باستخدام العنف لتحقيق أهدافها السياسية. لقد كان القرار بانتهاج مسلك نشط في الكفاح ضد إسرائيل هو العامل الرئيسي في تأسيسها، وقد أكد قادتها دائماً أن العنف حق مشروع للشعب الفلسطيني وأنه الوسيلة الوحيدة لإثارة ردود فعل على المستويين الإسرائيلي والدولي. ولكن سيلعب الرأي العام الفلسطيني دوراً متزايد الأهمية في حسابات حماس ومنظمة التحرير, وسيؤثر بطريقتين: الأولى، لأنه لا حماس ولا منظمة التحرير يمكنهما أبداً التصرف بشكل مضاد للشارع الفلسطيني. والثانية، لان قدرة السلطة الفلسطينية نفسها على التصرف دون اعتبارها متعاونة مع إسرائيل ترتبط بالقناعة الشعبية العامة.
في هذا الهامش الضيق نسبيا سيتحدد مصير العلاقة بين "حماس" ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية. والايام وحدها ستقول لنا ماإذا كان الصراع سيطغى أم التوافق, في مرحلة ما بعد عرفات.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس يقول إن إسرائيل ألحقت الهزيمة بح
.. وزير الدفاع الإسرائيلي يؤكد هزيمة حزب الله.. ماذا يعني ذلك؟
.. مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة: أكثر من 300 ألف إنسان يعيش
.. أسامة حمدان: جرائم القتل ضد شعبنا ستبقى وصمة عار في وجه الدا
.. حرب وفقر وبطالة.. اللبنانيون يواجهون شقاء النزوح ونقص الدواء