الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمل الانتاجي والعمل اللاانتاجي

حسقيل قوجمان

2013 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


العمل الانتاجي والعمل اللاانتاجي
يجري حاليا نقاش بين عدد من كتاب الحوار المتمدن حول العمل الانتاجي والعمل غير الانتاجي. لا اريد ان اشترك في هذا النقاش كطرف فيه خصوصا واني لا استطيع قراءة جميع المقالات التي تتناول هذا الموضوع وهي عديدة. اود ان اعبر عن فهمي للعمل الانتاجي بدون الاشتراك في هذه النقاشات.
العمل الانتاجي هو عمل الانسان على الطبيعة من اجل تحويل جزء منها الى مادة صالحة لاستعمال الانسان.
العمل الانتاجي وفقا لهذا التعريف هو وحدة نقيضين، الطبيعة وجزء صغير متميز منها، الطبيعة والانسان. الطبيعة حسب هذا التعريف هي الكون كله. الارض وكل محتوياتها ، الماء، الهواء، الحيوان، النبات، الشمس، وباختصار كل مكنوات الكون. بدأ العمل الانتاجي مع انفصال الانسان عن الطبيعة كجزء متميز منها بانتصاب قامته واختصاص يديه للعمل وتطور دماغه وتطور حنجرته لاخراج اصوات مفهومة.
اذا تسلق انسان شجرة تحمل ثمرا واقتطف شيئا من ثمرها فانه قام بعمل انتاجي بعمله على الطبيعة، تسلق الشجرة، وحول الثمرة الموجودة على الشجرة الى مادة صالحة لاستعمال الانسان، اكلها.
اذا طارد الانسان حيوانا لغرض اصطياده فانه يقوم بعمل على الطبيعة بمطاردته للحيوان ويحول جزءا من الطبيعة، الحيوان، الى مادة صالحة لاستعمال الانسان، اكلها. واذا دجن الانسان حيوانا فانه يقوم بعمل على الطبيعة، الحيوان الوحشي، وتحويله الى مادة صالحة لاستعمال الانسان، مساعدا له في عمله على الطبيعة.
واذا استخرج الانسان خام الحديد من باطن الارض وحصل على الحديد وصهره وصنع منه منجلا فانه عمل على الطبيعة وانتج مادة صالحة لاستعمال الانسان.
كان العمل الانتاجي منذ البداية وحدة عمل الانسان مع الطبيعة وما زال وسيبقى كذلك مهما تطور الانسان وما دام الانسان جزءا متميزا من الطبيعة ومهما اختلف النظام الاجتماعي الذي يعيشه الانسان.
وينص التعريف على انه انتاج مادة تصلح لاستعمال الانسان وليس تصلح لاستعماله لان المادة التي ينتجها الانسان ليس من الضروري ان تصلح لاستعماله هو بل قد تصلح لاستعمال انسان غير منتجها.
وينص التعريف على ان المادة الناتجة عن العمل الانتاجي تصلح لاستعمال الانسان ولا تنص على انها تكون مفيدة له. فان المادة الناتجة عن العمل الانتاجي تكون صالحة لاستعمال الانسان وليس من الضرورة ان تكون مفيدة له. فقد تكون مفيدة له او تكون مضرة له من ناحية اخرى. ان انتاج القنبلة الذرية ينتج مادة صالحة لاستعمال الانسان ولكنه لا ينتج مادة مفيدة للانسان.
ان نتاج العمل الانتاجي هو في كل الاحوال مادة صالحة لاستعمال الانسان ويجري التعبير عن ذلك بان نتاج العملية الانتاجية هو قيمة استعمالية.
ان كل عملية انتاجية لابد ان يستغرق انجازها مدة زمنية سواء اكانت دقيقة واحدة او يوما او سنة. ويجري التعبير عن ذلك بان نتاج كل عملية انتاجية هو قيمة. معنى قيمة هنا هو ان انتاج المادة التي تنتج عن العملية تستغرق مدة زمنية.
ولذلك فان نتاج اية عملية انتاجية هو في الوقت ذاته قيمة استعمالية، بمعنى انها مادة صالحة لاستعمال الانسان، وقيمة، بمعنى ان العملية تستغرق مدة زمنية معينة.
يلاحظ القارئ انني لم اتحدث هنا عن قيمة تبادلية. فان نتاج العمل الانتاجي هو دائما وحدة قيمة وقيمة استعمالية، صفتان يحتويهما النتاج في جميع الاحوال، اما القيمة التبادلية فليست صفة يحتويها نتاج العملية الانتاجية بل هي صفة تحتويها مادة اخرى، صفة يحتويها نتاج اخر تعبر عن معادلتها لقيمة النتاج موضوع البحث. القيمة التبادلية هي كالمرآة تعكس صورة قيمة نتاج عملية الانتاج. ولكن القيمة التبادلية هي حالة خاصة مقتصرة على فترة الانتاج السلعي.
ان تبادل الانتاج يجري حين يكون نتاج عملية الانتاج صالحا لاستعمال غير منتجه. في هذه الحالة يحتاج المنتج الى تبادل انتاجه مع شخص اخر يحتاج الى استعمال انتاجه. فترة التداول السلعي هي فترة مؤقتة وليست صفة دائمة للعمل الانتاجي. فترة الانتاج السلعي التي فيها تحتاج السلعة الى قيمة تبادلية منفصلة عنها تعبر عن القيمة التي تحتويها هي فترة محدودة بوجود نظام التبادل السلعي.
طالما كان نتاج عملية الانتاج ينتج من اجل استعمال منتجه او الجماعة التي ينتمي اليها لا يكون نتاجه سلعة ولا توجد ثمة حاجة الى قيمة تبادلية تعبر عن القيمة التي يحتويها نتاجه. لكن فترة الانتاج السلعي هي فترة مؤقتة في تاريخ الانتاج الانساني طالت ام قصرت. فطالما كان الانتاج صالحا لاستعمال الجماعة المنتجة له لم يكن ثمة انتاج سلعي. والاتجاه الحتمي لتطور قوى الانتاج هو زوال الانتاج السلعي. وبينما كان الانتاج في بداية وجود الانسان على الكرة الارضية نتاجا صالحا لاستعمال الجماعة فان الانتاج بعد زوال الانتاج السلعي هو نتاج صالح لاستعمال الجماعة ولكن الجماعة في هذه الحالة ليست جماعة صغيرة تتالف من مجموعة صغيرة من البشر بل الجماعة في هذه الحالة من تطور قوى الانتاج هي مجتمع كامل بكل ملايينه، المجتمع الشيوعي. في المجتمع الشيوعي يكون كل انسان شيوعي عاملا انتاجيا وتكون الثروات كلها ملكا للمجتمع الشيوعي كله.
بما ان كل عملية انتاجية يقوم بها الانسان هي تحويل جزء من الطبيعة الى مادة صالحة لاستعمال الانسان فهذا يعني ان الانسان في كل عملية كهذه يضيف شيئا الى الثروة الاجتماعية. وعلى هذا الاساس فان مجموع نتاج العمليات الانتاجية في اية فترة زمنية معينة هو مجموع الثروة الاجتماعية المضافة الى الثروة الانسانية القائمة. وان مجموع الثروات الاجتماعية القائمة في العالم كله هو نتاج عمليات انتاجية اذ لا توجد في العالم ذرة ثروة اجتماعية ليست نتاج عملية انتاجية.
الا ان الثروات الاجتماعية ليست ثابتة بل هي دائمة التغير. فان عمل الانسان المنتج على الطبيعة يخلق ثروات جديدة تضاف الى الثروات الاجتماعية في العالم.
ومن الناحية الثانية فان الانسان حين يستعمل المادة المنتجة يستهلكها اي يعيد جزءا منها الى الطبيعة. فحين يستهلك الانسان المواد الغذائية يكتسب جزأها المنمي له وينفث ما لا يكتسبه منها على شكل افرازات تعود الى الطبيعة.
حين تلقي الولايات المتحدة قنبلتها الذرية على هيروشيما وناكازاكي تعيد القنبلة الذرية التي انتجها الانسان الى الطبيعة وفي الوقت ذاته تعيد هيروشيما وناكازاكي بما عليها من مادة بمن فيها المادة البشرية الى الطبيعة.
فالثروات الاجتماعية اذن تتغير سلبا وايجابا على الدوام. ولكن ملكية الزيادة في الثروات الاجتماعية لا تعود الى منتجيها فقط بل تضاف الى مجموع الثروات الانسانية. وكذلك لا يقتصر استهلاك الثروات الاجتماعية على منتجيها بل يشمل المجتمع الانساني.
ان تطور قوى الانتاج يؤدي حتما الى وجود فترة من تاريخ المجتمع الانساني تنقسم البشرية فيه الى طبقات مختلفة والى بشر يقومون بالعمل على الطبيعة وانتاج مواد صالحة لاستعمال الانسان والى بشر لا يعمل على الطبيعة ولا ينتج منها شيئا صالحا لاستعمال الانسان.
وما يحصل في المجتمعات الطبقية على اشكالها هو ان ملكية ما ينتجه الانسان العامل على الطبيعة ويضيفه الى الثروات الاجتماعية لا تمتلكه الطبقات المنتجة له بل تغتصب ملكيته من قبل طبقات لا تعمل على انتاج شيء يضاف الى الثروات الاجتماعية.
ان ظاهرة تملك الطبقات المستغلة لانتاج الطبقات الكادحة في المجتمعات الطبقية ظاهرة ثابتة لا يمكن تغييرها الا بالقضاء على انقسام المجتمع الى طبقات. ولا معنى في المجتمع الطبقي لكافة الشعارات الرنانة التي تثار في المجتمع في هذه الفترة. لا معنى للدستور والقوانين والمساواة امام القانون والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان ومساواة المراة بالرجل ورعاية الاطفال وازالة البطالة والفقر والجهل والمرض لانها لا تغير من واقع اغتصاب الطبقات المستغلة لانتاج الطبقات الكادحة شيئا.
العمل المنتج هو دائما عمل انساني مرتبط بالطبيعة، عمل يبذله الانسان على الطبيعة من اجل تحويل جزء منها الى مادة صالحة لاستعمال الانسان. كل عمل اخر لا يكون اتحادا للعمل الانساني على الطبيعة هو عمل غير انتاجي. وكل المهن الاخرى مهما كان نوعها ومهما اختلفت ارباحها هي عمليات غير انتاجية. وكل البشر غير العاملين على الطبيعة من الملوك والعاهرات والرؤساء الدينيين والمهن الخدمية والمهن التي تبلغ ارباحها اضعاف ارباح الانسان العامل على الطبيعة كلاعبي كرة القدم ولاعبي السنوكر والرياضيين والمحامين والاطباء والعلماء والفنانين والجنود والشرطة والقضاة وغيرها من المهن الخدمية تتحقق ارباحهم بصور اخرى. من اين تاتي دخول وارباح هذه المهن غير الانتاجية موضوع اخر ينبغي مناقشته وتحليله ولعلي استطيع مناقشته في مقال قادم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماركسية القرن الحادي والعشرين
يعقوب ابراهامي ( 2013 / 3 / 11 - 15:17 )
يقول حسقيل قوجمان : ولا معنى في المجتمع الطبقي لكافة الشعارات الرنانة التي تثار في المجتمع في هذه الفترة. لا معنى للدستور والقوانين والمساواة امام القانون والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان ومساواة المراة بالرجل ورعاية الاطفال وازالة البطالة والفقر والجهل والمرض لانها لا تغير من واقع اغتصاب الطبقات المستغلة لانتاج الطبقات الكادحة شيئا
شعارات رنانة! أو كما كان يقول معمر القذافي: ثورة! ثورة! وليس سلمية! سلمية


2 - ماركس والعمل المنتج
زينة محمد ( 2013 / 3 / 11 - 15:18 )
اذا راجعنا تعريف ماركس للعمل المنتج فهو يناقض تعريفكم يا رفيق. لقد نشر الحوار النص قبل ايام ليست ببعيدة!


3 - أين تعمل العاهرات؟
يعقوب ابراهامي ( 2013 / 3 / 11 - 16:15 )
يقول حسقيل قوجمان: وكل البشر غير العاملين على الطبيعة من الملوك والعاهرات
سؤالي هو: أين تعمل العاهرات إن لم يكن على الطبيعة؟


4 - مفهوم ذاتي
عبد الحسين سلمان ( 2013 / 3 / 11 - 16:25 )
تحية حب وتقدير للاستاذ قوجمان
أن كان الهدف من هذا المقال , تعريف القارئ الكريم بمفهوم :إنتاج : عمل منتج عمل غير منتج ....Production, productive unproductive
من وجهة نظر الاستاذ الكريم , فله الحق كل الحق, لكن إن كان حسب مفهوم ماركس حول الإنتاج , فهو بعيد بعد السماء عن الارض, ولا يمت بصلة لمفهوم ماركس...إن كانت صحتي اللعينة تسمح..سوف أنشر مقالاً مفصلاً عن :إنتاج : عمل منتج عمل غير منتج ....Production, productive unproductive
مع احترامي وتقديري للأستاذ قوجمان


5 - اسناذ ابراهامى
على عجيل منهل ( 2013 / 3 / 11 - 17:16 )
كما يقول الاستاذ قوجمان اذا-- تسلق انسان شجرة- تحمل ثمرا واقتطف شيئا من ثمرها فانه قام
بعمل انتاجى
الانسان لايتسلق الاشجار فقط يتسلق النخيل وباقى الاشجار يأخذ ثمرها وهو فى الارض وهل يتسلق اشجار التفاح والبرتقال والرمان والمشمش والتين والزيتون- والقرد والقرود تتسلق الاشجار واذا- جمع قوته- من الثمار وباع محصوله- وليس قطف من ثمرها -اعتبر انتاجا

اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا