الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكتع مدينتي

عبد الغني سهاد

2013 / 3 / 10
الادب والفن


أكتع مدينتي
يجلس السيد بوشعيب على كرسيه الحديدي الأسود في مقهى الإخوان,,, في مدينةعمالية منجمية في مغرب واسع وغير نافع ,,,يداوم الجلوس على نفس الطاولة في نفس الركن الرطب قرب النافدة المطلة على الشارع الطويل ,يشير برأسه للناذلة الرشيقة التي تروقه بقوامها الشهي القاتل لتأتيه بطاسة من البن المظغوط بقوة البخار الحار مصحوبة بثلاث حبات من سكر وكاس ماء طويل,,, مرفوقا بسيجارتين من نوع كازا سبور ,,,بوشعيب اكتع اصلع تماما مربوع القد قوي البنية تبدو من نظراته امارات المكر والخديعة .يسوي نظارتيه الحديدية البيضاء كلما مرت الناذلة القاتلة على طاولته متأملا في القوام البهيج .
تجول بوشعيب في مدن عديدة كمعلم مناضل مطارد من مؤسسة تعليمية لاخرى .انتقل من معلم الى استاذ متقاعد.انخرط كباقي الرفاق في جل الحوانيت السياسية ذوات الطموح الثوري الجدري القومجي الجارف وانتهى به هذا التعزيب السياسي الى الركن الرطب في تلك المقهي الشعبية المشبوهة .الكل يعرف انه كان فارسا ماركسيا عتيدا في شبابه واليوم انتهى به الحال الى مجرد نصير الشباب الاسلامي العلماني الراديكالي ..قبل ماكان يسميه بوشعيب بالمؤامرة الكبرى ضد الامة كان متحمسا لاجل التضحية بالغالي والنفيس لاجل التغيير .كان معروفا عند العمال والنقابيين والمعلمين والشيوخ والمقدمين والقواد بنضاله الصعب المراس يحشد الناشئة في بعض الفترات للنهي عن منكر قدتفشى او الامر بمعروف قد تلاشى .كلما دخل المقهى مع طاقمه من المناضلين الشباب تنشب المعارك و تبدأ السجالات السياسية بين العمال وبين زعماء الحوانيت السياسية سواء من تقنيي المكتب الوطني اومن ديناصورات الطباشير المدمنين على الخوض في السياسة و معاقرة خمور القاسمي الرديئة النوع الحارة حرارة الشمس في صيف المدن المنجمية القديمة .وغالبا ما تجد الشردمة البوشعيبية نفسها متوافقها مع العملة ,,,
لكن الزمن يدور كما تدور الروج وماء الحياة في اجساد وعقول العمال والمياومين بالمدينة ,,, ...ومع الزمن تدور الاشياء والمواقف والقيم والاخلاق ,,.عشعش الصمت والسكون جنبات مقهى الاخوان وقل روادها من الطغمة السياسية المتحاربة و السيد بوشعيب لا يمل ولا يكل من حمل محفظته الجلدية الحمراء المنفوخة بالتحاضير الصفراء والبرامج السياسية الجوفاء والتقارير الايديولوجية التي تؤرخ لزمن ثوري ضاع منه ..والذي لا تزال لقطاته الهاربة تلمع في ذاكرته القوية لحظات ثم تغيب ..رفاق الامس رحلوا ..او انقرضوا كتلك الحيوانات اللاتاريخية ..الكثير منهم غيروا من جلودهم وصبغتعهم الاولى وتسلقوا الهرم الاجتماعي في غفلة من بوشعيب ومواقفه الصامدة ..يصمت بوشعيب طويلا وهو يستنفربعمق الى رئتيه دخان كازا سبور وبصره يكتسح المسافات في الشارع الطويل ...لابد ان وراء صمته سببا ما ؟
كل شيء في مدينة المعمر الفرنسي لويس جانتي المهمشة تاريخيا يعطي الانطباع ان مياها ما تدفقت تحت الجسر وان اشياء يجهلها الناس تحركت وراء الاكمات,, .فالسكتة الوجودية العميقة لسي بوشعيب هي بداية نهايته و نقطة الاصطدام بالجدار و الوصول الى قعر المتاهة ...لم يدم صمته طويلا حين اهتزت اركان المقهى دات صباح باخبار العثور على محفظته وكل ومستنداته الصفراء ,,,,
ممزقة مشتتة على سكة القطار العابر لوسط المدينة ,,, فاحتل طاولته المنزوية في الركن الرطب من مقهى الاخوان رهط من عمال المدينة ولا يابهون بغيابه او بما يقال عنه وعن حكاياته في النضال القديم ,, يهممم حشيشة ممتازة ومشروب روحي جيد,,, وحديث طويل عن الجنس الذي عشعش باحياء المدينة الصامتة فوق الانفاق المظلمة التي ضيع فيها بوشعيب الاكتع إحدى ذراعيه ,,,,
===============








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حملة هاريس: انتخبونا ولو في السر و فن


.. -أركسترا مزيكا-: احتفاء متجدد بالموسيقى العربية في أوروبا… •




.. هيفاء حسين لـ «الأيام»: فخورة بالتطور الكبير في مهرجان البحر


.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت - الشاعر حسن أبو عتمان | ا




.. الرئيس السيسي يشاهد فيلم قصير خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى