الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميتافيزيقيا الماء في إحياء النص الشعري / ديوان * ترانيم الماء * للشاعرة التونسية ماجدة الظاهري نموذجا

رفيق جلول

2013 / 3 / 8
الادب والفن


ميتافيزيقيا الماء في إحياء النص الشعري / ديوان * ترانيم الماء * للشاعرة التونسية ماجدة الظاهري نموذجا
بقلم رفيق جلول / الجزائر
في دراسات الميتافيزيقيا تتجلّى في الكون أربعة عناصر مهمة تتطرّق إليها هذه الفلسفة العميقة هي : {الماء ، التراب الهواء ، النّار } و نحن نتطرّق في هذه الدراسة إلى العنصر الأول أقصد الماء ، الذي ورد في الآية القرآنية " وجعلنا من الماء كلّشيء حيّ"
الآية 30 من سورة الأنبياء
كما أنّ هناك رواية في التراث الإسلامي تهمس عن أصل الماء وهي غاية في رمزية النص الشعري العربي على ممرّ العصور ، والأصل للبعد الميتافيزيقي لهذا العنصر المهم للحياة لا للشعر فقط .
فقد روي عن ابن عباس أنّه قال :
" لمّا أراد الله تعالى أن يخلق الماء ، خلق ياقوتة خضراء لا يعلم طولها وعرضها إلاّ هو سبحانه وتعالى ، ثم نظر إليها بعين الهيبة ، فذابت وصارت ماء ، فاضطرب الماء ، فخلق الرّيح ووضع عليها الماء ، ثمّ خلق العرش ووضعه على متن الماء ، وعليه قوله تعالى " وكان عرشه على الماء "
سورة هود ، الآية 7
كتاب المستطرف من كلّ فن مستطرف لشهاب الدين الأبشيهي
إنّ الماء الرّحم الالتي يتخلق فيها المخيال الشعري بل والأدبي عامة ، وتتكوّن البنى الأسطوريّة حوله ، التقت العادات والمعتقدات والمفاهيم التي لها دلالتها وأبعادها المتشعّبة فكريّا ووجدانيّا وسلوكيّا أيضا ، وفي ضوء علم الأنسنة و معطياته يتأكّد قيام تبادل بين الطبيعة والثقافة ، بين الموت والحياة ، بين المقدّس والمدنّس ، بين العادي والخارق ، بين عالم الغيب وعالم الشهادة ،بين الخير والشر ، بين الوجود و العدم ...
قامت الأساطير التي ارتبطت بهذا السائل الحيويّ ، وتشكّلت عبر تجلّياته وتنازعاته ، لإذكاء الأزمنة ، نذكر على سبيل المثال لا سبيل الحصر :أسطورة " أدونيس وعشتروت " و " تموز وعشتار " و " أوزيريس و إيزيس " والكل يكشف عن كون الماء المادة الأساس في إحياء النّص الشّعري والأدبي كرمزية للكون والإنسان .
- ما أحاول تقديمه في قراءتي لديوان " ترانيم الماء " للشاعرة التونسية ماجدة الظاهري الصادر في طبعته الأولى عن دار البراق سنة 2010م ، هو تجليات الماء كصورة شعرية في بعض من نصوص هذا العمل ليس مقاربة كما يظن القارئ الكريم للأساطير أو إحدى الروايات المحكية عن هذا العنصر ، إنّما هو عبور عن الشعرية التي تنسل منه أقصد الماء وتجلياته في هذا الديوان .
- لمّا نتكلّم عن الشعرية علينا أولا أن نتعرف على المقصود من اللفظ أي " الشعرية " التي ترجمتها بالفرنسية " La poétique" أي تلك الخصائص التي تحضر في ديوان " ترانينم الماء " للشاعرة التونسية ماجدة الظاهري ، والتي تظهر في لغة راقية فيها تتشكل معاني المعاني داخلها ، فهي كشاعرة لا تسعى إلى تسمية المعنى ، بل إلى معرفة نسيج تلك الشعرية كدلالة ، والخاصية الشعرية التي تعتبر فاعلية معرفية خاصة لا علاقة لها بالمباشرة والوضوح ، إنما هي بناء اللغة بالخيال لأكوان لم تتكوّن بعد ، وبفضل الماء تحيا :
" يأتي مترنّحا
بنشوة نبيذ الأغاني
المتصاعدة
إلى قمّة الروح
وحيدا
يقتحم فضاء
من ألف حنين
يتعرّف إلى وجهها
مبلّلا بآخر قطرات
لم يلعقها بعد
قوس قزح "
قصيدة موعد الصفحة " 16 " من ترانيم الماء
- ولعلّ جوهرة الشعرية في كونها قائمة دائما على الضّد أي ضدّ المألوف والثابت والمتوطأ عليه ، إن|ها شعرية تنبض بالصّور الحيّة التي هي مشهد للفتنة والغرابة والدّهشة والمتعة كأنّها بلّور متعدّد الأضلاع فاتن الأضواء :
" رتّبت قلبها
قوسا من الماء
صوّبت حلمها
نحو المنارة
ارتجفت ضلوعها
ارتفعت أنفاسها
غيما والبحر يضحك
ساخرا
يولّي لها ظهره
تتطاير
أجنحة القلق
مع دخان سجائرها
لا أثر للريح
لا أثر للموج
لا أثر للملح
نام البحر
وفي حوضه
حلمها"
قصيدة " حين ينام البحر " ص 37 من نفس الديوان
- فالصور الشعرية لها دور أساسي في إذكاء قوة الأداء الشعري والإيقاعي وتصعيد كثافة المعنى وشفافية اللّغة وسحرها ، وهذا كلّه لن يكون إلّا لكون الشّاعرة لها تجربة شعرية عميقة لا تأتي بفكرة لتبحث لها عن صورة مناسبة ، وإنّما تأتي إلى شكل الفكرة و كمالها من خلال الصورة ولأن الماء ومفاعيله ، وتجلياته ، ومساربه ، ومجاريه ، وتجمعاته كلّها تشكّل مصدر بهجة الشّعر والشّعراء ، ومصدر إلهامهم ، في كثير من الموضوعات ، هاهي الشاعرة أيضا تكتب بتلك الصور والرموز ، واللغة والنسيج الفني عامة ، وتشتغل على الماء ليأتي ثانية كالآتي :
" ما يغري الرّعد
بفكّ ضفائر الماء
وإغراق المدى
بمتاهات أعاصر "
قصيدة " للأسماء أسماء أخرى " ص 88 من نفس الديوان
- وأخيرا يعتبر المتن الشعري لدى الشاعرة التونسية ماجدة الظاهري ، بمثابة فراديس تزهر مفرادات الماء ويدخل في مجالها الإيحائي من كلمات ، فهي تجعله كلّ شيء حيّ، فأغلب نصوصها تدور حول موضوعات الماء وتخلق منه ما لم يخلق إلاّ في الشّعر ، وتشكّل منه ما لم يتشكّل فكأنّها تقول " يجوز للشّاعر ما لا يجوز لغيره" .

رفيق جلول / الجزائر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??