الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة لنقد النقد مطر والفلاحي وبرج القوس

عبد الحليم المدني

2013 / 3 / 8
الادب والفن


أكاد اجزم أن الشاعرة فاطمة ألفلاحي من مواليد برج القوس ..الذي يعد مواليده من المحظوظين جدا...أنا لم اقرأ لفاطمة ألفلاحي سابقا إلا أنني أسجل أنها محظوظة بحق ...حين يكتب عن تجربتها ناقد يتمترس بأصول النقد ونظرياته مثل هاشم مطر..غاص إلى عمق النصوص ولم يكتف بمسح السطوح الظاهرة للعيان التي قد تشي بما هو مخبوء ..والذي غالبا ما يكون شُعَباً مرجانية تحول دون الوصول إلى زواياه القصية إلا لغواص ماهر تعوّد الاصطياد في اللجج العميقة.
يقول هاشم انه" ابتعد عن لغة الإفصاح ذات اللمعان" ليقرأ أو يستقريء(بعبارة أدق)أربعة مجاميع شعرية لفاطمة وصفها بالأناقة. أول ما يسجل لنا الناقد أن البيئة في نصوص فاطمة تطبق على النص من جهاته الست ولذلك فهو بحاجة إلى كسر احد الجدران الست لينطلق إلى الأوسع والأكبر والاهم.
ثم يسجل ملاحظة(يحتاج فيها إلى إقناعنا لأننا لم نر أو نسمع شيئا بعد) وهي" أن جنوح الشاعر إلى عدم الرضا وعناده الحر مع المنجز ذاته تجعل النص يبدأ وينتهي مع دوام الحالة واستمرارها" ويقول "إن النصوص تأخذ شكل الكشف المثير غير الممتنع يبعده عن غموض الفكرة"... ويبقى الناقد متلبسا بعناده الحر إذ يرى في (ذاكرة الحكايا وأسرارها كعطر محرم) أنها تصفعنا (تصفعه) قوة النص فيها.
من البديهي أن الصورة الشعرية تأتي مطابقة للجهد النفسي وإلا لكان الشعر مجرد رصف للكلمات على رفوف أنيقة كما فعل شعراء القرون الوسطى.
إن الناقد منبهر بجرأة الشاعرة في تداول مفردات كانت محرمة على المرأة مثل( المراودة... ونزق النزوات... وخلف الأبواب) التي وجد الناقد فيها" جرأة في الاستخدام..." في بيئة محافظة ترى أن المرأة لا ينبغي لها أن تقرأ سورة يوسف!!!. من المؤكد أن الشاعرة تفصح ليس عن كثافة الصور فحسب بل عن كثافة المفردات المحلقة في سيل من الأضواء الملونة التي انبهر بها الناقد.
إن نصوص ألفلاحي توحي بهذا اللون من تأمل العذابات وعذابات التأمل المنغرس في اللاوعي..فهي لا تريد أن تستفيق من غشيتها..لان الإفاقة تعيدها إلى ما وراء الأبواب.... من يقف وراءها؟؟الوطن ؟؟ الحبيب ؟؟ أم انتظار الآتي؟؟ أم اللاشيء ؟؟
ويسجل هاشم عبارة يريد أن يجعلها تنظيرا حين يقول" اللوعة هي من مفردات الصياغة الذهبية " وكأنه حصر الحالة الإبداعية بمرتكز أساسي هو اللوعة..وهنا لابد لنا من تحديد المصطلحات ومدياتها وأبعادها كي لا نقع في منزلق التناقض أو التشتت.
لا شك أن تتالي الصور يحلق بنا بعيدا .. فالشاعرة تمتلك من الرؤى ما يجعلنا نركض وتتقطع بنا الأنفاس ونحن نتابع رؤاها في "اغترابات الدجى " و " أطراف البحر " مع إدراكنا أن بعضا من المفردات قد شابها الاستهلاك مثل( القلب الروح العطر الربيع الندى...) .
ويبدو جنوح الشاعرة إلى الإبداع الحقيقي واضحا في (ذاكرة من غياب ) مما جعل الناقد يسجل " أنها ترتيلة متقنة تدعمها أعمدة تخضع النص في مساق الرواية الشعرية الكاملة".
لم نلاحظ التعقيد اللغوي الذي رآه الناقد في " مشاغفة "..
إن المزاوجة الشرعية وغير الشرعية بين الكلمات التي تولد الرؤى الجديدة هي ما يعطي الشعر سموّه الروحاني الذي نقف امامه وكأننا نصلي صلاتنا الأخيرة.
يخلص الناقد إلى نتيجة مهمة وهي أن أجواء فاطمة ألفلاحي منصبة على استحداث المعنى الجديد الناطق بالحالة الجديدة (ما هي الحالة الجديدة هذه؟؟؟) وليس على شكل (تناغم أو محاكاة لنصوص كلاسيكية أو أدب مشغول أو معرّف). .. نعم الشاعرة قادرة على توليد المعاني بمضامين معصرنة تتماهى مع حالات إنسانية باهرة من المعاناة والألم الذي يبلغ مداه في (الافتراض) والمفعم بالإثارة في (هزيمة القلب ) وهي إثارة حسية تكاد تنسجم كما يقول هاشم مطر "مع النص الشعري فلا تبالغ بالمعنى ولا تنتقص منه تحت ذريعة أي مسمى ".
إن الإثارة الحسية المفترضة التي تعنى بالموسيقى الداخلية المنتجة للنص لا تبدو بهذا الشمول الذي أطلقه الناقد..فقد يترهل النص أمام المعنى أو يلبس بدلة أنيقة بحجم(سمول سايز)فتخرج أطراف النص منها..
لعل قمة الجمال تبدو في نص (الومضة) في استخدام العبارة المغلفة بالعطر الغامض..(تبادل الملامح مع الخوف.... كيف لسراديب الحزن أن تغادر مداراتنا....) يصفها الناقد بأنها " دلالات عضوية لقوة المعنى المبني على الحالة الحرة للتداعي المقرون بالكثافة اللغوية.."
لقد حاول هاشم مطر أن يجعل مكامن الجمال سافرة في النص ..فاستعمل مصطلحا جديدا ألقانا في غيهب لجته..ملتقطين أجزاء المعنى لتكوين الصورة..
سأتجاوز بعضا مما أسجله لهاشم كبراءة اختراع من مثل( الدلالات العضوية..أدب الصورة..الرتاجات..الروح اللائية ) لانتقل إلى الرأي الذي أطلقه وهو أن الشاعرة تمزج في شعرها" ضروبا مختلفة من بيئة اللوحة السريالية وفتنة التعبير فتجعل للموجة خطوة!! " أَوَ ليست الموجة هي الخطوات اللانهائية؟؟...
لم أجد الشاعرة تحكم رتاج الحب على نفسها " سجنها الأبدي " لأنها لا تفتعل الحب بل تمارسه في ( ما عاد لي زمن )لكن الناقد يتقمص روح الشاعرة ( أو هكذا يتصور ) حين يفسر (آية ) بمعنى (كشف النقيض عن ذاته) فيسرد تاريخ ألمه الساكن الصامت بانشطارات لونية (عاقلة).. وتلفت ( العاقلة) نظر المتلقي ليجدها نقيضة للمتصور من تماهي اللون والجنون....
هل يمكن أن يكون الألم هو الخيط الرفيع النابض بالحياة الذي يجمع كل صور فاطمة ألفلاحي ومخيالها الإبداعي؟؟...
يقول هاشم" الأشعار بمجملها رحلة شفافة تندرج في سياق التجربة الشخصية للشاعرة بشقيها المعايشة والاغتراب".
ويعود إلى موضوع (المكعب ذي الأبعاد الستة)فيرى أن تلك الجهات الحسية هي الحاسمة بنجاح النص الشعري.
في (احتراقات وطن )تحول واضح نحو المباشرة والتلقائية مع الوطن..سيد الأوطان.. التي تستمر حكايتها معه...راوية قصته التي أجبرتها على فراقه فتدخله حيز منفاها المرّ...." سألتهم عن الأحبة؟؟ قالوا من هنا مروا مرفوعين على الأكتاف" مباشرة ..ووضوح لا يخرجها عن الإطار العام .. إلا انه ينحو بها منحى جديدا مختلفا يبدو اقل جاذبية لكنه أكثر جذبا للوجع والحزن...
أنا لم اقرأ فاطمة ألفلاحي ..بل قرأت هاشما...بل قرأت فاطمة من خلال هاشم...
كان هاشم منفعلا..منبهرا...بالصور والرؤى ...والغربة والرغبة...وانثيال الأحاسيس.
ربما أغنتني كتابة هاشم مطر عن طلب المجموعات الأربع كي اقترب من أجواء الشاعرة أكثر...لكن دراسته بحق تؤكد أن فاطمة ألفلاحي من مواليد برج القوس ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية للدكتور المدني
عبد الحسين سلمان ( 2013 / 3 / 10 - 15:04 )
تحية للدكتور المدني:
وآهلاً و سهلاً في الحوار المتمدن.ناقداً..وبا حثاً...
يبدأ ..د. عبد الحليم المدني مشواره في صفحات الحوار المتمدن, بالكتابة عن الزميلة الشاعرة الفلاحي...هذه هي مهمة النقد..أن يكشف للقارئ..أسرار القصيدة...وجنيات الشعر...كم نحن بحاجة الى أقلام أكاديمية تفحص النص الشعري فحصاً دقيقاً.
مودتي واحترامي وتقديري للدكتور المدني

اخر الافلام

.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش


.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان




.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص