الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل فلسفة أو سياسة يمكن أن تنجح

الحايل عبد الفتاح

2013 / 3 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


كل فلسفة أو سياسة يمكن أن تنجح

قد يتساءل الملاحظ الفلسفي والسياسي والإقتصادي والإجتماعي وغيرهم من ذوي الإختصاصات : كيف يكمن لنظرية أو تجربة فلسفسية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية معينة أن تنجح بغض النظر عن صحتها ( نظريا) وقيمتها الإنسانية ؟
للجواب على هذا السؤال يجب افتراض معطى أولي ثابت ألا وهو : كل فلسفة أو سياسة أو اقتصاد أو غيرها من النظريات المبتدعة، بحسن أو بسوء نية، يمكن أن ينجح في التطبيق إذا كان محاطا بظروف معينة...ونجاح أي فلسفة أو سياسة أو نمط اقتصادي أو اجتماعي لا صلة له بما قد يتخيله البعض من افتراض أسس حقيقية أو مغلوطة، ليس متعلقا بمدى قربه أو صلته بما هو حقيقة وعدل...
قد تبدو هذه الإفتراضية المقترحة غير واضحة بهذا الشكل من التعبير...لأن التعبير لا يصور التجربة إلا بالقدر الذي يستعمل فيه من اللغة القدر الكافي للفهم... ومن ثم وجب توضيح هذه الإفتراضية بهذا المقال المتسرع.
ماذا تعني هذه المقولة التي عنون بها هذا المقال (كل فلسفة أو سياسة يمكن أن تنجح ) ؟
لتقريب فهم القارئ من معنى هذه الأطروحة المقترحة، نطرح الأسئلة التالية :
هل نظام الدكتاتورية صالح ويمكن أن ينجح في تنظيم مجتمع معين ؟
التجربة التاريخية أفادت علماء التاريخ والفلسفة والإقتصاد وغيرهم بأن الجواب هو : نعم. يمكنها أن تنجح. الدكتاتوية كنظام يمكن أن تنجح ولو أنه نظام يكرهه من يفقه كنه مساوئه...بل هي ليست فقط قابلة للنجاح بل قابلة لحشد الجماهير حولها لتأييدها والإستفادة منها...بل يمكن أن تصبح مثالا يقتذى به ويشهر له...
- فالهتليرية ( أيام الفهرر الألماني هيتلر) نجحت في تنظيم المجتمع الألماني ونمت وأزهرت اقتصادياته...
- والفركاوية ( من أيام الإسباني فرانكو) نجتمت هي الأخرى، وبقيت جاثمة على المجتمع الإسباني لأكثر من نصف قرن. كانت ناجحة...
- والديمقراطية ( بعدد من الدول الأوروبية) نجحت هي الأخرى في مجتمعات معينة واقتنعت بها غالبية الشعب بعد فهمها لمعناها وما تفضي به من عدل ورخاء وازدهار...
- والإشتراكية ( بشكلها لدى ستالين وخروتشوف وبريجنف) دامت لأكثر من نصف قرن. نجحت إذن في إقناع الجماهير. كانت تجربة ناجحة إذن.
وحين نصف نظاما بأنه "ناجح أو غير ناجح" فإننا نقصد صلاحيته للعمل والتشبث به لمدة معينة...
وخلاصة القول هي أن أي فلسفة أو نظام سياسي أو اقتصادي، مهما علت أو انحطت في إنسانيتها واحترامها لحقوق الإنسان، فمن الممكن أن تحقق نجاحا في تنظيم مجتمع معين، يمكنه أن يكتسب متعاطفين ومؤيدين وأنصارا ومحاربين باسمه...فشرط البقاء والدوام والسيطرة هو قوة الإقناع في مواجهة الفكر الجماعي...
لنأخذ مثلا حيا ومن وقتنا الحاضر :
- هل المصريون كانوا يتمتعون في عهد المخلوع مبارك بنفس الحرية التي يتمتعون بها الآن ؟ بالتجربة وقراءة التاريخ والأحداث يتبين أن الحرية في عهد مبارك كانت أقل في مساحتها ومضمونها من الحرية التي يتمتع بها المصريون حاليا...
الحرية أيام مبارك كانت مقيدة بشدة ومحروصة...أما الآن فمتسيبة وفوضى، لأن العديد من المصريين لم يفهموا الحيز الجديد من الحرية الذي أتيح لهم، لأنهم يجهلون التصرف بالحرية...الدكتاتورية كانت تنظمهم، كانت مستحكمة في أفكارهم وتعاملهم...وهم الآن أيتام الدكتاتورية القاسية الشرسة...ويرفضون تبني الديمقراطية الناعمة العادلة المزهرة...فالدكتاتورية حكمتهم بالقوة والحديد واستحكمت في عقليتهم لمدة أزيد من نصف قرن...فهم لم يأخذوا الوقت الكافي لهضم محاسن الثورة...صدمة اللقاء الجديد بالحرية ...فالديكتاتورية التي كانت مفروضة عليهم كانت ناجحة....إذن فالدكتاتورية يمكنها أن تنجح في مجتمع معين بمعطيات معينة...

- والتجربة الفلسفية والاقتصادية الإيرانية تعد هي الأخرى تجربة ناجحة لحد الآن، لأن غالبية الإيرانيين يساندونها...فهي تجربة ما تزال دائمة ومستمرة بل قوية، خلقت لنفسها موقعا جلب عليها طبيعيا أعداء من الخارج والداخل...فهي رغم ذلك تجربة ناجحة ومستمرة لأنها محاطة بظروف معينة...
ولماذا فشلت وانهارت الدكتاتورية الألمانية أو الإسبانية أو الإيطالية أو القذافية أو العربية في بعض الدول ؟ ولماذا فشلت تجربة الفيودالية والإشتراكية والشيوعية والبيرقراطية والطيقراطية (إلى حد معين) وغيرها من الفلسفات والأنظمة السياسية والإقتصادية...؟ فشلت لأسباب ثلاث :
- لأنها لم تعرف أن لها أعداء يتقوون مع مر الزمان ويتسلحون بمبادئ صالحة للأغلبية وفي مصلحة للجماهير...
- لأنها لم تدمج في أحشائها أعداءها، لم تحتويهم كما تفعل بعض النظم الدكتاتورية العربية الآن...
- لأنها ارتكبت أخطاء معينة منعتها من الإستمرار والدوام وقوضت مسيرتها واستقرارها...
كيف نحكم على فلسفة أو نظام سياسي أو اقتصادي بأنه ناجح وصالح لمجتمع معين ؟
الجواب بسيط. وهو : كل فلسفة أو نظام سياسي أو اقتصادي يستقر ويدوم لمدة طويلة ( بغض النظر عن عيوبه أو إعاقاته ) فهو نظام صالح للمجتمع الذي يسود به...
في النهاية يمكن استنتاج ما يلي :
ففرض الفكر الدكتاتوري يمكن أن ينجح وتقتنع به الأغلبية من الشعب
وفرض الفكر الفيودالي يمكن أن ينجح وتقتنع به الأغلبية من الشعب
وفرض فكر الديمقراطية يمكن أن ينجح وتقتنع به الأغلبية من الشعب
وفرض فكر نظام البرالية يمكن أن ينجح وتقتنع به الأغلبية من الشعب
وفرض فكر الإشتراكية يمكن أن ينجح وتقتنع به الأغلبية من الشعب
وفرض فكر البرقراطية يمكن أن ينجح وتقتنع به الأغلبية من الشعب
وفرض فكر الإنسانية يمكن أن ينجح وتقتنع به الأغلبية من الشعب
وفرض الفكر الديني يمكن أن ينجح وتقتنع به الأغلبية من الشعب
وفرض فكر الإلحاد يمكن أن ينجح وتقتنع به الأغلبية من الشعب
كل الأنظمة قابلة للتطبيق والنجاح والديمومة كما أنها كلها قابلة للرفض والسخط...لأن تاريخ الفكر الإنساني الجماعي لم يميز بعد، باقتناع جازم وباث، الفلسفة أو النظام السياسي أو الإقتصادي الأصلح للبشر...الفكر الإنساني الجماعي الإقليمي لم يجرب كل الفلسفات والأنظمة السياسية والإقتصادية...لا يثق بأي فلسفة أو نظام سياسي أو اقتصادي لحد الآن...
فعلم وتجربة البعض ( أفرادا ودولا) دون الآخرين ليست كافية لإقناع غالبية سكان الأرض بما هو أصلح لهم من الفلسفة والأنظمة السياسية والإقتصادية...
- والغريب في الأمر أن أي نوع من الفلسفة أو السياسة أو الاقتصاد يجد له مبررا في الوجود ويجد له طائفة من الشعب تؤيده وتنتصر له. ومن ثم يدوم ويأخذ شكل نسق فكري مستحكم لا يمكن التحلل أو التحرر منه ولو كان خاطئا...كما أن كل الفلسفات والأنظمة السياسية والإقتصادية تجد لها أعداء ومعارضين ورافضين يودون أن يحطموها أو يغيروا وجهتها ونوعيتها...
قناعة الفكر الجماعي الجماهيري هي المحددة لاختيار نوع الفلسفة والسياسة والإقتصاد الأصلح واقعيا للشعب...
وحين يرفض أو يقبل الفكر الجماعي فلسفة أو سياسة أو نمطا اقتصاديا، فهو يتيح للشعب فرصة نصرته أو لفظه بكل الطرق المتاحة...
وتبعا لذلك فهناك بعض الشعوب لا يمكن أن أن تتبنى الديمقراطية وتأخذ بها ولا غيرها من مختلف التنظيمات الفلسفية والسياسية والإقتصادية مادامت لا تفهم معناها ولا محتواها...بل أن من هذه الشعوب من ألفت الدكتاتورية والقمع وترى فيهما حلا لكل مشكلاتها...
ونتيجة هذا الطرح الأخير هو أن الدكتاتور يجد مبررا وشرعية لوجوده وتصرفه ويعتقد ( ولو أنه ديمقراطي فكريا) أن الخاضعين له لا يستحقون الديمقراطية...
إذن كل فلسفة أو نظام اقتصادي أو سياسي يمكن أن ينجح في تنظيم مجتمع معين بغض النظر عن قيمته الإنسانية والحضارية...

الحايل عبد الفتاح، 07 03 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة