الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل جبهة عمالية متحدة ضد الفاشية

ليون تروتسكي

2019 / 3 / 19
الارشيف الماركسي


كتبه ليون تروتسكي في المنفى في تركيا، 8 ديسمبر 1931،
ونشر في دورية المعارضة، العدد 27، مارس 1932.
ترجم إلى الانجليزية بواسطة موريس لويت في المقاومة the militant، في 9 يناير 1932،
ترجم إلى العربية بواسطة اليسار الثوري 2013.

العنوان الأصلي للمقال “ما الخطأ في السياسة الحالية للحزب الشيوعي الألماني؟“

1. مقدمة اليسار الثوري
2. من أجل جبهة عمالية متحدة ضد الفاشية



(1)

مقدمة اليسار الثوري

لا تعرف الماركسية اللينينية (الثورية) أى تحالف “سياسى” أو “انتخابى” مهما كان ظرفياً أو مؤقتاً، ومهما كان هدفه، مع أى قوى اصلاحية أو ليبرالية أو وطنية. ولا تدعو، مهما كان الحال، لتحالف مثل هذا. إذ أنها تسعى لتميز موقفها و”راياتها” حتى في المعارك التي تجد فيها نفسها تناضل بجوار قوى اصلاحية، تسعى لاستقلال خطابها السياسى والاحتفاظ بحريتها في نقد أى مسلك انتهازى أو أى تردد أو مناورة يقوم بها الاصلاحيون أو الوطنيون، فالاستقلال السياسى والتنظيمى لحزب يسعى أن يكون ممثلاً للمصالح الكلية والتاريخية للعمال والجماهير الفقيرة هو أمر لاغنى عنه لاستراتيجية طبقية ثورية.

إن أدنى خلط للرايات، أدنى اشتراك في المنشورات، أدنى مساومة توفيقية في الدعاية أو تحديد المواقف يصب بالضرورة في طاحون أحد تمثيلات رأس المال، فلا فرق بين أى منهم في محاولة الحفاظ على النظام الطبقى البرجوازى وحمايته من الجماهير، وهدم هذا النظام تحديداً هو الهدف العام للماركسين الثورين، وهو هدف لايمكن تصور تحققه أو الاقتراب منه بدعم جناح رأسمالى ضد آخر، اصلاحى ضد رجعى أو ليبرالى ضد اسلامى أصولى وإن كان صحيحاً أن هؤلاء الممثلين لرأس المال جميعاً يقفون بالنسبة لنا على الضفة الاخرى من النهر، إلا أن ظروف المعركة الطبقية وتناقضاتها قد تجعل أحدهم – في لحظة معينة – أشد خطراً عن غيره من أعدائنا الطبقين، ظرف مثل هذا يفرض علينا توجيه ضرباتنا نحوه، ولكن لن نضطر إلى اعتبار الآخرين من اشقاءه الطبقين حلفاء سياسين، ولو مؤقتاً.

سنركز الهجوم على الخطر الأشد، دون أن نغفل عن التحذير من الخطر التالى الممثل في البدائل الاخرى للرأسمالية، لن نعمل على تقوية أحد أعمدة النظام الرأسمالى، سنحترم درجة الخطورة، فمن يطلق علينا الرصاص ليس كمن يكتب ضدنا، من يتصدى للمظاهرات بالعنف ليس كمن يحاول أن يستغل مظاهرات الجماهير لأهدافه السياسية الخاصة، سنسعى أولا لنزع السلاح الموجه ضدنا دون الكف عن التحذير من ألاعيب ومناورات الجناح الآخر في المعسكر العدو، ومن ثم فمن البديهى أن نوجه – نحن والليبرالين في ذات الوقت – هجومنا ضد هجمه استبداديه أصولية في لحظات معينة، إلا أننا لن نخلط راياتنا براياتهم، ولن نسمح بتمويه أو تذويب أهدافنا بايهام الجماهير بأنه لافرق بين الاشتراكين والاصلاحين أو الليبرالين، بأن نسير معاً دون استقلال في الرايات والشعارات والأهداف، هذا إن خاض هؤلاء نضالاً حقيقاً على الأرض، ومن باب أولى لن ندخل ابداً في تحالف سياسى أو انتخابى معهم في أى وقت.

واكثر من ذلك، اذا تبنى ليبرالين مثلاً موقفا من تشريع رجعى يقيد حرية الجماهير، بلا أدنى شك سنؤيد هذا الموقف، ونهاجم نفس التشريع أيضاً ولكن من وجهة نظرنا، وسنسعى لتحويل الأمر ضده إلى معارك على الارض، وسندعو الاصلاحين أن يناضلوا وأن يخوضوا معارك حقيقيه ضده بين الجماهير، وسيتبين هؤلاء المخدوعون في الاصلاحين أو الليبرالين الفرق في الاستعداد الحقيقى للنضال مع الجماهير، الفرق بين النضال والمساومة الانتهازية، بين قادتهم وموقفنا، سنكسب بذلك الجماهير، ونهاجم هذا التشريع بقوة، دون تقييد أيدينا للحظة بأى تحالف مع هؤلاء القادة ودون أن نحمل – امام الجماهير – خطيئة وانتهازية هؤلاء الاصلاحيون والليبراليون المناورون.

الستالينية وحدها هى من حرف هذه المبادئ اللينينية الثورية، بدفعها للشيوعيون في الدول المستعمرة للتحالف مع برجوازيتها (الوطنية) وتذيلهاسياسيا وقصر الاستراتيجية على “التحرر الوطنى “، أى رفع هذه البرجوازية إلى مقاعد الحكم من خلال ماسمى بـ”الجبهة الوطنية”. هذه الجبهه التي أفضت في المستعمرات إلى حمامات دم للشيوعيون على أيدى حلفائهم “الوطنيين”.

وهى من دفع الشيوعيين في الدول الأوربية إلى تذيل الجمهوريين والديموقراطين في المعركة ضد الفاشية، وإلى الوقوف عند حدود هدف استعادة “الجمهورية الديموقراطية” رغم أن الشيوعيين هم من نظم وقاد عمليات المقاومة، وكان له السيطرة الفعلية في صفوف الجماهير، هى من دفعهم إلى “تسليم السلاح” للجبهة الشعبية والجناح الجمهورى والعودة إلى العبودية “الديموقراطية” لرأس المال، تلك كانت تعهدات ستالين لحلفاء نظامه الامبرياليين، والتقسيم الامبريالى الذى اتفقوا عليه لمناطق النفوذ في العالم.

يعمل الشيوعيون – من حيث المبدأ – على حشد وتوحيد قوى الطبقة العاملة في نضالاتها، لذلك يقبلون بالعمل “القاعدى” المشترك مع التيارات العمالية ولو كانت ذات توجه اصلاحى أو محافظ، فمن خلال هذا العمل المشترك يتحقق هدفين؛

الأول هو أن يشكل العمال قوة موحدة وقادرة على تحقيق مكاسب في معاركها، وأن لا تتفت قوتهم بسبب اختلاف تياراتهم.

والثانى هو أن هذا النضال المشترك سوف يصطدم بالحدود المحافظة والمناورات المختلفة للاصلاحين ويكشفها أمام الجماهير التي ستفقد ثقتها فيهم وتزيد ثقتها بنضالاتها وباخلاصنا لقضيتهم.

هذا العمل المشترك لا يتطلب تحالفاً سياسياً، إنه يحتاج فقط إلى الوحدة العملية في المعارك الطبقية مع احتفاظ كل طرف باستقلاله وحرية حركته.

هذا اذا استدعت المعارك التي يخوضها العمال إلى هذا العمل المشترك، وتقدم لنا التجربة التاريخية حالتين نموذجتين لضرورة العمل المشترك مع اصلاحين أو وسطيين داخل صفوف الجماهير، أو لأحزابها نفوذاً على قطاعات من الجماهير، كليتهما تتعلقان بوجود خطر جسيم يهدد مصير الطبقة العاملة ونضالاتها ربما لعشرات السنين؛

الأولى هى أن نكون بصدد ثورة أو حالة ثورية يتقدمها العمال وتتعرض لهجوم عنيف من قطاعات الثورة المضادة يمكن أن يسحقها، مثال ذلك قوات الجنرال القيصرى “كورنولوف” التي كانت تزحف على مدينة بتروجراد التي يهيمن عليها لجان العمال وتعد مركز الثورة، لسحق الثورة العمالية في روسيا سنة 1917. وكان الحاكم الرسمى هو كرينسكى ممثل الاشتراكين الثوريين “حزب برجوازى صغير اصلاحى” الذين لهم نفوذ معين داخل لجان العمال. وأجبره البلاشفة على العمل المشترك ضد هجوم كورنولوف رغم عدائه للبلشفية والماركسية.

والثانية هى حالة الخطر الفاشى الذى يهدد منظمات العمال ونقاباتهم ويسعى لكسرها بالعنف، حيث دعى تروتسكى للعمل المشترك مع “الاشتراكين الديموقراطين” الاصلاحين داخل الطبقة العاملة، لتوحيد قوة العمال في مواجهة خطر الفاشية.

العنوان المشترك للحالتين هو (الجبهة العمالية المتحدة) وهى جبهة عمل على الأرض، نضال دفاعى ضد خطر عام، وليست “تحالفاً سياسياً” او ” انتخابياً”، جبهة تضم أجنحة مختلفة داخل صفوف “طبقة ” العمال وليست جبهة “طبقات” وطنية أو شعبية أو أيا كان مسماها، فليس ثمة عمل مشترك يمكن تصوره بين الماركسين وأى تمثيل لرأس المال.

وتختلف الجبهة العمالية المتحدة التي عرفها تراث الماركسية الثورية عن سياسة (الحبهة المتحدة) التي مارسها بعض اليسار وبرر بها دخوله في تحالف مع أحط تمثيلات الرأسمالية المصرية (الاخوان المسلمين) بينما رفض في ذات الوقت التحالف مع يسار اصلاحى محافظ مثل الحزب الشيوعى المصرى. الفرق بين الجبهتين كبير للغاية، أحدهما تسعى لتوحيد قوى العمال ومنظماتهم السياسية في معركة تهدد العمال بما يرفع قدرتهم على خوضها، والثانية جبهة “تعاون طبقى” مع أحد تمثيلات رأس المال ولا صلة لها بأهداف الماركسية أو طريقة عملها.

إن اليسار الثورى على استعداد دائما للعمل المشترك مع آخرين في صفوف النضال العمالى وفقاً لمبادئ وشروط الجبهة العمالية المتحدة وكلما دعت الضرورة إلى ذلك، ويرفض كلياً سياسات التعاون الطبقى أو أى عمل مشترك مع تمثيل من تمثيلات رأس المال.

في هذا الكراس يعرض ليون تروتسكى المنظر والقائد الماركسى الثورى، عبر تحليل حى لتجربة العمل المشترك ضد الفاشية، مفهوم الجبهة المتحدة وشروطه، وهو نفس المفهوم الذى طبقه لينين في عام 1917 لمواجهة هجوم كورنلوف كما يبرهن تروتسكى باستشهاد هام للينين. إنه وإن كانت الثورة المصرية تفرض تعقيدات خاصة، إلا أن هذا لا يعنى لدى الماركسين الثوريين تحوير الاهداف أو الخروج عن المبدأ تحت ذريعة التكتيك، فالتكتيك هو خطوة ضرورية للسير في نفس اتجاه الثورة وليس خروجاً عنه، أيا كان المسمى، وإلا وجب اعلان التخلى عن الماركسية وعن الثورة الاشتراكية صراحة، قد يتعين علينا أن نحدد النظير المصرى للاشتراكية الديموقراطية الأوربية، أى التيار أو التيارات الاصلاحية داخل صفوف العمال والجماهير الشعبية التي يمكن أن نخوض بجوارها نضال طبقى مشترك، ولكن لايجرنا ذلك بأى درجة بعيداً عن مبدأ الاستقلال السياسى والتنظيمى، واعتبار كل مايرفع من وعى العمال، ويزيد من قدرتهم القتالية في المعارك الطبقية معيار موجهاً لنا، واخذ دروس التجربة التاريخية للماركسية الثورية في الاعتبار.

وحتى في ذلك سيكون مبدئنا هو (السير منفصلين والضرب معاً في اتجاه واحد) دون أدنى التزام من جهتنا بالتساهل أو السكوت عن كشف كل تردد أو خيانة أو تراجع انتهازى أو مساومة انتهازية تسعى لخداع الجماهير أو وقف نضالاتها، أيا كان مرتكبه، وبوجه خاص هؤلاء الذين نناضل إلى جوارهم في الجبهة العمالية المتحدة. ان أحد أهداف الجبهة هى كشف هؤلاء تحديدا أمام عضويتهم، وعبر معارك مشتركة وليس بالتحليل المجرد.

اليسارالثورى
فبراير 2013

--------------------------------------------------------------------------------



(2)

من أجل جبهة متحدة عمالية ضد الفاشية

ليون تروتسكي – 1931

تمر ألمانيا حاليا بواحدة من الفترات التاريخية العظيمة يتوقف عليها مصير الشعب الألماني ومصير أوروبا، وإلى حد ما، مصير البشرية كلها لعقود قادمة. إذا وضعنا كرة على قمة هرم، فإن أي مؤثر مهما كان بسيطاً قد يدفعها للسقوط جهة اليسار أو جهة اليمين. وهذا هو الموقف الذي تندفع ألمانيا نحوه حاليا في كل لحظة. هناك قوى تريد أن تنزلق الكرة يميناً وأن تقصم ظهر الطبقة العاملة، وقوى أخرى تريد أن تبقى الكرة في مكانها على رأس الهرم، وهذا ضرب من الخيال، إذ لا يمكن للكرة أن تبقى ثابتة على قمة هرم. ويريد الشيوعيون أن تنحدر الكرة إلى جهة اليسار وأن تقصم ظهر الرأسمالية. لكن الرغبة وحدها لا تكفي، بل يجب أن تعرف كيف تحقق ما تريد. دعونا نناقش هذه المسألة مرة أخرى بهدوء: السياسة التي تنتهجها الآن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الألماني – هل هي صحيحة أم خاطئة؟

ماذا يريد هتلر؟

يحقق الفاشيون نمواً سريعاً، وكذلك الشيوعيون يحققون نمواً وإن بوتيرة أبطأ كثيراً مقارنة بالفاشيين. هذا النمو على أقصى الطرفين النقيضين يثبت أن الكرة لا يمكن أن تستمر على رأس الهرم. ويشير نمو الفاشيين بمعدلات سريعة إلى إمكانية انزلاقها يميناً، وفي ذلك خطر هائل.

يؤكد هتلر أنه ضد أي انقلاب عسكري. وهو لايريد الصعود إلى السلطة إلا عبر الوسائل الديمقراطية، وذلك حتى يتمكن من ذبح الديمقراطية بضربة واحدة ونهائية. هل يمكن حقاً أن نصدق ذلك؟

بالتأكيد، إذا كان الفاشيون يتوقعون أن يحصلوا على أغلبية مطلقة من أصوات الناخبين في الانتخابات المقبلة وبطريقة سلمية، فإنهم ربما يفضلون طريق الديمقراطية. غير أنهم لا يستطيعون في الواقع أن يفكروا في هذا المسار. ومن الغباء أن نعتقد بأن النازيين سوف يستمر نموهم بلا توقف، كما يجري حالياً، وإلى أجل غير مسمى. فعاجلاً أو آجلاً، سوف يستنزفون رصيدهم الاجتماعي. لقد ضمت الفاشية في صفوفها جملة من التناقضات الهائلة حتى أنها حتماً سوف تواجه اللحظة التي يتوقف خلالها المد عن تعويض الجزر في أوساطها. هذه اللحظة قد تأتي قبل أن يتمكن الفاشيون من حشد ولو نصف أصوات الناخبين حولهم بزمن طويل. ولن يكون لديهم آنذاك ما يتطلعون إليه، ولذلك لن يملكوا القدرة على التوقف وسوف يضطرون إلى اللجوء إلى الانقلاب.

حتى وإن تغاضينا عن كل ذلك، فلا سبيل للفاشيين إلى طريق الديمقراطية. إن تفاقم التناقضات السياسية في البلاد، والتحريض السافر الذي تمارسه عصابات الفاشيين، حتماً سيؤديان إلى وضع كلما اقترب فيه الفاشيون من الحصول على الأغلبية، كلما تزايدت سخونة المناخ السياسي، وكلما أصبحت رقعة الصراعات والمواجهات المترتبة على ذلك أكثر اتساعاً. وتصبح الحرب الأهلية من هذا المنظور حتمية قطعاً. ولذلك فإن مسألة استيلاء الفاشيين على السلطة لن يقررها صندوق الانتخابات، وإنما ستقررها الحرب الأهلية التي يستدعيها الفاشيون ويجهزون لها.

هل يمكن أن نفترض ولو للحظة واحدة أن هتلر ومستشاريه لا يدركون ذلك أو لا يتوقعونه؟ معنى ذلك أننا نعتبرهم أغبياء. ولا توجد جريمة في السياسة أشنع من أن تراهن على غباء عدو قوي. ولكن إذا لم يكن هتلر غافلاً عن حقيقة أن طريقه إلى السلطة يمر عبر حرب أهلية شنيعة، فمعنى ذلك أن خطابه حول طريق الديمقراطية السلمي مجرد ستار، أي مناورة. في هذه الحالة، ضروري جداً أن تبقى عيوننا مفتوحة.

ماذا يختبئ وراء مناورة هتلر؟

حسابات هتلر بسيطة وواضحة تماماً، يريد أن يطمئن أعداءه حتى يركنوا إلى تصور أن النازيين يسعون إلى تحقيق مكاسب برلمانية على المدى الطويل، وذلك حتى يهاجمهم على غفلة منهم موجهاً إليهم ضربة قاضية في اللحظة المناسبة. ويمكن تماماً أن يساعد احترام هتلر الظاهري للديمقراطية البرلمانية على تشكيل نوع من الائتلاف في المستقبل القريب يحصل فيه الفاشيون على أهم الوظائف الحكومية ويوظفونها بدورها في خدمة انقلابهم. ذلك أنه من الواضح تماماً أن الائتلاف المفترض، مثلاً، بين الوسطيين والفاشيين لن يكون خطوة أو مرحلة في اتجاه الحل الديمقراطي، وإنما خطوة أقرب إلى الانقلاب العسكري، بشروط أكثر ملائمة للفاشيين.

يجب أن نبلور خطتنا وفقا لأقرب التصورات

معنى ذلك أنه، حتى بشكل مستقل عن رغبة هيئة أركان الفاشية، قد يظهر الحل في

غضون الأشهر، إن لم يكن الأسابيع، القليلة المقبلة. إن لهذا الظرف أهمية كبيرة في صياغة سياسة صحيحة. سوف يصبح النضال ضد الفاشيين أصعب كثيراً في العام القادم إذا سمحنا لهم بالاستيلاء على السلطة خلال شهرين أو ثلاثة أشهر.

إن أي خطط ثورية توضع لعامين أو ثلاثة أو خمسة أعوام مقبلة سوف يتضح أنها مجرد لغو بائس ومشين إذا سمحت الطبقة العاملة للفاشيين بالاستيلاء على السلطة خلال الأشهر الخمسة أو الثلاثة المقبلة. إن حساب الزمن في معالجة الأزمات الثورية له نفس الأهمية الحاسمة كما في العمليات الحربية.

لنضرب مثالاً آخر بعيداً نسبياً لتوضيح هذه الفكرة. إن هوجو أوربانز، الذي يعتبر نفسه “شيوعياً يسارياً”، يعلن إفلاس الحزب الشيوعي الألماني ونهايته سياسياً، ويقترح تأسيس حزب جديد. وإذا كان أوربانز على حق، سوف ينتصر الفاشيون قطعاً. ذلك أن بناء حزب جديد يحتاج إلى سنوات (وعلى أي حال، لاتوجد ضمانة على أن حزب أوربانز سوف يكون أفضل من حزب تايلمان، فلم تكن أخطاء أوربانز أقل من تايلمان عندما كان على رأس هذا الحزب).

نعم، إذا استولى الفاشيون فعلا على السلطة، فمعنى ذلك أن الحزب الشيوعي لن يتعرض إلى مجرد التدمير المادي وإنما الإفلاس السياسي الكامل. إن البروليتاريا الألمانية بملايينها لن تغفر أبدا للأممية الشيوعية وفرعها الألماني هزيمة مهينة في الصراع ضد عصابات من حثالة البشرية. ولذلك، إذا استولى الفاشيون على السلطة فإن ذلك يعني ضرورة بناء حزب ثوري جديد وأممية جديدة على أي حال. وسوف يعد ذلك بمثابة كارثة تاريخية مروعة. ولكن لا يفترض الآن أن هذه الكارثة لا يمكن تجنبها إلا التصفويون الحقيقيون، أولئك الذين يتعجلون الخضوع والاستسلام تحت غطاء من العبارات الجوفاء شأن الجبناء في مواجهة النضال ودون أي مقاومة. لاشئ يجمع بيننا، نحن البلاشفة اللينينيون الذين يطلق علينا أنصار ستالين اسم “التروتسكيين”، وبين أصحاب هذا المنظور.

إن لدينا قناعة لا تهتز بأن الانتصار على الفاشيين ممكن – ليس بعد استيلائهم على السلطة، ولا بعد خمسة أو عشرة أو عشرين عاماً من حكمهم، وإنما الآن في ظل الظروف المعطاة، وخلال الأشهر والأسابيع المقبلة.

تايلمان يعتبر انتصار الفاشية حتمياً

إن صحة الموقف السياسي ضرورية من أجل تحقيق الانتصار، أي إننا في حاجة إلى سياسة مناسبة للموقف الحالي، مناسبة لعلاقات القوى القائمة، لا لموقف قد يتطور خلال عام أو عامين أو ثلاثة أعوام، عندما تكون مسألة السلطة قد حسمت بالفعل لفترة طويلة.

يكمن سوء الحظ كاملاً في واقع أن سياسة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الألماني، بوعي أو بلا وعي، مستمدة من الإقرار بحتمية انتصار الفاشية. في الواقع، تنطلق اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الألماني في دعوتها إلى تشكيل جبهة متحدة حمراء والمنشورة في 29 نوفمبر 1931 من فكرة استحالة هزيمة الفاشية دون هزيمة الاشتراكية الديمقراطية أولا. نفس الفكرة جرى تكرارها بكل تلاوينها الممكنة في مقال تايلمان. فهل هذه الفكرة صحيحة؟ بالمعنى التاريخي هي فكرة صحيحة صحة مطلقة. ولكن ذلك لا يعني على الإطلاق أن المرء يستطيع الاعتماد عليها، وعبر التكرار البسيط، في حل مسائل اللحظة. إن أي فكرة تكون صحيحة من وجهة نظر الاستراتيجية الثورية ككل، تتحول إلى كذبة، وكذبة رجعية في هذه الحالة، إذا لم تتم ترجمتها إلى لغة التكتيكات. فهل صحيح أن القضاء على البطالة والبؤس يتطلب أولاً القضاء على الرأسمالية؟ نعم هذا صحيح. ولكن أشد الناس حماقة فقط هو من يستنتج من ذلك إننا لا يجب أن نناضل اليوم والآن بكل قوانا ضد الوسائل والاجراءات التي تستخدمها الرأسمالية في زيادة بؤس العمال.

هل نستطيع أن نتوقع أن الحزب الشيوعي سوف يهزم كلا من الاشتراكية الديمقراطية والفاشية خلال الأشهر القليلة المقبلة؟ لا يستطيع شخص يفكر بشكل طبيعي، ويستطيع أن يقرأ ويحسب، أن يخاطر بطرح هذه الفكرة. ومن الناحية السياسية تطرح المسألة على هذا النحو: هل نستطيع أن ننجح في دفع الفاشية الآن، وفي وجود اشتراكية ديمقراطية قوية جداً (لسوء الحظ) رغم ما تعرضت له من إضعاف شديد؟ ترد اللجنة المركزية بالنفي. بما يعني إن تايلمان يعتبر انتصار الفاشية حتمياً.

التجربة الروسية مرة أخرى

حتى أعبر عن فكرتي بأكبر قدر من الإيضاح وبشكل ملموس سوف أعود مرة أخرى إلى تجربة تمرد كورنيلوف. ففي 26 أغسطس 1917، قاد الجنرال كورنيلوف فرقة القوزاق التابعة له وإحدى الفرق غير النظامية للهجوم على بتروجراد. وكان كيرنسكي يدير دفة السلطة كتابع ذليل للبرجوازية، وحليف لكورنيلوف إلى حد كبير.

وكان لينين مازال مختبئاً بسبب اتهامه بأنه كان يعمل في خدمة الهوهنزولرنيين (الألمان). وبنفس الاتهام كنت أنا محتجزاً في حبس انفرادي بسجن كريستي. فكيف تعامل البلاشفة مع هذه المسألة؟ وكان يحق لهم أيضا القول: حتى نهزم الكورنيلوفيين يجب علينا أولاً أن نهزم الكيرنسكيين. وقد قالوا ذلك أكثر من مرة، لأنه كان صحيحاً وضرورياً في دعايتهم اللاحقة. ولكن ذلك لم يكن كافياً على الإطلاق لمقاومة كورنيلوف يوم 26 أغسطس، والأيام التي تليه، ولمنعه من ذبح بروليتاريا بتروجراد. ولهذا السبب لم يرض البلاشفة ذواتهم بإطلاق نداء عام إلى العمال والجنود للقطع مع التوفيقيين وتأييد الجبهة المتحدة الحمراء للبلاشفة. لا، لقد اقترح البلاشفة الكفاح عبر الجبهة المتحدة على البلاشفة والاشتراكيين الثوريين واشتركوا معهم في تشكيل لجان مشتركة للمقاومة. فهل كان ذلك صحيحاً أم غير صحيح؟ نترك تايلمان ليجيب على ذلك. وحتى أوضح أكثر كيف تطورت الأمور مع الجبهة المتحدة، أذكر الحادثة التالية: بعد الإفراج عني مباشرة عقب قيام النقابات العمالية بسداد كفالة مالية عني، ذهبت مباشرة إلى لجنة الدفاع الوطني، حيث قمت بمناقشة وتبني قرارات تتعلق بالنضال ضد كورنيلوف مع المنشفي دان والاشتراكي الثوري جوتز، والاثنان حلفاء لكيرنسكي الذي وضعني في السجن. فهل كان ذلك صحيحاً أم خطأ ؟ ليجب “رميل” عن ذلك.

هل برونينج “أهون الشرين”؟

إن الاشتراكية الديمقراطية تؤيد برونينج، وتصوت له في الانتخابات، وتتحمل المسئولية عنه أمام الجماهير على أساس أن حكومة برونينج هي “أهون الشرين”. وتحاول “داي روت فاني” أن تنسب لى نفس الرأي، استناداً إلى أنني عبرت عن رأيي ضد المشاركة الحمقاء والمشينة للشيوعيين في استفتاء هتلر. ولكن هل طالبت المعارضة اليسارية الألمانية، وهل طالبت أنا على وجه الخصوص، بأن يصوت الشيوعيون لصالح تأييد برونينج؟ نحن الماركسيون نعتبر برونينج وهتلر وكذلك براون من العناصر المكونة لنفس النظام. إن مسألة أي هؤلاء هو الأهون شراً لا معنى لها، ذلك أن النظام الذي نناضل ضده يحتاج كل هذه العناصر. ولكن هذه العناصر تنخرط في صراعات فيما بينها بين الحين والآخر، ويجب على حزب البروليتاريا أن يستفيد من هذه الصراعات لمصلحة الثورة.

هناك سبعة مفاتيح في السلم الموسيقي. وسؤال أي هذه المفاتيح “أفضل” – الدو أم الري أم غيره – سؤال فارغ بلا معنى. اذ ان الموسيقار يجب أن يعرف أي المفاتيح يضرب ومتى. والسؤال المجرد حول من هو أهون الشرين – برونينج أم هتلر – هو كذلك سؤال فارغ بلا معنى. من الضروري أن نعرف أي المفاتيح نضرب. هل هذا واضح؟ لنذكر مثالاًً آخر لأصحاب العقول المتهافتة. عندما يضع لي أحد أعدائي قليلاً من السم يومياً، بينما العدو الآخر يستعد لإطلاق النار علي مباشرة، فسوف أقوم أولاً بإسقاط المسدس من يد العدو الثاني لأن ذلك يمنحني فرصة في أن أتخلص من عدوي الأول. ولكن ذلك لا يعني أن السم “شر أهون” إذا قورن بالمسدس.

يتمثل الحظ العاثر تماماً في حقيقة أن قيادات الحزب الشيوعي الألماني وضعوا أنفسهم على نفس أرضية موقف الاشتراكية الديمقراطية مع اختلاف المنطلقات فقط: إن الاشتراكية الديمقراطية تدلي بأصواتها لصالح برونينج حيث ترى فيه أهون الشرين. الشيوعيون من ناحية أخرى الذين يرفضون الوثوق في براون وفي برونينج في جميع الأحوال (وهذا هو قطعاً الطريق الصحيح لاتخاذ موقف) يخرجون إلى الشوارع تأييداً لاستفتاء هتلر، أي، تأييد وسيلة الفاشيين للإطاحة ببرونينج. ولكنهم بهذه الطريقة قد أقروا هم أنفسهم بأن هتلر هو أهون الشرين، ذلك أن نجاح الاستفتاء لن يأتي بالبروليتاريا إلى السلطة، بل سيأتي بهتلر. وبالتأكيد، من المؤلم أن نضطر إلى الاختلاف حول هذه المسائل البديهية. من المحزن، ومن المحزن جدا، أن موسيقيين مثل رميل، بدلاً من أن يميزوا بين المفاتيح، يدوسون على لوحة المفاتيح بأحذيتهم.

القضية ليست هى العمال الذين تركوا الاشتراكية الديموقراطية بالفعل ولكنها في العمال الذين لا زالوا معها

الاف والاف من النوسكيين والويلزين وأنصار هيلفردينج، في التحليل الاخير، يفضلون الفاشية على الشيوعية، لذلك يجب عليهم التحلل من العمال مرة واحدة، ومع ذلك حتى الآن لم يبلغ الأمر هذا الحد، اذا أن الاشتراكية الديموقراطية بأكملها الآن، بكل تناقضاتها الداخلية، مجبرة على خوض نضال عنيف ضد الفاشيين، انها مهمتنا الآن أن نستفيد من هذا الصراع، وليس أن نعمل على توحيد قوى الأعداء ضدنا.

إن الجبهة الآن يجب أن تكون موجهة مباشرة ضد الفاشية. وفي نفس الوقت يجب استخدام هذه الجبهة المشتركة التى تضم البرولتاريا ككل، أساساً بهدف النضال المباشر ضد الفاشية، في النضال ضد الاشتراكية الديمقراطية، كنضال فرعى، ولا يجب ان تكون أقل فعالية في الحالتين.

فمن الضرورى أن نبين بالافعال استعدادنا التام لأن نشكل كتلة واحدة مع الاشتراكين الديموقراطين في النضال ضدالفاشية، في كل الحالات التي يقبلون فيها بتلك الوحدة، إن قلنا للعمال الاشتراكين الديموقراطين، اطرحوا قادتكم جانبا، وانضموا إلى الجبهة المتحدة الغير حزبية، فذلك يعنى أننا نضيف مجرد جملة فخيمة جوفاء إلى آلاف أمثالها لاغير. إذ أننا يجب أن نعرف كيف نفصلهم عن قادتهم عبر نضال واقعى، والنضال الواقعى الآن هو الصراع ضد الفاشية.

لاشك أن هناك عمالاً من الاشتراكيين الديمقراطيين مستعدون للنضال يداً بيد مع العمال الشيوعيين ضد الفاشيين، بغض النظر عن رغبات منظمات الاشتراكية الديمقراطية، بل وضد رغباتها. وهناك ضرورة واضحة لتأسيس أوثق ارتباط ممكن مع العناصر المتقدمة من العمال الاشتراكيين الديمقراطيين. غير أنهم في الوقت الحالي لا يشكلون أعدادا كبيرة. فقد تربى العامل الألماني على روح التنظيم والانضباط. ولهذا جوانب قوة وجوانب ضعف. إن الغالبية الكاسحة من العمال الاشتراكيين الديمقراطيين سوف يناضلون ضد الفاشيين، ولكن على الأقل في الوقت الحالي سوف يفعلون ذلك مع منظماتهم فقط. ولا يمكن القفز على هذه المرحلة. علينا أن نساعد العمال الاشتراكيين الديمقراطيين من خلال الحركة – في هذا الموقف الجديد والاستثنائي – على اختبار قيمة منظماتهم وقياداتهم في الوقت الحاضر، عندما يكون أمر حياة أو موت بالنسبة للطبقة العاملة.

يجب علينا إجبار الاشتراكيين الديمقراطيين على الانضمام إلى جبهة في مواجهة الفاشيين

إن المشكلة هي أنه يوجد في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي كثير من الانتهازيين المذعورين. وقد سمعوا أن الانتهازية تتمثل في عشق خاص للتكتلات، ولهذا فهم ضد التكتلات. إنهم لا يفهمون الفرق بين، مثلاً، التحالف الانتخابي وتحالف محدود جداً للنضال خلال إضراب أو دفاعاً عن مطابع العمال ضد العصابات الفاشية.

إن التحالفات الانتخابية والمساومات البرلمانية التي تعقد بين الحزب الثوري والاشتراكيين الديمقراطيين (الإصلاحيين) كقاعدة تصب في مصلحة الإصلاحيين. بينما التحالفات العملية من أجل تحرك جماهيري وبهدف النضال تكون دائما مفيدة للحزب الثوري. كانت اللجنة الأنجلو-روسية نوعا من التحالفات غير المسموح بها بين قيادتين على برنامج سياسي واحد مشترك، برنامج غامض ومخادع لا يلزم أي طرف بأي تحرك على الإطلاق. وكان الحفاظ على هذا التحالف في وقت اندلاع الإضراب العام في بريطانيا، وعندما كان المجلس العام يلعب دور كاسر الإضراب، بمثابة خيانة سياسية من طرف الستالينيين.

ليس لدينا برنامج مشترك مع الاشتراكية الديمقراطية (الإصلاحيين) ولا مع قيادات النقابات العمالية الألمانية، ولا إصدارات، ولا لافتات ولا أعلام مشتركة معهم. نسير منفصلين ونضرب معا. نتفق فقط على كيف نضرب ومن نضرب ومتى. وهذا الاتفاق يمكن أن نعقده حتى مع الشيطان نفسه، أو مع جدته، بل وحتى مع نوسكه وجريزيسينكي. بشرط واحد فقط هو ألا تقيد أيدينا.

وأخيراً، من الضروي جداً وبلا أدنى تأخير تطوير برنامج عملي من الإجراءات – لا يهدف إلى مجرد “فضح” الاشتراكيين الديمقراطيين (الإصلاحيين) “أمام الشيوعيين”، وإنما يهدف إلى النضال الفعلي ضد الفاشية. ويجب أن يتناول هذا البرنامج مسألة لجان الدفاع في المصانع، وإطلاق نشاط مجالس المصانع دون عائق، وعدم تعرض منظمات العمال ومؤسساتهم إلى أي انتهاك، ومسألة الترسانات التي قد يستولي عليها الفاشيون، ومسألة الإجراءات التي يجب اتخاذها في حالات الطوارئ، أي تنسيق حركة كل من فرق الشيوعيين والاشتراكيين الديمقراطيين في النضال، إلخ، إلخ.

في النضال ضد الفاشية تحتل مجالس المصانع موقعاً شديد الأهمية، ومن الضروري هنا أن يوجد برنامج خاص ودقيق للحركة. يجب أن يتحول كل مصنع إلى قلعة في مواجهة الفاشية، لها قياداتها وكتائبها الخاصة. ومن الضروري أن يكون لدينا خريطة لمعسكرات الفاشيين ومعاقلهم في كل مدينة وفي كل حي. إن الفاشيين يحاولون فعلاً أن يحاصروا المعاقل الثورية. هؤلاء المحاصرون يجب محاصرتهم. وعلى هذا الأساس، فإن التحالف مع الاشتراكيين الديمقراطيين (الإصلاحيين) ومنظمات النقابات العمالية لا يكون مقبولاً فحسب وإنما واجب أيضاً. أن نرفض ذلك لمجرد أسباب مبدئية (وهي في الواقع أسباب ترجع إلى غباء البيروقراطية أو ما هو أسوأ من ذلك أسباب ترجع إلى الجبن) فإننا بذلك نمد مباشرة وعمداً يد المساعدة للفاشية.

لقد اقترحنا برنامجاً عملياً للتحالف مع العمال المنتمين إلى الاشتراكية الديمقراطية (الإصلاحيين) منذ فترة بعيدة في سبتمبر 1930 (أنظر مقال بعنوان تحولات الكومنترن والوضع في ألمانيا)، وتحديداً منذ عام وثلاثة أشهر. فما هي الخطوات التي اتخذتها القيادة في هذا الاتجاه؟ لا شئ تقريباً. لقد فعلت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي كل شئ ماعدا ما يعتبر مهمتها المباشرة. كم فقدنا من الوقت الثمين الذي لا يمكن تعويضه! في واقع الأمر لم يعد أمامنا وقتاً كثيراً. إن برنامج الحركة يجب أن يكون عملياً وموضوعياً بشكل واضح وموجها نحو الهدف، بدون أي من تلك “الادعاءات” الزائفة، بدون أي تحفظات، بحيث يستطيع كل عامل عادي ينتمي إلى الاشتراكيين الديمقراطيين أن يقول لنفسه إن ما يقترحه الشيوعيون لا غنى عنه في النضال ضد الفاشية. وعلى هذا الأساس، يجب علينا أن نجذب العمال المنتمين إلى الاشتراكية الديمقراطية إلينا عن طريق إعطاء المثال، وأن ننتقد قياداتهم الذين سوف يلعبون بالضرورة دوراً معرقلاً. عبر هذه الطريق فقط يكون الانتصار ممكناً.

اقتباس جيد من لينين

إن أتباع لينين في الوقت الحاضر، بل أسوأ أنصار لينين، يحبون التغطية على إخفاقهم في كل موقف يطرح نفسه عليهم عن طريق الاقتباسات – والتي تكون غالباً لا علاقة لها بالموقف. وبالنسبة للماركسيين، لا تحسم الأمور بطريق الاقتباس، ولكن عن طريق استخدام المنهج السليم. وإذا كان المنهج السليم مرشداً لك، لن تواجه صعوبة في اختيار الاقتباس الملائم. بعد أن طرحت المقارنة أعلاه مع تمرد كورنيلوف، قلت لنفسي: ربما نستطيع أن نجد عند لينين توضيحاً نظرياً لتحالفنا مع الوسطيين في النضال ضد كورنيلوف. وهذا ما وجدته فعلاً في الجزء الثاني من المجلد الرابع عشر من الطبعة الروسية لأعمال لينين، في خطاب منه إلى اللجنة المركزية كتبه في بداية سبتمبر 1917:

“حتى في الوقت الحالي، فإننا غير ملزمين بتقديم الدعم لحكومة كيرنسكي. لأن ذلك ليس موقفاً مبدئياً. هناك من يسأل: ألن نقاتل إذن ضد كورنيلوف؟ بالطبع سنقاتل. ولكن ليس ذلك نفس الموقف. فهناك حدود لذلك، فكثير من البلاشفة تجاوزوا وسقطوا في فخ “التوفيقية” وسمحوا لأنفسهم بأن يقودهم تيار الأحداث. سوف نقاتل، نحن نناضل ضد كورنيلوف ولكننا لا نؤيد كيرنسكي؛ بل إننا نكشف جوانب ضعفه. الفرق دقيق نوعاً ما، ولكنه شديد الأهمية ولا ينبغي تجاهله. فيما يتمثل التغيير في تكتيكاتنا بعد تمرد كورنيلوف؟ يتمثل في أننا ننوع أشكال نضالنا ضد كيرنسكي. وبدون التخفيف من عدائنا ضده حتى بملاحظة واحدة، وبدون أن نسحب كلمة واحدة قلناها ضده، وبدون التخلي عن مهمة الإطاحة بكيرنسكي، نقول: يجب علينا أن ندرس اللحظة. لن نقوم بإسقاط كيرنسكي الآن. نحن نتعامل مع مسألة النضال ضده بطريقة مختلفة: عن طريق توضيح ضعف كيرنسكي وتردده أمام الجماهير (التي تناضل ضد كورنيلوف).”

إننا لا نطرح موقفا مختلفا عن موقف لينين. الاستقلال الكامل للتنظيم والصحافة الشيوعية، الحرية الكاملة للشيوعيين في توجيه النقد، والأمر نفسه للاشتراكية الديمقراطية والنقابات العمالية. لا يمكن إلا لحقراء الانتهازيين أن يسمحوا بتقييد حرية الحزب الشيوعي (مثلاً، كما حدث لدى دخول الكومنتانج)، ونحن لا نعد من بين هؤلاء الانتهازيين.

لاتراجع عن نقدنا للاشتراكية الديمقراطية (الإصلاحيين). ولا نسيان لكل ما حدث. إن الحساب التاريخي الكامل، بما في ذلك حساب كارل ليبكنخت وروزا لوكسمبرج، سوف يطرح في الوقت الملائم، تماما كما فرض البلاشفة الروس في النهاية حساباً شاملاً على المناشفة والاشتراكيين الثوريين بسبب تضحيتهم بالعمال والجنود والفلاحين والتشهير بهم وسجنهم وقتلهم.

ولكننا قدمنا هذا الحساب الشامل لهم بعد شهرين من الاستفادة من تصفية الحساب الجزئية بين كيرنسكي وكورنيلوف، بين “الديمقراطيين” والفاشيين من أجل هزيمة الفاشيين هزيمة تامة وقاطعة. ولم نحقق انتصارنا إلا بفضل ذلك فقط.

وعندما تتبنى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الألماني الموقف الذي عبر عنه الاقتباس السابق من لينين، فإن موقفهم تجاه جماهير الاشتراكيين الديمقراطيين (الإصلاحيين) والمنظمات النقابية سوف يتغير فوراً: وبدلاً من المقالات والخطب التي لاتقنع إلا من هم بالفعل مقتنعون بدونها، سوف يكتشف المناضلون لغة مشتركة مع مئات الآلاف وملايين جدد من العمال.

سوف يستمر الفرز في أوساط الاشتراكيين الديمقراطيين بوتيرة متزايدة، وسوف يشعر الفاشيون فوراً بأن مهمتهم لا تتمثل في مجرد هزيمة برونينج وبراون ووايز، وإنما الدخول في مواجهة مفتوحة ضد الطبقة العاملة بأكملها. وعلى هذه الأرضية سوف يحدث فرز عميق حتماً داخل صفوف الفاشية. وهذا هو السبيل الوحيد إلى الانتصار.

ولكن من الضروري أن تتوفر الرغبة في تحقيق هذا الانتصار. ففي هذه اللحظة، يوجد من بين المسئولين الشيوعيين عدد ليس قليلاً من الوصوليين الجبناء والمنافقين الذين يحبون وظائفهم الدنيئة، ودخولهم، بل والجحور التي يختبئون فيها، وهي عزيزة عليهم. هذه المخلوقات تميل تماماً إلى أن تتقيأ العبارات والشعارات المتطرفة التي تخفي وراءها نزعة قدرية حقيرة وبائسة. يقول هؤلاء الثوريون جداً، “بدون الانتصار على الاشتراكية الديمقراطية (الإصلاحيين)، لا نستطيع النضال ضد الفاشية.” ولهذا السبب فإنهم يعدون أوراقهم للسفر.

أيها العمال الشيوعيون، أنتم مئات الآلاف، بل ملايين؛ لا يمكنكم أن تغادروا إلى أي مكان؛ لا يوجد ما يكفي من جوازات السفر من أجلكم. إذا وصلت الفاشية إلى السلطة، فسوف تمضي في طريقها فوق جماجمكم وعظامكم مثل دبابة فظيعة. إن خلاصكم في النضال بلا هوادة. ولا يمكن تحقيق الانتصار في هذا النضال إلا عبر تشكيل وحدة قتالية مع العمال الذين ينتمون للاشتراكية الديمقراطية. سارعوا أيها العمال الشيوعيون، فلم يعد أمامكم إلا قليلاً جداً من الوقت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من قلب مسيرة 6 أكتوبر بالرباط في الذكرى الأولى لطوفان الأقصى


.. كلمة مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي خلال مؤتم




.. اعتقالات ومواجهات بين الشرطة الألمانية ومتظاهرين في برلين أث


.. عوام في بحر الكلام -محمد عبد القادر: أول زيارة لـ عبد الناصر




.. من قلب مسيرة 6 أكتوبر بالرباط في الذكرى الأولى لطوفان الأقصى