الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزواج الغير ماركسي جداً لماركس

مثنى حميد مجيد

2013 / 3 / 7
سيرة ذاتية


ترجمة لمقدمة تعرف بكتاب ماري غابرييل - الحب ورأس المال - عن السيرة الذاتية لكارل ماركس.


بينما كان ماركس يحلم بالثورة تعبيء الجماهير ، كانت زوجته وبناته يجاهدن ويقاسين لإبقاء العائلة واقفة على قدميها.هذا ما كشفت عنه كاتبة السير الذاتية ماري غابرييل من خلال الحياة الأسرية للثوري الشهير.

وكارل ماركس هو صاحب المقولة الشهيرة: "إذا كان هناك شيءٌ مؤكد فهو أنني لست ماركسيا". ولم يكن ذلك ليتجلى في أي مكان آخر بأكثر من منزل أسرة ماركس في لندن. هناك، كان ماركس يقف على رأس خمس من النساء اللواتي كرّسن أنفسهن لهدف مشترك في الحياة (إن لم يكن الهدف الوحيد في الحياة) وهو تمكينه من القيام بما ألزم نفسه به - تغيير العالم . ولو كان ماركس ملكاً، لما كان له من المحظيات من يفوقهن ولاءً ، ولو كان شخصية دينية لما كان له من الأتباع من هم أكثر حماساً منهن.لكنه كان ثوريا ، رثاً في الغالب ، وعبقرياً مبتلى بالفقر مع ولعٍ بزجاجة الشراب.

وفي الواقع، وبعيدا عما هو ماركسي، كان مظهر العائلة يبدو ، ومن اللمحة الأولى، نموذجاً لنمط الحياة الأسرية في العصر الفكتوري الوسيط.كان ماركس رأس الأسرة الذي بلا منازع، والذي في مداره تدور نساء حياته وهن زوجتة جيني، وبناته الثلاث، جيني تشن ، لورا ، وإليانور، والمدبرة المنزلية للأسرة مدى الحياة ، هيلين ديموث . وبالنزر اليسير مما كان ماركس يكسبه من عمله الصحفي وبالمعونات الأكثر حيوية من زميله الحميم، فريدريك انجلز ، تمكنت تلكم النساء وبنجاح مدهش أن يحافظن على القشرة الخارجية من مظهر الاحترام (في الواقع، غالباً ما أشار نقاد ماركس إلى نمط حياته "البرجوازي" في محاولة لتشويه سمعته) و كانت هذه الواجهة ضرورية ، سواء لدفع غائلة الدائنين أو لزيادة فرص زواج بنات ماركس.وفي الحقيقة ، ورغم ذلك ، كانت مفردة "صراع" هي كلمة السر في أسرة ماركس، ليس فقط بالمعنى الماركسي ل"صراع الطبقات"، ولكن ، ولسنوات عديدة ، بالمعنى الحقيقي جداً من حيث عدم معرفة من أين يؤتى بالوجبة التالية من لقمة الطعام.

كان من الممكن وبسهولة أن يكون الأمر عكس ذلك.فقد كان ماركس مثقفاً بروسياً متزوجاً من ابنة بارون.وكان بإمكانه إستخدام قدراته الفكرية مع مكانتها الارستقراطية للحصول على وضع يضمن للعائلة الأمان.ورغم ذلك ، لم يحبّذ ماركس مطلقاً وبحق ذلك الطريق التقليدي والسهل خياراً. كان صاحب رسالة لإقامة مجتمع أكثر عدالة ، أصبحت في آخر المطاف رسالة لإنقاذ جماهير الشغيلة والطبقة الوسطى من تجاوزات الرأسمالية. وكانت المفارقة الحزينة أنه بقدر ما أحبّ عائلته فأنه ما كان ليبدو حاسباً إنهم أيضاً كانوا بحاجة إلى إنقاذ.ومثل فنانٍ مستقطبٍ لكل قواه في الإنكباب على رؤيته ، توقع ماركس من زوجته وأطفاله أن يتخذوا مكاناً خلفه لأنهم أيضاً يعترفون بمغزى عمله.كان يعتقد أنهم ، أيضاً ، يجب أن يكونوا مستعدين للتضحية من أجل أهدافه.وبحب وبلا تردد ، فعلوا ذلك .

ربما لم تكن جيني ماركس ، بشكل خاص ، مدركةً كم سيكون مكلفاً لها زواجها من ماركس .كانت تعرف حين تزوجته في العام ١٨٤٣أنها سوف لن تتزوج فقط من رجل ، بل أيضاً من مثالي ، وطوعاً تعهدت بنفسها لكليهما.لقد إستبدلت جيني وبسرور الإمتيازات التي لا تعد ولا تحصى والتي تتوقعها كبروسية ارستقراطية بحياة من التشرد كزوجة لكاتب ثوري ، مطرود من بلد لبلدٍ آخر حتى حط بها المقام وبأطفالها الثلاثة الصغار وبشكل غير شرعي في موطنهم الأخير: لندن الرطبة والباردة بحدود العام ١٨٤٩.فكان الواقع المر صادماً ، إن لم يكن قد كان كذلك مسبقا.

كانت عائلة ماركس من اللاجئين الذين ليس لهم أصدقاء في مدينة ليست لهم بها معرفة ولا يتحدثون بلغتها إلا بشكل أولي.وفي غضون سنتين من وصولهم إلى لندن ، رزقت جيني بطفلين آخرين . وفي غضون ثلاث سنوات توفي كلاهما.الطفل الوحيد لماركس الذي ظل على قيد الحياة من تلك الفترة الإبتدائية ولم يدعي به ماركس - كان إبناً له من مدبرة المنزل ، هيلين ديموث.ومرة أخرى كانت التضحية مطلوبة ، وهذه المرّة ليس فقط من قبل جيني(التي لم تكن من السذاجة إلى درجة عدم الشك أن ماركس هو والد الطفل) بل أيضاً من قبل هيلين ، والتي كانت عضواً مؤثراً في الأسرة وشاركت العائلة تجاربها كأي عضو فيها.وقد حافظت كلا المرأتين على وقوفهما جنب ماركس ، رغم الصعوبات التي لا تعد وخيبات الأمل المستمرة وبشكل دائم.

كان الولاء لنفسه والتضحية من أجل قضيته هي المطالب غير المعلنة التي طبع بها ماركس أولئك الذين قدموا له المساعدة لخلق ما كان يعتقد أنه سيكون عالماً أفضل.

أما بالنسبة لبنات ماركس فقد كنَّ يعشقن والدهن.لقد ولدن في أسرة ثورية ، وبكل ما يترتب على ذلك من تعقيدات . لكنّهنّ وبعيدا عما كنَّ مثقلات به من العالم الخارجي ، كنَّ يستبشرن بالحياة .وكانت ثقافتهنَّ تعكس قيم المجتمع الفكتوري -الموسيقى ، الفن ، الأدب واللغات - مضافاً إليها جرعة كبيرة من السياسة الراديكالية.وسرعان ما صِرنَ مساعدات لوالدهنّ حين أصبحن قادرات على ذلك.وحتى قبل أن يكوننَّ نساءً، أدركن بالفعل معنى أن يكوننَّ بنات ماركس.إحدى البنات ثُكلت بكل أطفالها الثلاثة الصغار وهي تعيش في القارة دعماً لأجندة والدها.الأخرى إستبدلت وبلا تروٍ حياةً طموحةً كصحفية بزواج تعس إلى شاب من أتباع والدها الفرنسيين.والثالثة تورطت برجل إعتقدت أنه جديرٌ بوالدها لكنه ، في النهاية ، دفعها للإنتحار.

كان الولاء لنفسه والتضحية من أجل قضيته هي المطالب غير المعلنة التي طبع بها ماركس أولئك الذين قدموا له المساعدة لخلق ما كان يعتقد أنه سيكون عالماً أفضل.وفي حياته الأسرية المباشرة لم يكن خائباً.وربما لم يكن كارل ماركس ماركسياً ، بيد أن من الممكن القول وبأمانة أن النساء اللواتي أحببنه جداً كنَّ كذلك.

.................................

Marx’s Not-So-Marxist Marriage
Love and Capital
Mary Gabriel








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخ الاستاذ مثنى المحترم
علي عجيل منهل ( 2013 / 3 / 7 - 21:36 )
المقال اعجبنى وهو ممتع
hallo https://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=lQ0KGWEirV4ارجو الاطلاع على الفلم المرفق وامل ان ينال رضاك


2 - أخي العزيز الدكتور علي عجيل منهل
مثنى حميد مجيد ( 2013 / 3 / 7 - 21:52 )
أخي العزيز الدكتور علي عجيل منهل
تحية طيبة وشكر جزيل لتواصلكم الثقافي والإنساني مع أصدقائكم ولشريط الفيديو الذي يعطي صورة جيدة وأكاديمية عن أهلكم الصابئة الذين يفخرون ويعتزون حقا بكم.كل المودة والتقدير لكم وللعائلة الكريمة.


3 - المقالة فيها الصدق الذي للاسف لم نتعلمه بعد عند ال
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2013 / 3 / 7 - 23:33 )
تحيه للعزيز ابو ارام
جميل منك -بعد توثيقك للوالد الكريم-عليه السلام-نقلتنا اليوم لتوثيق صفحة من
حياة المبدع الاجتماعي الكبير كارل ماركس
واذا كان بما وثقته للمرحوم الوالد فيه عاطفة الوفاء الضروريه-والمفتقدة في ايامنا-لوالدينا-فاءن مقالتك عن بعض صفحات الحياة العائلية لماركس فيها الكثير من الصدق
الضروري لتربية اجيالنا في عدم التاءليه لبني البشر مهما كانوا عظماء وختى ان ماركس قال يوما جوابا على سؤال في مقابلة عن اهم حكمة هو-انا انسان وكل ماهو انساني ليس غريب عني
قبل بضعة ايام نشر الدكتور عقيل نصا عن القائد الشيوعي الراحل عامر عبد الله
وحاولت تطويع نفسي والمساهمة في النقاش والمناسبة تقتضي الاغناء وقد كنت تعرفت على ابي عبد الله بداية الخمسينات ووجاهيا بعيد ثورة 14 تموز بايام بدمشق ولكني تمكنت من لجم نفسي ولم اكتب -خشية-التفسيرات على طريقتنا العراقية-الغير حميده للاسف في هذا المجال الذي فيه اما تكتب تعظيما او انك -عدو طبقي والعياذ من الشيطان
تعبت-تحياتي ثانية والى لقاء


4 - جهد ممتاز
عبد الحسين سلمان ( 2013 / 3 / 8 - 01:54 )
شكراً أخي مثنى على هذا الجهد الجميل
وتحياتي للدكتور الكحلاوي و تمنياتي له بالصحة الطيبة..وكذلك للدكتور علي


5 - دمت متدفقا
علي فهد ياسين ( 2013 / 3 / 8 - 07:36 )
ماهذا الاختيار الجميل ياصديقي
انني اتلمس روحك العذبه في هذه السلاسة الفائقة للترجمة
هكذا اذن لأنه عمنا ماركس وفي بيته , فأن اللغة أسلمت نفسها لصائغ مندائي عريق
من محلة الصابئة على كتف الفرات في الناصرية فأي دلال نحن فيه وأي بهجة

دمت متدفقا ايها الرائع


6 - الدكتور صادق الكحلاوي .العزيز أبو حيدر
مثنى حميد مجيد ( 2013 / 3 / 8 - 08:28 )
الدكتور صادق الكحلاوي
أخي الكبير العزيز أبو حيدر
تحية طيبة وشكر لتعقيبك الغني كالعادة في محتواه وأسمح لي أن أنتقدك لترددك في الكتابة عن الراحل الكبير عامر عبد الله ، نحن يا أخي الكبير في عصر المعلوماتية والإنترنت ولا يصح إلا أن يساهم الإنسان في المشاركة الجماعية للوصول إلى الحقائق وطبيعة الأشياء.أنت شخصيا تحمل كنزا من الذكريات ومن حق الناس والتاريخ عليك أن تمنحهم هذا الكنز، المعلومة الصحيحة لا يمكن أبدا أن تسيء لأحد أو قضية سامية بل تساهم في رسم الصورة الواقعية للأحداث والشخصيات وتمنحهم الحرارة والصدق والفعل.
أعتقد أن هؤلاء المعتكفين الذين تتجنب ردود أفعالهم السلبية سيتجاوزهم العصر وقد تجاوزهم وربما تتفق معي في ذلك لأنك من الممتلئين بروح الشباب والحداثة .محبتي وتقديري لشخصكم العزيز.


7 - أخي العزيز المهندس جاسم الزيرجاوي
مثنى حميد مجيد ( 2013 / 3 / 8 - 08:37 )
أخي العزيز المهندس جاسم الزيرجاوي
تحية طيبة وشكر على هذا التقييم الذي أعتز به لأنه يأتي من مثقف كبير ومبدع ومناضل مثلكم.عميق تحياتي وتقديري لكم.


8 - أخي الغالي علي فهد ياسين
مثنى حميد مجيد ( 2013 / 3 / 8 - 09:11 )
أخي الغالي علي فهد ياسين
إسمح لي أن أسميك ترمومتر الصدق!
فأنت ترمومتر الصدق بالنسبة لي على الأقل لأني بصراحة دائما أتذكرك حين أبدي رأيا جديدا أو أفكارا جدالية في الإنترنت فأسأل نفسي تُرى ما هو رأي علي فهد بما أقول وما هو موقفه ؟
ولذلك تسعدني كلماتك وتمنحني الثقة والطاقة.
وللحقيقة أقول إني لم أكن صائغا مثل المرحوم والدي الذي كان فنانا ماهرا في النقش إضافة إلى إلمامه الواسع بكل تفاصيل حياة عنترة العبسي ومغامرات الروهة !
نحن لا نصل أخي على إلى المستوى الإنساني الراقي لآبائنا الطيبين.
تحياتي وإمتناني لك أيها العزيز.


9 - اضمامة محبة
علي فهد ياسين ( 2013 / 3 / 8 - 14:05 )
يا ابا ارام الطيب
قصدتك صائغا لقلادة الترجمة الباذخة بسهولة الفهم للمتلقي والخالية من العثرات
وهذه صنعة ياصديقي وأي صنعة وعنها اذا احببت نسأل استاذنا احمد الباقري مثلا
وسيحكم لي ولك معا

دمت شفيفا


10 - الباقري الرجل الذي يختزل إسمه تاريخ مدينة عريقة
مثنى حميد مجيد ( 2013 / 3 / 8 - 14:31 )
أخي علي فهد ياسين ذكرتني بأحمد الباقري هذا الرمز الثقافي الرائع والجميل والقديم الشبيه بأصالته آثار أور ، الرجل الذي يختزل إسمه تاريخ مدينة عريقة ، فشكرا لك وتحية له والصحة والعافية ودوام العطاء والإبداع.

اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح