الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كي لانموت

سيومي خليل

2013 / 3 / 10
الادب والفن


ليس من السهل الحديث في /عن الموت ، فنحن نموت ،ولا نرسل رسائل ، أو نكتب مذكرات ، لمن بقي من أحبتنا،تصف لهم الموت. إننا نمارس فعل الموت دون أن نكون على وعي واحد ومشترك به .

الموت الذي نعرفه جميعا، ونجهله جميعا في نفس الوقت ، الموت الذي يجعلنا غير موجودين باعتبارنا أجسادا ، ووباعتبارنا حركة ،وكلاما، وأحاسيسا ؛ هناك موت أسوا من هذا الموت .

موت نراه ، ونحسه ، وهو يقوم بمهمته في حقنا ، إنه أشبه بإجراء عملية جراحية دون تخدير ، هذا الموت أسوأ لأننا نعيه ، ومن الممكن جدا أن يصبح حياة خاصة بنا ، فهو كثيرا ما ينجح في إدماننا حتى نصبحه نفسه .

يسمون هذا الموت موتا رمزيا ، أو موتا معنويا ، أو موت الحياة داخلنا ، أو موت الحس منا / فينا ... له تسميات كثيرة إلا أن له نتيجة واحدة ؛ الإحساس بالإرهاق الشديد من ممارسة الحق في الحياة .

أرهقت من كثرة العمل ... العبارة نفسها ،مع تحوير بسيط ، تأخذ مسارات كارثية ؛ أرهقت من ممارسة الحياة ... نعم كثيرون أحسوا بتعب شديد من العيش ، ومن الحياة .

عن هذه النقطة من التعب نصل إلى الموت الرمزي ، إلى الذبول الواضح في أوراق اللحظات ،وإلى تسوس شجرة الوقت . تتحول أنفسنا إلى فعل التكرار نفسه الذي نمارسه آليا .

لقد أعطيت للزمن مهمة المضايقة ، كائن مشوه *فرنكشتاين * نحسه بجاورنا ، وعلى دراية شديدة بتفاصيل ضيقنا الذي ينتجه . كائن هو صنيعة المكننة ،وتفتيت الإنسان إلى عناصر آلية تقبل الصدأ بسرعة ، كائن صنع في مختبرات فلسفة الربح والثراء ببيع أكثر لعناصر حميميتنا ، إنه كائن ، ببساطة شديدة ،وليد فكرة الموت الداخلي والحياة الزائفة البرانية والمظهرية ...

ليست الفلسفة المادية تجسيد لهذا الكائن كما يمكن الإعتقاد من كلماتي ، بل هو تجسيد لفلسفة اللافكر ، تجسيد للعدم ؛ مادام هو موت ، وينعش الموت ، إذن فهو تجسيد لللاشيء.

للأسف الشديد يتم إماتتنا الرمزية بشرايين ضخ دماء الحياة فيها ، لأوضح أكثر ؛

سألني أحد تلامذتي سؤالا كنت قد اعتقدت أنه تم التخلص منه نهائيا ، فأسألتنا هي بنت ثقافتنا ، وأنا اعتقدت أن ثقافة هذا السؤال تم إزالتها بالكامل .

قال التلميذ :

أستاذ هل الموسيقى حلال أم حرام ؟؟؟

يا للمسكين ... في سن التاسعة عشرة ،بدأ يشعر بفعل الإماتة الرمزي .

سألته :

كيف فكرت في هذا السؤال ؟؟؟

دائما ما تكون محفزات خارجية عنا سببا في أسئلتنا .

قال التلميذ :

سمعته في أحد القنوات الدينينة .

هاكم أحد شرايين الخطيرة التي تضخ الموت الرمزي بالكثير من دماء الحياة .

الثقافة التي نتلقاها ،والمعلومات المبثوثة في جوانب وجودنا ، والتي تستعمل أفضل وسائل التقنية للحضور المباشر وغير المباشر أمام عقولنا الصغيرة ، يملكها في الأصل فرنكشتاين المسخ ، تملكها فئة من الأغنياء الأغبياء ، الذين إنتعشوا بشكل أخطبوطي من موتهم الرمزي ، والذي باتوا يعتقدونه حياة ، وينشرونه بالحديد والنار .

تأسفت للتلميذ ، رغم أني خصصت مدة طويلة للإجابة عن سؤاله ... لكن مجرد إعادته السؤال الذي سمعه في أحد القنوات الدينية ، يعني أنه تعرض لأزمة تفكير غير صحية ، أزمة بليدة / تخلق البلادة ، تحنط طرائق تفكيرنا .

ليس هذا فقط الشريان الوحيد الذي ينعش الموت ، فشريان الثقافة التي نتعلمها ، رغم أهميته الشديدة ،إلا أنه واحد من شرايين عدة ؛ لذا إختاروا ثقافتكم المحبة للحياة كي لا تموتوا باستمرار .

وأنا أخرج من الثانوية التي أدرس بها ، شاهدت تلميذات يعملن على لوحات تشكيلة .

موضوع اللوحات ؛ العنف الموجه ضد المراة .

لقد تم إرسال مذكرة وزارية سريعة بهذا الموضوع ، من أجل التحسيس بقيمة المرأة ، والتخلي عن الرؤية الدونية عنها .

أحد التلميذات تقطن بنفس الحي الذي أقطن به ، ولأني وافد جديد الى المنطقة ، وغير مقيم فيها إلا أياما من كل أسبوع ، لم انتبه للمضايقات الشديدة التي تتعرض لها عائلة التلميذة، فالعائلة كلها إناث ، أو أن ذكورها غير قادرين على مواجهة المضايقات ... كل ليلة أحد وسبت - ليلة الخمور الشعبية - يتم طرق باب منزل العائلة من طرف سكيرين ...

القصة تطول ، وهي عل كل حال واضحة ، والأمن فيها غير موجود اطلاقا . إنها قصة نسق إجتماعي يضخ شريان آخر لإحياء الإماتة فينا ؛ شريان الإختلاف ...

الإختلاف الجنسي هنا له قدسيته ، فالمرأة عليها أن تموت بسرعة لأنها مختلفة ، ولأن جسدها مثير لكبتنا ، ولأن ليونتها تذكرنا بجانبنا الضعيف .

إبتسمت وأنا أرى الفتاة ترسم لوحة تخلد فيها ذكرى تعنيف عائلتها الأنثوية ، ربما تحاول أن تصمد أمام إماتتها الرمزية .

شريان الإختلاف ، يتعدى الجنسي ؛ من يستطيع أن يقنعني أننا تخلصنا من فلسفة تقدير الأشكال الخارجية ؟؟؟

لأوضح أكثر ؛

في الحافلة شباب ناضجون ، جعلوا موضوع السخرية في لحظتهم ، احد الأفراد ضعيفي البنية ، قصيري القامة ، قبيح الشكل ... كيف سيكون الحال مع شخص قوي البنية جميل ...؟؟؟

إننا نربى على إوليات إظهار القوة والعنف على بعضنا ، فالقوي يهين الأقل قوة منه ، والأقل قوة يبحث عن الأقل منه ...حتى نصل إلى الضعيف الذي يلتجئ إلى ممارستها على نفسه ، أو على أي موضوع خارجي أضعف ... وهذا يضخ في موتنا الرمزي دم حياة جديد.

قال لي أحد الأساتذة الذين أشتغل معه ، وهنا الإلتباس القيمي يصل منتهاه ، بحكم أن المخطئ أستاذ :

هل تشتغل تلك القبيحة *الخيبة * في القاعة -كذا ...-

قلت له :

هل هذا اسمها ... فأنا جديد ولا أعرف اسمها تحديدا .

أعرف أن لدينا أحكام قيمة خاصة بنا ،لكن لنختفظ بها لأنفسنا ، كي نظهر أننا لم نمت رمزيا .

شرايين ضخ دم الحياة للموت الرمزي الذي نعيشه لا تنتهي ، بل يمكنني أن أقول إننا نموت ولا نعيش ؛

إننا نتحدث عن الجمال دون أن نعيشه ، وإن عشناه لا نتعدى تلك الصورة التي نرسمها لأنفسنا كي يقبلنا الآخرون .

نتحدث عن التكافل ،ولا نؤمن به .

نصر على أن هذا نصيبنا من المال والسعادة في الحياة ... لكننا نلعن الذيي توفر منها على الكثير .

ننتقد وضع رأس المال ، والإقتصاد في البلد ، والحكومة الفاشلة ، ونطبل في نفس الوقت للموت الذي يأتوننا به جميعا .

حكاية جميلة حدتث في أحد البوادي ، تظهر تجمع شرايين عدة لإدامة الموت الرمزي ؛

حدث زفاف فتاة جميلة على أحد الشباب الذين لم تكن تعرفهم ، فالزواج في البوادي ،وفي مناطقة كثيرة من البلد ، يحدث دون أي فترات خطوبة .

الأب لأن عنده بضاعة جميلة وممقوتة في نفس الوقت ، وهي الفتاة ، ولأنه فقير ، سيمنحها لأول مشتري .

الشاب المشتري كان مناسبا ،إذن لا ضير في إنجاح عملية البيع والشراء هاته ... فهل هناك أفضل .

بعد أقل من أسبوع تعود الفتاة ، وتقول أنها وجدت أخ الشاب هو زوجها ، أمامالشاب نفسه فقد عاد سريعا إلى عمله في مدينة آخرى ، أخ الشاب مريض عقلي ، ولا يخرج من البيت أبدا ، ولا يجيد الحديث ...

حين تم تقديم شكوى بالامر ، وجدت أوراق الزواج كلها تحمل اسم أخ الشاب ، ومعلوماته ، ورقم بطاقته، وصورته ؛ إذن هي زوجته على ذمة الأوراق المحنطة .

الأسوأ ، أن الأقاويل ، كانت تشيع على أن أب الفتاة كان يعلم بالخطة ، وشيوخ القرية ورجالها الصناديد ؛ فالفتاة كانت جميلة وكان هناك خوف من جمالها على القرية .

لاحظوا كم شريان ضخ دم الحياة في هذا الموت الرمزي الذي نحمله ؟؟؟.

هل نحتاج إلى شرطي كي يركض وراء سرقات ضميرنا ؟؟ وهل نحتاج رقيبا وحققا يبحث وراء عمليات القتل الغيلة التي تتعرض لها مبادؤنا ... هل ما زالت هناك مبادئ لم تنسف بقنابل الفسفور ؟؟؟؟.

يبقى الحال كما هو عليه غلى أن نحيا بالغعل.

يبقى الحال كما هو عليه إلى أن نعلن حربا ضد شرايين ضد دم الحياة في موتنا الرمزي .

يبقى الحال كما هو عليه إلى أن يتم الإستماع إلى تحليل وتحريم العقل والقلب ،لا تحليل وتحريم تبعة فرنكشتاين .

يبقى الحال كما هو عليه إلى أن يتم ملء فراغات وجودنا الشديدة .

كان سقراط أحد الأحياء في اليونان ، رغم أنه كان أكثرهم تعرضا للقتل اليومي المستمر .

لماذا ياسقراط كنت حيا نفي حين مات أولائك الذين كان الوجود كريما معهم .

يجيب سقراط بدهائه المعتاد :

إن أكثر مهمة علي أن أجيدها هي معرفة نفسي ، لذا كنت مشغولا بالمهمة .

ليست معرفة النفس هي المهمة، فنحن على أي حال لن نعرفها ، بل الأهم هي مهمة معرفة النفس ، الأهم هي عملية معرفة النفس ، التي نقاوم بها موتنا الرمزي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو