الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر لا تحتمل المقاطعة

يعقوب بن افرات

2013 / 3 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


الثورة المصريّة على حافة الهاوية، والاقتصاد المصريّ على وشك الانهيار. فاحتياطيّ العملة الأجنبيّة لا يكفي سوى لثلاثة أشهر، ونشهد أنّ العمليّة السياسيّة التي تهدف إلى إعادة هيكلة مؤسّسات الدولة قد وصلت إلى طريق مسدود يهدّد كيان الدولة برمّته. من الواضح أنّ هاتين القضيّتين ترتبط إحداهما بالأخرى، وأنّ إنقاذ مصر اقتصاديًّا يستدعي إنقاذها سياسيًّا؛ بمعنى أنّه دون توافق سياسيّ بين جميع الأطراف لا مستقبل لثورة 25 يناير.
ما نشهده اليوم في مصر هو قلب لجميع الموازين، فالثوّار الشباب الذين نادوا بالديمقراطيّة وثاروا على النظام البائد حتّى نجحوا في إسقاطه، يفضّلون الشارع ويتخوّفون من الاستحقاق الانتخابيّ. أمّا المستفيد من الديمقراطيّة والذي يدفع بقوّة للانتخابات هم حركة الإخوان المسلمين الذين أثبتوا على أربع مراحل متتالية، مرّتين في استفتاء شعبيّ وفي الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة، بأنّه لا منافس لهم وما يخسرونه من أصوات في المدن يعوّضونه في الأرياف. والإخوان المسلمين الذين سيطروا في عهد مبارك على الشارع يفضّلون اليوم الانتخابات ويتّهمون المتظاهرين بالبلطجة.
النظام الديمقراطيّ أفاد الإخوان المسلمين، الذين يرون في سيطرتهم على مؤسّسة الرئاسة والبرلمان تفويضًا لكي يهيمنوا على مصر. إنّ الديمقراطيّة بالنسبة لهم هي حكم الأغلبيّة على الأقليّة، وبمعنى آخر على الرئيس أن يصغي لتعليمات "مكتب إرشاد" الإخوان المسلمين والمرشد العامّ محمّد بديع ونائبه خيرت الشاطر وليس لرأي المعارضة،. هذا النهج أفرغ التفاهم والحوار والإجماع حول قوانين اللعبة الديمقراطيّة من مضمونها، فبينما يدّعي الرئيس مرسي بأنّ على المعارضة أن تحتكم إلى الديمقراطيّة تردّ عليه المعارضة بأنّ على الديمقراطيّة أن تحتكم للثورة.
بحجّة بناء مؤسّسات الدولة والادّعاء الصحيح بأنّ مصر لا تحتمل الفراغ السياسيّ الحالي نظرًا لمشاكلها الجمّة في المجال الاقتصاديّ والأمن الداخليّ، قام الرئيس مرسي بخطوات استثنائيّة هدفها الوصول بكلّ ثمن إلى الانتخابات البرلمانيّة ليتسنّى له الاستيلاء على السلطة التنفيذيّة والتشريعيّة، ومن ثمّ تغيير السلطة القضائيّة ليتمّ السيطرة المطلقة على النظام، حتّى يصبح النظام الجديد نظامًا إخوانيًّا يضمن استمراريّته لفترة طويلة وغير محدودة. هذا ما دفع الرئيس إلى إصدار إعلان دستوريّ يمنح له صلاحيّات مطلقة فوق القضاء، ومن بعده إقصاء النائب العامّ، ثمّ إقرار الدستور الجديد دون مشاركة المعارضة أعقبه إجراء استفتاء على الدستور وقرار بإجراء انتخابات لمجلس الشعب الجديد في الشهر المقبل.
من الواضح أنّ هذه الخطوات لا تطمئن المعارضة التي تكتّلت بدورها في "جبهة الإنقاذ" والتي قرّرت مقاطعة الانتخابات ولجأت إلى المظاهرات المليونيّة في شتّى مدن ومحافظات مصر التي أصبحت ساحة حرب راح ضحيتها أكثر من 70 قتيلاً وآلاف المصابين. بالنسبة للرئيس مرسي، هؤلاء الضحايا هم بلطجية يطالب ذووهم باعتبارهم شهداء الثورة. وصل الوضع إلى حد العصيان المدنيّ في مدينة بور سعيد والاشتباكات بين الشرطة والأهالي يتّسع نطاقها، والمقاطعة التي أعلنتنها جبهة الإنقاذ زادت الطين بلّة حتى بدأت تتزايد الأصوات التي تنادي بتدخّل الجيش الذي كان موضع الاتّهامات من قبل الثوار الذين أطلقوا الشعار "يسقط حكم العسكر" قبل أقلّ من سنة.
وقد جاء قرار المحكمة الإداريّة الأخير الذي ألغى الانتخابات لأنّ قانون الانتخابات الذي أقرّه مجلس الشورى لا يتماشى مع تعليمات المحكمة الدستوريّة التي بتّت في هذا الموضوع لينقذ الوضع ولو بشكل مؤقّت. وقد تنفّس كلّ الأطراف الصعداء بعد أن أصرّت على موقفها حرصًا منها على مصالحها السياسيّة حتّى أوصلت مصر إلى حافّة الهاوية. إلاّ أنّ تدخّل المحكمة في مرّات سابقة لم يحلّ المشكلة بل زادها تعقيدًا، فعندما ألغت المحكمة مجلس الشعب زادت من شعور الإخوان المسلمين بأنّه تمّت سرقة إنجازهم الانتخابيّ، الأمر الذي أدّى إلى الإعلان الدستوريّ الاستبداديّ، ومن بعده عندما ألغت المحكمة مجلس صياغة الدستور تمّ تشكيل مجلس جديد، الأمر الذي لم يمنع المعارضة من الانسحاب منه وإقرار دستور جديد نعتته المعارضة بأنّه "باطل" ممّا فاقم من الأزمة والفوضى في الشوارع.
بعد سنتين من تجربة الثورة تبيّن بشكل واضح بأنّه رغم سيطرة الإخوان المسلمين على الرئاسة والبرلمان فلن يستطيعوا حكم مصر دون مشاركة المعارضة الليبراليّة واليساريّة. من ناحية ثانية، إذا استمرّت المعارضة في موقفها بعدم الاعتراف بصلاحيّة الإخوان المسلمين تولّي الحكم، فالنتيجة الحتميّة ستكون عودة الجيش إلى السياسة وهذا يعني إجهاض الثورة. إنّ الخوف من "أخونة" مصر هو مبالغ فيه. مصر ليست إيران أو فنزويلا التي تتدفّق فيهما إيرادات النفط "لرشوة" الشعب، بل هي دولة على حافّة الانهيار بسبب سياسات النظام البائد التي أدّت أصلاً إلى حدوث ثورة من هذا القبيل.
في الواقع، إنّه من الصعب جدًّا "أخونة" مصر لأنّ شعار "الإسلام هو الحلّ" ليس برنامجًا واقعيًّا لإصلاح المجتمع والاقتصاد المصريّ، والخلافة الإسلاميّة لا يمكن أن تعود ما دامت مصر بحاجة لمساعدات من صندوق النقد الدوليّ والكونغرس الأمريكيّ. فالمطلوب من الإخوان هو الانصياع لتعليمات "المرشد" الجديد وهو صندوق النقد الدوليّ الذي يشترط منح مساعداته الماليّة بقيمة 5 مليار دولار بانتهاج سياسة تقشّفيّة صارمة وإجراء تقليصات مؤلمة في الدعم الحكومي للسلع الغذائيّة الأساسيّة. ومن هنا، يتوجّب على المعارضة أن تفسح المجال للإخوان المسلمين ليثبتوا كفاءتهم ولينتقل الصراع بين المعارضة والسلطة إلى المواجهة المباشرة بين السلطة والشعب الذي لا يمكن أن يقبل هذه التعليمات الاقتصاديّة التي ستزيد الفقر فقرًا.
إنّ ما يقف وراء الصراع السياسيّ هو صراع طبقيّ بدأ يحتلّ الساحة السياسيّة. فعمّال مصر اليوم في كلّ الأقاليم يملأون الشوارع ليس سعيًا للسيطرة على الحكم بل على أساس برنامج نقابيّ واضح وملموس يبدأ بالمطالبة بالحقّ في التنظّم النقابيّ المستقلّ، ومن ثمّ بمطالب تشمل مصلحة الشعب المصريّ ككلّ مثل زيادة الحدّ الأدنى للأجور، التثبيت في العمل، إلغاء العمل بالمقاولة، زيادة الرواتب، تحسين شروط الخدمة، تحسين شروط الوقاية، زيادة الميزانيات للصحّة والتعليم وغير ذلك من المطالب التي تملأ الثورة بمضمونها الحقيقيّ، ذلك المضمون الذي يمكن تلخيصه بشعار "العدالة الاجتماعيّة".
إنّ الخوف من الإخوان لا يمكنه أن يملي سلوك المعارضة الثوريّة؛ فالانتخابات هي من أهمّ إنجازات الثورة وهي الضمان الأهمّ للديمقراطيّة. ما دام الدستور يضمن المشاركة الحرّة في الانتخابات وحرّيّة الصحافة والرأي، فالخوف من تزوير الإخوان للانتخابات يظهر أكثر كذريعة تتذرّع المعارضة بها وليس السبب الحقيقيّ لمقاطعة الانتخابات، وفي نهاية الأمر يعبّر موقف المعارضة هذا عن عدم ثقة بالجماهير وبخيارهم الديمقراطيّ. وقد لعبت المعارضة دورًا حيويًّا في كشف سياسات الإخوان المسلمين وطرح البديل السياسي لهم، وقد أدّى هذا النشاط إلى انشقاق في صفوف الإسلاميّين أنفسهم بعد أن انسحب حزب النور من التحالف مع الإخوان وإلى تحوّل كبير في الجامعات المصريّة بعد أن خسر الإخوان المسلمون السيطرة على مجالس الطلاب لصالح الكتل الثوريّة.
إنّ مكانة الإخوان المسلمين تتراجع ليس بسبب سلوك المعارضة فحسب، بل بسبب عجز حكومة هشام قنديل عن تخفيف معاناة المواطن المصريّ. يواجه المواطن المصريّ القمع من قبل وزارة الداخليّة ومباحث أمن الدولة كما كانت الحال في عهد مبارك، ومشكلة الخبز لا تزال قائمة مثلها مثل أزمة الوقود وغاز الطهي. العامل المصريّ لا يرى أيّ تحسّن في وضعه، والدولة لا تقوم بدورها في المجالات المختلفة التي تحت مسؤوليّتها. ومن هنا على المعارضة المصريّة وتحديدًا على اليسار المصريّ، أن تتهيّأ لخوض الانتخابات القادمة في حال إجرائها لكسب ثقة الطبقة العاملة المصريّة التي أثبتت وعيها السياسيّ العالي واستعدادها للنضال للنهوض بالاقتصاد المصريّ. الثورة هي من صنع الشباب والعمّال ولا أحد يستطيع أن يسرقها منهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النموذج الأولي لأودي -إي ترون جي تي- تحت المجهر | عالم السرع


.. صانعة المحتوى إيمان صبحي: أنا استخدم قناتي للتوعية الاجتماعي




.. #متداول ..للحظة فقدان سائقة السيطرة على شاحنة بعد نشر لقطات


.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال الإسرائيلي تكثف غاراتها على مخي




.. -راحوا الغوالي يما-.. أم مصابة تودع نجليها الشهيدين في قطاع